فقه التَّعايش
الذِّمّة والمُواطنة كمفهوم واحد
روح الله شريعتي*
يختلف مفهوم «الذمَّة» بعض الشّيء عن معنى المُواطَنة المُعاصر، ولكن يُمكن اعتبار أنّ «المُواطَنة» هو الإصطلاح الحديث لمفهوم «الذّمّة».
ما يلي، قراءة في العلاقة بين المصطلحَين، وفي طوائف أهل الذمّة الذين يضعون أنفسهم تحت تصرّف الحكومة الإسلاميّة، كما يراها الباحث الإيراني روح الله شريعتي.
لقد ساهم تبدُّل الجغرافية السِّياسيّة الحاكمة في القرون الماضية في أن يَجتمع أصحاب المذهب الواحد ويُكوِّنوا سُلطة لهم في منطقة محدّدة. ومن البديهي أنْ يَعتبروا غير أهل مِلَّتهم أجانب، فكانت تُعقَد اتفاقيّة مع حاكِم أو كبير تلك المنطقة لِغَرض الدُّخول والسَّكن في منطقته لكي يَضمن الفرد الإطمئنان والأمان في جوارهم.
ولمّا لم يكن هناك قانون مُدوَّن يَحكم البلد، كان علماء الدِّين هم الملجأ لِحلّ الإختلافات المتعدّدة، ذلك أنّهم وحدهم العارفون بقوانين دِين الأكثريّة. وتَجدر الإشارة الى أنّ الوافدين يُقيمون في البلد المذكور على نحوَيْن: إمّا إقامة مؤقَّتة، أو إقامة دائمة.
فإن كانت الإقامة الدَّائمة تُؤدّي إلى مخالفة عمليّة مع دِين أو عُرْف تلك المنطقة، فلا يُمكنُ ضمانُ أَمْنه. ولذا كان الإتّفاق بشرط الإلتزام بأحكام دِين الأكثريّة لكي لا يُخلّ وجودُه بنظام ذلك المجتمع، وكانوا يُسمّون هذا الإتّفاق (اتّفاق الذّمّة)، فيما سموّا اتّفاق الوجود المؤقّت بـ (الأمان) أو (العهد).
اليوم، وبعدما طَرَأت تغيُّرات على الجغرافية السِّياسيّة، فإنّ حدود البلدان لا تُعيَّن على أساس عقيدة خاصّة، فبِتْنا نَجِد أتباع أديان مختلفة مُتوطِّنين معاً في بلد واحد، ولذا فإنَّ إصطلاح (أجنبي) يُطلق على مَن يأتي من خارج حدود ذلك البلد وإنْ كان تابعاً لِدين الأكثريّة فيه، وهذا الشّخص يُمكنه الإقامة الدّائمة (التَّوطُّن) في ذلك البلد إذا التزم بجميع قوانينه، سواء القوانين المتعلِّقة بدِين الأكثريّة، أم القوانين المُقرَّرة على أساس الأوضاع السياسيّة، والإجتماعيّة، والإقتصاديّة.
وتَشمل المواطَنة في عصرنا معنى ومفهوم الذّمّة أيضاً، لكن مع عموميّة أكثر، بحيث تَضمّ جميع المواطنين الأصليّين أو المتوطِّنين بِعَقْد. وبعبارة أخرى، يُمكن اعتبار النّسبة بين إصطلاح المواطنة والذِّمّة هي ليس العموم والخصوص المطلَق، لأنّ جميع أهل الذِّمّة (مواطنون)، ولكن ليس جميع المواطنين (أهل ذمّة) بالإصطلاح الفقهي؛ وذلك لأنّ غير المسلمين المُتَوطِّنين في البلد الإسلامي هم مواطنون، ولكنّهم أهل ذمّة بالإصطلاح الفقهي. إذن، على الرّغم من وجود بعض الإختلاف بين هذين الإصطلاحَين، فلا نُجانب الصَّواب إذا سمّينا معاهدة (الذِّمّة) مواطَنة بنحوٍ ما.
طوائف أهل الذمّة (المواطنون)
كما تقدّم، فإنَّ أهل الذّمّة هم الذين توطّنوا في البلد الإسلامي، ووَضعوا أنفسهم وأموالهم تحت ظلّ الحكومة الإسلاميّة، وأصبحوا بِطُرقٍ مختلفةٍ من مُواطني هذا البلد. ويُمكن تقسيم هؤلاء إلى ثلاثة أصناف على أساس كيفيّة اكتساب الجنسيّة (المواطنة):
1-المواطنون: وهُم غير المسلمين الذين كانوا يَسكنون في البلد الإسلامي من الماضي البعيد، وبعدما دَخل الإسلام، بَقُوا على دينهم وتعهّدوا بالإلتزام بمقرّرات الذِّمّة بدفع الجِزية الى الحكومة الإسلاميّة.
2- المُستأمِنون: وهم الأفراد الذين كانوا في حربٍ مع البلد الإسلامي، ودَخَلوه بأمانٍ مِن أحد المُسلمين أو الحاكِم الإسلامي، وعَقَدوا ميثاق الذِّمّة أو التّجنيس الذي يعني التّمتُّع بِحُقوق المواطَنة أيضاً.
3- المعاهدون: وهُم غير المسلمين الذين يُعَدّون من مواطني البلد الإسلامي، والذين دَخلوه من بلدانٍ أُخرى غير مُحاربة (سواء المُعاهِدة أم المُحايِدة) بِعَقد ميثاق الذِّمّة أو التَّجنيس بإذْنِ الحاكِم الإسلامي وتشخيصه للمصلحة.
*باحث من إيران.