حوارات

حوارات

11/05/2020

الحسين مصباح هداية ..لا يترك الناس يتيهون في طريق الضلال

 

الحسين مصباح هداية ..لا يترك الناس يتيهون في طريق الضلال    

أسئلة نقديّة حول نهضة سيّد الشهداء عليه السلام 

ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ

يُعتبر آية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي من أبرز الشخصيات الإسلامية المعاصرة، وهو فيلسوف وأخلاقي كبير، له عشرات المؤلّفات في المجالات الفكرية والميادين المعرفية الدينية كافة.

من أساتذته: الإمام الخميني، والعلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، وآية الله العارف الشيخ محمّد تقي بهجت.

مارس نشاطاته السياسية قبل الثورة الإسلامية في إيران، وكان له دور فعّال في المجال الثقافي إلى جانب آية الله البهشتي، وآية الله مرتضى المطهري.

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اختير الشيخ المصباح عضواً فعّالاً في اللجنة الثورية الثقافية، وهو المنشئ لـ«مؤسسة الإمام الخميني» للتعليم والبحث العلمي.

من مؤلّفاته الكثيرة جدّاً، كتب: (معرفة الله)، (معرفة الكَوْن)، (معرفة الإنسان‏)، (المجتمع والتاريخ في الرؤية القرآنية)، (شرح إلهيات الشفاء لابن سينا)، (شرح نهاية الحكمة للعلامة الطباطبائي)، (المنهج الجديد في تعليم الفلسفة)، (بارقة من سماء كربلاء).

وهذا الكتاب الأخير عبارة عن محاضرات عاشورائية لسماحته، ترجمها الشيخ محمد عبد المنعم الخاقاني، وطبعتْها دار التعارف في بيروت.

ولأهمّية المباحث التي احتواها الكتاب أدرجنا منها مادّة «حوارات» لهذا العدد، خصوصاً وأنّها جاءت أصلاً بصيغة السؤال والجواب.                                                                     «شعائر»  

 

س: إنّ عاشوراء حادثة تاريخية قد تقادم عليها الزمن، فلماذا بعد ما يقرب من أربعة عشر قرناً تلجأون إلى إحياء هذه الحادثة، وتقيمون مراسم في هذا المجال؟

ج: إنّ الحوادث الماضية في كلّ مجتمع يمكن أن تكون لها آثارٌ ضخمة في مصير ذلك المجتمع ومستقبله. وإحياء تلك الخواطر هو في الواقع لون من إعادة النظر والصياغة الجديدة لتلك الحادثة، حتى يتيسّر للنّاس ان ينتفعوا بتلك الواقعة. فإذا كانت الحادثة نافعة عند حدوثها، وكانت منشأً لآثار طيّبة وبركات كثيرة، فإنّ إعادة النظر إليها وإعادة صياغتها يمكن أن تنال شيئاً من تلك البركات.

ولمّا كنّا نعتقد أنّ حادثة عاشوراء كانت حادثة عظيمة في تاريخ الإسلام، وكان لها دور مصيري في سعادة المسلمين وتبيين سبيل الهداية للناس، لهذا تصبح هذه الحادثة ذات قيمة عظيمة عندنا، ويغدو إحياؤها وتذكّرها، وإعادة صياغتها أمراً لا يمكن التفريط به، لأنّ بركات ذلك سوف تشمل مجتمعنا المعاصر.        

 

س: إنّ إحياء ذكرى عاشوراء ليس منحصراً في البكاء واللطم على الصدور ورفع الأعلام السود وإقامة مجالس العزاء، فلماذا لا يكون إحياء هذه الذكرى بشكل آخر، كإقامة الندوات؟

ج: إنّ السلوك والحركات الإنسانية الواعية تحتاج إلى طائفتين من العوامل: إحداهما عوامل المعرفة، والثانية عوامل العواطف والأحاسيس. وبعد أن عرفنا ما لحركة سيّد الشهداء عليه السلام، من دور مهمّ في سعادة الناس، فإنّنا سوف نلتفت إلى أنّ المعرفة وحدها لا تحقّق فينا الحركة، ومعرفة تلك الخواطر وتذكّرها لا تقودنا إلى فعل مشابه لفعل الإمام عليه السلام، ولا تحملنا على اقتفاء أثره إلّا إذا تحقّق في أنفسنا الدافع، ثمّ على أساسه نغدو محبّين لأن نقوم بما يشبه ذلك الفعل.

إنّ المعرفة وحدها لا توجِد فينا هذه الرغبة، بل لا بدّ من تحريك العواطف وبعث المشاعر حتى نستعدّ للقيام بمثل تلك الحركة.

