..
مَن ماتَ على حُبِّ آل محمّدٍ ماتَ على السُّنّةِ والجماعة
الدعاء لهم منصبٌ عظيم وخاتمة التشهّد في
الصلاة
ــــــــــــــــــــــــــ
فخر الدين الرازي ــــــــــــــــــــــــــ
نقل صاحب (الكشّاف) – أي
الزمخشري - عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنّه قال:
«مَنْ ماتَ على حُبِّ آلِ
مُحمّدٍ ماتَ شَهيداً.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ ماتَ مَغفوراً لَهُ.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ ماتَ تائباً.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ ماتَ مؤمناً مُستَكمِل الإيمان.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ بَشّرَهُ مَلَكُ المَوتِ بِالجَنّةِ، ثمّ مُنكَرٌ ونكيرٌ.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ يُزَفُّ إلى الجنّةِ كما تُزَفُّ العروسُ إلى بيتِ زَوجِها.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ فُتح لهُ في قَبرِهِ بابان إلى الجنّة.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ جَعَلَ اللهُ قبرَهُ مَزارَ مَلائكةِ الرّحمة.
أَلَا ومَنْ ماتَ على حُبِّ
آلِ مُحمّدٍ ماتَ على السُّنّةِ والجماعةِ.
أَلَا ومَنْ ماتَ على بُغْضِ
آلِ مُحمّدٍ جاءَ يومَ القِيامةِ مكتوباً بين عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِن رحمةِ الله.
أَلَا ومَنْ ماتَ على بُغْضِ
آلِ مُحمّدٍ ماتَ كافراً.
أَلَا ومَنْ ماتَ على بُغْضِ
آلِ مُحمّدٍ لمْ يَشمّ رائِحةَ الجنّة».
هذا هو الذي رواه صاحب (الكشاف)،
وأنا أقول:
«آل محمّد صلّى الله
عليه [وآله] وسلّم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ مَن كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل
كانوا هم الآل، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين [عليهم السلام] كان
التعلّق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أشدّ التعلقات، وهذا
كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم (الآل).
وأيضاً اختلف الناس في (الآل)؛
فقيل: هم الأقارب. وقيل: هم أمّته.
فإنْ حملناه على القرابة
فهم – أي أصحاب الكساء - الآل، وإن حملناه على الأمّة الذين قبلوا دعوته، فهُم
أيضاً (آل). فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل.
وأمّا غيرهم فهل يدخلون
تحت لفظ الآل؟ فمختلفٌ فيه. روى صاحب (الكشّاف) أنّه لمّا نزلت هذه الآية – آية
المودّة في القُربى - قيل: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟
فقال: (عليٌّ وفاطمةُ
وابناهما)، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.
وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم. ويدلّ عليه وجوه:
الأول:
قوله تعالى: ﴿..إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23،
ووجه الاستدلال به ما سبق.
الثاني:
لا شكّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كان يحبّ فاطمة [عليها السلام].
قال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: (فاطمة بضعةٌ منّي يُؤذيني ما يُؤذيها).
وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنّه كان يحبّ عليّاً
والحسن والحسين [عليهم السلام]، وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأمّة مثلُه، لقوله: ﴿ وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ..﴾ الأعراف: 158،
ولقوله تعالى: ﴿..فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ..﴾ النور:63،
ولقوله ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..﴾
آل عمران:31، ولقوله سبحانه
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..﴾ الأحزاب:21.
الثالث:
أنّ الدعاء للآل منصبٌ عظيم، ولذلك جُعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة، وهو
قوله: (اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّدٍ، وارحَم محمّداً وآلَ مُحمّدٍ)،
وهذا التعظيم لم يُوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّدٍ واجب..».
(تفسير
الرازي: 27/165-166)
***
مَن
أسدى إلى أخيه معروفاً أو نفّس عنه كُربة
«من كتاب (قضاء حقوق
المؤمنين) لأبي علي بن طاهر الصوري، بإسناده عن رجلٍ من أهل الريّ، قال: وُلّي
علينا بعضُ كتّاب يحيى بن خالد، وكان عليَّ بقايا يطالبني بها، وخفتُ من إلزامي
إياها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: إنّه ينتحلُ هذا المذهب، فخفتُ أن أمضي إليه فلا
يكون كذلك، فأقع في ما لا أحبّ، فاجتمع رأيي على أنّي هربت إلى الله تعالى وحججتُ
ولقيتُ مولاي الصابر - يعني موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام - فشكوتُ حالي إليه،
فأصحَبني مكتوباً نسختُه:
(بسم الله الرحمن الرحيم،
اعلَمْ أنّ للهِ تحتَ عرشِه ظلّاً لا يسكنُهُ إلّا مَن أَسدى إلى أخيهِ مَعروفاً،
أو نَفَّسَ عنه كُربَةً، أو أَدخَلَ على قلبِهِ سُروراً، وهذا أخوكَ. والسّلام).
قال: فعدتُ من الحجّ إلى
بلدي، ومضيتُ إلى الرجل ليلاً، واستأذنتُ عليه، وقلت: رسول الصابر عليه السلام،
فخرج إليّ حافياً ماشياً، ففتح لي بابَه، وقبَّلَني وضمَّني إليه، وجعل يُقبِّلُ
بين عينيّ، ويكرّر ذلك كلّما سألني عن رؤيته عليه السلام، وكلّما أخبرته بسلامته
وصلاح أحواله، استبشر وشَكَر الله. ثمّ أدخلني داره، وصدّرني في مجلسه، وجلس بين
يديّ، فأخرجتُ إليه كتابه عليه السلام، فقبّله قائماً وقرأه، ثمّ استدعى بماله
وثيابه، فقاسمَني ديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، وثوباً ثوباً، وأعطاني قيمة ما
لم يمكن قِسمتُه، وفي كلّ شيءٍ من ذلك يقول: يا أخي هل سَرَرتُك؟
فأقول: إي والله، وزدتَ
على السرور، ثمّ استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي وأعطاني براءة ممّا يتوجّه عليّ
منه، وودّعته، وانصرفتُ عنه.
فقلت: لا أقدر على
مكافاة هذا الرجل إلّا بأن أحجّ في قابل وأدعوَ له، وألقى الصابرَ عليه السلام وأعرّفه
فعله، ففعلتُ ولقيت مولاي الصابر عليه السلام وجعلت أحدّثه ووجهه يتهلّل فرحاً،
فقلت: يا مولاي هل سرَّك ذلك؟
فقال: إي والله، لقد
سَرَّني وسَرَّ أميرَ المؤمنين، واللهِ لقد سَرَّ جدِّي رَسولَ الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم، ولقد سَرَّ اللهَ تعالى».
(المجلسي، بحار الأنوار، ج48/174)