الوسواس الخنّاس
طاعته غلَبة الوهم، واضطراب الفكر
____ المرجع الديني الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدّس سرّه ____
الوسواس الذي أمر بالاستعاذة منه ربّ الناس في سورة (الناس)، هو عبارة عن حالة في الإنسان تمنعه عن الثبات والاطمئنان، وهو كالجنون له فنون، ومنشأه غلَبة الوهم، واضطراب الفكر؛ فقد يرى الإنسان نفسه بأشدّ المرض وهو في كمال الصحّة، أو بأشدّ الخوف وهو في غاية الأمن، ويرى عمله فاسداً وهو صحيح، وغير فاعل لشيء عند الفراغ من فعله، ويرى الطاهر نجساً، والحلال حراماً وبالعكس فيهما.
ويقع في المعاملات، وإن كان معظم بلائه في العبادات، وقد يقع في العقائد الأصوليّة، فلا يطمئنّ إليها، وفي الدلائل الشرعيّة فلا يعتمد عليها، وأقوى البواعث على حصوله غالباً في العبادات الرياء.
ثمّ يقوى ويتحكَّم فيتسلَّط عليه الشيطان، ويرفع عنه الاطمئنان، وهو مرض عظيم قد ينتهي بصاحبه إلى الجنون.
إن وقع في العقائد أفسد الاعتقاد، أو في المعاملات أو في العبادات أورث فيها الفساد، فيكرّر القول أو الفعل فيهما، ولا يعيّن القصد بواحد منهما.
وإن تعلَّق بالبدن تمارض طول الزمن، أو تعلَّق بسوء الظنّ أقام بين الخلق نائرة الفتن، فيجب تصفيته منه، وإبعاد الشيطان برفعه عنه.
وهو من ذميم الصفات المعدودة عند العقل والشرع من المحظورات، وفيه مع قبحه في ذاته مفاسد عظيمة:
منها: أنّه حيث كانت عقيدته تصويب فعله وتخطئة فعل غيره ربما آل أمره إلى إنكار ضروريّ المذهب أو الدين، فإنّ من الأمور الضروريّة عدم وجوب ما أوجبته الوسواسيّة.
ومنها: القدح في أعمال سيّد الأُمّة وجميع أفعال الأئمّة. وهذان الوجهان قاضيان بالخروج عن الإيمان.
ومنها: أنّه يلزمه بالبناء على الحكم بوجوب فعله أو ندبه مثلًا التشريع في الدين، والدخول في زمرة العاصين.
ومنها: أنّه يتضمّن غالباً سوء الظنّ بالمسلمين، حتّى ينجرّ إلى العلماء العاملين، فيحكم بنجاستهم وبطلان عبادتهم.
ومنها: أنّه لا يستقرّ له عزم ونيّة على عمل خاصّ، لأنّ تكريره لعبادته أو معاملته باعث على عدم صحّة عزمه ونيّته.
ومنها: أنّه قد يكرّر العمل في الصلاة، فيدخل في الفعل الكثير أو القول الماحي لصورة الصلاة، أو الداخل في كلام الآدميّين، وإن كان من القرآن أو الذكر، لتوجّه النهي عنه، لكونه وسواساً.
ومنها: أنّه كثيراً ما يصدر منه حركات تمحو صورة العبادة.
ومنها: أنّه كثيراً ما يدعو صاحبه إلى التجرّؤ على المعاصي بتأخير الفرائض عن أوقاتها لطول الاشتغال بمقدّماتها أو الشكّ في أوقاتها، أو إلى ترك كثير من الواجبات بطول الاشتغال ببعضها، أو إلى كثرة التصرّف بالماء حتّى يؤول إلى الإسراف، أو حتّى لا يرضى صاحب الحمّام مثلًا، أو إلى تمريض البدن بكثرة مباشرة الماء ونحوه.
ومنها: أنّه قد عبد الشيطان، أو شركه في عبادة الرحمن.
ومنها: أنّه قد شغل بوسواسه عن الإخلاص في العبوديّة، وتدبّر المعاني القرآنيّة وغير القرآنيّة.
_______________________________
* (كشف الغطاء: 1/311)