آثار الدعاء بلحاظ بواعثه النفسية
بين المعجَّل في الدنيا والمؤجَّل إلى الآخرة*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشهيد السيّد محمّد صادق الصدر قدّس سرّه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنقسم فوائد الدعاء إلى أربعة أقسام:
الفائدة الأولى: الفوائد العلمية أو التثقيفية. وهي عديدة ومهمّة في ما ورد عن المعصومين سلام الله عليهم من أدعية ونصوص. بل يمكن القول: إنّه ما من حقلٍ إنسانيٍّ يمكن أن يتصوّره الذهن من الثقافة البشرية، إلَّا وهو مطروق في الأدعية بقليل أو بكثير. ومن هنا احتوت الأدعية على ثقافة علميّة غزيرة جداً.
الفائدة الثانية: الفائدة الأخروية وهي الثواب في الجنان. وهي الفائدة المطلوبة لعامّة القارئين للدعاء. وهي بمنزلة المقدّمة للفائدة الأولى، لأنّ الفرد يقرأ الدعاء بقصد الثواب فيحصل على الثقافة والعلوم.
الفائدة الثالثة: ما يسمّى بالآثار الوضعية كحلّ المشاكل، والإغناء من الفقر، والشفاء من المرض، ونحوها. فإنّ الأدعية الواردة غنيّة بذلك، ومجرّبة للنجاح غالباً.
الفائدة الرابعة: أنّها تعتبر بمنزلة السلّم للرقيّ الروحي والتكامل المعنوي للفرد الداعي نحو الكمال الحقيقي المذخور له. وهذا هو الجانب العرفانيّ في الأدعية، وينال كلّ فرد بمقدار ما يستحقّه من ذلك.
وكلّ هذه الفوائد الأربع ثابتة لنفس النصوص وفي نفس الوقت. وينال كلّ فردٍ منها حسب استحقاقه، وبمقدار الهدف الذي استهدفه والفهم الذي فهمه.
وبهذه الفوائد الأربع، تكون هذه النصوص الواردة عن المعصومين سلام الله عليهم، قد استوعبت فوائد الدنيا وفوائد الآخرة، ودفعت شرّ الدنيا وشرّ الآخرة،كما ورد في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: «أعطِني بِمسألتي إيّاكَ جميعَ خيرِ الدّنيا وجميعَ خيرِ الآخرة، واصرِفْ عنّي بِمسألتي إيّاكَ جميعَ شرِّ الدنيا وشرِّ الآخرةِ، فإنّه غيرُ منقوصٍ ما أعطيتَ، وزِدني مِن فضلِك يا كريم».
ومن المستطاع القول: إنّ كل واحدة من الفوائد الأربع السابقة، تشمل الدنيا والآخرة، وإن بدا بعضها خاصاً بالدنيا، وبعضها خاصاً بالآخرة.
فالفائدة الأولى: واضحة الشمول لِكلا الدارَين، من حيث إنّ العلم كما ينفع في الدنيا ينفع في الآخرة. وهو كمالٌ عقليّ يشملهما معاً.
والفائدة الثانية: بعد التسليم بأنّ الثواب كما قد يكون مؤجّلاً إلى الآخرة، قد يكون مقدّماً في الدار الدنيا أيضاً.
والفائدة الثالثة: تشملهما أيضاً، بعد التسليم بأنّ الآثار الوضعية، كما قد تحصل في الدنيا تحصل في الآخرة، وإن كان الأشهر والأغلب وجودها الدنيويّ.
والفائدة الرابعة: تشمل كِلا الدارَين أيضاً، باعتبار أنّ التكامل وإن كان أُخروياً بطبيعته، من حيث إنّه تكامل روحيّ، إلَّا أنه يوجد في الدنيا، ويحصل على الفور عند حصول سببه المؤثّر. فهو يبدأ في الدنيا وينتهي في الآخرة.
الدعاء من حيث دوافعه الأخلاقية
يختلف التقييم الأخلاقيّ لمخاطبة الله سبحانه بالدعاء، حسب اختلاف حال الداعي وتصوّراته الأخلاقية، وتتصاعد معه هذه المراحل حسب تطوّرات كماله. وسوف نقتصر هنا على الممكن بيانُه من تلك المراحل:
المرحلة الأولى: عدم الرغبة في الدعاء لانشغال الفرد في الدنيا أوّلاً.
المرحلة الثانية: الرغبة في الدعاء طمعاً بالثواب.
المرحلة الثالثة: الرغبة في الدعاء، من حيث تحصيل الآثار الوضعية.
المرحلة الرابعة: الرغبة بالدعاء، بصفته سبباً في التعرّف على الحقائق العليا.
المرحلة الخامسة: الرغبة في الدعاء بصفته ذكراً لله جلّ جلاله.
المرحلة السادسة: الرغبة في الدعاء بصفته ذكراً للمحبوب، وشوقاً إلى بلوغ المراحل الإلهية العليا.
المرحلة السابعة: الرغبة في الدعاء بصفته سبباً لغفران الذنوب، وستر العيوب، وتصفية النفس، وغسْل رَين القلوب.
المرحلة الثامنة: عدم الرغبة في الدعاء لشعور الفرد بكونه أكثر ضآلة وأدنى شأناً من أن يخاطب العظيمَ جلّ جلاله.
المرحلة التاسعة: عدم الرغبة في الدعاء لشعور الفرد بأن ذنوبه أكثر وأشدّ من أن تستحق الغفران، شرط ألا يبلغ هذا الشعور حدّ اليأس من رَوح الله.
المرحلة العاشرة: عدم الرغبة في الدعاء لأنّه مخالف للأدب أمامه سبحانه، فلو أراد جلّ جلاله قضاء الحاجة، لقضاها: «علمُك بحالي يُغني عن مقالي»...
ولا ينبغي أن يعاتَب الفرد في أي مرحلة حسنة يمرّ بها، طالما أنه منسجمٌ مع مرحلته في الكمال، وغير مقصّر فيها، ولا معتبراً أنّها هي النهائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (ما وراء الفقه: 10/257 – 261، مختصَر)
دعاء اليوم الثامن والعشرين
«اللّهُمّ غَشِّني فيه بالرّحمةِ والتوفيقِ والعِصمة، وطهِّر قلبي من غَياهب التّهمة، يا رؤوفاً بعبادِه المؤمنين».
- «وطهِّر قلبي من غياهب التّهمة»: بمعنى سدّدني كي لا أَتَّهِم ولا أُتَّهَم، فإن لكلٍّ من الحالَين غياهب؛ أي كُدورات وظلمات، تفتك بالقلب. والحديث عن التّهمة متّصل تلقائياً بالحديث عن حُسن الظنّ وسوء الظنّ، لأنّ حُسن الظنّ مناخ عدم الاتهام، ونقيضه مناخ التهمة. وسوء الظنّ قسمان:
أ) سوء ظنٍّ بالله تعالى، وهو «أكبرُ الكبائر»، كما في النبويّ الشريف.
ب) سوء ظنٍّ بالناس: وقد ورد النهي عنه، كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «شَرُّ الناسِ مَن لا يثقُ بأحدٍ لِسوءِ ظَنّه، ولا يثقُ به أحدٌ لِسوءِ فِعله».