رئيس المحدّثين، ودعوةُ صاحب الأمر
الشيخ الصَّدوق أبو جعفر بن بابويه
إعداد: أكرم زيدان
رئيس المحدّثين على الإطلاق، فقيه الإماميّة ووَجهُهم، شيخ مشايخ الإسلام والحجّة على الخاصّ والعام، المولود بدعوة صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه، المخصوص بخَفِيّ رعايته وألطافه، الشيخ الفقيه المحدِّث، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، الملقَّب في ألسنة الفقهاء بالصَّدوق الذي يَتصاغر أمامه أعاظم العلماء كما وصفه الإمام الخميني قدس سرّهما.
أسرة آل بابويه، من أبرز الأُسَر التي كان يُشار إليها بالبَنان في حاضرة العلم في قُم، بل في العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري. نَبَغ من هذه الأسرة ثلّة من أئمّة العلم وجهابذته، وحمَلة الفقه وسَدَنته، على رأسهم الفقيه الجليل والمحدِّث النّبيل، الشيخ أبو الحسن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، وولداه أبو جعفر (المترجَم له)، والحسين الذي وُلد أيضاً بدعاء الإمام الحجّة عجّل الله فرجه، ويُعتبر من أكابر الفقهاء والصلحاء.
مولده ونشأته
وُلد الشيخ الصَّدوق في بداية تولّي الحسين بن رَوح النَّوبختي السّفير الثّالث للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشّريف نيابته الخاصّة في قُم في حوالى سنة 306 للهجرة، وكان ذلك بدعاء الإمام عليه السلام، وكان الشّيخ الصَّدوق يَفتخر بذلك ويقول: «أنا وُلدتُ بدعوة صاحب الأمر عجّل الله فرجه». ويَروي هو عن محمّد بن عليّ الأسود، أنّه قال: «سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (والد الشيخ الصّدوق) رضي الله عنه بعد موت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه [السّفير الثّاني في زمن الغيبة الصغرى]، أن أسأل أبا القاسم الرّوحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عزّ وجلّ أن يرزقه ولداً ذكراً. قال: فسألتُه فأُنهي ذلك، فأخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأنّه سيولد له ولدٌ مبارك يَنفع الله به».
وذكر الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب (الغَيبة) عن عدّة من مشايخ أهل قُم، أنّ عليّ بن الحسين بن بابويه كان متزوّجاً بنت عمّه محمّد بن موسى بن بابويه فلم يُرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم رضي الله عنه [السّفير الثّالث] أن يَسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء. فجاء الجواب: «إنّك لا تُرزق من هذه، وستَملك جارية ديلميّة وتُرزق منها ولدَين فقيهَين».
وتربّى أبو جعفر تحت رعاية والده العابد العالم، الذي كان يرفع له في كلّ يوم من العلم والتُّقى عَلماً، كيف وهو أمنيّته التي طالما دعا الله تعالى أن يحقّقها فكان كما أراد ورجا، وتوسّم فيه الخير والنّفع كما جاء في التّوقيع الشّريف. فحرص على تربيته وتغذيته من علومه وكمالاته الرُّوحية، وأفاض على نفسه من صفائه، وأَغدق عليه من فَيْض علومه، فصَقَل روحه وعقله وصَهر معدنه وجوهره حتّى صار مثالاً له بعد مُلازمةٍ بينهما فاقت العشرين عاماً.
أقوال العلماء بحقّه
لقد أسهب علماء الرِّجال وأساطين الفقهاء منذ عصر الشّيخ الصَّدوق رحمه الله حتّى يومنا هذا، بالثناء عليه بكلام مُفعَم بالإجلال والإشادة بما يدلّ على جلالة قدره وعظمة شأنه لديهم، وهنا شذرات ممّا قيل بحقِّه:
* الشيخ الطُّوسي في كتاب (رجال الطُّوسي): «جليل القدر حَفْظة، بصير بالفقه والأخبار والرِّجال». وقال في كتاب (الفهرست): «جليل القدر، يُكنّى أبا جعفر، كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، ولم يُرَ في القُمّيّين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنّف، وفهرست كتبه معروف».
