«.. فبذلك أمرَنا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم»
سجود الإمام الصادق عليه السلام
§
الشيخ
داود الربيعي
من
صفات أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّهم (الأَدِلّاءُ عَلَى اللهِ تَعالى)
كما في بعض الزيارات الجامعة، ومن دلالتهم على سبيل مرضاته عزّ وجلّ تعليمهم الناسَ
أدب الخضوع والخشوع وحُسن العبادة قولاً وعملاً. ومن ذلك ما أُثر عن الإمام الصادق
عليه السلام من وصاياه ومواعظه في أدب السجود، وبعض أحواله صلوات الله عليه في هذه
السنّة الحميدة.
«شعائر»
* «..عن مرازم، عن أبي عبد
الله الصادق عليه السّلام، قال: سَجْدَةُ الشُّكرِ.. تُتِمُّ بها صلاتَكَ، وتُرضِي
بِها رَبَّك، وتَعْجَبُ الملائكةُ منكَ، وإنَّ العَبدَ إذا صلَّى ثمَّ سَجَدَ سَجدةَ
الشّكرِ فَتَحَ الرّبُّ تعالى الحِجابَ بَينَ العبدِ وبينَ المَلائكةِ، فيقولُ: يا
ملائكَتي انظُروا إلى عَبْدي، أدَّى فَرضِي وأَتَمَّ عَهدي، ثمَّ سَجَد لي شُكراً على
ما أَنعَمْتُ بِهِ عليهِ، ملائكَتي مَاذا لَهُ عِندي؟ فتَقولُ المَلائكةُ: يا ربَّنا
رَحمَتُك.
ثمَّ يقول الرّبّ تعالى:
ثمَّ ماذا له؟ فتقولُ الملائكةُ: يا ربَّنا جنّتُك.
فيقول الرّبّ تعالى: ثمَّ
ماذا؟ فتقولُ الملائكةُ: ربّنا كفايةُ مُهِمِّه.
فيقول الربّ: ثمَّ ماذا؟
فلا يبقى شيءٌ من الخَيرِ إلَّا قالتْهُ الملائكةُ.
فيقولُ الله تعالى: يا ملائِكتي
ثمَّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربَّنا لا عِلْمَ لنا.
فيقول الله تعالى: لأَشكُرَنَّهُ
كما شَكَرنِي، وأُقبِلُ إليهِ بِفَضلي، وأُريه رَحمَتي».
(العلامة
الحلّي، منتهى المطلب: 5/246)
* «روى الكلينيّ، عن الحلبيّ، عن أبي عبد
الله (الصادق) عليه السلام، قال: إِذَا سَجَدْتَ فَكَبِّرْ، وقُلْ: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، ولكَ أَسْلَمْتُ،
وعَليكَ تَوَكَّلْتُ، وأنتَ رَبِّي. سَجَدَ وَجْهِي لِلّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ
وبَصَرَهُ، الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، تَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقينَ).
ثمّ قل: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وبِحَمْدِه)، ثلاث
مرّات.
فإذا رفَعتَ رأسَكَ، فقُل
بين السّجدَتَين: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي
وأَجِرْنِي وادْفَعْ عَنِّي، إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ».
(الكافي: 3/321، ح 1 باب السجود والتسبيح
والدعاء)
* «عن الحسن بن زياد،
قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السّلام يَقولُ وهو ساجدٌ: اللّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ الرّاحَةَ عِندَ المَوْتِ، والرّاحَةَ
(والأمنَ) عِندَ الحِسابِ».
(مستدرك الوسائل: 4/463، ح 5168)
* «عن سعيد بن يسار، قال: سَمِعْتُ أبا عَبد
الله عليه السّلام، يَقولُ وهو ساجِدٌ: سَجَدَ وَجهِي
اللّئِيمُ، لِوَجْهِ رَبِّي الكَريم».
(مستدرك
الوسائل: 4/463، ح 5169)
* «عن مُفَضَّل بنِ عُمر، قال: أَتَيْنَا بَابَ
أَبِي عَبْدِ الله عليه السّلامُ ونَحْنُ نُرِيدُ الإِذْنَ عَلَيْه، فَسَمِعْنَاه
يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيسَ بِالعربِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّه بِالسّريانِيَّةِ.
