الموقع ما يزال قيد التجربة
من زيارات أصحاب الإمام الحسين عليه السلام | استهلال |
الشيخ حسين كوراني | أنصار الله وأنصار رسوله |
المحدّث الفضيل بن الزبير الكوفي | تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام |
العلامة الشيخ محمّد مهدي شمس الدين | اليمانيّون في كربلاء |
استهلال
السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أوْلِياَء الله وَأَحِبّاءهُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَصْفِياءَ الله وَأَوِدّاءَه، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أنْصارَ دِينِ الله وَأَنْصارَ نَبِيِّهِ وَأَنْصارَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَأَنْصارَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساء العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أنْصارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ الوَلِيِّ النَّاصِحِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أنْصارَ أَبِي عَبْدِ الله الحُسَيْنِ الشَّهِيدِ المَظْلُومِ، صَلَواتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
بِأَبِي أَنْتُمْ وَاُمِّي طِبْتُمْ وَطابَتْ الأَرضُ الَّتِي فِيها دُفِنْتُمْ، وَفُزْتُمْ وَالله فَوْزاً عَظِيماً، يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ مَعَكُمْ فِي الجِنانِ مَعَ الشُّهَداء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
زيارة الشهداء في يوم عرفة، مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي
أنصار الله وأنصار رسوله
قراءة في منزلة أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام
* تعمد هذه المقالة إلى تسليط الضوء على عنوانٍ أساسيٍّ من عناوين نهضة سيد الشهداء صلوات الله عليه، ما فتئ «غريباً» لم تحظَ أقلام الباحثين – إلا ما ندر – بشرف دراسته وتحليله؛ عنينا به منزلة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره المستشهدين بين يديه على امتداد نهضته النبوية؛ بدءاً من المدينة المنوّرة، وصولاً إلى كربلاء يومَ العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، والدروس التي يجب استلهامها من سيرتهم، اقتفاءً لأثر من خُتم له بالسعادة بين يدَي إمام زمانه، في أحلك ظرفٍ سياسيّ واجتماعيّ شهدته البشرية، ولن يتكرّر إلا على أعتاب ظهور خاتم الأولياء والأوصياء عجّل الله تعالى فرجه.
هذه المقالة مختصرة عن دراسة مطوّلة استهلّ بها العلامة الشيخ حسين كوراني الجزء الثالث من كتابه النوعيّ (في محراب كربلاء)، والمخصّص لترجمة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام. وكان سماحته قدّم مادة سلسلة (في محراب كربلاء) ضمن برنامج بالعنوان نفسه عبر أثير إذاعة «النور» في شهرَي محرّم وصفر لخمس سنوات متوالية، منذ العام 1411 إلى 1415 للهجرة. وقد صدر من هذه السلسلة كتابان؛ الأول تضمّن نظرة تحليلية للنهضة المباركة منذ خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة، إلى عودة موكب السبايا إليها. أمّا الكتاب الثاني فقد تناول حوادث الكوفة بالتفصيل، مع ترجمة للشهيدين مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وغيرهما.
الأجزاء الثلاثة المتبقية ما تزال مخطوطة، وتتناول بالترتيب، تراجم الأصحاب – ومنه هذه المقالة - تراجم القتلة، والجزء الخامس والأخير مخصّص لحركة التوّابين، على أن يتبعها جزء سادس في حركة المختار الثقفي، وجزء مستقلّ تحت عنوان: (في محراب كربلاء: قراءة في التأسيس).
«شعائر»
يستوقف الباحث في شؤون نهضة الإمام الحسين عليه السلام أنّ الحديث عن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم ما يزال يستدعي المزيد من الجهود المتواصلة للتعريف بهم وتقديم سيَرهم بما يتيح القيام بواجب الولاية لهذه الشخصيات الفريدة التي وفّقها الله تعالى للشهادة بين يدي مَن قال عنه المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله: «... وأنا من حسين».
ألم يكن جهادهم محمّدياً؟ وهل كان إقدامهم على الشهادة بين يدي سيّد الشهداء إلا بعض الوفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله؟
وبالتالي: فهل الصحابي الذي رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثم وقف مع يزيد ضدّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، المتجلّي بالحسين عليه السلام، أوفى منهم وأبرّ؟!
لا يشك موحّد في عظيم منزلة الأبرار من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وليس السياق لطمس ذرّة من عظيم منزلتهم، بل هو لوضع الحديث عن أصحاب الإمام الحسين، روحِ رسول الله، في موقعه الطبيعي.
وقف الصحابة الأبرار مع المصطفى صلّى الله عليه وآله في الضرّاء والسرّاء، ووقف أصحاب الحسين عليه السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، عبر موقفهم مع ثاني سبطيه، في ضرّاء لا تُجارى.
كان لأكثر الصحابة إقدامٌ ونكوص، وزاغتِ الأبصار وبلغتِ القلوبُ الحناجر، وزُلزلوا زلزالاً شديداً، ويوم حنين أعجبتهم كثرتهم، إلى غير ذلك ممّا سجّله القرآن الكريم، أو أثبتته السيرة، فإذا فيه الحديث عمّن ذهب في الفرار عريضاً!
ولم يكن للصحابة المحمّديّين الحسينيّين أدنى نكوص ولا زُلزلوا، فضلاً عن أن يكون الزلزال شديداً! ولم يسجَّل عن أحدهم أنّه حدّث نفسه بفرار، فضلاً عن أن يذهب فيه عريضاً!
هكذا يمكننا أن نقارب فهم الوسام المحمّديّ الذي قلّده الإمام الحسين عليه السلام، لأصحابه حين قال: «اللّهُمَّ إِنّي لا أعرِفُ أهلَ بَيتٍ أَبَرَّ، وَلا أَزْكى، وَلا أطهَرَ مِن أهلِ بَيتي، وَلا أصحاباً هم خَيرٌ مِن أصحابي».
ولعلّ في طليعة المعاني التي أراد سيّد الشهداء عليه السلام، إيصالها إلى الأمّة عبر هذا الوسام، أنّ أهل بيته ملحَقون بأهل البيت الذين أوصى بهم التنزيلُ والرسول، وأصحابه ملحَقون بالأبرار من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، الذين اتّفق المسلمون على أنّ سموّ منزلتهم يأتي بعد أهل البيت عليهم السلام.
