الموقع ما يزال قيد التجربة
شهادة نفس المصطفى، وسرّ النبيّين
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
في الحادي والعشرين من شهر رمضان هذا العام، ذكرى مرور 1400 سنة على فوز أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بالشهادة ولقائه بالحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله، في مقعد صدقٍ عند مَليكٍ مقتَدِر، حيث كانت شهادته صلوات الله عليه، في 21 شهر رمضان سنة 40 هجرية في محراب مسجد الكوفة.
استهلال |
أخفى أربعةً في أربعة |
مظهرُ اسم الجمع الإلهي |
الإمام الخميني قدّس سرّه |
الشهادة الثالثة في الأذان |
السيد علي الحسيني الميلاني |
على ضفاف الكوثر |
الشيخ حسين كوراني |
ربيب الوحي وينبوع الفضائل |
الشيخ أحمد الرحماني الهمداني رحمه الله |
مؤلفات أمير المؤمنين عليه السلام |
الشيخ حسين كوراني |
أخفى أربعةً في أربعة
عن أبي بصير، عن محمّد بن مسلم،
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه عليّ بن الحسين،
عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال:
إنَّ الله تباركَ وتعالى أخفى أربعةً في أربعةٍ:
فربّما وافَقَ رضاهُ وأنتَ لا تعلم،
فربّما وافق سَخطه وأنت لا تَعلم،
فربّما وافق إجابتَه وأنتَ لا تَعلم،
فربّما يكونُ وليًّهُ وأنتَ لا تَعلم.
الخصال، الشيخ الصدوق
* أبعاد متعدّدة لشخصية أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عرفها الإمام الخميني، وعاشها في وجدانه وسلوكه لعقود طويلة من عمره الشريف، وهذه المعرفة هي من أسرار سموّ شخصية الإمام الراحل، وعنصر حاسم من عناصر نجاحه في نهضته المباركة.
كلمات قالها الإمام الخمينيّ في غير مناسبة، وشهادات عن عشقه الكبير لإمامه عليه السلام، في هذه المقالة المستقاة من مصادر عدّة.
«شعائر»
الإمام الخميني عاشقُ أهل بيت العصمة والطهارة، شديدُ التعظيم لهم والتأثّر بهم، وقد تجلّى ذلك في جميع حركاته وسكناته.
يذكر بعض المقرّبين منه صفة خروجه لزيارة المشاهد المشرّفة، لا سيّما العتبة العلوية المقدّسة، فيقول:
«كان الإمام عند زيارته للمشاهد المشرّفة، وأضرحة الأئمّة عليهم السلام، وكأنّه يرى الإمام المعصوم ناظراً إليه وحاضراً أمام عينيه...
فإذا طرق سمعَه اسمُ أمير المؤمنين أخذته الهيبة... لم يتخلّف أيام إقامته في النجف الأشرف عن زيارة أمير المؤمنين عليه السلام، صيفاً وشتاءً... وبرنامجُه أن يغادر منزله، كلّ ليلة، بعد ثلاث ساعات من مغيب الشمس، قاصداً حرم أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي اليوم الذي حصل فيه الانقلاب العسكريّ في العراق، وأُعلنت حالة الطوارئ وحظر التجوال عبر البلاد، افتقده أهل بيته، وفتشّوا عليه في حجرات المنزل، إلى أن صعدوا السطح فرأوه يقرأ الزيارة متّجهاً ناحية مقام أمير المؤمنين عليه السلام.
وكان الإمام الراحل قدّس سرّه، عندما يزور الضريح الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام، يلتزم آداباً خاصة، فلا يدخل قبل الاستئذان، وإذا فرغ منه دخل الحرم المطهّر من الجهة الدّنيا للضريح المقدّس، متقيّداً بأن لا يمرّ من جانب الرأس الشريف لحضرة الأمير عليه السلام. وعندما يصل إلى مقابل الضريح يقرأ بكلّ إخلاص زيارة (أمين الله)، ويرجع مجدّداً من عند قدَمي حضرة الأمير عليه السلام، ويجلس في زاوية يقرأ زيارةً أو دعاء، ثمّ يصلّي ركعتَين، ومن ثمّ يغادر الحرم المطهّر، مراعياً الآداب الخاصّة بالخروج».
حكومة القانون
لقد أسكن الإمامُ الخمينيّ أميرَ المؤمنين عليه السلام فكرَه وروحه، فانطلق ليؤسّس الحكومة الإسلامية -حُلم الأنبياء والأولياء- مستلهماً من حكومة عليّ عليه السلام، وممهّداً لحكومة القانون والعدل المطلق؛ حكومةِ بقية الله الأعظم عجّل الله فرجه.
يقول الإمام قدّس سرّه: «حكومة الإسلام هي حكومة القانون، وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله تعالى، وبالقانون الذي هو أمرُ الله وحُكمه. فقانون الإسلام، أو أمرُ الله، له السلطان الكامل على جميع الأفراد؛ بدءاً من الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأوصيائه، وصولاً إلى سائر الخلق، هم جميعاً تابعون -وإلى الأبد- للقانون النّازل من عند الله، والـمُبلَّغ بنصّ القرآن وبحديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم».
ويقول: «إذا كان رسول الله قد تولّى (القيادة)، فقد كان ذلك بأمرٍ من الله، إذ إنّ الله تعالى هو الذي جعله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خليفته في أرضه، لا أنّه قام بتشكيل الحكومة من تلقاء نفسه وأراد أن (يتسيّد الناس).... وكذلك، قام الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، بحُكم القانون والتزاماً به، بتعيين أمير المؤمنين عليه السّلام للخلافة... لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان مأموراً وتابعاً لحكم الله، ومُنفّذاً لأمره سبحانه، فالحكومة في الإسلام تعني اتّباع القانون، والقانونُ وحده هو الحاكم في المجتمع..».
