«..فيه فرّق بين الحقّ والباطل»
مراقبات شهر رمضان المبارك
_____ إعداد: «شعائر» _____
سُئل الإمام الرضا عليه السلام عن علّة الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور؟
فقال عليه السلام: «لأنّ شهر رمضان الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، وفيه فرّق بين الحق والباطل كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..﴾ وفيه نبِّئ محمّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر و﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، وهو رأس السنة، يقدّر فيها ما يكون في السنة من خيرٍ أو شرٍّ أو مضرٍّة أو منفعةٍ أو رزقٍ أو أجَلٍ، ولذلك سمّيت ليلة القدر». [الشيخ الصدوق، علل الشرائع: 1/270]
أيّ صومٍ نريد؟
يقول الإمام الخميني قدّس سرّه: «لقد دعيتم في هذا الشهر الفضيل إلى ضيافة الحقّ تعالى، فهيّئوا أنفسكم لهذه الضيافة العظيمة.. تحلّوا -على الأقل- بالآداب الصورية والظاهرية للصيام. فالآداب الحقيقية موضوع آخر، حيث هي بحاجة إلى جهد وجدٍّ وتعب.
فالصوم لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب فحسب؛ بل ينبغي اجتناب المعاصي أيضاً. إنّ هذه من الآداب الأولية للصوم، أمّا آداب الصيام بالنسبة لرجال الله الذين يتطلّعون لبلوغ معدن العظمة، فهي شيء آخر. فاعملوا على الأقل بالآداب الأولية للصيام. "..".
كونوا حذرين دائماً وملتفتين إلى الحكم الشرعي لهذا العمل الذي تنوون الإقدام عليه، والقول الذي تريدون أن تنطقوا به، والموضوع الذي تستمعون إليه».
الليلة الأولى
قال الفقيه النراقي في (جامع السعادات: 3/306) كلاماً جامعاً ينبغي التدبّر في معانيه بدءاً من الليلة الأولى وإلى انقضاء الشهر، وممّا قاله: «من صام شهر رمضان إخلاصاً لله وتقرّباً إليه، وطهّر باطنه من ذمائم الأخلاق، وكفّ ظاهره عن المعاصي والآثام، واجتنب الحرام، ولم يأكل إلّا الحلال، ولم يفرط في الأكل، وواظب على جملة من النوافل والأدعية وسائر الآداب المسنونة فيه، استحقّ المغفرة والخلاص من عذاب الآخرة، بمقتضى الأخبار المتواترة. ثمّ إن كان من العوام، حصل له من صفاء النفس ما يوجب استجابة دعوته، وإن كان من أهل المعرفة، فعسى الشيطان لا يحوم على قلبه، فينكشف له شيء من الملكوت، لا سيّما في ليلة القدر، إذ هي الليلة التي تنكشف فيها الأسرار، وتفيض على القلوب الطاهرة الأنوار، والمناط والعمدة في نيل ذلك تقليل الأكل بحيث يحس ألم الجوع، إذ مَن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام، فهو محجوب عن عوالم الأنوار، ويستحيل أن ينكشف له شيء من الأسرار».
اليوم الحادي والعشرون: شهادة أمير المؤمنين عليه السلام
* من كلامٍ له عليه السلام؛ قاله على سبيل الوصيّة لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله: «وصيّتي لكم أن لا تُشرِكوا بالله شيئاً، ومحمّدٌ صلّى الله عليه وآله فلا تُضيِّعوا سنّتَه، أقِيموا هذَين العمودَين وخلاكم ذمّ، أنا بالأمس صاحبُكم، واليوم عبرةٌ لكم، وغداً مفارقُكم، إنْ أبقَ فأنا وليُّ دمي، وإنْ أفنَ فالفناء ميعادي، وإنْ أعفُ فالعفو لي قربةٌ وهو لكم حسَنة، فاعفوا ﴿..ألا تحبّون أن يغفر الله لكم..﴾ النور:22، واللهِ ما فَجَأَنِي من الموت واردٌ كَرِهتُه، ولا طالعٌ أنكرتُه، وما كنتُ إلّا كقَارِبٍ [القارب: طالبُ الماء ليلاً] وَرَد وطالبٍ وجَد، ﴿..وما عند الله خير للأبرار﴾ آل عمران: 198». (نهج البلاغة)
* من المناسب أن يزار عليه السلام في هذا اليَوم بأيٍّ من زياراته عليه السلام كزيارة «أمين الله».
اليوم الخامس عشر: ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
* «أبوه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. وأمّه سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله، صلّى الله عليه وعليهم، ولا أقصر من هذا النسب في التاريخ، ولا أشرف منه في دنيا الأنساب.
ولد في المدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة.
وأخذه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فور ولادته، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمّ عقّ عنه، وحلق رأسه، وتصدّق بزنة شعره فضةً، فكان وزنه درهماً وشيئاً. وأمر فطُلي رأسه طيباً، وسُنَّت بذلك العقيقة والتصدّق بوزن الشعر. وسمّاه «حسناً»، ولم يعرف هذا الاسم في الجاهلية، وكنّاه «أبا محمّد»، ولا كنية له غيرها». [الشيخ راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص 25]
أسحار الشهر الفضيل
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «خيرُ وقتٍ دعوتُم اللهَ عزَّ وجلَّ فيه الأسحار»، ثمّ تلا هذه الآية في قول يعقوب عليه السلام لِبَنِيه: ﴿..سَوف أَسْتَغْفِرُ لكُم ربِّي..﴾ وقال: «أَخَّرَهم إلى وقت السَّحَر».
