«السعودية»
في الطور الأخير من عُمرها
بداية العدّ العكسي لنهاية التحالف السعودي - الوهّابي
ــــــــــــــــــــ
موفق محادين* ــــــــــــــــــــ
يعود السعوديون إلى فرع
المساليخ من قبيلة عنزة، التي تضمّ أيضا آل الصباح وآل خليفة، وكان السعوديون
يتحرّكون (حسب رواية أمين الريحاني) بين أطراف خيْبر (الحصن اليهودي القديم) وبين
بلدة التمر على الفرات الأوسط في العراق، وكانت بلدة غنية بالكنائس القديمة...
وقد مرت السعودية بثلاثة
أدوار أو مراحل، ولعلّها كانت ترنو إلى دور أو مرحلة رابعة من التوسّع السياسي
المحمول بالايديولوجيا الوهّابية، لكن الأمور لا تبدو كذلك إن لم تكن أنها دخلت
طوراً مُضاداً تماماً، إذا صحّت التسريبات الأخيرة عن تقسيم للسعودية بين سلطتين،
دينية وزمنية:
* ترافق الدور الأول في النصف الثاني من
القرن الثامن عشر، مع اتفاق المحمّدَين، الشيخ والأمير، محمّد بن عبد الوهاب ومحمّد
بن سعود، ومع صعود الدرعية في قلب نجد، وقيل حينها أن الوهّابية اختراع بريطاني
لوراثة العثمانيين، حيث كلّف السلطان العثماني محمّد علي باشا، حاكم مصر، بقمْع
هذا المشروع، وهو ما حصل فعلاً على يد إبراهيم باشا وحمْلته التي داهمت الدرعية
ودمّرتها واعتقلت أميرها، عبد الله، وأرسلته إلى إسطنبول حيث أُعدِم في ميدان
الخيل.
* في معارك مع آل رشيد المدعومين من تركيا،
فشل السعوديون بزعامة الأمير تركي بإقامة الدولة، للمرة الثانية، وكان ذلك في
نهاية القرن التاسع عشر.
* في المرة الثالثة، وفي ظروف دولية وإقليمية
جديدة، أبرزها صعود الاستعمار البريطاني الذي كان يتربّص بالدولة العثمانية
لوراثتها، تمكّن عبد العزيز آل سعود وبدعم بريطاني من تكريس الدولة السعودية
وهزيمة خصومها المحلّيين واحداً بعد الآخر، آل رشيد في معركة روضة مهنا 1906،
والأشراف بعد معركة تربة 1919، والأدارسة في عسير بالإضافة إلى السيطرة على
الإحساء، مركز النفط والتشيّع.
وقد ترافقت هذه المرحلة
مع فورة النفط السعودية ومع حضور قوي للأميركان وشركة آرامكو في المملكة، وذلك في
سلسلة من المحطّات الفاصِلة:
- المحطّة الأولى، لقاء الملك عبد العزيز مع روزفلت
على ظهر الطرّاد كوين سي 1945.
- المحطّة الثانية، لقاء الأمير فيصل مع
كينيدي 1962 حيث انتهى بإزاحة الملك سعود وتعيين فيصل ملكاً قاد حملة واسعة ضدّ
الناصريّة واليسار العربي والعالمي.
- المحطّة الثالثة، ما عُرِف بصفقة جيكور أو
سياسة البترودولار التي أعقبت حرب تشرين 1973 وقفزة أسعار النفط، وقد حملت مجموعة
تحوّلات داخل الحُكم كرّست الأمير فهد ملكاً وخاصة بعد أول (مُبادرة سلام) مع (إسرائيل)
عام 1982، كما ارتبطت هذه المحطّة بتمويل ودعم السعودية (للجهاد الأميركي) في
أفغانستان.
- المحطّة الرابعة، محطّة أو لقاء ترامب –
سلمان وصفقة القرن والأسلحة الشهيرة التي نجمت عنها.