* الشّيخ النّجاشي في (تاريخ النّجاشي): «أبو جعفر نزيل الرَّي، شيخنا وفقيهنا، ووجه الطّائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة 355، وسمع منه شيوخ الطّائفة وهو حدَث السِّن، وله كُتُب كثيرة».
* الذّهبي في (سِيَر أعلام النُّبلاء): «رأس الإماميّة، أبو جعفر محمّد بن العلّامة عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، صاحب التّصانيف السّائرة بين الرّافضة، يُضرَب بِحفظه المثل. يقال: له ثلاث مائة مُصنَّف».
* الشّيخ ابن إدريس الحلّي في (السّرائر): «كان ثقةً جليل القدر، بصيراً بالأخبار، ناقداً للآثار، عالماً بالرِّجال، وهو أستاذ شيخنا المفيد، محمّد بن محمّد بن النّعمان».
* العلّامة المجلسي بعد أن أورد كلاماً للصَّدوق: «وإنّما أوردناه لِكَونه من عظماء القدماء، التّابعين لآثار الأئمّة النُّجباء عليهم السلام، الذين لا يَتّبعون الآراء والأهواء، ولذا يُنزل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه رضي الله عنهما منزلة النصّ المنقول والخبر المأثور».
عصره
كان للدّولة البويهيّه الضّاربة بِمُلكها على مركز الخلافة ببغداد وأكثر بلاد إيران وغيرها من بلاد العالم الاسلامي، الدَّور الفاعل والبليغ في تشجيع الحركة العلميّة وتطويرها، من خلال اتّصال حكّامها وأمرائها بالعلماء وإكرامهم وعقد المُناظرات العلميّة في مجالسهم. ولمّا نزل الشّيخ الصَّدوق رحمه الله الرَّيّ، أكرمَهُ رُكن الدَّولة بن بويه وأَدناه، وعَقَد له مجلس المناظرة في دار إمارته بِمَحضرٍ ومشاركةٍ منه، وقد استثمر الشّيخ الصَّدوق فرصة استتباب الأمن واستقرار الوضع آنذاك وقُربه ومكانته من الأمراء البويهيِّين، لخدمة المذهب وإعلاء كلمته من خلال مباحثاته وسجالاته مع مُخالفيه في الإعتقاد، ومن خلال ما أَنجز من مُصنّفات ضخمة وتُراثٍ عملاق، خاصّة أَثَره الخالد (مَن لا يَحضره الفقيه) –وهو أحد الكُتُب الأربعة- وكتابه العظيم (مدينة العلم) الذي ضَنَّ الزّمان به على الباحثين وغيّبته يدُ الأحداث.
مشايخه
من الأبعاد الواضحة في حياة الشّيخ الصُّدوق قدّس سرّه كثرة مشايخه، ومَنْ لَقِيهم وتحمّل العلم والحديث عنهم. وتأتي هذه الكثرة الكاثرة من مُحدِّثيه نتيجة طبيعيّة لوفرة أسفاره وتطوافه بين البلاد الإسلاميّة وحواضر العلم، كخراسان، والرَّيّ، وبخارى، ونيسابور، وبغداد، والكوفة، والحجاز، وغيرها من البلاد التي كانت تَزدحم أروِقة العِلم فيها بطلّاب الفضيلة، وأئمّة العلم الذين تُشَدّ إليهم الرِّحال من كلّ مكان.