إذاً تحقّق مثل هذا الأمر يحتاج إلى طائفتين من العوامل، وجلساتُ البحث والتحقيق والخطابة توفّر لنا الطائفة الأولى من تلك العوامل، أي إنّها تزوّدنا بالمعارف اللازمة، لكنّه لا بدّ من الطائفة الثانية حيث يتمّ من خلالها تنمية العواطف وتقوية المشاعر. ومن الواضح أنّ للمعرفة ذاتها دوراً في تذكّر ودراسة الواقعة، لكنّ الدور الأساسي تنهض به الأمور التي لها تأثير مباشر على العواطف والمشاعر.

عندما تُعاد صياغة مشهد معيّن، ويتملّى الإنسان في ذلك المشهد عن كثب، فإنّ هذا يختلف كثيراً عمّا لو سمع الإنسان بوقوع هذه الحادثة، أو أنّه اطّلع صدفة على حدوثها.

 

س: إنّ بعث المشاعر وإثارة العواطف ليس منحصراً في إقامة العزاء والبكاء، فقد تثار عواطف الإنسان بإقامة الفرح والسرور. فلماذا لا تُستغل مراسم الفرح لإثارة المشاعر في قضية الإمام الحسين عليه السلام؟

ج: إنّ الحادثة التي نهضت بأكبر دور في التاريخ الإسلامي هي حادثة استشهاد أبي عبد الله الحسين، فهي التي غيّرت مسيرة التاريخ الإسلامي، وهي التي زوّدت الإنسان إلى يوم القيامة بدروس التحرّك، والنهضة، والمقاومة، والاستقامة. ولتجديد تلك الخواطر لا يكفي إقامة مجالس الفرح والسرور، بل لا بدّ من القيام بعمل مناسب لتلك الحادثة، أي لا بدّ من القيام بعمل يثير حزن الناس، ويُجري دموعهم، ويغرس العشق والحماس في قلوبهم. والشيء الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في هذه الحادثة هو إقامة مراسم العزاء والبكاء، وخلق الأجواء التي تُبكي الناس. بينما السرور والضحك لا يستطيع أن ينهض بهذا الدور. إنّ الضحك لا يخلق من الإنسان باحثاً عن الشهادة، ولا يحمله إلى جبهات القتال، ولا يعبّد الطريق لكي يتحمّل الناس آلام ومصائب الحروب التي تُفرض على المؤمنين. إنّ مثل هذه الأمور يحتاج إلى عشق آخر نابع من البكاء، والحماس، والحرقة. وسبيل هذا هو إقامة مجالس العزاء.

 

س: إنّكم لا تكتفون بالذكر الحسن والثناء العطر على الإمام الحسين عليه السلام، والبكاء على ما جرى من أحداث مؤلمة في استشهاده، وإنّما تصبّون اللعنات على أعدائه ما يسمّم الأجواء ويخلق نظرة تشاؤمية تجاه الآخرين. فهل يتناسب مع الدين أن تلهج ألسنتكم باللعن، والكلام الجارح؟

ج: كما أنّ فطرة الإنسان لم تتشكّل من المعرفة فقط، فكذا الأمر في مجال العواطف والمشاعر، فهي لم تتشكّل من العواطف والمشاعر الإيجابية فقط.

فكما أنّ الإنسان مفطور على أن يحبّ من قدّم إليه خدمة، فهو مفطور أيضاً على أن يكره ويبغض مَن ألحق به ضرراً.. إنّ العدوّ الذي يحاول أن يسرق من الإنسان دينه، والعدو الذي لا يدّخر جهداً في أن يسلب من الإنسان سعادته الأبدية هل يمكن السكوت عنه؟ يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..﴾ فاطر:6.

إذا كان من الضروري المحبّة لأولياء الله، فإنّه من الضروري أيضاً العداوة لأعداء الله، هذه هي فطرة الإنسان، وهذا هو عامل تكامل الإنسان وسعادته. إذا لم تتحقّق العداوة مع أعداء الله، فإنّ سلوك الإنسان معهم يرقّ تدريجياً.

إنّ إحياء خواطر سيّد الشهداء ومظلوميته لا يتيسّر إلّا عن طريق مشاعر الحماس، والحزن، والبكاء، والحداد. ومع إرسالنا لآلاف التحية والسلام للإمام الحسين عليه السلام، ولتراب قبره الطاهر، فإنّنا نرسل آلاف اللعنات لأعداء الحسين، أعداء الله والإسلام. والسلام وحده لا يحلّ المشكلة، لأنّنا لا نستطيع أن ننتفع من بركات الحسين إلّا إذا قمنا باللعن أوّلاً لأعدائه، ثمّ نرسل إليه التحية والسلام.

إذا كنا بهذه الصورة فنحن حسينيون، وإلّا فإنّه لا ينبغي أن نلصق أنفسنا بالحسين من دون استحقاق.