بقدْر ما خسرت السعودية
بسقوط الشاه صديقاً قوياً، بقدْر ما راحت أحلام بناء مرحلة جديدة من أطوار الدولة
تُراود بعض الأوساط السعودية ... وقد تقاطعت هذه الأحلام مع سيناريوهات أميركية
بدأت مع صفقة (جيكور) المذكورة، وبلغت أوجها في السنوات الأخيرة من التصعيد
العسكري ضدّ اليمن ومن أوهام تغيير الخرائط والسياسات في سوريا والعراق.
بيْد أن المسائل راحت
تنقلب الواحدة بعد الأخرى وتتحوّل إلى عبء على السعودية، التي وجدت نفسها أمام
تحديات جديدة لا تكتفي بوقف أحلام الدور الرابع، بل إلى ما هو أسوأ من ذلك، ومن
قِبَل أطراف دولية واقليمية ومحلية، من عائلة المصالح نفسها:
* أميركياً، استعادت أوساط فيها خرائط
التقسيم القديمة الجديدة، التي تطال الجميع بما في ذلك السعودية (خارطة برنار
لويس) رابطةً ذلك بكلام حول الإرهاب والتعويض (قانون جاستا).
* خليجياً، عبر انفجار الأزمة الأخيرة
وانعكاساتها على كل أزمات المنطقة وموقع السعودية فيها.
* اقليمياً، بعلاقات سيّئة مع إيران وعلاقات
(باردة) مع تركيا التي راحت تُقدّم نفسها كممثّل لأهل السّنة، فضلاً عن علاقاتها
القوية مع قطر ..
* والأسوأ من كل ذلك التسريبات المتواصلة عن
علاقات واتصالات مع تل أبيب.
* داخلياً، عبر حلقتين من حلقات الأزمة:
- الأولى، إشكالية
العلاقة مع الرافِعة الأيديولوجية، وهي الرافِعة الوهّابية وحرب الترويض
المُتبادَلة بين العائلة، والايديولوجيا من معركة السبلة 1929 إلى حادثة مكّة 1979
وإعدام جهيمان العتيبي، إلى تداعيات الضغوط الدولية في ما يخصّ الإرهاب ومكافحته.
- أما الحلقة الثانية، فهي حلقة تغيير
التوريث من الأخوة إلى الأبناء، فضلاً عن حكاية الأخوة السبعة السديرية، وتداعيات
الصراع المُحتمل بين أنجالهم وأنجال الأخوة الآخرين.
وقد تقاطعت كلّ هذه
الاعتبارات مع استراتيجية أميركية دولية تنسجم مع تحوّلات العولمة وفرْض شكل جديد
من السلطة على العالم، هو الفدراليات اللامركزية.
هكذا، دخلت السعودية في
حسابات جديدة قد تؤدّي إلى تقسيمها إلى فدرالية إمارات بصورة ناعمة، تتضمّن مقاطعة
أو إدارة دينية على غِرار اتفاقية لاتران، التي قد تدفع إلى الواجهة الدولية في
أكثر من مكان. وهي الاتفاقية التي وقّعها الرئيس الإيطالي، موسوليني مع بابا
الفاتيكان 1929 وتم فيها الاتفاق على إقامة إدارتين على الأرض الإيطالية، إدارة
زمنية برئاسة موسوليني وإدارة دينية (الفاتيكان) برئاسة البابا، وتضمّ كرادلة
يُمثّلون الكنائس الكاثوليكية في كل العالم.
إلى ذلك، يمكن قراءة
التسريبات الأخيرة حول إعلان مكّة كإمارة دينية إلى جانب سلطة سياسية في الرياض
تبتعد بالتدرّج عن ضغوطات رجال الدين المُتشدّدين وتُحجّم نفوذهم التقليدي، وتُطلق
العد العكسي لنهاية المرجعية التاريخية التي قامت عليها الدولة السعودية وشكّلت
الغطاء الأيدولوجي لتوسّعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب ومحلل سياسي أردني/ نقلاً عن الميادين
نت