وقد ذَكَر المحدِّث النُّوري في معجم أساتذة الصَّدوق 198 شيخاً، وزاد على هذا العدد المحقِّق الشّيخ عبد الرّحيم الربّاني في مقدّمته على كتاب (معاني الأخبار) جماعة أخرى استخرجها من أسانيد كُتُبه المطبوعة، فبلغ مجموع أساتذته 252 محدِّثاً. ونظراً لضيق المجال عن إيراد فهرس أسماء أساتذته ومشايخه، نقتصر على ذكر أبرزهم، وهم:
1- والده الفقيه الأجلّ عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي.
2- الشّيخ الثّقة الثّبت محمّد بن الحسن بن الوليد.
3- الشّيخ محمّد بن علي ماجيلويه.
4- الشّيخ الأجلّ محمّد بن موسى بن المتوكّل.
5- الشّيخ أحمد بن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق.
6- الشّيخ محمّد بن يحيى العطّار.
تلامذته والرُّواة عنه
وللسَّبب نفسه الذي جعل أساتذة الصَدوق من الكثرة الكاثرة وهو أسفاره المتعدّدة، فإنّ عدداً كبيراً من طلّاب الحديث قد اختلفوا إليه، وسَمعوا منه، ورَووا عنه، وقد أوصل بعض الباحثين عددهم إلى الأربعين، نذكر منهم:
1 - أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان المعروف بالشّيخ المفيد.
2 - الشّريف أبو محمّد الحسن بن أحمد العلوي المحمّدي النقيب.
3 - الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، وهو ابن أخ الصَّدوق.
4 - عبد الصّمد بن محمّد التميمي النّيسابوري.
5 - أبو الحسن عليّ بن أحمد بن العبّاس بن محمّد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله النجاشي.
6 - أبو القاسم السيّد المرتضى علَمُ الهدى، عليّ بن الحسين بن موسى.
7 - أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّي.
8 - الشّريف أبو عبد الله محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين، المعروف بـ (نعمة).
9 - أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري.
10 - أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن محمّد بن العبّاس بن نوح.
كتبه ومؤلفاته
بلغ عدد مصنّفات الشيخ الصدوق رحمه الله ما يناهز ثلاثمائة كتاب، ذَكَر ذلك الشّيخ الطُّوسي رحمه الله في (الفهرست) وسمّى ما يربو على الستّين منها. كما صرّح بهذا العدد ابن شهرآشوب وسمّى منها أكثر من سبعين. ومن ممّيزات كتبه:
1- التّنوّع في المواضيع: فقد انبرى الصَّدوق رحمه الله إلى التّصنيف في شتّى المجالات، كالفقه والحديث والتّفسير والكلام وغير ذلك.
2- الإهتمام بما يَحتاجه المجتمع: إذ أنّ الشيخ الصَّدوق قد أَوْلى في مؤلّفاته فائق الإهتمام ما تحتاجه الأمّة، وملء الفراغات الثقافيّة، والعلميّة، والفقهيّة، والرِّوائية، والكلاميّة، وإيجاد الحلول لِما تواجهه من مشكلات، كما هو الحال في تأليفه لِكُتُب: (كمال الدِّين)، و(التَّوحيد)، و(الإعتقادات)، و(الفقيه).
3- مراعاة الدقّة والأمانة في النَّقل: فقد تميّز رحمه الله بالدقّة والأمانة في جميع مصنّفاته، حتّى أنّه يَذكر تاريخ ومكان الرِّواية في بعض الموارد، وهذا الصِّدق في الكتابة والحديث، وأمانته في النّقل أدّى إلى أن يشتهر رحمه الله بـ «الصَّدوق».
وكُتُبه المطبوعة هي:
1- المُقنِع.
2-الهداية.
3-الأمالي.
4-الإعتقادات.
5-التّوحيد.
6-ثواب الأعمال.
7-صفات الشّيعة.
8-عِلل الشرائع.
9-عيون أخبار الرضا عليه السلام.
10-فضائل الأشهر الثلاثة.
11-فضائل الشّيعة.
12-كمال الدِّين وتمام النِّعمة.
13-مصادقة الإخوان (فارسي).