المدّخرون لفجر البعثة الثاني
يؤكّد ما تقدّم عظيم حقّ أصحاب سيّد الشهداء على المسلمين جميعاً، وهو الحقّ الذي تصبّ روافدُ عديدة في تشكُّل موجه الكربلائي المتلاطم، منها:
1) السياق الكربلائي:
والمراد به أنّ موقع كربلاء من حركة الرسالات السماوية يجسّد أبرز المحطات الفاصلة في مسيرة الأنبياء، بل في مسيرة سيّدهم صلّى الله عليه وآله، وليس وصول يزيد إلى موقع التحكّم بمصائر المسلمين إلّا استمراراً متقّدماً جداً لإجلاب الكفر القرشي الأموي بخَيله ورجله في بدر وأحد والأحزاب، وغيرها من الغزوات التي كان الهدف منها بصريح القرآن الكريم: ﴿..لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ..﴾ الصف:8.
ولئن كانت بين حُنين وفتح مكّة وما بعده، جولات للكفر وصولات، إلا أنّ جولة معاوية ويزيد كانت نتاج كلّ ما سبق وبداية إعلان القضاء على الإسلام، ظنّاً منهما باكتمال طمس معالم التنزيل.
ولئن جسّدت الجهود النبويّة ما بين البعثة والوفاة، مرحلة صدّ كلّ الهجمات التي كانت تهدف إلى إطفاء نور الله تعالى، فقد جسّدت كربلاء - وهي المحمّدية بامتياز تخطيطاً ورعايةً وتنفيذاً - الضربة المحمّدية الإلهية، ولكن هذه المرة لا في اجتثاث أذرع القوّة لأخطار التحريف، كما كانت مهمّة أمير المؤمنين عليه السلام في مرحلة خلافته المباشرة، ولا في إتاحة الفرصة للأمّة لاكتشاف زَيف هؤلاء الأمويّين المتباكين على الإسلام، وكشف زَيف شيخهم وشيطانهم العاتي معاوية، كما كانت مهمّة السبط الأوّل الإمام الحسن عليه السلام، بل في اجتثاث القدرة على التحريف، وإعلان دفن كلّ المحاولات لطمس معالم الإسلام المحمّدي وإلى الأبد، لتحقيق تحصين الأمّة من كل مخاطر المستقبل التي لا يقاس بها شيء من كلّ المخاطر الصغيرة – رغم خطورتها – التي حفل بها تاريخ البلاط «الإسلامي!» وما يزال.
كربلاء هي ليلة القدر الثانية التي حفظ بها الله تعالى القرآن الكريم، الذي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله في ليلة القدر، بل كربلاء هي القدر المحمّدي الذي كان له موعدان متميّزان: فجر البعثة، ويوم العاشر من محرم.
هذا بعض ما أراده المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، للأمّة أن تعيَه قلوبُها بعد العقول، حين دعا إلى التعامل مع سبطَيه باعتبار كلٍّ منهما محمّدَ عصره، وخصّ سبطه الثاني بحديث: «حسينٌ منّي وأنا من حسين»!
2) مدّخَرون لكربلاء:
تقتضي فرادة السياق الكربلائي، أن يكون لكلّ نبيّ مع كربلاء حديث ذو شجون، وهو ما تؤكّده الروايات في هذا المضمار، ومن البديهي أن ترتفع وتيرة اهتمام الأنبياء بكربلاء الأنبياء جميعاً كلّما اقتربت اللحظة الكربلائية، فكيف تجلّت كربلاء في سيرة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، والحديث الشريف؟
غنيٌّ عن البيان أنّ كربلاء كانت مفصلاً بارزاً في السيرة وفي الخطاب النبويَّين، إلّا أنّ ما تمسّ الحاجة إلى استلهام دروسه هو اهتمام الرسول الأعظم بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام، وهو محور بالغ الأثر في فهم أبعاد كربلاء.
* عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام، قال: «قال الحسينُ بن عليّ عليهما السلام، لأصحابه قبل أن يُقتل: إنّ رَسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: (يا بُنيّ، إنّكَ سَتُساقُ إلى العِراق، وهي أرضٌ قد التَقَى بها النّبيُون، وأوصياءُ النبيّين، وهي أرضٌ تُدعى عَمورا، وإنّك تُستَشهدُ بها ويُستَشهدُ معكَ جماعةٌ من أصحابِكَ لا يَجِدونَ أَلَمَ مَسِّ الحديد، وتلا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ تكونُ الحربُ عليكَ وعليهِم برداً وسلاماً) فأبشِروا؛ فواللهِ لَئن قتلونا، فإنّا نرِد على نبيِّنا..». (الأنبياء:69)
* وأورد السيّد البحراني عن ابن شهرآشوب قوله:
«...وعُنِّف ابن عباس على تَركِه الحسين عليه السلام، فقالَ إنّ أصحابَ الحُسين عليه السلام، لمْ يَنقصوا رجلاً ولم يَزيدوا رجلاً، نعرفهم بأَسمائِهم من قبلِ شُهودِهم.
أضاف السيد: وقال محمّد بن الحنفيّة: وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم».
* وروي عنه صلّى الله عليه وآله، أنّه حثّ جمعاً بينهم أحد أصحاب الحسين، على نصرته عليه السلام: قال البخاري: «أنس بن الحارث قُتل مع الحسين بن عليّ، سمع النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، قاله محمّد عن سعيد بن عبد الملك الحراني عن عطاء بن مسلم، حدّثنا أشعث بن سحيم عن أبيه: سمعتُ أنس بن الحارث، ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ومتنه: سَمعتُ رسولُ الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول: إنّ ابني هذا، يعني الحسين، يُقتل بأرضٍ يُقال لها كربلاء، فمَن شهِد ذلك منكم فليَنصره.
قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقُتل بها مع الحسين..». [انظر: الإصابة للعسقلاني: ح 266، نقلاً عن تاريخ البخاري]
3) فرسان المصر:
من النصوص الفريدة والبالغة الدلالة على عظيم منزلة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، النصّ الذي ورد في أكثر من مصدر رئيس من مصادر أحداث كربلاء، وهو ما قاله فيهم رمز الخذلان والتآمر الكوفيّيْن عمرو بن الحجاج، قائد مَيمنة عمر بن سعد في كربلاء، فلقد راعه ما رآه من بطولاتهم، وعرف أنّهم إنْ أُتيح لهم أن يواصلوا المبارزة فستكون النتيجة القضاء على كلّ من ينازلهم، ولذلك رفع صوته بالتحذير من مبارزتهم.
* قال الخوارزمي:
«فقال عمرو بن الحجّاج – وكان على الميمنة: ويلكم، ياحمقاء، مهلاً! أتدرون مَن تقاتلون؟ إنّما تقاتلون فرسانَ المصر، وأهلَ البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرزنّ منكم أحد إلّا قتلوه على قلّتهم.... فقال ابن سعد: صدقت، الرأي ما رأيتَ، فأرسلَ في العسكر يعزمُ عليهم أن لا يبارزَ رجلٌ منكم، فلو خرجتُم وحداناً لأتوا عليكم مبارزة».
ويكشف التعبير عن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، بـ«فرسان المصر»، عن موقعهم الاجتماعيّ المتميّز، فهم من سادة المجتمع ووجوهه البارزة، إذ المِصر الذي هم فرسانه هو الكوفة التي كانت بمنزلة العاصمة الفعلية للعالم الإسلامي، وكانت سِمتها الأبرز التي تحدّد الموقع الاجتماعي، هي الجهاد والفتح، والتي كان الفرز الفردي والقبلي يتمّ على أساسها.
يوصلنا ذلك إلى استنتاج أنّ مصطلح «فرسان المصر» في ذلك المجتمع المجاهد، الذي لم يكن يفصله عن نزول الوحي إلّا ما يقرب من خمسين عاماً، كان يعني ما يدلّ عليه تعبير: أبرز وجوه المصر وأركانه، وأنّهم اكتسبوا هذا الموقع بحكم خصائص، منها جميل بلائهم في لهوات الحروب، حيث تتجلّى فروسية الفارس، ومنها طول المراس وشدّته، حيث لا يصبح المقاتل فارس المصر بمعزلٍ عن تراكم الرصيد الجهادي، جولة إثر جولة.
إنّنا في الحديث عن أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام، أمام قادة عسكريّين كبار، وفيهم من يمتدّ رصيده الجهادي إلى بدر، كما تجد في ترجمة الشهيد زهير بن سليم، أو مَن يُحتمل في حقّه ذلك، كالصحابي الشهيد أنس بن الحارث الكاهلي، وغيره.
ولئن لم يكن أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام جميعاً من الصحابة، فإنّهم بالتأكيد - بصورة مباشرة، أو غير مباشرة - خلاصة التجارب الجهادية كلّها من بدر إلى كربلاء، ما يجعلهم بحسب المصطلح المعاصر كبار جنرالات العالم الإسلامي، مع فارق جوهري بين طبيعة المصطلح اللادينية اليوم في الغالب، وبين عمق تمازجه مع السابقة الإيمانية والمناقبية آنذاك.
«قيل لرجلٍ شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: وَيحَك، أَقتَلتُم ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
فقال: عضضتَ بالجندل، إنك لو شهدتَ ما شهدنا لفعلتَ ما فعلنا، ثارت علينا عصابةٌ أيديها في مقابض سيوفها، كالأسُود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبلُ الأمانَ، ولا ترغبُ في المالِ، ولا يَحولُ حائلٌ بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتتْ على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أمّ لك؟!».
4) أصحاب البصائر:
رغم أنّ في النفس شيئاً من أن يصدر هذا الوصف من أعمى البصيرة، الموغل في العداوة والضّعة، ولكن الله تعالى قد يُجري نشر فضيلة وليّه على لسان عدوّه، ثم إنّ ابن الحجاج، وإنْ كان قد وشجتْ على الغدر عروقه، إلّا أنّه كان حتى ما قبل شهر من الزمن، من ثوابت مجلس الشهيد هانئ بن عروة، وكان لمثل هذا المصطلح في ذلك المجلس من قوة الحضور بما يكفي أن يتلقّفه ولو ببغاء.
والبصيرة هي رؤية العقل والقلب للأمور كما هي وعلى حقيقتها. ومن الواضح أنّ من لوازم البصيرة، الثبات على الموقف مهما كان الثمن، فالبصيرة واليقين متلازمان، وهنا يكمن الربط بين التحذير الكوفي من أصحاب سيّد الشهداء، باعتبار أنّهم أهل البصائر.
في ضوء ذلك يمكننا أن نقارب أحد أبرز الملامح الحقيقية لطبيعة المواجهة في كربلاء، وكيف كان معسكر الإمام تجسيد رسول الله والبررة من أصحابه، وكيف كان معسكر الكفر ركاماً بلا روح، وغثاءً بلا صفوة.
ومن أفضل النصوص تصويراً لما جسّده المعسكران، ما أورده الطبري في وقائع الليلة العاشرة، حيث قال:
«قال أبو مِخْنَف: (..) فلمّا أمسى حسينٌ وأصحابه، قاموا الليل كلّه يصلّون، ويستغفرون، ويدعون، ويتضرّعون.
قال (الراوي): فتمرّ بنا خيلٌ لهم تحرسنا. [أي خيل لجيش الأمويّين تراقب معسكر الإمام عليه السلام] وإنّ حسيناً ليقرأ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..﴾. (آل عمران:178-179)
فسمعها رجلٌ من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون. ميّزنا منكم.
قال (الراوي): فعرفته، فقلت لبرير بن خضير: تدري من هذا؟
قال: لا. قلت: هذا أبو حرب السبيعي، عبد الله بن شهر. وكان مضحاكاً بطّالاً، وكان شريفاً (وجيهاً) شجاعاً فاتكاً...
فقال له برير بن خضير: يا فاسق، أنت يجعلك الله في الطيّبين؟
فقال له: مَن أنت؟ قال: أنا بُرير بن خضير.
قال: إنّا لله، عزَّ عليَّ، هلكتَ والله، هلكتَ والله يا بُرير.
