موجز في تفسير سورة العصر
التواصي بالحقّ دعوةٌ إلى الاعتقاد السليم
ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ
* السورة الثالثة بعد المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «الانشراح».
* سُمّيت بـ«العصر» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.
* آياتها ثلاث، وهي مكّية، وجاء في الحديث النبويّ الشريف أنّ من قرأها: «..خُتِمَ له بالصّبر، وكان مع أصحاب الحقّ يوم القيامة».
|
تبلغ شمولية هذه السورة درجةً حدَت ببعض المفسّرين إلى أن يرى فيها خلاصة كلّ مفاهيم القرآن وأهدافه، فهي تقدّم - رغم قِصرها - المنهج الجامع والكامل لسعادة الإنسان. تبدأ مِن قسَمٍ عميق المحتوى بالعصر، ثمّ تتحدّث عن خسران كلّ أبناء البشر، ثمّ لا تستثني من هذا الأصل العامّ غير مجموعة واحدة؛ وهي التي لها اعتمدت منهجاً ذا أربع موادّ: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر.
ثواب تلاوة سورة العصر
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «..ومَن قرأها خُتم له بالصبر، وكان مع أصحاب الحقّ يوم القيامة».
* وعن الإمام الصادق عليه السلام: «من قرأ ﴿وَالعَصْرِ﴾ في نوافله بعثه الله يومَ القيامة مشرقاً وجهُه، ضاحكاً سنُّه، قريرةٌ عينُه، حتّى يدخلَ الجنّة».
تفسير العلامة الطباطبائي
قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾:
قسمٌ بالعصر، والأنسب لما تتضمّنه الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني - إلّا لمن اتّبع الحقّ وصبَر عليه وهم المؤمنون الصالحون عملاً - أن يكون المراد بالعصر عصرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو عصر طلوع الإسلام على المجتمع البشري وظهور الحقّ على الباطل.
وقيل: المراد به وقتُ العصر وهو الطرف الأخير من النهار لما فيه من الدلالة على التدبير الربوبيّ بإدبار النهار، وإقبال الليل، وذهاب سلطان الشمس.
وقيل: المراد به صلاةُ العصر وهي الصلاة الوسطى التي هي أفضل الفرائض اليومية.
وقد ورد في بعض الروايات أنّه عصر ظهور المهديّ عليه السلام، لما فيه من تمام ظهور الحقّ على الباطل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾:
المراد بالإنسان جنسُه، والخُسر والخُسران والخسار والخسارة نقصُ رأس المال. والتنكير في ﴿خُسْرٍ﴾ للتعظيم، ويحتمل التنويع في أيّ نوع من الخسر غير الخسارات المالية والجاهية، قال تعالى: ﴿..إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ الزمر:15.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾:
استثناءٌ من جنس الإنسان الواقع في الخُسر، والمستثنَون هم الأفراد المتلبّسون بالإيمان والأعمال الصالحة، فهم آمنون من الخُسر. ذلك أنّ كتاب الله يبيّن أنّ للإنسان حياةً خالدة مؤبّدة لا تنقطع بالموت، وإنّما الموت انتقالٌ من دارٍ إلى دار، ويبيّن أنّ شطراً من هذه الحياة - وهي الحياة الدنيا - حياة امتحانٍ تتعيّن بها صفة الشطر الأخير الذي هو الحياة الآخرة المؤبّدة من سعادة وشقاء، قال تعالى: ﴿..وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ الرعد:26.
ويبيّن القرآن الكريم:
- أنّ مقدّمية هذه الحياة لتلك الحياة إنّما هي بمظاهرها من الاعتقاد والعمل.
- فالاعتقاد الحقّ والعمل الصالح ملاكُ السعادة الأخروية.
- والكفر والفسوق ملاك الشقاء فيها...
وقد سمّى الله تعالى ما سيلقاه الإنسان في الآخرة جزاءً وأجراً في آيات كثيرة. ويتبيّن بذلك كلّه أنّ الحياة رأس مال للإنسان يكسب به ما يعيش به في حياته الآخرة، فإن اتّبع الحقّ في العقد والعمل فقد ربحت تجارته وبورك في مكسبه وأمن الشرّ في مستقبله، وإن اتّبع الباطل وأعرض عن الإيمان والعمل الصالح فقد خسرت تجارته وحُرم الخير في عقباه، وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾.
والمراد بالإيمان الإيمانُ بالله، ومن الإيمان بالله الإيمان بجميع رسله، والإيمان باليوم الآخر، فقد نصّ تعالى فيمن لم يؤمن ببعض رسله أو باليوم الآخر أنّه غير مؤمن بالله.
وظاهر قوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ التلبّس بجميع الأعمال الصالحة، فلا يشمل الاستثناء الفسّاقَ - من المؤمنين - بترك بعض الصالحات.
قوله تعالى: ﴿..وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾:
التواصي بالحقّ هو أن يوصي بعضهم بعضاً بالحقّ، أي باتّباعه والدوام عليه، فليس دين الحقّ إلّا اتّباع الحق اعتقاداً وعملاً، والتواصي بالحقّ أوسع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات، ومطلق الترغيب والحثّ على العمل الصالح.
ثمّ التواصي بالحقّ من العمل الصالح، فذكْرُه بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ اهتماماً بأمره، كما أنّ التواصي بالصبر من التواصي بالحقّ وذكْره بعده مِن ذكر الخاصّ بعد العامّ اهتماماً بأمره، ويؤكّد تكرار ذكر التواصي حيث قال: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، ولم يقل: وتواصوا بالحقّ والصبر.
وعلى الجملة ذكْر تواصيهم بالحقّ وبالصبر بعد ذكر تلبّسهم بالإيمان والعمل الصالح للإشارة إلى حياة قلوبهم وانشراح صدورهم للإسلام لله، فلهم اهتمام خاصّ واعتناء تامّ بظهور سلطان الحقّ وانبساطه على الناس حتّى يُتّبع ويدوم اتّباعه.
وقد أُطلق الصبر، فالمراد به أعمّ من الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، والصبر عند النوائب التي تصيبه بقضاءٍ من الله وقدر.
التفسير الروائي
* عن المفضّل بن عمر قال: «سألت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾؟
قال: العصر عصر خروج القائم. ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾: يعني أعداءنا. ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: يعني بآياتنا. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: يعني بمواساة الإخوان. ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾: يعني بالإمامة. ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾: يعني في الفَتْرة».