14-معاني الأخبار.
15-مَن لا يحضره الفقيه.
16-الخِصال.
نبوغه وبراعته
كان من الطبيعي أن تترك دعوة الإمام الحجّة عجّل الله فرجه في حقّ الشّيخ الصَّدوق آثاراً عظيمة في تكوين شخصيّته الفذّة ومؤهّلاتها العلميّة، فظهرت آثار تلك الدّعوة المباركة في عدّة مجالات من حياته، كان أهمّها حبّه الواسع للعِلم، وحدّة ذكائه وبراعته، وقوّة حفظه لِمَا يَسمع، حتّى عُرف عنه ذلك واشتَهر بين القمّيِّين. وينقل شيخ الطّائفة الطوُّسي في كتابه (الغَيبة) عن أبي عبد اللّه بن سورة أنّه كان يقول: «كلّما روى أبو جعفر -يعنى به الصَّدوق- وأبو عبد اللّه ابنا عليّ بن الحسين شيئاً، يتعجّب الناس من حفظهما ويقولون لهما: هذا الشّأن خصوصيّة لكما بدعوة الإمام لكما، وهذا أمر مُستفيض في أهل قُم».
أنوار من سيرته
المتتبّع لحياة وسيرة الشّيخ الصَّدوق رحمه الله يلمس في شخصيّته الخصائص التّالية:
1 ـ الإحساس بالمسؤوليّة: تجسّد ذلك في أكثر من مجال من حياة هذا الإمام الفقيه، الذي كان يُقدّر مواقع المسؤوليّة في جسم الأمّة، فيحاول أن يملأها بوجوده الشريف تارة، وبِقلمه وبَيانه أخرى، وبسجالاته ومناظراته تارة ثالثة.
ولعلّ في طليعة تلك المسؤوليّات التي وَضَعت نفسها بين يدي الصدوق رحمه اللّه تَستنهضه لحمل أعبائها، سفرَه إلى الرَّيّ وإقامته فيها برغبة وطَلَب أهلها، الذين رغبوا في حضوره وأقامته، للإفادة من محضره على كثرة مَن في الرَّيّ من المُحدّثين والفقهاء وذَوي الفضل.
2 ـ الإخلاص: تجلّى عامل الإخلاص في أعمال الشّيخ الصَّدوق بشكل بارز وملموس من خلال ما سطّره من مؤلّفات. وهذه بعض النّماذج من كلماته التي استهلّ بها كُتُبه تَكشف عن طَرَف من إخلاصه:
* قال في خطبة كتاب (الخصال) بعد أن ذكر العلّة من تصنيف الكتاب: «فتقرّبتُ إلى اللّه جلَّ اسمه بتصنيف هذا الكتاب، طالباً لِثوابه، وراغباً في الفوز برحمته، وأرجو أن لا يُخيِّبني فيما أمّلتُه ورجوتُه منه بتطوُّله ومنِّه، إنّه على كلّ شيء قدير».
* وقال في كتاب (ثواب الأعمال): «إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا، ما رُوي عن النبي صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «الدالّ على الخير كَفاعله»، وسمّيته كتاب (ثواب الأعمال)، وأرجو أن لا يحرمني اللّه ثواب ذلك، فما أردتُ من تصنيفه إلّا الرغبة في ثواب اللّه وابتغاء مرضاته سبحانه، ولا أردتُ بما تكلّفته غير ذلك، ولا حَوْل ولا قوّة إلّا باللّه، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل».
* وفي كتاب (التّوحيد) بعد التّنبيه على الدّاعي لتأليف الكتاب، قال: «فتقرّبتُ إلى اللّه تعالى ذكرُه بتصنيف هذا الكتاب في التّوحيد ونَفْي التّشبيه، مستعيناً به ومتوكّلاً عليه، وهو حسبي ونِعْمَ الوكيل».