قال: يا أبا حرب، هل لك أن تتوبَ إلى الله من ذنوبك العظام؟ فواللهِ إنا لنحن الطيّبون، ولكنّكم لأنتم الخبيثون.
قال: وأنا على ذلك من الشاهدين!
قلت (أي الراوي): ويحك أفلا ينفعك معرفتك؟
قال: جُعلت فداك، فمَن ينادمُ يزيدَ بن عذرة العنزي؟!... ها هو ذا معي!
قال: قبّح الله رأيك على كلّ حال، أنت سفيه. ثم انصرف عنّا».
أهل البصائر إذاً هم السابقون في ميادين اليقين، (وهم) بعدُ تجلّي الحّق الذي يصرّ الباطل وأهله على تنكّبه رغم الإقرار بأنّه الحق، تماماً كما رأيت هذا المضحاك البطال ينحني إجلالاً للشهيد برير، مذعناً بأنه ومن معه الخبيثون، وأنّ بريراً ومَن معه الطيّبون.
5) بمطلق الاختيار:
من الروافد التي تلتقي كلّها لتظهر أبعاد الحقّ العظيم لهؤلاء المحمّديين النوعيّين على الأمّة الإسلامية، -بعد السياق الكربلائي، وأنّهم مدّخرون لكربلاء، وأنّهم فرسان المصر، وأهل البصائر- أنّ أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام، أقدموا على الشهادة وفاءً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، في حفظ وصيّته بعترته، بملء اختيارهم؛ فلقد أذِن لهم الإمام الحسين عليه السلام، بأن يتفرّقوا، ولكنّهم أصروا رغم ذلك على مواجهة القتل، دون أدنى تردّد، بل بمنتهى اللهفة والسعادة.
أورد الطبري أنّ الإمام الحسين عليه السلام، قال لأصحابه:
«ألَا وإنّي أظنّ يومَنا مِن هؤلاء الأعداء غداً، ألَا وإنّي قد رأيتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حِلٍّ، ليس عليكُم منّي ذمام، هذا ليلٌ قد غَشِيَكم فاتّخِذوه جملاً».
لقد اختار أصحاب الحسين عليه السلام الموقف الصعب في الزمن الصعب، وهو ما جعلهم يستلينون ما استَوعَره المترفون، وأبى الإمام الحسين عليه السلام إلّا أن يكشف للأجيال أّنه كان مصرّاً على الشهادة حتى لو بقي من اللحظة الأولى وحيداً، وأن يكشف عليه السلام - أيضاً - ببالغ لطفه وغامر حنانه المحمّديّين الإلهيّين، أنّ معدن هؤلاء الكربلائيّين من نفس الطينة التي خلق اللهُ تعالى منها سادة الواصلين إلى المصطفى الحبيب وآله الأطهار صلّى الله عليه وعليهم، كسلمان والمقداد وعمار وأبي ذرّ رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن الواضح أنّ فرق العظمة كبير بين أن يقدِم أهل البصائر وعبّاد المصر وفرسانه على الشهادة بملء اختيارهم، وبين أن يكون تكليفهم الشرعي قد حتّم عليهم ذلك لوجودهم مع سيّد الشهداء في تلك الظروف المصيرية. ومن تسطيح الأمور أن نتصوّر أنّنا ندرك بعيد غَور هذا الإقدام، فضلاً عن بعيد غَور طبيعة البناء النفسي لتلك (النفوس الزكية).
ولقد أدّى أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام المهمّة الجسيمة التي تنوء بحملها الجبال، بل تشفق من حملها فضلاً عن أدائها، لتبدأ مسؤولية الأجيال المحمّدية الأصيلة من بعدهم من محرابهم، وعلى الأعتاب، وهي: أن تُجيد الأجيال الإصغاء إليهم. وتُحسن الاقتداء بهم كمظهرٍ لحُسن التأسّي بمَن جعله الله تعالى الأسوة الحسنة، وبآله الأطهار.
دعوة إلى العناية بسيرة جميع الأنصار
هذا الحق العظيم لأصحاب الحسين عليه السلام على كلّ مسلم، بل وعلى كلّ الناس بأجيالهم، تتنازع تضييعه عوامل شتّى، تتراوح بين الجهل المطبق بهم من غير المؤمنين، وبين الجهل بأكثرهم من المؤمنين، وإن كان للجميع في قلب كلّ مؤمن من الموقع ما يجعله ببركة تعليم أهل البيت عليهم السلام، يسلّم عليهم كلّما سلّم على أبي عبد الله، ويذكرهم في الغالب عند ذكره عليه صلوات الرحمن.
وطبيعيّ أن تكون الأولوية في مجالس كربلاء ومجالات العناية بوقائعها لِما يرتبط بسيّد الشهداء، والأوائل من أهل بيته عليهم السلام، ولكن ذلك لا يفسّر تغييب الأصحاب عن دائرة الاهتمام. وهل يكفي أن يجري الوقوف أحياناً عند سيرة بعضهم، فيما لا يَرِد ذكر هذا البعض غالباً إلا في سياق سرد الأحداث؟
كانت النتيجة أنّ أكثر شهداء كربلاء مجهولون، وكأنّه يراد للعلاقة بهم أن تبقى ضبابية، تتحرّك في نطاق العموميات. ولا يلغي هذا الخلل عدم وفرة المعلومات عن الأصحاب، بل يكشف بدوره أنّ التقصير تجاههم مزمنٌ وليس طارئاً. ولولا بعض الدراسات القليلة والجادّة، لظلّ هذا البعد بِكراً لم يمسّ، علماً بأنّ هذه الدراسات لم تتكّفل استقصاء سيرتهم جميعاً، ولا كلّ ما توفرّ ممّا يرتبط بمَن شملته منهم.
ولا بدّ هنا من تسجيل ملاحظة هامّة هي أنّ من فوائد مكننة المعلومات التاريخية والإسلامية عموماً، إتاحة فرصة فريدة للبحث الأوسع حول أصحاب الحسين عليه السلام. ولئن كانت الثغرات ما تزال كبيرة رغم أهمية الإنجازات، إلّا أنّ ذلك يكشف عما يحمله الغد للباحث في هذا المجال وغيره.
تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه السلام
من وُلده وإخوته وأهل بيته وشيعته
* (تسمية مَن قتل مع الحسين عليه السلام من ولده وإخوته وأهل بيته وشيعته) رسالة موجزة للمحدّث الفضيل بن الزبير الكوفيّ الأسديّ (فضيل الرسّان كما في رجال الكشّي)، من رواة حديث الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، حقّقها السيّد محمد رضا الحسيني، وترجم لصاحبها، مشيراً إلى أنّه أخو عبد الله بن الزّبير المحدّث والشاعر المعروف.
وكِلا الأخوَين – الفضيل وعبد الله – كانا خرجا مع الشهيد زيد بن عليّ السجّاد عليه السلام، فقُتل عبد الله، وبقيَ الفضيل إلى أن تشرّف بالحضور بين يدي الإمام الصادق عليه السلام.
وأمّا هذه الرسالة، في ذكر أنصار أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فهي - كما يؤكد المحقّق السيّد الجلالي: «أثر تاريخي روايته مسندة عن رجال ذوي مكانة عند المحدّثين والعلماء، فضلاً عن تضمّنها أسماء شهداء لم ترِد الإشارة إليهم في المصادر الأخرى، واحتوائها على تفصيلات تزيد من قيمتها العلمية».
ما يلي، فهرس بأسماء الشهداء نقلاً عن الكتاب، بعد حذف أسماء القتلة وتعليقات الفضيل رحمه الله، لضرورات التحرير.
«شعائر»
شهداء أهل البيت عليهم السلام
(١) الحسين بن عليّ، ابن رسول الله صلوات الله عليهم....
(٢) والعباس بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، وأمّه اُمّ البنين بنت حزام، قتله زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل، وكلاهما ابتُلي في بدنه.
(٣) وجعفر بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، وأمّه أيضاً ـأمّ البنين.
(٤) وعبد الله بن عليّ عليه السلام، وأمّه أيضاً أمّ البنين.
(٥) ومحمّد بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام الأصغر.
(٦) وأبو بكر بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، وأمّه ليلى بنت مسعود.
(٧) وعثمان بن عليّ عليهما السلام، وأمّه أمّ البنين بنت حزام.
(٨) وعليّ بن الحسين، الأكبر، وأمّه ليلى بنت [أبي] مرّة بن عروة بن مسعود بن مغيث الثقفي... وكان يحمل عليهم، ويقول:
أنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عَلِي
|
نحن - وبيتِ الله - أَولى بالنّبِي
|
حتى قُتل صلّى الله عليه.
(٩) وعبد الله بن الحسين عليهما السلام، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبي، قتله حرملة بن الكاهل الأسدي الوالبي، وكان ولد للحسين بن عليّ عليه السلام في الحرب، فأُتي به وهو قاعد، وأخذه في حِجره ولبّاه بريقه، وسمّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين عليه السلام دمه، فجمعه ورمى به نحو السماء، فما وقعت منه قطرةٌ إلى الأرض.
قال فضيل: وحدّثني أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر (الباقر عليه السلام) يقول: «لو وَقعَتْ منه إلى الأرض قطرةٌ لَنزل العذابُ».
وهو الذي يقول الشاعر فيه:
وعند غَنيّ قَطرةٌ من دمائنا
|
وفي أَسَدٍ أخرى تُعَدُّ وَتُذكَرُ
|
وكان عليّ بن الحسين [زين العابدين] عليه السلام عليلاً، وارتُثّ يومئذٍ [أي أُصيب بجراح] وقد حضر بعض القتال فدفع اللهُ عنه...
(١٠) وقُتل أبو بكر بن الحسن بن عليّ..
(١١) وعبد الله بن الحسن بن عليّ عليهم السلام.
(١٢) والقاسم بن الحسن بن عليّ.
(١٣) وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
(١٤) ومحمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قال: «ولمّا أتى أهلَ المدينة مصابُهم، دخل الناس على عبد الله بن جعفر يُعزّونه، فدخل عليه بعض مواليه، فقال: هذا ما لقِيْنا ودخل علينا من الحسين!
قال: فحذَفَه عبد الله بن جعفر بنعله، وقال: يا ابن اللّخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدتُه لأحببتُ أن لا أفارقَه حتّى أُقتلَ معه. والله إنه لَمِمّا يسخي بنفسي عنهما ويهوّن عليّ المصاب بهما أنهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسِيَين له صابرين معه. ثمّ قال: إنْ لم تكن آستِ الحسينَ يدي فقد آساه ولدي».
(١٥) جعفر بن عقيل بن أبي طالب.
(١٦) وعبد الرحمن بن عقيل.
(١٧) وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب.
(١٨) ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، قُتل بالكوفة.
(١٩) وعبد الله بن مسلم بن عقيل، وأمّه رقيّة بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
(٢٠) ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب.
ولما أتى الناسَ بالمدينة مقتلُ الحسين بن عليّ عليهما السلام، خرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب، وهي تقول:
ماذا تقولون إنْ قال النبيُّ لكم |
ماذا صنعتُم وأنتم آخرُ الأمَمِ |
بِعترتي أهل بيتي بعد مُفتَقَدي |
منهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ |
ما كان هذا جزائي إِذ نصحتُ لكم |
أن تخلفوني بسوءٍ في ذَوي رَحِمي |
شهداء الأصحاب رضوان الله عليهم
(٢١) وقُتل سليمان، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام.
(٢٢) وقُتل منجح، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام.
(٢٣) وقُتل قارب الديلمي، مولى الحسين بن عليّ عليهما السلام.
(٢٤) وقُتل الحارث بن نبهان، مولى حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.
(٢٥) وقُتل عبد الله بن يقطر... بالكوفة،ُ رمي به من فوق القصر فتكسّر، فقام إليه [قاضي الكوفة] عبد الملك بن عمير اللّخمي فقتله واحتزّ رأسه
وقُتل من بني أسد بن خزيمة:
(٢٦) حبيب بن مظاهر... وكان يأخذ البيعة للحسين بن عليّ عليهما السلام.
(٢٧) وأنس بن الحارث، وكانت له صحبة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(٢٨) وقيس بن مسهر الصِّيداوي. [استُشهد في الكوفة]
(٢٩) وسليمان بن ربيعة.
(٣٠) ومسلم بن عوسجة السعدي.
