كتاب (أُمّة جمعت في امرأة) للسيد نبيل الحسني
سيرة جدّة الأئمّة المعصومين السيدة خديجة الكبرى عليها السلام
قراءة: الشيخ أحمد الغَروي
الكتاب: (خديجةُ بنتُ خُويلدٍ عليها السلام - أُمةٌ جُمِعَتْ في امرأةٍ) – 4 مجلّدات
المؤلّف: السّيد نبيل الحسَني
النّاشر: «العتبة الحسينيّة المقدّسة»، كربلاء
الطّبعة: الأولى، 1432 هجرية / 2011 ميلادية
أُمّ المؤمنين السّيدة خديجة عليها السلام، هي أوّل مَن آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله من النساء، ولم يسبقها إلى الاسلام غير أمير المؤمنين عليه السلام، وهي من سّيدات نساء العالمين، وأفضل زوجات رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا أدّل على عظمتها من أنّ الله تعالى شاء أن تكون أُمّاً لأُمّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، كما كان لها دورٌ كبير في مؤازرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، منذ بعثته وحتى وفاتها. فقد أنفقَتْ سلام الله عليها كلّ ثروتها في سبيل إنجاح الدعوة النبويّة، لا سيّما خلال السنوات الثلاث من الحصار الظالم الذي فُرض على المسلمين في شِعب أبي طالب.
روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «أفضلُ نساء الجنة، خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم».
ومن هنا يمكن معرفة الأهمية النوعية للكتاب موضوع القراءة (خديجةُ بنتُ خُويلدٍ غليها السلام أُمةٌ جُمِعَتْ في امرأةٍ) لمؤلّفهِ السّيد نبيل الحسَني.
خصائص الكتاب
يُعدّ كتاب (خديجةُ بنتُ خُويلدٍ عليها السلام) موسوعة قيّمة في مجال التأريخ لسيرة أُمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام، وهذا يعود إلى جملة خصائص يمكن ذكر بعضها على النحو التالي:
أولاً: تناول السيرة الكاملة لحياة أُمّ المؤمنين السّيدة خديجة عليها السلام، وبهذا يكون من الكتب النادرة في هذا المجال، فبعد مراجعة دقيقة للكتب المؤلّفة بشكلٍ مستقلٍّ عن حياة السّيدة خديجة عليها السلام، لا تجد عددها يتجاوز عدد أصابع اليد، وهذا مما يُؤسَف له غاية الأسف في المكتبة الإسلامية بصورة عامةٍ، والمكتبة الإماميّة بصورة خاصةٍ.
ثانياً: التمسّك بالمنهج العلمي الرصين في البحث، من خلال دراسة تحليلية وتحقيق دقيق للنصوص التأريخيّة، وعدم الاكتفاء بسردها فقط.
ثالثاً: الجهد النوعي المبذول في مصادر الكتاب، فيذكر المؤلّف أنّه قام بمراجعة أكثر من ثلاثة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع، فضلاً عن استخدام الحاسوب والتجوّل في الشبكة المعلوماتية، وتمَّ الاعتماد على ما يقارب الخمسمائة مصدر من هذه المجموعة -وقد أثبتها في نهاية المجلد الرابع من الكتاب- بالإضافة إلى سفره الشخصي إلى دمشق الشام، وبيروت، وإيران، ليكتمل البحث بلطف الله وسابق عنايته في «مكتبة العتبة الحسينيّة المقدّسة».
رابعاً: التّوكل على الله سبحانه وتعالى وحُبّ محمّد وآل محمّدٍ صلواتُ الله وسلامهُ عليهم، حيث يقول المؤلّف في مقدمة الكتاب: «كان العون والسند في هذا العمل هو الله تعالى وحُبّ نبيّه وأهل بيته، والتمسّك بقراءة سورة (الحمد) وإهدائها إلى سيدتي ومولاتي خديجة الكبرى عليها السلام، ومناشدتها الدعاء لي، إذ إنّ دعاء الوالدة لولدها مستجاب، وإذا استعصت عليَّ مسألة أقسمتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله بها، فسرعان ما تنجلي».
وفي موضع آخر من الكتاب يقول: «سيدي يا رسولَ الله: لا يُنالُ رضى الله إلّا برضى حبيبه المصطفى الرّسول، وحبيبُه لا يرضى إلّا برضى فاطمة البتول. سيّدي يا رسولَ الله: بأُمّ فاطمة أتوسّلُ إليك أنْ تُقبِل بوجهك الكريم على خادمك، وتمنّ عليّ بلطفك..».
الترتيب المنهجي للكتاب
جاء كتاب (خديجةُ بنتُ خُويلدٍ عليها السلام) في أحدَ عشرَ فصلاً، ومن عناوين هذه الفصول:
الفصل الأول: سيّدةُ قريش.
الفصل الرابع: بناتُ النبي صلّى الله عليه وآله، بين النّقل والعقل.
الفصل السابع: منزلةُ خديجة عليها السلام في القُرآن والسُنّة.
الفصل الثامن: خصائصُ دارِ خديجة عليها السلام في مكّة.
الفصل العاشر: أخوةُ خديجة عليها السلام وأرحامها.
وفي أجواء وفاة أُمّ المؤمنين السّيدة خديجة عليها السلام، في العاشر من شهر رمضان سنة ثلاث قبل الهجرة، نقرأُ في الفصل الحادي عشر من الكتاب، وتحت عناوين وصيّتها وتكفينها ودفنها ما يلي: «أخذتْ (خديجة عليها السلام) توصي رسول الله صلّى الله عليه وآله بوصاياها، فقالت: يا رسول الله اسمع وصاياي، أوّلاً فإنّي قاصرةٌ في حقّك فاعفني يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حاشا وكلّا، ما رأيتُ منكِ تقصيراً، فقد بلغتِ جهدك وتعبتِ في داري غاية التعب، ولقد بذلتِ أموالك وصرفتِ في سبيل الله جميع مالِك.
قالت: يا رسول الله، الوصية الثانية: أُوصيك بهذه وأشارت إلى فاطمة، فإنّها غريبةٌ من بعدي فلا يؤذيها أحدٌ من نساء قريش، ولا يلطمنَ خدّها ولا يصحنَ في وجهها، ولا يُرينها مكروهاً.
وأمّا الوصية الثالثة: فإنّي أقولها لابنتي فاطمة، وهي تقول لك فإنّي مستحية منك يا رسول الله.
فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وخرج من الحُجرة، فدعت بفاطمة وقالت: حبيبتي وقرّة عيني، قولي لأبيك إنّ أُمي تقول: أنا خائفة من القبر، أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه، فخرجت فاطمة وقالت لأبيها ما قالت أُمّها خديجة. فقدّم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أُمّها فسرّت به سروراً عظيماً.
فلمّا تُوفيت خديجة، أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلّما أراد أنْ يكفّنها هبط الأمين جبرئيل، وقال: يا رسول الله، إنّ الله يُقرئك السلام، ويخصّك بالتحية والإكرام، ويقول لك: يا محمّد، إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلَتْ مالها في سبيلنا، فجاء جبرئيل بكفنٍ وقال: يا رسول الله، هذا كفنُ خديجة، وهو من أكفان الجنة أهداهُ الله إليها.
فكفّنها رسول الله صلّى الله عليه وآله بردائه الشريف أولاً، وبما جاء به جبرئيل ثانياً، فكان لها كفنان، كفنٌ من الله وكفنٌ من رسول الله صلّى الله عليه وآله .
ثم خرج رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ومَن حضر معه من المسلمين بجثمانها الطاهر من منزلها، حتى دفنوها في مقبرة الحجون (المُعَلّى)، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حُفرتها».
واغتمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاتها كثيراً حتى قلّ خروجه من الدار، وسمّى العام الذي تُوفيت فيه خديجة وعمّه أبو طالب بـ(عام الحُزن)، وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ما اغتممتُ بغمًّ أيامَ حياة أبي طالب وخديجة».
مسك الختام
ما مِن شكّ أنّ كتاب (خديجةُ بنتُ خُويلدٍ عليها السلام أُمةٌ جُمِعَتْ في امرأةٍ) له فرادته في مقاربة حياة أُمّ المؤمنين السّيدة خديجة عليها السلام، وخصوصاً لناحية الدراسة والتحقيق دون الاكتفاء بالسرد التأريخي، وهو ما يمنح هذا الكتاب صفة المرجعيّة في بحوث السيرة والتأريخ. أجزلَ اللهُ ثوابَ السيّد المؤلّف، لِما قدّمه من خدمة نوعيّة للمكتبة الإسلاميّة عامّة، والمكتبة الإماميّة خاصة، بتأليفه عن حياة أُمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام، والتي يقول عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله، في ما رُوي عنه: «مَن عرفَ قدْر خديجة فقد عرفَ قدْري، ومن أهانَ قدْرَها، أهانَ قدري».
وروي أنّه صلّى الله عليه وآله، قال لها: «يا خديجة، هذا جَبرئيلُ يُخبرني أنّ اللهَ عزّ وجلّ أرسله إليك بالسلام. فقالت خديجة عليها السّلام: اللهُ السّلامُ، وللهِ السّلامُ، وعلى جَبرئيل السّلام».
دعاء اليوم السابع والعشرين
«اللّهُمّ وفّر حظّي فيه من النوافل، وأكرِمني فيه بإحضار الأحرار من المسائل، وقرّب وسيلتي إليك من بين الوسائل، يا مَن لا يشغلُه إلحاحُ الملحّين».
- «النوافل»: جمع نافلة، وترِد بمعنى المستحبّات، فإذا أُطلقت أُريد بها الصلوات المستحبّة.
- تُعدّ النوافل ركناً أساسياً من أركان بناء الشخصية المؤمنة، وهي من متمّمات النقص في الفرائض.
عن أبي حمزة الثماليّ، قال: «رأيتُ عليَّ بن الحسين عليه السلام يصلّي فسقط رداؤه عن منكبه فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته... فسألته عن ذلك، فقال: ويحَك، أتدري بين يدَي مَن كنتُ؟ إن العبدَ لا يُقبَلُ منه صلاةٌ إلا ما أقبلَ فيها. فقلت: جُعِلتُ فِداك، هلَكنا! فقال: كلا، إن اللهَ يُتِمُّ ذلك بالنوافل».
- «الوسائل»: جمع وسيلة، و«هي كلّ ما يُتوسَّل به إلى الله تعالى من الطاعات وترك المقبّحات».
- في دعاء التوسّل بالمعصومين عليهم السلام: «...فَإنَّكُمْ وَسِيلَتِي إِلى اللهِ».
- في (مصباح) الكفعمي حول ثواب مَن دعا بهذا الدعاء في يومه: «فكأنّما أطعمَ كلَّ جائع».