ويؤكّد إمامنا الراحل أنّ حكومة أمير المؤمنين هي الحكومة الإلهية المطلقة والوحيدة التي أرستْ العدالة الاجتماعية بعد حكومة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله:
«... (سببُ) التمسّك بولاية ذلك العظيم، (لأنّه) الذي يستطيع أن يُقيم العدالة الاجتماعية والعدالة الحقيقية، وهو الذي له القدرة على إجرائها. فلا نحن ولا كلّ البشر نستطيع أن نُجري هذه العدالة ونطبّقها، (ولم يوجَد) بين البشر -بعد رسول الله- مَن يستطيع إقامة العدالة بذلك النحو، فيأمرُ (الله تعالى) رسولَه حينئذٍ أن ينصّب (بعده) أمير المؤمنين المؤهّل لإجراء العدالة -بكلّ معنى الكلمة- في المجتمع، والمؤهّل لتشكيل حكومة إلهيّة».
عِرفان عليّ عليه السلام
مع تعدّد المدارس العرفانية واختلاف اتّجاهاتها، يرى الإمام الخمينيّ أنّ المدرسة العرفانية على هدْي تعاليم أمير المؤمنين هي أسلم المدارس وأقومها، حيث إنّ جميع المدارس الأخرى انحرفت عن الطريق المستقيم. ويخاطب الإمام الراحل المنحرفين عن النهج العرفانيّ، فيقول:
«يا أيّها (العرفاء)، ألستم تقولون إنّ سيّد هذه المدرسة وإمامها هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وتدّعون أنّكم تنتسبون إليه؟ دُلّوني، إذاً، على مغارة كان يلوذ إليها لسنواتٍ طوال!
هل نصب عليّ بن أبي طالب عليه السلام خيمة في الصحراء واعتزل الناس؟
هل تخلّى عليه السلام عن أمور المسلمين وقضاياهم، وتفرّغ للعبادة (لا غير) كما تفعلون أنتم؟ ألم يكن يعيش هموم المسلمين ومشاكلهم؟
هذا هو إمام العارفين، وهذا هو إمام المتصوّفة. دلّوني هل يوجد أحد منكم مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فلو كان السير إلى الله أن يختبئ الإنسان في بيته، أو أن يقبعَ في زاوية من زوايا المسجد، لكان الأَولى بفعل ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، والإمام عليّ عليه السلام، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام».
الافتخار بأمير المؤمنين على أبواب الرحيل
«نحن نفخر بأنّنا أتباع مذهبٍ وَضع أُسُسه -بأمرٍ من الله ورسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله- أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب، هذا العبد المحرّر من جميع الأغلال، المكلّف بتحرير البشرية من كافّة القيود والعبوديات.
نحن نفخر بأنّ من فيض إمامنا المعصوم كان (نهج البلاغة)، وهو -بعدَ القرآن الكريم- أعظمُ دستورٍ للحياة بشؤونها المادّية والمعنوية، وأسمى كتاب لتحرير الإنسان، وتعاليمُه في التربية المعنوية وإدارة أمور الحكم هي أنجح سبيل للخلاص».
بهذه الكلمات القصار أنهى إمامنا الخميني رضوان الله عليه حياته وهو يلهج بذكر عليّ عليه السلام، وقد قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: «ذِكرُ عليٍّ عبادة».
يروي أحد المقرّبين مشاهداته في الساعات الأخيرة من حياة الإمام الخميني، فيقول : «كنتُ واقفاً عند رأس الإمام وهو راقد على سريره في المستشفى، قبل حوالي 48 ساعة من وفاته، شعرتُ بأنّه يذوب، وكان يقول: (الألم يؤذيني كثيراً)، ولكن ردّة فعله تجاه الآلام الشديدة كانت ذكرَ الله تبارك وتعالى، وذِكرَ مولاه عليّ عليه السلام».
المقام المعنوي لأمير المؤمنين عليه السلام
دأب الإمام الخميني قدّس سرّه على إبراز المقام السامي والعظيم لأمير المؤمنين عليه السلام، طوالَ حياته الشريفة؛ في مؤلّفاته، ودروسه الحوزوية، أو في البيانات والخطب إبّان الثورة وبعدها. ويكفي وصفه لأمير المؤمنين عليه السلام، قائلاً: «عليٌّ هو التجلّي العظيم لله تعالى».
ويتحدّث الإمام عن الأبعاد الوجودية لأمير المؤمنين عليه السلام، فيقول: «هذا العظيم يمتاز بشخصية ذات أبعاد كثيرة، ومظهرٌ لاسم الجمع الإلهيّ الذي يحوي جميع الأسماء والصفات، فجميعُ الأسماء والصفات الإلهية في ظهورها وبروزها في الدنيا وفي العالم ظهرتْ في هذه الشخصية بواسطة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، وإنّ أبعاده الخفيّة هي أكثر من تلك الأبعاد الظاهرة... لقد اجتمعتْ في رجلٍ واحد، في شخصية واحدة جهاتُ متناقضة ومتضادّة، (إنه) يمتلكُ جميع الأوصاف وجميع الكمالات».
ويقول في موضع آخر: «الملائكة تضعُ أجنحتها تحت قدم أمير المؤمنين عليه السلام... فقد انتشر الإسلام في الدنيا واشتُهر في العالم بواسطته. وفي ظلّ قيادته وُجد المجتمع المحترم والحرّ والممتلئ حيوية وفضيلة، فمن الطبيعيّ أن تخضع له الملائكة...».
دعاء اليوم السابع
«اللّهُمّ أعِنّي فيه على صياِمه وقيامه، واجنُبني فيه من هَفَواته وآثامِه، وارزُقني فيه ذِكرَك وشُكرَك بِدوامِه، بتوفيقِكَ يا وليَّ المؤمنين».
دوام الشكر لله تعالى من صفات الأنبياء، قال الله تعالى (الإسراء/3): ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾.
وقد بلغ من شكر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن بلالاً رآه يتضرّع إلى الله تعالى ويبكي، فقال له: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبداً شكوراً؟...».
وقد علّق المحقّق الأردبيلي على هذه الرواية بالقول: «وفي هذه دلالة على أن العبد الشَّكور هو الذي يبكي كثيراً». ومن مصاديق شكره سبحانه برّ الوالدين، لقوله تعالى (لقمان/14): ﴿...أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
وفي (مصباح) الكفعمي حول ثواب من دعا بهذا الدعاء في يومه: «..يُعطى في الجنّة ما يُعطى الشهداء والسعداء والأولياء».
* هذه المقالة مختصر بحث قيّم قدّمه العلامة السيد علي الحسيني الميلاني، في ندوة أقامها «مركز الأبحاث العقائدية» في مدينة قمّ، وطُبع سنة 1421 هجرية، تحت عنوان: (الشهادة بالولاية في الأذان).
ونظراً لمحدوديّة المساحة المتاحة، عمدنا إلى حذف المصادر التي أرجع إليها سماحته بالتفصيل، لتوفّر الكتاب بنسختيه الورقية والإلكترونية.
«شعائر»
تارة نبحث عن مسألة الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، في ما بيننا نحن الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، وتارة نجيب عن سؤال يردُنا من غيرنا ومن خارج الطائفة، ويكون طرف البحث فيه من غير أصحابنا. فمنهج البحث حينئذٍ يختلف.
أمّا في أصحابنا، فلم أجد أحداً، لا من السابقين ولا من اللاحقين، من كبار فقهائنا ومراجع التقليد، يفتي بعدم جواز الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، ومن يتّتبع ويستقصي أقوال العلماء منذ أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا، ويراجع كتبهم ورسائلهم العمليّة، لا يجد فتوى بعدم جواز هذه الشهادة.
فلو ادّعى أحد أنّه من علماء هذه الطائفة، وتجرّأ على الفتوى بالحرمة، أو التزم بترك الشهادة هذه، فعليه إقامة الدليل العلمي القطعي الذي يتمكّن أن يستند إليه في فتواه أمام هذا القول، أي القول بالجواز، الذي نتمكّن من دعوى الإجماع عليه بين أصحابنا.
وكلامنا مع من هو لائق للإفتاء، وله الحق في التصدّي لهذا المنصب، أي منصب المرجعيّة في الطائفة، وأمّا لو لم يكن أهلاً لذلك، فلا كلام لنا معه أبداً.
أمّا أصحابنا بعد الاتّفاق على الجواز:
- منهم من يقول باستحباب هذه الشهادة في الأذان، ويجعل هذه الشهادة جزءاً مستحبّاً مندوباً من أجزاء الأذان، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة، وهؤلاء هم الأكثر الأغلب من أصحابنا.
- وهناك عدّة من فقهائنا يقولون بالجزئيّة الواجبة، بحيث لو تركت هذه الشهادة في الأذان عمداً، لم يُثب هذا المؤذّن على أذانه أصلاً، ولم يطع الأمر بالأذان.
- ومن الفقهاء من يقول بأنّ الشهادة الثالثة أصبحت منذ عهد بعيد من شعائر هذا المذهب، ومن هذا الحيث يجب إتيانها في الأذان.
معنى الأذان والشهادة وولاية عليّ عليه السلام
- «الأذان»: هو في اللغة العربية وفي القرآن والسنّة وفي الاستعمالات الفصيحة: الإعلان، أي الإعلام.
- «الشهادة»: هي القول عن علم حاصل عن طريق البصر أو البصيرة، ولذا يعتبر في الشهادة أن تكون عن علم، فالشهادة عن ظنّ وشكّ لا تعتبر.
- «ولاية أمير المؤمنين»: يعني القول بأولويّته عليه السلام، بالناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بلا فصل.
لاحظوا، إذاً، أننا في الأذان، نعلن ونخبر الناس إخباراً عامّاً: بأنّنا نعتقد بأولويّة عليٍّ عليه السلام بالناس بعد رسول الله. هذا معنى «الشهادة بولاية عليّ» في الأذان. وهذا القول قول عام، نعلن عنه على المآذن وغير المآذن، ونُسمع جميع العالَمين بهذا الاعتقاد.
وهذا الاعتقاد الذي نحن عليه لم يكن اعتقاداً جزافياً اعتباطياً، وإنّما هناك أدلة تعضد هذا الاعتقاد وتدعم هذا الاعتقاد، فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالم، ونتّخذ الأذان وسيلة للإعلان عن هذا الاعتقاد.
الشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية
إذا لم يكن إعلاننا عن ولايتنا لأمير المؤمنين في الأذان بقصد جزئية هذه الشهادة في الأذان، فأيّ مانع من ذلك؟
وإذا لم يكن من قصد هذا المؤذّن أن تكون هذه الشهادة جزءاً أصليّاً، وفصلاً من فصول الأذان، وإنّما يريد أنْ يعلن للعالم عن اعتقاده بأولوية الإمام عليّ بالناس بعد رسول الله، فما المانع منه؟ هل من مانعٍ كتاباً، أو سُنّةً، أو عقلاً؟ فعلى من يدّعي المنع إقامة الدليل.
ولذا، قرّر علماؤنا أنّ ذكر الله سبحانه بعد الشهادة الأولى بما هو أهله، وذِكر النبيّ بعد الشهادة الثانية بالصلاة والسلام عليه مثلاً، مستحبّ، وأنّ تكلّم المؤذّن بكلام عادي في أثناء الأذان جائز، ولا يضرّ بأذانه، فكيف إذا كان كلامه ومقصده الإعلان عن ولاية أمير المؤمنين، وهو يعتقد بأنّ الشهادة برسالة رسول الله إنْ لم تكن ملحَقةً ومكمّلة بالشهادة بولاية عليّ عليه السلام، فهي شهادة ناقصة؟
حتّى إذا لم يكن عندنا دليل على الجواز، فمجرّد أصالة عدم المنع، ومجرّد أصالة الإباحة تكفي، بما هي من الأصول العملية العقليّة والنقليّة على جواز هذا الإعلان في الأذان.
الشهادة بالولاية بقصد الجزئية المستحبة
في كتاب (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي، من ضمن إحتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على المهاجرين والأنصار، هذه الرواية التي يستشهد بها علماؤنا، بل يستدلّون بها في كتبهم الفقهيّة:
«...القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: هؤلاء -أي المخالفون- يروون حديثاً في أنّه لمّا أُسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله [ فلان ] الصدّيق!
فقال عليه السلام: سبحان الله، غيّروا كلّ شيء حتّى هذا؟ -ثمّ أورد متن الحديث، وفي آخره قول الصادق عليه السلام: فإذا قال أحدكم: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، فليَقُل: عليٌّ أمير المؤمنين».
هذا الخبر ليس بنصّ، وإنّما يدلّ على استحباب ذكر أمير المؤمنين بعد رسول الله في الأذان، بعمومه وإطلاقه، لأنّ الإمام عليه السلام، قال: «فإذا قال أحدكم -في أيّ مكان، في أيّ مورد، على إطلاقه وعمومه- لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين»، والأذان أحد الموارد، فتكون الرواية هذه منطبقة على الأذان.
وفي رواية -وهذه الرواية عجيبة إنصافاً- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد أنْ وُضعت السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام في القبر، لقّنها بنفسه، فكان ممّا لقّنها به ولايةُ عليّ بن أبي طالب، ولدها. هذا في (خصائص أمير المؤمنين) للشريف الرضي، وفي (الأمالي) للصدوق.
وأرى أنّ هذا الخبر هو قطعيّ، هذا باعتقادي، فحتّى السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام، يجب أن تكون معتقدة بولاية أمير المؤمنين، وتشهد بها، وسوف تُسأل عن شهادتها، سلام الله عليها.
فائدة صغيرة
جاء في (السيرة الحلبيّة) ما نصّه: «وعن أبي يوسف -وهو تلميذ أبي حنيفة إمام الحنفيّة: لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن في أذانه: السلام عليك أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته! حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، الصلاة يرحمك الله»، يقصد خليفة الوقت، أيّاً كان ذلك الخليفة. ولذا كان مؤذّن عمر بن عبد العزيز يفعله.
فإذا لم يكن بأس في أنْ يخاطب المؤذّن خليفة الوقت وأمير مؤمنينهم في الأذان بهذا الخطاب، فالشهادة بولاية أمير المؤمنين، حقّاً، ليس فيها أيّ بأس، بل إنّها من أحبّ الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، ولو تجرّأنا وأفتينا بالجزئيّة الواجبة فنحن حينئذٍ ربّما نكون في سعة، لكنّ هذا القول أعرض عنه المشهور، وكان ممّا لا يُعمَل به بين أصحابنا.
تصرفات المخالفين في الأذان
وأمّا أهل الخلاف، فعندهم تصرّفان في الأذان: حذف «حيّ على خير العمل»، وإضافة «الصلاة خير من النوم»، ولم يقم دليلٌ عليهما. هذا في شرح (التجريد) للقوشجي الأشعري...
ويدلّ على وجود «حيّ على خير العمل» في الأذان في زمن رسول الله وبعد زمنه: الحديث في (كنز العمّال): «كان بلال يؤذّن في الصبح فيقول: حيّ على خير العمل».
وكذا هو في (السيرة الحلبيّة)، وذكر أنّ عبدالله بن عمر، والإمام السجّاد عليه السلام، كانا يقولان في أذانهما: «حيّ على خير العمل»، وأمّا «الصلاة خير من النوم»، فعندهم روايات كثيرة على أنّها بدعة، فراجعوا.
الشهادة بالولاية شعار المذهب
بعد أن أثبتنا الجزئيّة الاستحبابيّة للشهادة الثالثة في الأذان، فلا يقولنّ أحدٌ إنّها مستحبّة، ولا مانع من ترك المستحب، فهذا التوهّم في غير محلّه. لأنّ هذا العمل الاستحبابي، أصبح شعاراً للشيعة، ومن هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه، في كتاب (المستمسك) بوجوب الشهادة الثالثة في الأذان، بلحاظ أنّه شعارٌ للمذهب، وتركُه يضرّ به، بل يجب أن يحافظ عليه، لأنّه محافظة على المذهب، لا سيّما أن المخالفين حاربوا المذهب الحقّ وشعاراته بالقول والفعل.
فكثير من الأمور يعترفون بكونها من صلب الشريعة المقدّسة، إلاّ أنّهم يتركونها بذريعة أنها شعارٌ للشيعة، وسوف أشير إلى بعض هذه الموارد:
- في كتاب (الوجيز) للغزالي في الفقه، وفي غيره، ينصّون على أنّ تسطيح القبر أفضل من تسنيمه، إلاّ أنّ التسطيح لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلا بدّ وأن يُترك هذا العمل.
- عن الزمخشري في (تفسيره)، بتفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ..﴾، يقول: «إنّ مقتضى الآية جواز الصلاة على آحاد المسلمين، لكن لمّا اتّخذت الرافضة ذلك في أئمّتهم، منعناه». (الأحزاب:43)
- كذلك ينصّون على أنّ السنّة النبويّة التختّمُ باليمين، لكنّ الشيعة لمّا اتّخذت التختّم باليمين شعاراً لهم، أصبحوا يلتزمون بالتختّم باليسار. وأوّل مَن اتّخذ التختّم باليسار، خلاف السنّة، هو معاوية.
ثمّ إنّ الغرض من مخالفة السنّة النبويّة في جميع هذه المواضع هو بغض أمير المؤمنين عليه السلام، وقد جاء التصريح بهذا في بعض تلك المواضع، كقضيّة «ترك التلبية». فقد أخرج النسائي والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: «كان ابن عبّاس بعرَفة، فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟
فقلت: يخافون، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهُمّ لبّيك، وإنْ رغمَ أنفُ معاوية، اللّهُمّ العَنْهُم فقد تركوا السنّة من بُغض عليّ».
قال السندي في تعليق النسائي: «أي لأجل بغضه، أي وهو كان يتقيّد بالسنن، فهؤلاء تركوها بغضاً له».
وهكذا يكون إنكار الشهادة الثالثة محاربة للشيعة والتشيّع، لأنّ الشهادة الثالثة شعار التشيّع والشيعة، ويكون خدمة لغير الشيعة، ويكون متابعة لِما عليه غير الإماميّة في محاربتهم للشعائر.
