من وصايا العلّامة المجلسي
الدُّعاء أقرب الطُرُق إلى الله تعالى
إعداد: علي حمُّود
هو الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي بن مقصود عليّ الشهير بالمجلسي (صاحب البحار). وُلِد سنة 1037 للهجرة، وتوفّى في أصفهان سنة 1111، عن 74 عاماً.
ما يلي، قبسات من وصاياه وتوجيهاته قدّس سرّه لبعض إخوانه، كما وردت في رسالته (صراط النّجاة) -تُعرف أيضاً باسم (رسالة في الإعتقادات)- التي ذكرها الشيخ الطهراني في (الذريعة)، والمحقّق البحراني في (اللؤلؤة).
الذي يجب أوّلاً للسَّالك إلى الله أن يصحِّح نيَّته، لأنّ مدار الأعمال في قبولها وكمالها على مراتب النيّات، ولا يتأتّى ذلك إلّا بالتّوسّل التّام بجنابه تعالى، والإستعاذة من شرّ الشياطين وغلبة الأهواء، ثمّ يتفكّر في عِظم هذا المقصد الأقصى، ويتفكّر في أنّه بعد هذه النّشأة لا يتأتّى له الرّجوع إليها لتدارك ما قد فات منه، ويرجع في أثناء هذه التّفكّرات إلى ما ورد عن أئمّة الهدى في ذلك لا إلى كلام غيرهم، لأنّ لها لصدورها عن منابع الوحي والإلهام، تأثيراً غريباً ليس لكلام غيرهم وإن كان المضمون واحداً.
ولَنِعْمَ ما مُثّل الشّيطان بالكلب الذي يكون على أبواب النّاس ويؤذي من يَهمّ بدخول دار مالكه، ولا يمكن دفعه إلّا بأن ينهره المالك ويزجره، أو يعلم أنّ الدّاخل من أصدقاء صاحب البيت، فكذا هذا الكلب اللّعين موكل على باب الله تعالى لئلّا يدخله الأجانب ومن لا يليق لشقائه بالدخول فيه، فإذا نهره صاحب البيت جلّ شأنه بسبب استعاذة العبد به من شرّه، أو علم أنّه من مُقرَّبي هذه الحضرة ومن خواصّ الملك الملّاك، وكثيراً ما يدخل هذا الباب ويخرج منه وله أنس بصاحب البيت، لا يتعرّض له هذا الكلب.
فإذا توسّل السّالك بجنابه تعالى، وصحّح نيّته بقدر الجهد في بَدو الأمر؛ يطلب ما يعلم أنّه خير آخرته فيه، ولا يبالي بأنْ يعدّه أهل الزمان وجهلة الدّوران حشويّاً أو قشريّاً أو زاهداً أو ينسبونه إلى الجهل.
وإذا كان بهذه المنزلة يظهر له الحقّ عياناً، فينبغي بعد ذلك أن يبتغي معلِّماً مستأنساً بكلام أهل البيت عليهم السلام وأخبارهم، معتقداً لها، لا مَن يؤوِّل الأخبار بالآراء، بل يرى مَن صحَّت عقائده في الأخبار، ويشرع في طلب العلم ابتغاء وجه الله وطلب مرضاته.
سراج السّالكين
ثمّ اعلم يا أخي أنّ لكلّ عبادة روحاً وجسداً وظاهراً وباطناً، فظاهرها وجسدها الحركات المخصوصة وباطنها الأسرار المقصودة منها، والثّمرات المترتّبة عليها، وروحها حضور القلب والإقبال عليها وطلب حصول ما هو المقصود منها، ولا تحصل تلك الثّمرات إلّا بذلك.
كالصلاة التي هي عمود الدِّين، جعلها الله أفضل الأعمال البدنيّة ورتّب عليها آثاراً عظيمة، قال الله تعالى: ﴿..إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ..﴾ العنكبوت:45.
أقرب طُرق الوصول
ثمّ إعلم أنّ أقرب الطُّرق إلى الله تعالى -كما هو ظاهر في كثير من الآيات والأخبار- هو طريق الدّعاء والمناجاة، لكن لهما شرائط من حضور القلب والتّوسّل التّام وقطع الرجاء عمّن سواه تعالى، والإعتماد الكامل عليه، والتّوجّه في صغير الأمور وكبيرها وقليلها وكثيرها إليه سبحانه.
والأدعية المأثورة على نوعين:
منها: الأوراد والأذكار الموظّفة والمقرّرة في كلّ يوم وليلة، المشتملة على تجديد العقائد وطلب المقاصد والأرزاق ودفع كيد الأعداء ونحو ذلك، فينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب والتّوجّه والتّضرّع عند قراءتها، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسّر ذلك.
والثاني، المناجاة: وهي الأدعية المشتملة على صنوف الكلام في التّوبة والإستغاثة والإعتذار وإظهار الحبّ والتّذلّل والإنكسار، وظنّي أنّه لا ينبغي أن يقرأ تلك إلّا مع البكاء والتّضرّع والخشوع التّام، وينبغي أن يترصّد الأوقات لها، ولا يقرأ بدون ما ذُكِر فيشبه الإستهزاء والسّخرية.
وهذان القسمان من الدعاء ببركة أهل البيت عليهم السلام عندنا كثيرة لا تفي الفرصة بالإشتغال بعُشر أعشارها.
