بصائر

بصائر

منذ أسبوع

معاني لفظ «مَولى»


«فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه»

معاني لفظ «مَولى»

____ الشيخ المفيد قدّس سرّه* ____

 

ينقسم المولى في اللغة على عشرة أوجه:

 *أوّلها: وهو الأصل والعماد، الذي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام. قال الله تعالى في سورة الحديد: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ الحديد:15، يريد جلّ اسمه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير، وذكره أهل اللغة المحقّقون. قال لبيد:

فغدت كلا الفرخين، تحسب أنّه

مولى المخافة خلفها وأمامها

يريد أولى المخافة. ولسنا نعلم من أهل اللغة في المعنى خلافاً.

* والثاني: «مالك الرقّ» قال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ.. النحل:76، يريد مالكه، والأمر في هذا المعنى أبيَن من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد.

* والثالث: «المعتِق».

* والرابع: «المعتَق».

* والخامس: «ابن العم». قال الشاعر:

مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا

لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا

* والسادس: «الناصر» قال الله جلّ وعزّ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ محمّد:11، يريد لا ناصر لهم.

* والسابع: «المتولّي» يتضمّن الجريرة، ويحوز الميراث.

* والثامن: «الحليف».

* والتاسع: «الجار».

* والعاشر: «الإمام السيّد المُطاع».

 

إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بما استفاض عن النبيّ صلّى الله عليه وآله

قد أجمع حملة الأخبار، واتّفق نقلة الآثار، على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، جمع الناس بغدير خمّ، عند مرجعه من حجّة الوداع، ثمّ واجه جماعتهم بالخطاب، فقال: «ألستُ أولى بكُم منكُم؟».

فلمّا أذعنوا له بالإقرار، قال لهم على النسق من غير فصل في الكلام: «فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُرْ مَن نصَرَه، واخذُلْ مَن خَذَلَه».

فقرّرهم صلّى الله عليه وآله على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام، ثمّ عطف على اللفظ الخاصّ بما ينطوي على معناه، وجاء فيه بحرف العطف من «الفاء» التي لا يُبتدأ بها الكلام، فدلّ على أنّه الأولى دون ما سواه، لِما ثبت من حكمته عليه وآله السلام، وأراد به البيان، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه، لكان مستأنفاً لمقالٍ لا تعلُّق له بالمتقدّم، جاعلاً لحرف العطف حرف الاستئناف، وهذا ما لا يقع إلّا من أحد نفسين:

أحدهما: جاهل باللغة والكلام.

والآخر: قاصد إلى التعمية والألغاز.

ورسول الله صلّى الله عليه وآله يجلّ عن الوصفين، وينزَّه عن النقص في الصفات.

وشيءٌ آخر: لا يخلو رسول الله صلّى الله عليه وآله فيما يلفظ به من عبارة «مولى» من وجهين لا ثالث لهما على البيان:

- إمّا أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرّر به الأنام، من فرض الطاعة على ما ذكرناه.

- أو يكون أراد غيره من الأقسام.

فإن كان مراده من ذلك فرض طاعته على الأنام، فهو الذي نذهب إليه وقد صحّت الإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام.

وإن كان مراده سواه من الأقسام، فقد عبّر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد، وليس في العقل دليل على ما أراد، وهذا ما لا يقع إلّا من جاهل ناقص عاجز عن البيان، أو متعمّد لإضلال المخاطبين عن الغرض.

وقد أجلّ الله نبيَّه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن الكمال.

وشيءٌ آخر وهو: إذا كان لفظ «مولى» ينقسم على عشرة أقسام، ثمّ اعتبرنا ثمانية منها، فأخرج لنا الاعتبار أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يقصد إلى شيءٍ منها، ولم يرده على وجه من الوجوه، ولا سببٍ من الأسباب، ثبت أنّه عليه وآله السلام، أراد الخارج عنها من الأقسام، أو بعضه كائناً ما كان، لا محالة، إذ كان لا يخلو كلامه صلّى الله عليه وآله، من مراد، وهذا ممّا لا شكّ فيه ولا ارتياب.

فنظرنا في القسم الذي يلي الأول على ما رتّبناه، وهو «مالك الرقّ»، وجدناه ممّا لا يجوز أن يقصده النبيّ عليه وآله السلام، لأنّه لم يكن عليّ مالكاً لكلّ مَن ملَك النبيّ صلّى الله عليه وآله رقّه، فيكون بذلك مولى مَن كان مولاه.

ونظرنا في الذي يليه، وهو  «المعتق»، وكان القول فيه كالقول في «مالك الرق» سواء، لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معتِقاً لكلّ مَن أعتقه النبيّ صلّى الله عليه وآله، من الرقّ، فيكون لذلك مولاه. ولا كان عليه السلام معتَقاً من رقٍّ، ولا الرسول كذلك، حاشاهما من ذلك.

ولم يجز أن يعني مَن كنت ابن عمه فعليّ ابن عمه، لأنّ هذا لغو من الكلام مع معرفة الجميع بأنّ عليّاً عليه السلام ابن عمّ الرسول صلّى الله عليه وآله، وعلمهم يقيناً بالاضطرار بأنّ ابن عم الرجل هو ابن عمّ جميع بني عمّه على كلّ حال.

ولا يجوز أن يريد «الناصر»، لأنّ المسلمين كلهم أنصار مَن نصره النبيّ عليه وآله السلام، فلا معنى لتخصيصه من الجماعة بما قد شاركته فيه على البيان، لأنّ هذا هو العبث في الفعل، واللغو في الكلام.

ولم يكن كلّ مَن تولّى النبيّ عليه وآله السلام تولّى عليّاً، ولا يجوز أن يخبر بذلك كله لتنافي الكلام، ولا يجب أن يكون قد أوجبه لأمرين:

الأول: أنّه خاطب الكافة، ولم يكونوا بأسرهم أولياء على معنى الاعتزاء إليه بضمان الجرائر، واستحقاق الميراث.

الثاني: للاتفاق على أنّ ذلك لم يكن واجباً في شيءٍ من الأزمان.

ولا يجوز أن يكون قصد معنى «الحليف»، لأنّه لم يكن عليه السلام حليفاً لجميع حلفاء النبيّ صلّى الله عليه وآله.

ولا معنى لإرادته بلفظ مولى «الجار»، لأنّه قد كان معروفاً عند جميع مَن عرف منزلة عليٍّ عليه السلام، أنّه جار مَن جاوره النبي عليه وآله السلام في الدار، بحلوله معه في المكان، ولا إذا افترقا بالأسفار، ولم يجب أن يكون عليّ عليه السلام جاراً لجيران النبيّ عليه وآله السلام، وكان الخبر عن ذلك كذباً من الأخبار.

مع أنّه لو كان حقاً لم يكن فيه فائدة توجب جمع الناس لها، وتقريرهم على الطاعة وتعظيم الشأن.

فلم يبقَ إلّا أنّه ما أراد بقوله: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» إلّا الإمامة التي يُعبّر عنها تارة بلفظ أولى، ويعبّر عنها بصريح فرض الطاعة، فإنّه أحرى وهذا واضح البرهان.

 

_________________________________

* من كتابه (أقسام المولى) ص 27-34

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ أسبوع

إصدارات عربية

نفحات