دعاء اليوم الثامن
«اللّهُمّ ارزُقني فيه رحمةَ الأيتام، وإطعامَ الطعام، وإفشاءَ السلام، ومجانبةَ اللِّئامِ وصُحبةَ الكرام، بطَوْلِكَ يا ملجأَ الآملين».
* الطَّوْل: هو الفضل والإحسان بلا حدّ.
* مجانبة اللئام و مصاحبة الكرام: البخل يكون، في الأصل، في الماديات، أما اللّؤم ففي المعنويات.
* من هم الذين يجب اجتناب مصاحبتهم؟
عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال لي عليّ بن الحسين، صلوات الله عليهما: يا بنيّ، انظرْ خمسةً، فلا تُصاحِبْهم ولا تُحادِثْهم ولا تُرافِقْهُم في طريق.
فقلت: يا أبَه، مَن هم؟ قال:
إيّاكَ ومصاحبةَ الكذّاب، فإنّه بمنزلة السّراب يقرّبُ لك البعيدَ ويُباعِدُ لك القريب.
وإيّاكَ ومصاحبةَ الفاسق، فإنّه بائعُك بأكلةٍ أو أقلّ من ذلك.
وإيّاكَ ومصاحبةَ البخيل، فإنّه يَخذُلُكَ في مالِه أحوجَ ما تكونُ إليه.
وإيّاكَ ومصاحبةَ الأحمق، فإنّه يريدُ أن ينفعَك فيضرّك.
وإيّاكَ ومصاحبةَ القاطعِ لِرَحِمِه، فإنّي وجدتُه ملعوناً في كتاب الله عزّ وجلّ..».
دعاء اليوم التاسع
«اللّهُمّ اجعلْ لي فيه نصيباً من رحمتِكَ الواسعة، واهْدِني فيه لبراهينِكَ الساطعة، وخُذْ بناصيتي إلى مرضاتِكَ الجامعة، بمحبّتِكَ يا أملَ المشتاقين».
خصّ الله تعالى ذاته المقدّسة بالرحمة في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله سبحانه في ثلاث مواضع من سورة (الأنعام/12/54/133): ﴿..كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾، ﴿..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾، ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ..﴾.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «الدعاء مفتاحُ الرحمة ومصباح الظُّلْمة».
ومن مظانّ الرحمة: المواسم العبادية، مثل شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان، وليلة القدر، وأيّام الحجّ، والأيام البِيض من كلّ شهر، وليلة الجمعة ويومها.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن وافقَ منكم يومَ الجمعةِ فلا يشتغلنّ بشيءٍ غير العبادة، فإنّ فيه يغفرُ اللهُ للعباد، ويُنزلُ عليهم الرحمة».
* من دروس «المركز الإسلامي» في «حسينية الصدّيقة الكبرى عليها السلام»، درسٌ بعنوان «تدوين السيرة - قراءة في المنهج» يتحدّث فيه سماحة الشيخ حسين كَوراني عن المنهج الواقعي في مقاربة سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، والمعصومين عموماً، وهو منهج البدء في تدوين سيرتهم مذ كانوا أنواراً محدقةً بالعرش، «قبل خَلق الخَلق»، حين أخذت الملائكةُ عنهم التقديس والتهليل وصنوف الثناء على الباري تبارك وتعالى. وقد أتبعنا ذلك بإضاءات على مجالات من سيرة مولى الموحّدين، تطرّق لها سماحته في مؤلّفاته أو محاضراته.
«شعائر»
تناول عدد كبير من علماء المسلمين -سنّة وشيعة- الروايات المشتركة بين سيّد النبيّين وسيّد أوصيائه، بالشرح والتعليق، ومن محاور هذه الروايات:
1) أنّهما نور واحد.
2) أنّ الأنبياء بُعثوا على الإقرار بولاية سيّد النبيّين، وولاية أمير المؤمنين صلّى الله عليهما وآلهما.
* من روايات المحور الأول:
أ) أورد ابن شيرويه الديلمي -وهو من أعيان العلماء السنّة- في كتاب (الفردوس)، بإسناده عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
خُلِقْتُ أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صُلبه، فلم نزل في شيءٍ واحدٍ حتى افترقنا في صلب عبد المطّلب، ففيَّ النبوّة، وفي عليٍّ الخلافة».
(البحراني، غاية المرام: 1/30، بتصرّف)
ب) قال السيد ابن طاوس: «..قوله صلّى الله عليه وآله: (كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدي الله). فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل... عن سلمان قال: سمعتُ حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول: كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدَي الله عزّ وجلّ قبل أن يُخلق آدمُ بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم قسم ذلك النور جزئين، فجزءٌ أنا وجزءٌ عليّ..».
(السيد ابن طاوس، الطرائف: ص 15)
* ومن روايات المحور الثاني:
قال السيد علي الميلاني في (نفحات الأزهار):
* «حديث بعث الأنبياء على ولاية سيّدنا عليّ عليه السلام، وقد رواه جماعة من أعلام أهل السنّة، منهم: الحاكم النيسابوري...».
* ثمّ استعرض السيد الميلاني رواية كلٍّ من هؤلاء العلماء، أكتفي هنا بذكر بعضها:
أ) رواية الحاكم النيسابوري: بسنده عن عبد الله بن مسعود: «قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أتاني ملَك فقال: يا محمّد! ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا..﴾، على ما بُعثوا.
قال: قلتُ: على ما بُعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب». (الزخرف:45)
ب) رواية شهاب الدين أحمد: عن أبي هريرة قال: «قال رسول صلّى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي ليلةَ المعراج، فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله إليّ: سَلْهُم يا محمّد، بماذا بُعثتم؟
قالوا: بُعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب».
ج) رواية عبد الوهاب بن محمّد: رواه عن أبي نعيم الأصبهاني، عن أبي هريرة، مثله.
(الميلاني، نفحات الأزهار: 5/258)
* لدى تطبيق هذا المنهج في تدوين السيرة، سنجد التلازم بين سيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وسيرة سيّد أوصيائه عليه وعليهم السلام، مبدأً متأصّلاً تناولَ العلماء المسلمون عبر القرون رواياته الكثيرة بالبحث والتحليل، إلّا أنها بقيت في مظانّها لا يصل إليها إلّا مَن تعمّد البحث والتنقيب، ولو أنّها كانت قد أُوردت كمدخل إلى السيرة -سواءً سيرة النبيّ أم الوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما- لاختلف الأمر، وأمكن انتشارها بين الناس على نطاق واسع.
دعاء اليوم العاشر
«اللّهُمّ اجعلْني من المتوكّلين عليك، واجعلْني من الفائزين لديك، واجعلْني من المقرّبين إليك، بإحسانِكَ يا غايةَ الطّالبين».
التوكُّل غير التوكيل، ومن لوازمه الثّقة المطلقة، وأن يكون ضمن نظامٍ محكم وخطة عملٍ مدروسة. وعليه يتنافي التوكُّل، أيضاً، مع الاتّكاليّة والعبثية. وينشأ الخلل في التوكُّل من عدم استحضار الثّقة بالوكيل، أو من عدم الدقة في مراعاة الخطة المدروسة.
خطّة العمل في التوكّل على الله، هي الالتزام بالأحكام الشرعية، واجتناب المعاصي، التي قد تتراكم فتضرب الثقة بين العبد وخالقه، فتكون النتيجة كما في الدعاء: «أوحشَ ما بيني وبينك فرْطُ العِصيان والطُّغيان».
نقتدي بعليّ وأهل البيت، لنصل إلى سيّد النبيّين
أمر الله تعالى بالاقتداء بسيّد الأنبياء صلّى الله عليه وآله، فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.
وكان الإمام عليّ عليه السلام، أوّل المقتدين برسول الله صلّى الله عليه وآله، وبلغ اقتداؤه به إلى حيث كان نفسه صلّى الله عليه وآله: ﴿..وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ..﴾، وهي مرتبة فوق «المؤاخاة» التي قامت على أساس «الأشباه والنظائر»، كما يذكَر في محلّه.
بدأ هذا التأسّي العلويّ والاقتداء بسيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله قبل البعثة، وعندما نزل الوحي شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ علياً عليه السلام، كان تجلّي رسول الله إلى حدّ التماهي في كلّ الخصائص، ما عدا النبوّة.
كان عليّ عليه السلام آنذاك في العاشرة من عمره الشريف، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يؤكّد للأمّة وحدة الحقيقة المحمّدية، والنور المحمّديّ، والتلازم بين مسيرة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ..﴾ ونزول الوحي، وبين ولاية عليّ وأهل البيت عليهم السلام، وأنّ ضمانة استمرار الرسالة الإسلامية بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فرعُ حسن اقتداء الأمّة بأهل البيت عليهم السلام.
من هنا وجب توكيد حقيقة أنّنا نقتدي بعليّ عليه السلام، لنصل به ومعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
مجالات الاقتداء: عندما نقول إنّ علينا أن نقتدي برسول الله صلّى الله عليه وآله، فلا بدّ من أن تتّسع ساحة الاقتداء لتشمل الرؤية الكونية بجميع أبعادها النظرية والسلوكية، لتكون العقيدة مطابقة لعقيدة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويكون الموقف النظريّ من كلّ حقائق الوجود منسجماً مع هذه العقيدة، ويكون السلوك التطبيقيّ العمليّ متّسقاً مع الفكر الذي هو تجلّي الرؤية الكونية الشاملة: العقيدة والرؤى المبنيّة على أُسسها، وأنظمة السلوك التي هي ثمار هذه العقيدة ورؤاها في مختلف ميادين العلاقة مع الله تعالى، والإنسان، والكون.
نهج البلاغة، حوض «الكوثر»
على كلّ منّا أن يتنبّه جيداً إلى كيفية تزويد نفسه بالوقود الإيماني، فيهتمّ بالموعظة، وسيقوده ذلك تلقائياً إلى علاقة خاصّة بـ (نهج البلاغة) ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام، ليسير بها ومعها في آفاق النفس، والقرآن الكريم، والحديث الشريف.
ثمّ إنّ (نهج البلاغة) هو (حوض الكوثر)، وهو (نهر الكوثر)، مَنْ شرب من (نهج البلاغة) سيشرب من (الكوثر).
أيّها الحبيب، نسمع كثيراً أنّ علياً عليه السلام ساقي الحوض، فما معنى (ساقي الحوض)؟
حوض الكوثر هو حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلّا أنّ الذي يسقي منه هو عليّ عليه السلام، ما هو السبب؟
لأنّ حوض الكوثر هو صورة معنوية، صورة ملكوتية عن الهداية المحمّدية في الدنيا، فهو حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولأنّ الشرب والأخذ والاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله، والشرب من حوضه والأخذ منه في الدنيا لا يمكن أن يتحقّق إلّا من خلال عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لأجل ذلك، كان الساقي على الحوض في يوم القيامة هو أمير المؤمنين عليه السلام.
بلى.. «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»، و«عليّ ساقي الحوض»، معناهما: لا يمكن، على الإطلاق، أن يهتدي مهتدٍ في الدنيا بنور المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، إلّا إذا تمسّك بعليّ عليه السلام، وعندها يمكنه أن يشرب من حوض الكوثر، من يد الساقي الذي شرب منه في الدنيا، لأنّ الآخرة هي باطن الدنيا، تتجسّم الأمور في الآخرة، الأمور الدنيوية تتجسّم وتصبح في الآخرة بشكل يتناسب مع ذلك العالم.
نحن أمام دفّتي (نهج البلاغة) على ضفاف الكوثر، ليس بيننا وبين أن نشرب من الكوثر إلّا أن نفتح (نهج البلاغة)، بشرط أن تكون قلوبنا نقيةً طاهرة، عندها سنشعر أنّ هذا الطعم هو طعم الكوثر، غفرانك اللهم وحنانيك، فإذا كان القلب مظلماً بالذنوب، إذا كانت حجب المعاصي تحول بين القلب و(النهج الكوثر)، فهل إلى خلاص من سبيل؟ بلى أيّها الحبيب، حبّ عليّ عليه السلام يُطفئ بحاراً من نار، والمحبّ مطيع لمن أحبّ. اللهم ارزقنا الحبّ الحقيقيّ الذي لا ينفصل عن الطاعة.
عليُّ الحَكَمُ العَدل
* «ولّى أميرُ المؤمنين عليه السلام أبا الأسود الدؤلي القضاء ثمّ عزله، فقال له: لمَ عزلتني وما خُنت وما جَنيت؟
فقال: إنّي رأيتُ كلامك يعلو كلامَ خصمك».
* عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من ابتُلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الشارة، وفي النظر، وفي المجلس».
* قال ابن أبي الحديد: «استعدى رجلٌ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عمرَ بن الخطاب، وعليّ جالس، فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن! فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه وتناظرا، ثمّ انصرف الرجل، ورجع عليّ عليه السلام إلى مجلسه، فتبيّن عمر التغيُّرَ في وجهه، فقال: يا أبا الحسن! ما لي أراك متغيّراً؟ أكرِهتَ ما كان؟
قال: نعم. قال: وما ذاك؟
قال: كنّيتني بحضرة خصمي، هلّا قلت: قم يا عليّ! فاجلس مع خصمك».
دعاء اليوم الحادي عشر
«اللّهُمّ حَبِّبْ إليَّ فيه الإحسانَ، وكَرِّه إليَّ فيه العصيانَ، وحَرِّمْ عَلَيَّ فيه السَّخَطَ والنيران، بعونِكَ يا عونَ المستغيثين».
سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن تفسير «الإحسان»، فقال: «أنْ تعبدَ اللهَ كأنّكَ تَراه، فإنْ لم تَكُنْ تَراه فإنّه يَراك».
وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى الإحسان، فقال: «إذا صلّيتَ فأحسِنْ ركوعَك وسجودَك، وإذا صمتَ فَتَوَقَّ كلَّ ما فيه فسادُ صومِك.... وكلّ عملٍ تعملُه للهِ فَلْيَكُن نَقِيَّاً من الدَّنَسِ».
* لم تزل الأجيال تتناقل المناقب الباهرة لأمير المؤمنين عليه السلام، كيف وقد أذعن له أساطين العلوم، وقادة المِلل، ورؤساء المذاهب، وأصحاب المدارس والطُّرق، فضلاً عن الفلاسفة، والزهّاد، والعبّاد، والكُماة، وخلقٌ بعد ذلك كثير.
تفتخر كلّ طائفة منهم، على نظيراتها، بادّعاء الانتساب إليه، والنّهل من مَعينه، وأنه -لا سواه- باني صرحها، ومشيّد بنيانها، ومسبّل سُبلها... غافلين عن أنهم، جميعاً، جهلوه وما قدروه حقّ قدره.
تتضمّن هذه المقالة مختارات من أقوال عددٍ من «الأعلام»، في تبيان مقاماته صلوات الله عليه، قام بجمعها من مصادرها المتفرّقة، العلامة الشيخ أحمد الهمداني رحمه الله في كتابه القيّم (الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام – مَن حبّه عنوان الصحيفة).
«شعائر»
* قال الشريف الرضيّ في مقدّمته على (نهج البلاغة):
«..ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها، وأمِن المشارَكة فيها، أنّ كلامَه الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمّله المتأمّل، وفكَّر فيه المُتَفَكّر، وخَلَعَ من قلبه، أنّه كلام مثله ممّن عَظُمَ قَدَرُه، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب مُلكُه، لم يعترضه الشكّ في أنّه من كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قَد قبع في كسر بيت، أو انقَطَعَ إِلى سَفحِ جبل، لا يسمع إلا حِسّهُ، ولا يرى إِلا نَفسَه، ولا يكاد يوقن بأنّه كلام مَن ينغمسُ في الحرب مصلِتاً سيفه، فَيَقُطُّ الرِّقَابَ، ويُجدّلُ الأبطال، ويعود به ينطف دماً، ويقطر مهجاً، وهو مع ذلك الحال زاهدُ الزهّاد، وبدَلُ الأبدال، وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة، التي جمع بها الأضداد، وألَّفَ بين الأشتات».
* الإمام الخميني في (نبراس السياسة، ص 17):
«ما فهمه العظماء والعرفاء والفلاسفة بكلّ ما لديهم من فضائل وعلوم سامية، إنّما فهموه من خلال وجودهم ومرآة نفوسهم المحدودة، وعليّ عليه السلام غير ذلك».
* المرجع الديني السيّد الخوئي قدّس سرّه في (تفسير البيان، ص 91):
«إنّ تصديق عليّ عليه السلام -وهو ما عليه من البراعة في البلاغة والمعارف وسائر العلوم- لإعجاز القرآن، هو بنفسه دليل على أنّ القرآن وحيٌ إلهي... كيف وهو ربّ الفصاحة والبلاغة، واليه تنتهي جميع العلوم الإسلامية، وهو المثل الأعلى في المعارف».
* ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة: 1/17؛ 11/150؛ 16/146):
- «ما أقول في رجل تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة؟ وتصوّر ملوك الفرنج والروم صورته في بِيَعها وبيوت عباداتها؟ وتصوّر ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها؟... وما أقول في رجل تُعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتهي إليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها».
- «وإنّي لأُطيل التعجّب من رجلٍ يخطب في الحرب بكلام يدلّ على أنّ طبعه مناسبٌ لطباع الأسود، ثمّ يخطب في ذلك الموقف بعينه، إذا أراد الموعظة، بكلامٍ يدلّ على أنّ طبعه مُشاكِلٌ لطباع الرهبان الذين لم يأكلوا لحماً ولم يُريقوا دماً، فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس (الشجاع)، وتارةً يكون في صورة سقراط والمسيح بن مريم الإلهيّ، وأقسم بمن تُقسم الأمم كلّها به، لقد قرأتُ هذه الخطبة [ في الاستعداد للموت، خ 221، تحقيق صالح ] منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرّة، ما قرأتها قطّ إلّا وأحدثتْ عندي روعة وخوفاً وعِظَةً، وأثّرت في قلبي وجيباً، ولا تأمّلتها إلّا وذكرتُ الموتى من أهلي وأقاربي وأرباب ودّي، وخيّلت في نفسي أنّي أنا ذلك الشخص الذي وصف الإمام عليه السلام حاله».
- «...فسبحانَ مَن منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة! أن يكون غلام من أبناء عرب مكّة ينشأ بين أهله لم يخالط الحكماء، وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم الإلهية من أفلاطون وأرسطو.
ولم يعاشر أرباب الحِكم الخُلقية والآداب النفسانية... وخرج أعرفَ بهذا الباب من سقراط. ولم يُربَّ بين الشجعان... وخرج أشجع من كلّ بشر مشى على الأرض.
قيل لخلف الأحمر: أيّما أشجع: عنبسة وبسطام [ يضرَب بهما المثل بالشجاعة ] أم عليّ بن أبي طالب؟
فقال: إنّما يُذكر عنبسة وبسطام مع البشر والناس، لا مع مَن يرتفع عن هذه الطبقة!
فقيل له: فعلى كلّ حال؟ قال: واللهِ لو صاحَ في وجهيهما، لماتا قبل أن يحمل عليهما...
وخرج أزهد الناس في الدنيا وأعفّهم، مع أنّ قريشاً ذوو حرص ومحبّة للدنيا. ولا غرو فيمن كان محمّد صلّى الله عليه وآله مربّيه.. والعناية الإلهية تمدّه وترفده، أن يكون منه ما كان».
* وفي (الفهرست: ص 111)، لابن النديم، عن محمّد بن إسحاق الواقدي، قال:
«إنّ عليّاً كان من معجزات النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، كالعصا لموسى عليه السلام، وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام».
* وعن الجاحظ، كما في (سفينة البحار، مادّة جحظ):
«سمعتُ النظّام يقول: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) محنةٌ للمتكلّم، إن وفّى حقّه غلا، وإن بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادّة اللسان، صعبة الترقّي إلّا على الحاذق الذكي».
* وفي (فرائد السّمطين: 1/79)، قال أحمد بن حنبل:
«ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم من الفضائل، ما جاء لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)».
قال الإمام الصادق عليه السلام: «علّمَ رسولُ الله، صلّى الله عليه وآله، عليّاً، عليه السلام، ألفَ باب، يُفتح من كلّ باب ألفُ باب». (روضة المتقين: ج 12 ص 211)
أودع النبيّ صلّى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السلام، هذه العلوم ومفاتيحها، وقد وصلت هذه المعارف والعلوم إلى الأمّة بأجيالها، ويستمرّ وصولها عن طريق الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام.
كما وصل بعض تلك العلوم النبويّة للإمام عليّ عليه السلام، من طريق الصحابة والتابعين الذين ألّفوا كتباً ثبت أنّها أصول معتمدة، تحدّث عنها «النجاشي» وغيره من العلماء المختصّين.
وقد تتبّع الفقيه الراحل السيد محسن الأمين، رحمه الله، مختلف الروايات حول هذه المؤلّفات العلوية، وكتب عنها شرحاً وافياً في (أعيان الشيعة: ج 1 ص 90-98)، كما أورد أسماء خواصّ الأمير عليه السلام، وغيرهم ممّن تلقَّوا العلم عنه عليه السلام، كما يلي:
1- أبو رافع. 2- عليّ بن أبي رافع. 3- عبيد الله بن أبي رافع. 4- الأصبغ بن نباتة. 5- الحارث الهمداني. 6- ربيعة بن سميع. 7- يعلى بن مرّة. 8- عبيد الله بن الحرّ الجعفي. 9- وأبو صادق، سليم بن قيس الهلالي.
ومن الواضح أنّ مصدر الثابتِ من هذه الكتب هو علم أمير المؤمنين عليه السلام، فهذه المؤلّفات علويّة، لا سيّما ما كان منها لا يشتمل إلّا على ما سمعه المؤلّف من أمير المؤمنين عليه السلام، مثل كتاب (السنن والأحكام والقضايا) لأبي رافع.
ما يلي، ثبْت، بعناوين بعض هذه الكتب مختصراً عن (الأعيان):
1) جمْع القرآن الكريم وتأويله: كما ذكر المحقّق الكاظمي، أو جمْعه على ترتيب النزول كما أخرجه «أبو داود»، وذكره غيره.
2) كتاب أملى فيه أمير المؤمنين عليه السلام ستّين نوعاً من أنواع علوم القرآن: وذكر لكلّ نوع مثالاً يخصّه، وهو الأصل لكلّ من كتب في أنواع علوم القرآن.
وأورد السيد الأمين سنده إلى هذا الكتاب «الذي نرويه به إجازةً عن مشايخنا، المتّصل إلى أهل بيت النبوّة عليهم السلام، ونورد نبذاً منه..».
3) (الجامعة): وهي أوّل كتاب جُمع فيه العلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وتكرّر ذكرها في أخبار الأئمّة عموماً وأخبار المواريث خصوصاً.
4) (الجَـفـر): كتاب لعليّ عليه السلام ذكر فيه -على طريقة علم الحروف- الحوادث إلى انقراض العالَم.
5) صحيفة «الفرائض»: كانت هذه الصحيفة بعد الإمام الباقر عند ولده الإمام جعفر الصادق عليهما السلام. روى الشيخ الطوسي بإسناده عن زرارة، قال: «أراني أبو عبد الله عليه السلام صحيفة الفرائض، فإذا فيها...».
6) كتاب في زكاة النّعم الثلاثة: رواه عنه ربيعة بن سميع، ذكره النجاشي في أوّل كتابه.
7) عهده للأشتر: جامع لأنواع السياسة وكلّ ما يلزم الوالي، مذكور في (نهج البلاغة)، رواه عنه أصبغ بن نباتة.
8) كتاب عجائب أحكامه: رواه عنه أصبغ بن نباتة، وجمَع عبيد الله بن أبي رافع قضاياه عليه السلام في كتاب.
وجاء في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام، أنّ كُتُب عليّ عليه السلام توارثها الأئمّة من ولده وكانت عندهم، روى ذلك الصفّار في (بصائر الدرجات) بسنده عنهم عليه السلام.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.