ومن دعوات الأسحار التي ورد الحثّ عليها:
* دعاء البهاء: وقال أبو جعفر [الإمام الباقر] عليه السلام: «لو حلفْتُ لبَرَرْتُ أنَّ اسم الله الأعظم قد دخل فيها، فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء فإنّه من مَكنُون العلم، واكتُموه إلَّا من أهله، وليس من أهله المنافقون والمكذِّبون والجاحِدون، وهو دعاء المباهلة، تقول: أللّهمَّ إنّي أسألك من بهائك بأبهاه وكلُّ بهائك بهيّ، أللّهمَّ إنّي أسألك ببهائك كلِّه..».
* دعاء أبي حمزة الثُّمالي: خير أوراد الأسحار، دعاء السَّحر لسيِّد الساجدين الإمام زين العابدين عليه السلام، علَّمه لأبي حمزة الثُّمالي.
عن أبي حمزة الثُّمالي أنّه قال: «كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين صلوات الله عليه يصلّي عامّة ليله في شهر رمضان، فإذا كان السَّحَر دعا بهذا الدعاء: إلهي لا تؤدِّبني بعقوبتك، ولا تمكُر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا ربِّ ولا يُوجد إلَّا من عندك، ومِن أين لي النَّجاة ولا تُستطاع إلَّا بك..».
يقول الإمام الخميني قدّس سرّه: «أنا وأنت لا نستطيع أن نقرأ دعاء السَّحَر دفعةً واحدة، فلنقرأ كلَّ مرّة منه بعض فقراته».
* دعاء إدريس عليه السلام: قال الشيخ الطوسي رحمه الله في (المصباح): «وتدعو أيضاً في السَّحَر بدعاء إدريس عليه السلام، ورأيت في إسناد هذا الدعاء أنّه الذي رفعه الله جلَّ جلالُه به إليه، وأنّه من أفضل الدعاء، وأوّله: سُبْحَانَكَ لا إِلَه إلاَّ أَنْتَ، يا ربَّ كُلِّ شَيْءٍ وَوَارِثَهُ، يَا إِلَهَ الآلِهَةِ الرَّفيعَ في جَلالِهُ، يا اللهُ المَحْمُودُ في كُلِّ فِعالِهِ..».
ليلة القدر.. خيرٌ من ألف شهر
يقول آية الله الشيخ جواد الآملي: «ليلة القدر قلب شهر رمضان، وهي للمسلمين معجزة أقوى من معجزة النبيّ سليمان عليه السلام، لأنّ معجزته هي تَسلُّطُه على الريح التي غُدوّها شهر ورَواحها شهر، فكانت تغدو في صباح وتطوي مسيرة شهر. لكنّ إعجاز ليلة القدر -كما يشير القرآن الكريم- أنّ السالك يطوي خلالها مسيرة ألف شهر في ليلة واحدة.
معجزة سليمان كانت تطوي الطُرق الظاهرية، وهذه تطوي ألف [شهر] معنويّاً، وهذا يُمكن تجربتُه في ليلة القدر».
الليلة الأخيرة ويومها.. قبيل توزيع الجوائز
يقول الشيخ الفقيه الملكي التبريزي في (المراقبات): «ومن المهمّات أن يودّع شهر رمضان، ويتأثّر من مفارقته، وقد ورد في ذلك أدعية ومناجاة مع شهر الله الأعظم فاخرة جداً.. والأهمّ أن يكون العامل والمودّع أهلاً للوداع معه، وصادقاً في ما يُظهره من الأحزان عند التّوديع، لئلّا يختم شهره بالكذب والنّفاق في مثل هذا المقام الفاخر.
ولا يستقيم ذلك إلّا لمن صاحَبَه شوقاً ومحبّةً، لا كرهاً وتكلّفاً، أيضاً لا يستقيم لمن صاحَبَه مخالفاً لمقتضاه، لأنّ المخالف لم يكن مصاحباً في الحقيقة ليودّع صاحبه.
ثمّ راقب أن تختم الشّهر بالصّدق في الإنابة، وأن لا ترجع إلى ما كنت فيه من مخالفة مراد ربّك مولاك».
دعاء اليوم الثاني
«اللّهُمّ قرّبني فيه إلى مرضاتِك، وجنّبني فيه من سَخَطِك ونَقِماتِك، ووفّقني لقراءةِ آياتِك، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين».
يطلب الضيف هنا ما يقرّب من رضى الله تعالى كمدخلٍ لطلبه تجنيب السخَط والنقمات. كأنه يريد أن يقول: أنا في شهر الله تعالى بين نَجدَين وعلى مفترق طريقَين. أنا في جوّ هدنة. الضيافة قائمة، والشياطين مغلولة، والرحمة واسعة جداً. فهل تقرّبني من مرضاتك وتجنّبني سخَطك ونقماتك؟
دعاء اليوم الثالث
«اللّهُمّ ارزُقني فيه الذِّهْن والتّنبيه، وأبعِدني فيه عن السَّفاهةِ والتمويه، واجعلْ لي نصيباً من كلّ خيرٍ تُنزِلُ فيه، بِجُودِك يا أجودَ الأَجْوَدين».
المعنى: اللّهمّ نبّهني من نومة الغافلين لأُحسن استعمال محفوظاتي فأتذكّرها، وأعرف كيف أربط بينها وأُجيد الاستنتاج. وأيضاً، الاستعاذة بالله تعالى من عدم التعقُّل أولاً، وتالياً من قلْب الحقائق؛ بحيث يصير الباطلُ حقّاً والحقّ باطلاً، وهو أمرٌ يتنافى مع العقل الذي هو الطريق إلى معرفة الحقائق.