وقُتل من بني غفّار بن مليل بن ضمرة:
(٣١) عبد الله.
(٣٢) وعبيد الله، ابنا قيس بن أبي عروة.
(٣٣) و جون بن حوي، مولى لأبي ذرّ الغفاريّ.
وقُتل من بني تميم:
(٣٤) الحُرّ بن يزيد، وكان لحق بالحسين بن عليّ، بَعْدُ.
(٣٥) وشبيب بن عبد الله.
وقُتل من بني سعد بن بكر:
(٣٦) الحجّاج بن بدر.
وقُتل من بني تغلب:
(٣٧) قاسط.
(٣٨) وكردوس، ابنا زهير بن الحارث.
(٣٩) وكنانة بن عتيق.
(٤٠) والضرغامة بن مالك.
وقُتل من قيس بن ثعلبة:
(٤١) جوين بن مالك.
(٤٢) وعمرو بن ضبيعة.
وقُتل من عبد القيس، من أهل البصرة:
(٤٣) يزيد بن ثبيط.
(٤٤) وابناه: عبد الله،
(٤٥) وعبيد الله.
(٤٦) وعامر بن مسلم.
(٤٧) وسالم مولاه.
(٤٨) وسيف بن مالك.
(٤٩) والأدهم بن أميّة.
وقُتل من الأنصار:
(٥٠) عمرو بن قرظة.
(٥١) وعبد الرحمن بن عبد ربّ... وكان أمير المؤمنين عليه السلام ربّاه وعلّمه القرآن.
(٥٢) ونعيم بن العجلان الأنصاري.
(٥٣) وعمران بن كعب الأنصاري.
(٥٤) وسعد بن الحارث.
(٥٥) وأخوه: أبو الحتوف بن الحارث، وكانا من المحكّمة، فلمّا سمعا أصوات النساء والصبيان من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حكّما،ّ ثم حملا بأسيافهما، فقاتلا مع الحسين عليه السلام، حتى قتلا، وقد أصابا في أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفرٍ.
وقُتل من بني الحارث بن كعب:
(٥٦) الضباب بن عامر.
وقُتل من بني خثعم:
(٥٧) عبد الله بن بشر...
(٥٨) وسويد بن عمرو بن المطاع.
وقُتل:
(٥٩) بكر بن حيّ التيمليّ، من بني تيم الله بن ثعلبة.
(٦٠) وجابر بن الحجّاج، مولى عامر بن نهشل.
(٦١) ومسعود بن الحجّاج.
(٦٢) وابنه: عبد الرحمان بن مسعود.
وقُتل من عبد الله:
(٦٣) مجمع بن عبد الله.
(٦٤) وعائذ بن مجمع.
وقُتل من طيّ:
(٦٥) عامر بن حسّان بن شريح.
(٦٦) وأميّة بن سعد.
وقُتل من مراد:
(٦٧) نافع بن هلال الجملي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
(٦٨) وجنادة بن الحارث السلماني.
(٦٩) وغلامه: واضح الرومي.
وقُتل من بني شيبان بن ثعلبة:
(٧٠) جبلّة بن عليّ.
وقُتل من بني حنيفة:
(٧١) سعيد بن عبد الله.
وقُتل من جواب:
(٧٢) جندب بن حجير.
(٧٣) وابنه: حجير بن جندب.
وقُتل من صِيدا:
(٧٤) عمرو بن خالد الصِّيداوي.
(٧٥) وسعد، مولاه.
وقُتل من كلب:
(٧٦) عبد الله بن عمرو بن عياش.
(٧٧) وأسلم، مولى لهم.
وقُتل من كِندة:
(٧٨) الحارث بن امرئ القيس.
(٧٩) ويزيد بن زيد بن المهاصر.
(٨٠) وزاهر، صاحب عَمرو بن الحمق، وكان صاحبه حين طلبه معاوية.
وقُتل من بجيلة:
(٨١) كثير بن عبد الله الشعبي.
(٨٢) ومهاجر بن أوس.
(٨٣) وابن عمّه: سلمان بن مضارب.
وقُتل:
(٨٤) النعمان بن عمرو.
(٨٥) والحلّاس بن عمرو، الراسبيّان.
وقُتل من خرقة جهينة:
(٨٦) مجمع بن زياد.
(٨٧) وعبّاد بن أبي المهاجر الجهني.
(٨٨) وعقبة بن الصلت.
وقُتل من الأزد:
(٨٩) مسلم بن كثير.
(٩٠) والقاسم بن بشر.
(٩١) وزهير بن سليم.
(٩٢) ومولى لأهل شندة يدعى رافعاً.
وقُتل من همدان:
(٩٣) أبو ثمامة، عمرو بن عبد الله الصائدي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
(٩٤) و(بُرير بن خُضير).
(٩٥) وحنظلة بن أسعد الشبامي.
(٩٦) وعبد الرحمان بن عبد الله الأرحبي.
(٩٧) وعمّار بن سلامة الدالاني.
(٩٨) وعابس بن أبي شبيب الشاكري.
(٩٩) وشوذب، مولى شاكر، وكان متقدّماً في الشيعة.
(١٠٠) وسيف بن الحارث بن سريع.
(١٠١) ومالك بن عبد الله بن سريع.
(١٠٢) وهمام بن سلمة القانصي.
وارتُثَّ من همدان:
(١٠٣) سوار بن حمير الجابري، فمات لستّة أشهر من جراحته.
(١٠٤) وعمرو بن عبد الله الجندعي، مات من جراحة كانت به، على رأس سنة.
وقُتل:
(١٠٥) هانئ بن عروة المرادي، بالكوفة.
وقُتل من حضرموت:
(١٠٦) بشير بن عمر.
(١٠٧) وخرج الهفهاف بن المهنّد الراسبي، من البصرة، حين سمع بخروج الحسين عليه السلام، فسار حتى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخل عسكر عمر بن سعد، ثم انتضى سيفه، وقال: «يا أيّها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغي عيال محمّد» ثم شدّ فيهم... (فقاتل حتّى قُتل رحمه الله).
اليمانيّون في كربلاء
تغليب العقيدة على نظام المصالح
* كتاب (أنصار الحسين عليه السلام) للعلامة الراحل الشيخ محمّد مهدي شمس الدين، دراسةٌ عن شهداء الثورة الحسينية ورجالها من الهاشميّين وغيرهم، ممّن استُشهد في الكوفة أو في البصرة، أو في واقعة الطف في كربلاء مع الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام، والتعريف بهم وبيان ما يتعلّق بالوضع الشخصي لكلّ واحد منهم.
اشتملت هذه الدراسة على الدلالات المستفادة من المعلومات المتعلقة بشخصيات الشهداء ومواقعهم الاجتماعية، وعلاقة المَوالي بالثورة، ووضع المجتمع والدولة، وظروف المعركة وما سبقها وما تلاها. صدر الكتاب لأول مرة عن «دار الفكر» في بيروت سنة 1975م.
ما يلي، مقتطف من بعض فصول هذا الكتاب القيّم (ص 196 – 205)، تناول فيه سماحته حضور اليمانيّين (عرب الجنوب) ودورهم في النهضة الحسينية المقدّسة، ودلالات ذلك على مستوى الاجتماع السياسي.
«شعائر»
يغلب على الثوار غير الهاشميين أنّهم من اليمن، من عرب الجنوب. وربما كان هذا مؤشّراً إلى أنّ الذين بايعوا مسلم بن عقيل كان أكثرهم من عرب الجنوب. لقد كانوا - فيما يبدو - يمثّلون القسم الأكبر من جمهور الثورة.
ولعلّ من مؤشّرات ذلك أنّ مسلم بن عقيل تحوّل - حين جاء عبيد الله بن زياد إلى الكوفة من بيت المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو من مضر (عرب الشمال) - إلى منزل أحد كبار زعماء عرب الجنوب في الكوفة (هاني بن عروة المرادي).
ولعلّ من أعظم المؤشّرات دلالةً على ذلك أيضاً، أنّ عبيد الله بن زياد حين أراد إلقاء القبض على مسلم بن عقيل بعد (تخاذل الناس عنه) في الكوفة، اختار الجنود الذي أرسلهم لهذه المهمّة من عرب الشمال، من قيس، ولم يكن فيهم أحد من عرب الجنوب، من اليمن، على الإطلاق، وإن كان قد جعل عليهم قائداً من اليمن، هو عبد الرحمن بن الأشعث.
وإذا كانت حركة مسلم بن عقيل، في الكوفة قد تميّزت بهذه الظاهرة اليمنيّة، فإنّنا نلاحظ أمراً عظيم الدلالة بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام، عندما أعلن رفضه لبيعة يزيد بن معاوية في الحجاز.
فعندما عزم الحسين صلوات الله عليه، على الخروج من المدينة إلى مكّة، ثمّ عندما عزم على الخروج من مكّة إلى العراق، وفي طريقه إلى العراق، تلقّى «نصائح» من رجال متنوّعي العقلية والاتجاهات تُجمع على أمر واحد؛ هو أن يتوجّه الحسين عليه السلام - بدلاً من العراق - إلى اليمن.
تلقّى هذه النصيحة من أخيه محمّد بن الحنفية عشية توجّهه من المدينة إلى مكّة، وتلقّاها من عبد الله بن عباس في مكّة، وتلقّاها من الطرماح بن عديّ الطائي، وذلك حين لقيه في عذيب الهجّانات، وقد جاء دليلاً لأربعة نفر من أهل الكوفة لحقوا بالحسين عليه السلام بعد مقتل مسلم بن عقيل.
بل إنّنا نجد هذه الظاهرة (اليمنية) تستمرّ إلى ما بعد كربلاء، وبعد يزيد بن معاوية، لتنشر ظلّها على الأحداث. فقد خلع أهل الكوفة - بعد موت يزيد بن معاوية - ولاية بني أميّة وإمارة ابن زياد، وأرادوا أن ينصبوا لهم أميراً إلى أن ينظروا في أمرهم:
فقال جماعة: «عمر بن سعد بن أبي وقّاص يصلح لها، فلمّا همّوا بتأميره أقبل نساء من همدان وغيرهنّ من نساء كهلان والأنصار وربيعة والنخع، حتى دخلن المسجد الجامع صارخات باكيات معولات يندبن الحسين، ويقلن: أمَا رضيَ عمر بن سعد بقتل الحسين حتى أراد أن يكون أميراً علينا على الكوفة، فبكى الناس، وأعرضوا عن عمر. وكان المبرّزات في ذلك نساء همدان». (مروج الذهب:3/93).
هذه الظاهرة (اليمنية) في الثورة الحسينية المقدّسة تدفعنا إلى الملاحظة التالية، وهي: أنّ نسبة الزيادة في عرب الجنوب بالنسبة إلى عرب الشمال في القوة الثائرة في كربلاء، وإن كانت محدودة جداً، فإنّها، مع ذلك، تصلح أن تكون علامة قيّمة على (قوّة حضور) الثورة الحسينية من الناحية العقيدية والمبدئية (في نفوس الناس). فمع أنّ معاوية منذ اكتشف أنّ «مُضَر»، منحرفة عنه، أخذ يعتمد في دولته على العنصر اليمني، وكذلك من بعده ابنه يزيد، وأمّه يمنية من كلب؛ مع هذا نجد أنّ نسبة عرب اليمن في الثورة أكبر من نسبة عرب الشمال.
إنّ الثورة عمل سياسي، وقد كان من الطبيعي جدا أن يتمّ هذا العمل السياسي وفقا لأصول العمل السياسي التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك، وذلك بأن تكوّن الثورةُ جمهورَها من خلال منطق الصراع القبلي، وأن تتعامل مع هذا الجمهور من خلال هذا المنطق، ولكن ما حدث كان على خلاف ذلك، فقد تكوّن جمهور الثورة على مهل نتيجةً لوعي الواقع على ضوء المبدأ الاسلامي، وقد تعاملت الثورة مع هذا الجمهور من خلال قناعاته العقيدية لا من خلال غرائزه القبلية.