3- حبّ العلم: كان الشّيخ الصَّدوق دؤوباً في طَلَب العلم منذ صباه وهو يعيش تحت رعاية أبيه، حريصاً على تحصيله وضبطه، منصرفاً عمّا سواه، وقد هيّأه انقطاعه للعلم للحضور عند أكابر العلماء والمُحدِّثين في قُم، ثمّ رشَّحه نبوغه للتّصدِّي لِكرسيِّ الحديث، فسمع منه شيوخ الطّائفة وهو في حداثة سنِّه وباكورة عمره.
ولم يوقفه شَغفه بالعلم للإكتفاء بما في حاضرته العلميّة في قُم، بل جَنَح به لتحمّل وعثاء السَّفر ومكابده الغربة، والإبتعاد عن الأهل والوطن، لا يُثني عزمه بُعد الشّقّة، ولا يفتّ في إرادته أَلَم الغربة، أو شيخوخة السِّن.
4 ـ التواضع: من السِّمات البارزة في سيرة الشّيخ الصَّدوق تواضعه في طلب العلم، مع ما كان عليه أمرُه من الجلالة والفضل، والمكانة العلميّة الرَّفيعة، إلّا أنّ ذلك لم يكن يصدّه عن الأخذ والإفادة من الآخرين، وهذا ما يتكفّل بإثباته أسفاره التي دامت حتّى أخريات حياته، يُبادل السّماع فيها أرباب الحديث وهو رئيس الإماميّة وصاحب التّصانيف القيّمة الغزيرة، حتّى أنّه لمّا وَرَد سرخس وأيلاق سنة 368، وكان ذلك في أواخر حياته حيث توفِّي 381، سمع فيهما من أبي نصر محمّد بن أحمد السَّرخسي الفقيه، وأبي الحسن محمّد بن عمرو بن عليّ بن عبد اللّه البصري، وأبي نصر محمّد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، وأبي محمّد بن بكر بن عليّ بن فضل الحنفي وغيرهم، مع أنّه كان معه مِن كُتُبه في تلك السَّفرة مائتان وخمسة وأربعون كتاباً، نسخها الشّريف أبو عبد اللّه المعروف بـ «نعمة» بأجمعها عند وروده على الشّيخ الصَّدوق بقصبة أيلاقس، كما نصّ عليه الصّدُوق نفسه في خطبة (مَن لا يحضره الفقيه).
وفاته ومدفنه
توفّي الّشيخ الصّدوق رحمه الله في بلدة الرَّيّ سنة 381 للهجرة، وقد بلغ عمره الشَّريف نيّف وسبعين سنة، ودُفن بالقرب من قبر السيّد عبد العظيم الحسني رضوان الله عليه بالرَّيّ في بستان طغرليه في بقعة شريفة وعليها قبّة عالية، يزوره الناس ويتبرّكون به، وقد جدّد عمارة المرقد الشّريف السّلطان فتح علي شاه قاجار سنة 1237هـ وذلك بعدما شاع من حصول كرامات عديدة من مرقده بعد وفاته.
قال العلّامة المامقاني (المتوفى سنة 1351 للهجرة) في (تنقيح المقال) بذيل ترجمة الصَّدوق: «وممّا يشهد بجلالته مضافاً إلى ما مَرّ، ما رُوي لي بِسَند صحيح قبل أربعين سنة، عن العدل الثِّقة الأمين السيّد إبراهيم اللّواساني الطّهراني قدّس سرّه [المتوفّى سنة 1309]، أنّ في أواخر المائة الثالثة بعد الألف هَدَمَ السَّيْل قبره وبانَ جسده الشّريف، وكان هو مِمَّن دخل القبر ورأى أنّ جسده الشّريف صحيحٌ سالم لم يَتغيّر أصلاً، وكأنّ روحه قد خرجت منه في ذلك الآن، وإنّ لون الحنّاء بلحيته المبارَكة وصفرة حنَّاء تحت رِجليه موجودة وكَفَنُه بالٍ..».