 

س: إنّ جميع أئمّة أهل البيت عليهم السلام كانوا مصابيح هدى وسفن نجاة، فأيّ خصوصيّة تكمن في مصيبة الحسين عليه السلام بحيث تنال كلّ هذه الأهمّية مقارنة بمصائب سائر الأئمّة؟

ج: لا شكّ أنّ شخصية سيّد الشهداء والظروف التي اكتنفت حياته الشريفة بتقدير الله سبحانه، قد أضفت ميزة على حياته ولا سيّما على استشهاده، بحيث تنشأ منها كلّ هذه البركات. ونحن نعتقد أنّ جميع الأئمّة الطاهرين هم من نور واحد، وأيّ إمام آخر لو كان في مكان الإمام الحسين فإنّه كان لا بدّ من أن ينفّذ نفس المنهج وينهض بنفس الدور.. لكنّ الظروف الخاصّة التي أحاطت بأبي عبد الله الحسين عليه السلام، قد وفّرت الأرضية ليقوم بدور في تاريخ البشرية وهداية الناس، لم يتيسّر نظيراً له لأيّ انسان آخر..

إنّ مصالحنا الدنيوية ومصالحنا الأخروية إنّما تتحقّق ببركة التوسّل بسيّد الشهداء، والاهتمام بإقامة العزاء عليه، والبكاء على مصيبته، وإظهار المحبّة له. وكلّ واحد منّا قد سمع بما لا حصر له من المعاجز والكرامات الحاصلة في مجالس العزاء، حتّى أنّ التراب المأخوذ من الطين الذي يمسح به أصحاب العزاء جباههم قد أدّى إلى شفاء عينَي آية الله العظمى السيّد البروجردي رحمه الله، فقد أصيب بآلام في عينيه استعصت على العلاج، وحلّت أيّام ذكرى عاشوراء وهو في مدينة بروجرد، فجاءت إلى بيته هيئة عزاء اللطم على الصدور، وكان أصحاب العزاء قد لطّخوا رؤوسهم ووجوههم بشيءٍ من الطين إظهاراً للحداد، فقام رحمه الله بأخذ شيء من ذلك التراب، ومسح به عينيه، فكان العلاج الناجع له، ولم يرَ بعد ذلك آلام العينين إلى آخر عمره.. وهناك ما شاء الله من هذه الكرامات والمعجزات.

ونحن بهذه القطرات من الدموع التي نسكبها في مراسم العزاء نشعر أوّلاً بنورانية خاصّة في أرواحنا، ثمّ بعد ذلك تقضى حاجات لنا، وتُدفع عنّا ألوان من البلاء والمصائب ونحن لا ندري.. إذا كان الأمر كذلك، أليس من حقّ الناس أن يهتمّوا كلّ هذا الاهتمام بالبكاء والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام.

 

س: على مرّ التاريخ وإلى يومنا هذا، يسعى الحكّام الظلمة بكلّ جهدهم لمحاربة إحياء ذكرى الحسين عليه السلام، فما هو سبب هذه العداوة لذكر سيّد الشهداء عليه السلام؟

ج: الجواب واضح جداً، لأنّ الحسين مصباح هداية ولا يترك الجوّ مظلماً حتّى يتورّط الناس في الضلال، إنّه يضيء الطريق ويبيّن للناس واجبهم؛ ماذا عليهم أن يعملوا، وكيف يدافعون عن دينهم، ولا يترك الناس ليفقدوا غيرتهم بذريعة التساهل والتسامح.

إذا أصبح الإنسان من أتباع الحسين عليه السلام، فإنّه لا يتأثّر من ألوان التطميع، ولا يخاف من أنواع التهديد.

ومن عاش أحداث نهضة الإمام الخميني قدّس سرّه، قبل انتصار الثورة الإسلامية يتذكّر كيف كان الشباب يفتحون صدورهم أمام أزلام نظام بهلوي، يقولون لهم: أطلقوا النار علينا فنحن لا نخاف من الموت. وقد كان هذا رمزاً للنصر. مَن لا يخاف الموت فهو منتصر.

كان أصحاب الحسين يعشقون الموت ليلة عاشوراء، وقد استعمل الشيوخ منهم الخضاب، فهل يمكن إلحاق الهزيمة بهذه المدرسة؟ كلّا، إلّا إذا نجح المغرضون في تحريفها وتضليل الناس عن حقيقتها..

تسأل: لماذا يعشق الحسين عليه السلام المسلمون الحقيقيون الذين ارتضعوا العزة والكرامة مع لبن أمهاتهم؟

ولماذا يعادي الجبناء والعملاء اسمَ الإمام الحسين؟

الجواب واضح كالشمس في رابعة النهار: لأنّ الحسين مصباح هداية، ولا يترك الناس يتيهون في طريق الضلال.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات