حوارات

حوارات

منذ أسبوع

الصدّيقة فاطمة الزهراء ومقام الولاية الإلهية

 

مع العلامة الأميني (صاحب الغدير)

الصدّيقة فاطمة الزهراء ومقام الولاية الإلهية

ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ

يعتقد المسلمون من أتباع أهل البيت عليهم السلام، بمقتضى ما جاء عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، والأئمّة من ذريّته عليهم السلام من مرويات صحيحة، بمقام ملكوتيٍّ رفيع للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، أقلّ ما يقال عنه إنّه مقام الإنسان الكامل. ويشترك معهم في هذا الاعتقاد كلّ من صدّق بالأحاديث الذي أوردها جمعٌ من المحدّثين من غير الشيعة بهذا الخصوص.

وقد تصدّى لبيان مناقب الصدّيقة الكبرى عليها السلام من تلك المرويّات العلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة (الغدير)، وذلك في سلسلة من الدروس الخاصّة ألقاها بالفارسية، خلال سفره إلى طهران أواسط ستينيات القرن الماضي، وقد جُمعت في كتاب عنوانه (المعصومة الكاملة فاطمة الزهراء عليها السلام)، ثمّ قام بترجمته وإصداره بالعربية مركز «باء للدراسات» في بيروت.

ما يلي، حوار افتراضي مع صاحب الكتاب حول بعض المطالب التي وردت فيه.

 

س: يذهب جمع من علماء المسلمين السنّة إلى اعتبار أن «آية التطهير» (الآية 33 من سورة الأحزاب) مختصّة بنساء النبيّ صلّى الله عليه وآله، فما قولكم؟

ج: بين أيدينا روايات متواترة تتحدّث حول آية التطهير، وأنّها نزلت في بيت أمّ سلَمة حين كان الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله والصدّيقة الزهراء وأمير المؤمنين والحسنان صلوات الله عليهم في تلك الأثناء عندها، وأنّ أمّ سلمة طلبت بعد نزول الآية من الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله أن تدخل معهم تحت الكساء، وأنّ الرسول قال لها: «مكانكِ، وأنتِ على خير».

وقد نَقل سبب نزول هذه الآية جملة من الصحابة؛ منهم سعد بن أبي وقّاص، وأنَس بن مالك، وابن عبّاس، وأبو سعيد الخدريّ، وعمر بن أبي سلَمة، وغيرهم.

كذلك نقل هذه الرواية حوالى ثلاثمائة شخص من غير الصحابة، أشاروا إلى أنّ مكان نزول هذه الآية هو بيت أمّ سلَمة، ونحن قد تعرّضنا -بشكل مفصّل في كتاب (الغدير)- لشرح أحوال هؤلاء الثلاثمائة الذين عاشوا في قرون مختلفة، وجميعهم نقلوا نصوصاً عن النبّي الأكرم صلّى الله عليه وآله، حين سُئل بعد نزول آية التطهير، في شأن من نزلت؟ فقال صلّى الله عليه وآله:  «أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».

س: لكنّ التابعي عكرمة بن عبد الله رأى أنّه بحسب السياق القرآني؛ فإنّ المقصودات بالتطهير هنّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله!

ج: اتّفقت كلمة جميع علماء التفسير ورجال الحديث على أنّ سند عِكرمة لا اعتبار له، وأنّ استدلاله بالسياق ليس استدلالاً صحيحاً، وذلك بملاحظة أنّ ضمائر آية التطهير الشريفة كلّها بصيغة «المذكّر»، وضمائر الآيتين اللّتين وقعتا قبلها وبعدها بصيغة «المؤنّث»، وعليه، فمع تبدّل صيغة الضمير من المؤنّث إلى المذكّر، في آية التطهير، لا يصحّ أن تكون الآية متعلّقة بزوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله.

س: قلتم في دروسكم المثبتة في كتاب (المعصومة الكاملة) أنّ الزهراء عليها السلام هي «سرّ الخلق» كيف قرّرتم ذلك؟

ج: نستنتج ذلك بقوّة من خلال التدبّر في قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..﴾ [البقرة:37]، وفي الروايات والأحاديث التي وردت بشأنها، فكما أنّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام هم سبب الخِلقة، أي لأجلهم خلَق الله الأفلاك والعوالم، كذلك كانت الصدّيقة الزهراء عليها السلام.

