القرآن الكريم، المرسِل، والرسول، والمرسَل إليه
اِعلم أيّها العزيز أنّ عظمة كلّ كلامٍ وكلّ كتابٍ إمّا بعظمة متكلّمه
وكاتبه، وإمّا بعظمة المرسَل إليه وحامله، وإمّا بعظمة حافظه وحارسه، وإمّا بعظمة
شارحه ومبيّنه، وإمّا بعظمة وقت إرساله وكيفيّة إرساله.
* أمّا عظمة متكلّمه ومُنشئه وصاحبه،
فهو العظيم المطلق الذي، جميع أنواع العظمة المتصوَّرة في المُلك والملكوت، وجميع
أنواع القدرة النازلة في الغيب والشهادة، رشحة من تجلّيات عظمة فعل تلك الذات
المقدّسة، ولا يمكن أن يتجلّى الحقّ تعالى بالعظمة لأحدٍ، وإنّما يتجلّى بها من
وراء آلاف الحجب والسرادقات. ".."
* وأمّا عظمة رسول الوحي وواسطة
الإيصال، فهو جبرائيل الأمين والروح الأعظم الذي يتّصل بذاك الروح الأعظم الرسول
الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد خروجه عن الجلباب البشري وتوجيه شطر قلبه
إلى حضرة الجبروت. وهو ملَكٌ موكّل بالعلم والحكمة، وصاحب الأرزاق المعنوية والأطعمة
الروحانية، ويستفاد من كتاب الله والأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقديمه على
سائر الملائكة.
* وأمّا عظمة المرسَل إليه ومتحمّله،
فهو القلب التقيّ النقيّ الأحمديّ الأحديّ الجمعيّ المحمديّ، الذي تجلّى له الحقّ
تعالى بجميع الشؤون الذاتية والصفاتية والأسمائية والأفعالية، وهو صاحب النبوّة
الخاتمة والولاية المطلقة، وهو أكرم البريّة وأعظم الخليقة، وخلاصة الكون وجوهرة
الوجود، وعصارة دار التحقّق، واللّبنة الأخيرة، وصاحب البرزخية الكبرى، والخلافة
العظمى.
* وأمّا حافظه وحارسه فهو ذات الحقّ
جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الحجر:9.
* وأمّا شارحه ومبيّنه فالذوات المطهرة
المعصومون من رسول الله إلى حجّة العصر عجّل الله فرجه، الذين هم مفاتيح الوجود،
ومخازن الكبرياء، ومعادن الحكمة والوحي، وأصول المعارف والعوارف، وأصحاب مقام
الجمع والتفصيل.
* وأمّا وقت نزوله فليلة القدر؛ أعظم
الليالي وخير من ألف شهر، وأنوَر الأزمنة، وهي في الحقيقة وقت وصول الوليّ المطلق
والرسول الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلّم.