زيارة مَن لا ضريحَ لها
أعمال ومراقبات شهر جمادى الأولى
إعداد: «شعائر»
هل نلتزم بآداب الزيارة التي أوردها الفقهاء في كتبهم، عندما نزور المسجد النبويّ أو مرقد أحد من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام؛ بدءاً من الغسل قبل التشرّف بالحضور بين يدي المعصوم، ثمّ طلب الإذن عند الدخول عليه، وكذلك الآداب القلبية من الاجتهاد في تحصيل الرّقّة والخضوع والانكسار، والتفكير في عظَمة صاحب المرقد المنوّر وجلاله؟... ولكن ثمّة سؤال آخر يتبادر إلى الأذهان، وهو: هل تشرّفتَ بزيارة مشكاة النور سيّدة نساء العالمين، فاطمة عليها السّلام، أمّ ابيها وأُمّ مَن نزور من الأئمّة عليهم السّلام؟
هذا السؤال يطرق قلبَ كلّ موالٍ ويملأه غصّة ولوْعة، لا سيّما مع هلال جمادى الأولى، ذكرى شهادة السيدة الزهراء عليها السلام.
روى الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجّد: ص 452)، عن محمد العُريضي –وهو من أحفاد الإمام الصادق عليه السلام- قال: حدثني أبو جعفر (الإمام الجواد عليه السلام) ذات يوم، قال: «إذا صرتَ إلى قبر جدّتك فقُل: يا ممتحنةُ، امتحنكِ الذي خلقَكِ قبلَ أن يَخلقكِ، فوجدكِ لِما امتحَنكِ به صابرة، وزعَمْنا أنّا لكِ أولياءُ ومصدِّقونَ، وصابرون لكلّ ما أتانا به أبوكِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأتى به وصيُّه عليه السلام، فإنّا نسألُكِ إنْ كنّا صَدَقْناكِ (صدَّقْناكِ) إلا ألْحَقْتِنا بتصديقنا لهما، لِنُبشِّرَ أنفسَنا بأنّا قد طَهُرنا بولايتكِ».
***
في الثالث عشر من جُمادى الأولى سنة 11 للهجرة: كانت شهادة الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمّ الائمة الأطهار عليهم السّلام، على الرواية بأنها مكثت 75 يوماً بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله.
يقول الإمام الخميني قدّس سرّه عن الصدّيقة الكبرى السيدة فاطمة عليها السلام: «ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء المَرْضِيّة والصدّيقة الطاهرة، سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهية حتى ذُروتها، وهو ما لم يبلُغْه سوى أولي العزم من الأنبياء والخلّص من الأولياء؛ كالمعصومين عليهم صلوات الله».
ويُستحبّ إقامة مأتمها، وزيارتها عليها السلام في هذا اليوم بإحدى الزيارات الواردة في كتب الدعاء، وقد أدرج المحدّث الشيخ عباس القمّي في (مفاتيح الجنان) عدّة زيارات لها ضمن أعمال يوم الجمعة ومستحبّات جمادَى الآخرة، وعقب زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحرم النبويّ الشريف، [انظر: الملف من هذا العدد، وباب حوارات، وصفحة شِعر]
5 جمادى الأولى: إشراقة نور في بيت أمير المؤمنين
الخامس من جمادى الأولى سنة 5 للهجرة: ولادة السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام. ومن المناسب زيارتها في هذا اليوم الشريف بالزيارة التالية:
«السّلام عليكِ أيَّتُها السيدةُ الزَكِيّةُ، الطاهرةُ الوَلِيَّةُ، وَالداعِيةُ الحَفِيَّةُ، أشهَدُ أنكِ قُلتِ حَقَّاً، وَنَطَقتِ صِدقاً، وَدَعَوتِ إلى مَولايَ وَمَولاكِ عَلانِيَةً وَسِراً، فازَ مُتَّبِعُكِ، وَنجَا مُصَدِّقُكِ، وَخابَ وَخَسِرَ مُكَذِّبُكِ والمتُخَلِّفُ عَنكِ، اشهَدِي ليِ بهِذهِ الشَهادَةِ لِأكُونَ مِنَ الفائزينَ بِمَعرفَتِكِ وَطاعَتِكِ وَتَصدِيِقكِ وَاتِّبَاعِكِ، وَالسّلامُ عَلَيكِ يا سَيِّدَتي وَابْنَةَ سَيِّدِي، أنتِ بابُ اللهِ المُؤتى مِنهُ وَالمأخوذُ عَنهُ، أتَيتُكِ زائراً وَحاجاتي لَكِ مُستَودِعاً، وَها أَنَا ذا أستَودِعُكِ دِيني وَأمانَتي وَخوَاتِيْمَ عَمَلِي وَجَوامِعَ أمَلِي إلى مُنتَهَى أجَلِي، وَالسّلامُ عَليَكِ وَرَحمة اللهِ وَبَرَكَاتُه». [راجع باب بصائر من هذا العدد]
يوم النصف من جمادى الأولى: استحباب الصيام
اليوم الخامس عشر من جمادى الأولى يوم شريف يستحبّ فيه الصيام والتطوّع بالخيرات، وفيه كان فَتْح أمير المؤمنين البصرة سنة 36 للهجرة، وكان نُزول النصر من الله الكريم، وفيه على رواية مولد الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام في سنة 38 للهجرة، ويستحبّ زيارتهما في هذا اليوم.
آداب الزيارة
قال الإمام الرضا عليه السّلام :«إنّ لكُلّ إمامٍ عهداً في عُنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء، زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّته شفعاءَه يومَ القيامة».
لزيارة المعصوم عليه السلام آداب ومستحبّات لا بدّ من مراعاتها، فلكلٍّ منها تأثيره فى توفيق الزيارة، لا سيما مع الالتفات إلى ملكوت المستحبّ؛ فإنّ الغسل الظاهريّ، مثلاً، قد يوجب الطهارة الباطنية مع الالتفات، وملاحظة ما ورد من الدعاء أثناءه: «...اللّهُمَّ طَهِّرْ بِهِ قَلْبِي وَاشْرَحْ بِهِ صَدْرِي..».
ومن أهم آداب الزيارة:
* استحضار معنى الإذن بالدخول: رُوي أنّ البكاء أو الرقّة من علامات الإذن، وإلا، فلا بدّ من المكوث خارج الحرم ليأتي الجواب بالعلامة المذكورة.
* التفكّر في معنى الزيارة: استحضار معنى الزيارة وأنها الوقوف بين يدي المزور كإحساس وجدانيّ، والحال أنه يسمع الكلام ويردّ السلام..
* الانشغال بالذِّكر: الزيارة ماشياً قدر الإمكان وبتوجّه، واختيار الطرق التي تقلّ فيها المشغلات الدنيوية، فإنّ كثرة الانشغال بعالَم الكثرات يوجب فقدان التركيز في الحرَم، والحال أن الزائر أحوج ما يكون إلى التركيز. والذهاب إلى الحرم منشغلاً بذكر الله تعالى والصلوات والأذكار اللّسانية مع مماشاة القلب لذلك أيضاً.
* استغلال ساعات الفراغ: استغلال ساعات الفراغ في المنزل بالمطالعة النافعة مثلاً. وحبّذا لو التزم الزائر بختمة للمعصوم أيامَ اقامته، فإنّ هذه خير هدية يقدّمها، وخاصة اذا كان مع حضور القلب والفكر.
* الحديث المسترسل: الحديث النابع من صفاء الفطرة، أي الحديث الأبويّ معهم، فإنّ مقام الأبوّة الثابتة للنبيّ وأمير المؤمنين عليه السلام يشمل أولادهما الكرام، أيضاً، بنفس الملاك.
* التنويع في موجبات الفيض: التنويع في الحرَم بين مختلف روافد الفيض من: الدعاء، والقرآن، والصلاة. ولا بدّ من تقديم ما يناسب المزاج.
* العِبرة بالكَيف: ركعتان مقتصدتان بتوجّه خيرٌ من قيام الليل كلّه والقلبُ ساه، كما هو مستفاد من مضامين الزيارات، ومن المناسب أن يُكثر الزائر من سجدات الشكر، لا سيّما إذا حصل له إقبال شديد في المشهد المبارك.
* عدم التعويل على الحالات القلبية: عدم الاعتناء بحالات الإقبال القلبيّ فقط مجرّداً عن العمل، فإنّ هذه الحالات من لوازم الضيافة الإلهيّة عند المعصوم، ومن الطبيعيّ أن تزول بعد مغادرة تلك المشاهد. ومن المعلوم أن تغيير الملَكات الباطنية أهمّ من الإقبال القلبيّ المتقطّع، وهذا ممّا يُوجب البُعد عن العُجب المهلِك.
***
جئتُهم أسعى إلى بابهم
أنشد الفقيه والنحويّ علم الدين السخاوي أبياتاً من الشعر، هي من جميل ما ينبغي أن يُتمثّل به في الزيارة:
قالُوا غَداً نَأْتِي دِيارَ الحِمى
|
وَيَنْزِلُ الرَّكْبُ بِمَغْناهُمُ
|
فكُلُّ مَنْ كانَ مُطيعاً لَهُم
|
أَصْبَحَ مَسْرُوراً بِلُقْياهُمُ
|
قُلْتُ فَلِي ذَنْبٌ فَما حِيلَتِي
|
بِأَيّ وَجْهٍ أَتَلَقَّاهُمُ
|
قالُوا أَلَيْسَ العَفْوُ مِنْ شَأْنِهِم
|
لا سِيَّما عَمَّنْ تَرَجَّاهُمُ
|
فَجِئْتُهُمْ أَسْعى إِلى بابِهِم
|
أَرْجُوهُمُ طَوْراً وَأَخْشاهُمُ
|
(مفاتيح الجنان: آداب الزيارة)