ومن الروايات في خصوص الآية، ما رواه جمعٌ من حفّاظ العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «سألتُ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عن قول الله: ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، فقال: إنّ الله أهبط آدم بالهند وحواء بجّدة.. -إلى أن قال- حتّى بعثَ اللهُ إليه جبريلَ، وقال: يا آدم! ألم أخلُقْكَ بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أُسجِد لك ملائكتي؟ ألم أزوّجك حوّاء أمَتي؟ قال: بلى.

قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أُخرجتُ من جوار الرحمن؟

قال: فعليك بهؤلاء الكلمات، فإنّ اللهَ قابلُ توبتِك، وغافرُ ذنبِك. قلْ: (اللّهُمّ إنّي أسألك بحقّ محمّدٍ وآل محمّد، سبحانكَ لا إلهَ إلا أنت، عملتُ سوءاً وظلمتُ نفسي، فاغفِرْ لي إنّك أنتَ الغفور الرحيم)، فهؤلاء الكلماتُ التي تلقّى آدم».

لقد سلّى الله تعالى آدم، وعوّضه عن إبعاده عن جوار رحمته من خلال التمسّك بهذه الكلمات أن خصّه بعلوّ القدْر والمنزلة، ومجاورة الرّحمن، ونيل الفردوس والجنان، وجبران تلك النعمة التي حُرم منها.

س: اعتبرتم أيضاً أنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ..﴾، من الآيات التي يمكن من خلالها إثبات ولاية الصدّيقة الكبرى سلام الله تعالى عليها، كيف ذلك؟

ج: الأمانة التي عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبينَ حملها، هي ولاية النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والأئمّة من بعده عليهم السلام، ففي رواية ينقلها المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، يقول: «إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خلقَ الأرواحَ قبل الأجساد بألفَي عام، فجعل أعلاها وأشرفَها أرواحَ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ والأئمّةِ من بعدهم، فعرضَها على السماوات والأرض والجبال فَغَشِيَها نورُهم» -إلى أن تقول الرواية عن المولى تبارك وتعالى: «..فولايتُهم أمانةٌ عندَ خلقي، فأيّكم يحملُها بأثقالها ويدّعيها لنفسه... فأبتِ السماوات والأرض والجبال أن يحمِلْنَها، وأشفَقْنَ من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها...».

مقام الصدّيقة الكبرى في المرويات

س: ما تقدّم كان استفادة من بعض آيات القرآن الكريم في فضل مولاتنا الزهراء عليها السلام ومنزلتها، فماذا عن الروايات الدالّة على هذا الأمر؟

ج: الأخبار والأحاديث الموثّقة الواردة عن الفريقين الشيعة والسنة في فضل الصدّيقة عليها السلام تنقسم إلى قسمين:

1) الأحاديث التي نُقلت في ذيل الآيات الشريفة.

2) سائر الروايات التي وردت في شأن الصدّيقة عليها السلام. وهذا القسم الثاني ينقسم أيضاً إلى طائفتين:

الأولى: الروايات الواردة في اشتراك السيدة الزهراء في الفضل والمنقبة مع الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين، والحسنين عليهم السلام.

والمجموعة الأخرى: الأحاديث الخاصّة بها وبفضائلها عليها السلام.

س: ما هو المقام الذي تضع فيه هذه المرويات الصدّيقةَ الزهراء عليها السلام؟

ج: إنه مقامٌ عالٍ جدّاً، وسأذكر بعض العناوين:

«أنّها عليها السلام إحدى عِلل الخلق».

«أنّ اسمها الشريف مكتوبٌ على ساق العرش وعلى باب الجنّة».

«أنّها عليها السلام مع أبيها صلّى الله عليه وآله، وزوجها وأبنائها عليهم السلام، سببُ هداية الناس وقدوتهم، وأنّهم أهمّ مَن يُستمسَك ويُتوسّل بهم عند الحاجة».