هل يعني هذا أنّ عرب الشمال كانوا بعيدين عن الثورة؟
من المؤكّد أنّ هذا الاستنتاج لا صحّة له على الإطلاق، ومن المؤكّد أنّ عرب الشمال كانوا يكوّنون من جمهور الثورة عنصراً كبيراً، وإن كنّا لا نستطيع أن نجد في الثورة ظاهرة (مُضَرية) أو ظاهرة (عدنانية)، بل نلاحظ أنّ بعض النصوص يشير إلى دورٍ بارز قامت به بعض عناصر عرب الشمال، وهم القيسيّون، في مساندة السلطة لقمع الثورة الحسينية. نذكّر في هذا المجال بما تقدّم من أنّ القوة التي قبضت على مسلم بن عقيل كانت من قيس. (الطبري:5/ 373).
وثمّة نصّ شعريّ عظيم القيمة يضيء الموقف القبلي، فهو يبيّن أّن قيساً هي الغريم الأكبر مسؤولية في قتل الحسين: قال سليمان بن قته المحاربي التابعي، من جملة شعر له في رثاء الحسين عليه السلام:
وإنّ قتيلَ الطفِّ من آلِ هاشم |
أَذَلَّ رقابَ المسلمين فذلّتْ |
وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا |
سنَجزيهم يوماً بها حيث حلّتْ |
فالشاعر في رثائه الحسين عليه السلام يذكر قيساً (قيس عيلان بن مضر) ويذكر غنيّاً (من غطفان، من قيس عيلان) ويحمّلهما مسؤولية مقتل الحسين عليه صلوات الله، ويهدّد بالانتقام.
لقد كان ثوار كربلاء جمهوراً صغيراً، بجناحيه من عرب الجنوب وعرب الشمال، ولكنّه كان يمثّل النخبة، فيجب أن نلاحظ أنّ كثيراً من الثائرين لا يمثّلون - عددياً - أشخاصهم، أو أُسَرهم، وإنّما يمثّلون، فيما وراء ذلك، جماعات كبرى من القبائل.
ولأنّ الثوّار يمثّلون النخبة، فقد كانوا قادرين على السيطرة على الموقف لو قُدّر للثورة أن تنتصر، وتمكّنوا من الاستيلاء على الحكم، وكانوا قادرين - إذا لم يتح لهم النصر - كما حدث في الواقع - أن يفجّروا طوفاناً من الغضب ضدّ الحكم المنحرف في قلوب جماهير غفيرة الناس، وأن يضعوهم على طريق الوعي الحقيقي، وأن يجعلوا منهم جمهوراً يغذّي الثورات باستمرار، وهذا ما حدث في الواقع.
نقدّر أنّ رجال النظام الأموي قد اكتشفوا هذه الحقيقة، وقرّروا أن يواجهوها. وهذا هو ما يفسّر لنا الأسلوب الذي اتّبعوه في معالجة الثورة وسحقها بشكلٍ وحشيٍّ، لا تدعو إليه ضرورة عسكرية، ولا تقضي به ضرورة الأمن.
فقد اتّبعت طريقة شاذّة وغير مألوفة في قتل عدد من شخصيات الثائرين في الكوفة. فقد ضربت عنق مسلم بن عقيل، ثم رُمي به من أعلى القصر إلى الأرض فتكسّرت عظامه.
وضربت عنق هاني بن عروة في السوق بعد أن شُدّ كِتافاً، ثم جرّاً بأرجلهما في سوق الكوفة.
وعبد الله بن بقطر رمي به من أعلى القصر فتكسّرت عظامه، وبقي به رمق فذُبح.
وقيس بن مسهّر الصيداوي؛ أمر عبيد الله بن زياد أن يُرمى به من فوق القصر، فرُمي به، فتقطّع فمات.
وفيما بعد، اتّبعت طريقة السحق الوحشي الذي لا يُبقي ولا يذر بالنسبة إلى جماعة الثوار الصغيرة في كربلاء. فمع أنّ العدد محدود للغاية، حُشد له من القوة العسكرية عددٌ كبير جداً، ووُضع العراق كله في حالة تأهّبٍ قصوى، وحُكم العراق كلّه حكماً عرفياً. لقد أرادت السلطة أن تحترز من وقوع أيّ خطأ يجعل أحداً من هذه العناصر القيادية الخطرة يتسرّب من قبضتها.
ثمّ كانت إجراءات قمع الثورة وسحقها تشتمل على تصرّفات شاذّة لا تقضي بها أيّة ضرورة عسكرية. لقد حوصر الثائرون، وحِيل بينهم وبين أن تصل إليهم أيّة معونة، وعُذّبوا مع أطفالهم ونسائهم بالعطش، ثمّ قُتلوا، ثمّ رُضّت أجسادهم بحوافر الخيل، ثمُ قُطعت رؤوس العناصر البارزة في المجتمع الإسلامي من الثوار، ثمّ سُبيت نساؤهم، والهاشميات منهم بوجه خاص.
لماذا كلّ هذه الوحشية التي لا لزوم لها على الإطلاق؟
لقد أرادت السلطة أن تجعل هؤلاء الثائرين عِبرةً لغيرهم، وأرادت أن تُحدِث تأثيراً نفسياً محطّماً في العناصر (الشاذة) في القبائل، لقد أرادت أن تحطّم المناعة النفسية في البؤر الثورية في كلّ العرب، في عرب اليمن - وهم الذين كبرت على السلطة ثورتهم، وهم المقرّبون من الدولة وأهل السلطان - وفي عرب الشمال.
لقد تصرّفت السلطة مع الثوّار بوحشية تُضرب بها الأمثال، فقد اكتشفت أنّ الثورة اجتذبت بسهولة عناصر قيادية كان يجب أن تكون موالية (زهير بن القين البجلي، وأمثاله)، لأنّها من قمّة الهرم الاجتماعي، من (الأشراف) رؤساء القبائل، وأحسَّ الزعماء القبليون التقليديون أنّ سلطانهم على قبائلهم سيذهب إذا تعاظم هذا التيار وكُتب له النصر، فتعاونوا مع السلطة بإخلاص كبير، وحماس شديد، حفظاً لمصالحهم في السلطان والزعامة.
إنّ الأسلوب الذي اتّبعته السلطة مع الثوّار لم تدعُ إليه ضرورة عسكرية، لقد كان عملاً سياسياً يراد منه جعل الثائرين عبرة لغيرهم، وهو يشبع - في الوقت نفسه - روح الانتقام والحقد.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.