ثُمَّ بَكَى فَبَكَيْنَا لِبُكَائِه، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا الغُلَامُ فَأَذِنَ لنَا
فَدَخَلْنَا عَلَيْه، فقلتُ: أَصلَحَكَ الله، أَتَيْنَاكَ نُرِيدُ الإِذْنَ عَلَيْكَ
فَسَمِعْنَاكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَتَوَهَّمْنَا أَنَّه
بِالسّرْيَانِيَّةِ، ثمَّ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِكَ.
فقالَ عليه السّلام: نَعَمْ
ذَكَرتُ إِليَاسَ النّبِيَّ وكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَنبِيَاءِ بَني إِسْرَائِيلَ،
فَقُلْتُ كَمَا كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِه.
ثمَّ اندَفَعَ فِيه بِالسّرْيَانِيَّةِ...
ثُمَّ فَسَّرَه لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فقالَ عليه السّلام: كَانَ يَقُولُ فِي
سُجُودِه: (أتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ
هَوَاجِرِي، أتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ عَفَّرْتُ لَكَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي، أتُرَاكَ
مُعَذِّبِي وقَدِ اجْتَنَبْتُ لَكَ المَعَاصِيَ، أَتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ أَسْهَرْتُ
لَكَ لَيْلِي).
قال عليه السلام: فَأَوْحى
اللهُ إلَيه أَنِ ارْفَعْ رَأسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ.
قال: إِنْ قُلْتَ: لَا أُعَذِّبُكَ
ثُمَّ عَذَّبْتَنِي مَاذَا؟ ألَسْتُ عَبْدَكَ وأَنْتَ رَبِّي؟
قال: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْه
أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ، إِنِّي إِذَا وَعَدْتُ وَعْداً
وَفَيْتُ بِه».
(الكافي:
1/227-228، ح 2 باب 34 كتاب الحجة)
* من وصاياه عليه السلام لأصحابه، ما رواه
اسماعيل بن عمّار، قال: «قال لي أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام: أُوصِيكَ بِتَقوَى
اللهِ والوَرَعِ، وصِدْقِ الحَدِيثِ، وأَداءِ الأمانَةِ، وَحُسْنِ الجِوارِ، وَكثرَةِ
السُّجودِ، فَبِذَلكَ أَمَرَنا مُحَمّدٌ صَلّى الله عَليهِ وآلِهِ وَسَلّم».
(الطبرسي،
مشكاة الأنوار: ص132، ح 302)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
من كتاب (السجود، مفهومه وآدابه والتربة الحسينية)
صفات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
للفقهاء حديثٌ عن صفات النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهم
يذكرون الصفات التكوينية والصفات الفقهية. ونحن نذكر الآن الصفات التكوينية. قال
صاحب (الجواهر): «حتى إنّه أفردها بعضهم بالتنصيف في كتاب ضخم». أقول: فمنها:
أنّه تنامُ عينه ولا ينام قلبه. وأنّه كان يُبصر وراءه
كما يبصر أمامه.
وتفضيل زوجاته على غيرهنّ، فإنّه جعل ثوابهنّ وعقابهنّ
على الضّعف من غيرهنّ. وجعلهنّ أمّهات المؤمنين. وحرّم أن يسألنَ (شيئاً) إلّا من
وراء حجاب.
وأنّه خاتَم النبيّين. وأمّته خيرُ الأمم. ونسخ بشريعته
جميع الشرائع السابقة. وجعلها مؤيّدة إلى يوم القيامة.
وجعل كتابه معجزاً، في حين لم تكن الكتب السابقة كذلك. ومعجزة
كتابه باقية إلى يوم القيامة. ومحفوظة عن التبديل والتغيير.
ونصره بالرعب على مسيرة شهر. وشفّعه في أهل الكبائر من
أمّته. وجعله أوّل شافعٍ وأوّل مشفّع.
وجعله سيّد ولد آدم إلى يوم القيامة.
وأوّل مَن تنشقّ عنه الأرض يوم البعث. وأوّل مَن يقرع
باب الجنة. وأكثر الأنبياء تبعاً. وأوّل مَن قال: «بلى» في الميثاق، ثمّ الأمثل
فالأمثل.
وجعل تطوّعه قاعداً كتطوّعه قائماً من غير عذر. ويحرم على
غيره رفع صوته عليه. ويحرم مناداته من وراء الحُجرات. وجعل له مخاطبة المصلّي له
بقوله: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.
فهذه أربع وعشرون صفة ذكرها الفقهاء، ممّا استفادوه من
الكتاب الكريم والسنّة الشريفة.
(السيد
محمّد الصدر، ما وراء الفقه، ص 62، مختصر)