س: هل هذا الصنف من الروايات أورده علماء الشيعة، فحسب؟

ج: أبداً، فقد رواها الفريقان، وإليك رواية عن أبي هريرة نقلها كلّ من شيخ الإسلام الحمويني في (الفرائد)، والحافظ الخوارزمي في (مناقبه)، وغيرهم، وهي تتضمّن مناقب جليلة يشترك فيها المعصومون الخمسة: عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، قال:

«لمّا خلق اللهُ تعالى آدمَ، أبا البشر، ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يَمنة العرش فإذا في النور خمسةُ أشباحٍ سجّداً وركّعاً. قال آدم: هل خلقتَ أحداً من طين قبلي؟!

قال تعالى: لا يا آدم.

قال: فمَن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟!

قال: هؤلاء خمسة من وُلدك، لولاهم ما خلقتُك، هؤلاء خمسة شققتُ لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقتُ الجنّة والنار، ولا العرشَ ولا الكرسيّ، ولا السماءَ ولا الأرض، ولا الملائكةَ ولا الإنس ولا الجنّ، فأنا المحمودُ وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمة، وأنا الإحسانُ وهذا الحسن، وأنا المحسِن وهذا الحسين، آليتُ بعزّتي أن لا يأتيني أحدٌ بمثقال ذرّةٍ من خردلٍ من بُغض أحدهم، إلّا أُدخله ناري ولا أبالي.

يا آدم! هؤلاء صفوتي، بهم أنجيهم، وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليّ حاجة، فبهؤلاء توسّل».

يظهر من هذه الرواية أنّه لا يوجد أدنى فرق بين هؤلاء الخمسة -في ما يتعلّق بالمناقب المشتركة- فلهم المقام الواحد، بيدَ أن أفضلية أحدهم على البقية ترجع إلى اعتبارات ثانية. ولو لم يكن لهؤلاء الخمسة إلّا هذه المناقب التي صرّحت بها الرواية، لكان كلٌّ منهم أفضل وأعظم من جميع الأنبياء والصدّيقين، منذ آدم حتّى خاتَم النبيّين صلّى الله عليه وآله.

س: وماذا عمّا ذكرتم من أنّ اسم الزهراء عليها السلام مكتوبٌ على باب الجنة؟

ج: في ذلك رواية عن ابن عبّاس، رواها جمعٌ من علماء الفريقين؛ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «ليلةَ عُرج بي إلى السماء، رأيتُ على باب الجنّة مكتوباً: لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسول الله، عليٌّ حبيبُ الله، الحسن والحسين صفوةُ الله، فاطمةُ أمَةُ الله، على باغضِهم لعنةُ الله».

وقد نقل هذه الرواية الخطيب البغدادي في (تاريخه)، وابن عساكر في (تاريخه)، والحافظ الكنجي في كتابه (الكفاية)، وغيرهم.

س: كم يبلغ عدد المناقب التي استخلصتموها للسيدة الزهراء عليها السلام في دروسكم المُثبتة في الكتاب؟

ج: نتيجة المواضيع التي ذكرناها استخلصنا أربعين منقبة في شؤون ولاية وليّ الله وخصائصه، والسيدة الزهراء تشارك في هذه الأربعين رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، والإمام عليّاً وأبناءها عليهم السلام، ولها نفس الدرجة التي لهم، ومن أراد الاطّلاع على هذه المناقب الأربعين، فليرجع إلى الكتاب.

س: كلمة أخيرة.

ج: الصدّيقة الكبرى، السيدة الزهراء عليها السلام، قد جعلها الله تعالى -منذ بداية العالم وحتّى طيّ سجّله- مظهرَ رحمتِه، وقد حباها بالمنزلة العليا في المراحل المختلفة؛ في عالم الأظلّة، وفي عالم ميثاقها، وفي عالم خِلقتها، وفي عالمها العلويّ والدنيويّ، وعند ولادتها، ويومَ قيامتِها ومحشرِها، وفي ورودها إلى جنّتها.

كلّ هذه الأحوال، لا بدّ وأن تكون من مقام الولاية الإلهية. ولا يمكن لهذه السيدة العظيمة التي هي عِلّة الخلق، ومَن كان الإيمان بها بمنزلة الإيمان بالرسول صلّى الله عليه وآله، إلّا أن تكون صاحبة مقام الولاية.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ أسبوع

إصدارات

نفحات