فأمّا القسم الأوّل: فأكثرها مذكورة في مصباحَيْ الشيخ الطُّوسي والكفعمي رحمهما الله، وكتابَيْ السّمات [هكذا، ولعلّه السعادات في العبادات] والإقبال لإبن طاوس رضوان الله تعالى عليه في ضمن التعقيبات وأدعية الأسبوع وأعمال السّنة وغيرها.
والقسم الثاني: أيضاً منثورة في عرض تلك الكُتب وغيرها كالأدعية الخمسة عشر والمناجاة المعروفة بالإنجيليّة [أللهمّ بذكرك أستفتح مقالي] ودعاء كُميل النّخعي وغيرها والصّحيفة الكاملة، جلّها بل كلّها في المقام الثاني.
وأفضل ما يُقرأ في التّوسّل دعاءان في الصّحيفة لمكارم الأخلاق والإستعاذة من سيّئ الأخلاق وملازمة العبادات.
طريق إصلاح النفس
ثمّ اعلم يا أخي أنّ النّوافل اليوميّة وصلاة اللّيل مُتمِّمة للفرائض، وهي من سُنَن النبيّ صلّى الله عليه وآله، لم يتركها إلى أن مضى من الدّنيا فلا تتركها، وإن تركتها فاقضهما حيثما تيسَّرت.
وعليك من الصَّوم بالخميس الأوّل والآخر والأربعاء الأولى من العشر الأواسط، فإنّها أيضاً من سنّته صلّى الله عليه وآله، وعليك في صلاة اللّيل بالدعوات والتضرّع والبكاء، فإنّ هذا الوقت من اللّيل محلّ قرب العبد من الرّب، وباب الدّعاء والرّحمة والمناجاة مفتوح، والقلب مجتمع والعمل فيه أقرب من الخلوص كما قال الله تعالى: ﴿إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئاً وأقوم قيلاً﴾ المزمّل:6، وعليك في ذلك الوقت بالدعاء لإخوانك المؤمنين تفصيلاً، فإنّه أقضى لحاجتك وأنت مثابٌ فيه بمثلَي ما طلبت لهم بل أضعافه.
وعليك في تعقيب صلاة الفجر بالدّعوات والأذكار المأثورة والمواظبة عليها، فإنّ تلك الساعة تقسّم الأرزاق. وعليك بعد ذلك في مَشْيِِك وقيامك وقعودك بمداومة ذِكر «لا إله إلّا الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» فإنّها أركان عرش العبادة والمعرفة، ثمّ الصّلاة على النّبيّ وآله، فإنّها من أفضل الأعمال، ثمّ مواظبة قدر وافٍ من هذه الأذكار الأربعة الواردة في القرآن والأخبار، وهي: «ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله» للرّزق وتيسير الأمور، و«حسبنا الله ونِعمَ الوكيل» لدفع الخوف من الأعادي والشّدائد، و«لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين» لدفع هموم الدُّنيا والآخرة وغمومها، و«أُفوِّض أمري إلى الله إنّ الله بصيرٌ بالعباد» لدفع كيد الأعداء، وأقلّ ما تواظب عليه من الأذكار كلّ يوم أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّدٍ كلّ يوم مائة مرّة وفي يوم الجمعة وليلتها ألف مرّة، وأن تقول كلّ يوم ثلاثمائة وستّين مرّة عدد عروق الجسد: «الحمد لله ربِّ العالمين كثيراً على كلِّ حال»، وإن قرأتَ ذلك عند كلّ صباح ومساء فهو أفضل.
وقل في كلّ يوم: «أستغفر الله» سبعين مرّة، و«أتوب إلى الله» سبعين مرّة، وأكثِر من الإستغفار فإنّه يكفّر الذنوب ويزيد في الرزق وفي الأولاد، واقرأ كلّاً من التّسبيحات الأربعة كلّ يوم مائة مرّة، وعقب كلّ صلاة مجموع التّسبيحات الأربع ثلاثين مرّة، وقُل كلّ يوم مائة مرّة «لا إلهَ إلّا الله الملكُ الحقُّ المُبين» وإن لم تقدر فثلاثين مرّة، وقُل في كلّ يوم مائة مرّة «لا حَوْل ولا قوّة إلّا بالله»، وقُل في كلِّ يوم عشر مرّات «أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وحدهُ لا شريكَ له إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولداً»، وقل قبل طلوع الشمس وقبل غروبها عشر مرّات: «لا إله إلّا الله وحدَه لا شريك له، له المُلك وله الحمد، يُحيي ويُميت ويُميت ويُحيي، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير»، وعشر مرّات: «أعوذ بالله السميع العليم من هَمَزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون، إنّ الله هو السميع العليم»، فإنّه قد ورد في الأخبار أنّهما سنّتان واجبتان، إنْ نسيتهما في وقتيهما فاقضِهما. وقُل مائة مرّة بعد صلاة المغرب والغداة «بسم الله الرّحمن الرّحيم لا حَوْل ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم» وإن لم تقدر فسبع مرّات، فإنّها أمنٌ من سبعين نوعاً من البلاء.
وأكثِر من قراءة سورة (قل هو الله أحد) و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، وإن قدرتَ أن تقرأ (إنّا أنزلناه) في كلّ يوم مائة مرّة فافعل، واقرأ (آية الكرسي) و(شهِد الله: آل عمران: 18-19) و(قل اللّهمّ: آل عمران: 26-27) وسورة الحمد و(قل هو الله) بعد كلّ صلاة.