التّسمية إلهيّة
من دلالات اسم «فاطمة»
____إعداد: أسرة التحرير____
يدلُّ صريح القرآن الكريم على أنَّ الله تعالى سمَّى بعض الأولياء، أي كان الإسم اختياراً إلهيّاً. قال تعالى:
﴿یا زكریا إنا نبشرك بغلامٍ اسمه یحیی لم نجعل له من قبل سمیّا﴾ مريم:7.
حول هذا التكريم الإلهي، وبعض خصائص إسم «فاطمة» تنقل «شعائر» من موقع الحوزة العلميّة بقم، هذا النص مترجماً بتصرّف. |
من الواضح أنّ التّسمية الإلهيّة تدلّ على تشريفٍ إلهيٍّ خاصّ، يكشف بدوره عن خصائص في هذا الوليّ، اقتضت هذه العناية الربوبيّة الخاصّة.
أسماءُ أهل الكساء الخمسة، أسماءٌ إلهيّة
بناءً على روايات الفريقين من المسلمين، فإنّ الأسماء المقدّسة «أحمد، ومحمّد، وعليّ، وفاطمة، وحسن، وحسين»، أسماءٌ سماويَّةٌ عرشِيَّة، وليست أرضيّة، وقد أطلقها الله تعالى على هذه الوجودات المقدّسة الخمسة. صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.
روى «محمد بن عليّ بن حسين بن بابويه، القمِّي»، المعروف بـ «الشيخ الصّدوق» عن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال رسول الله صلّی الله عليه وآله: «أنا أشبهُ النّاس بآدم، وإبراهيمُ أشبه الناس بي خَلْقُه وخُلُقُه، وسمّاني الله من فوق عرشه عشرة أسماء... فسمّاني محمّداً... وجعل اسمي في التّوراة أحْيَد... وسمّاني في الإنجيل أحمد...».
وقال النبيُّ الأكرم صلّی الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام:
«إنّ الله تبارك وتعالی شَقَّ لي إسماً من أسمائه، فهو محمود وأنا محمّد، وشقَّ لك يا عليّ إسماً من أسمائه، فهو العليُّ الأعلی، وأنت عليّ، و شقَّ لك يا حسن إسماً من أسمائه، فهو المُحسِن وأنت حسن، وشقَّ لك يا حسين إسماً من أسمائه، فهو ذو الإحسان وأنت حسين، وشقَّ لكِ يافاطمة إسماً من أسمائه، فهو الفاطرُ وأنتِ فاطمة...».
سببُ التسمية
يُمكن ذِكرُ عللٍ وأسبابٍ متعدّدة لاختيار أيّ إسم، كالأسباب والعِلل الدّينيّة، الثقافيّة، التاريخيّة، الفَنِّيَّة،
لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصِّدِّيقة،
والمبارَكة، والطَّاهرة، والزَّكيَّة، والرَّضِيَّة، والمَرْضِيَّة،
والمُحَدَّثَة، والزَّهراء..
|
الذّوقيّة، العاطفيَّة، الإجتماعيَّة وغيرها، والقاسم المشترك الذي يقف خلف كلّ هذه التّسميات بأسبابها المختلفة، هو وجود حكمة ومصلحة اقتضتا اختيار هذا الإسم أو ذاك.
وعندما تكون التّسمية إلهيَّة فإنّ السبب في التّسمية يتّخذ أبعاداً إلهيّة في الحكمة والمصلحة اللّتين استَدعَتا اختيارَ إسمٍ خاصٍّ دون سواه.
وقد ورد في روايات متعدّدة أنّ سرّ اختيار الإسمَين المبارَكين «حسن» و«حسين» للحسنين عليهما السلام، هو شأن الولاية الإلهيّة، وخلافة عليٍّ عليه السلام للنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله -وَلْيُلاحظ هنا إجماعُ المسلمين على إخبار سيِّد النبيِّين بأنّه يجري على هذه الأمّة ما جرى على الأُمم من قبلها- والإسمان: «حسن» و«حسين» معرّبان عن «شُبَّر» و«شَبِير» ابنَي هارون وصيِّ النبيّ موسى عليهما السلام. لأنَّ عليّاً عليه السلام هو وصيُّ النبيّ، فقد اختار الله تعالى هذين الإسمين لابنَي عليٍّ، عليهم جميعاً سلام الله.
أسماء فاطمة عليها السلام
وردت في الروايات لها عليها السلام أسماءٌ وألقاب كثيرة. جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
«لفاطمة تسعةُ أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصِّدِّيقة، والمبارَكة، والطَّاهرة، والزَّكيَّة، والرَّضِيَّة، والمَرْضِيَّة، والمُحَدَّثَة، والزَّهراء. قال: وسُمِّيَتْ "فاطمة" لأنّها فُطِمَت من الشَّرّ، ولولا عليٌّ عليه السلام لما كان لها كُفْوٌ في الأرض».
في ما يلي توضيح حول أشهر أسمائها صلوات الله عليها.
* فاطمة
هذه الكلمة مشتقَّةٌ من مصدر «فَطَمَ» وهو في اللّغة بمعنى «القطْع» و«الفَصْل».
وسُمِّيَتْ «فاطمة» لأنّها فُطِمت من الشَّرّ،
ولولا عليٌّ عليه السلام لما كان لها
كُفْوٌ في الأرض.
|
ولفظ «فاطمة» من حيث الهيئة بصيغة «فاعل»، إلّا أنّه يتضمَّن معنى المفعول، أي أنّه بمعنى «المقطوع» و«المفصول».
وفي بيان وجهِ تسميتِها عليها السلام بهذا الإسم -الذي هو أشهر أسمائها- وردت في الروايات حيثيّاتٌ متعدّدة، منها:
1 – إنقطاعها وبُعدها وشيعتها عن جهنّم.
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
«قال رسول الله صلّی الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام: هل تدري لِمَ سُمّيت فاطمة؟ قال عليّ عليه السلام: لمَ سُمّيت فاطمة يا رسول الله؟ قال: لأنّها فُطِمت هي وشيعتها من النّار».
وفي رواية عن الإمام الرِّضا عليه السلام: «.. لأنّ الله فطمَها وفطمَ مَن أحبَّها عن النار».
وهذا القسم من الروايات، وإن كان في مقام بيان بُعدها وبُعد مَن أحبّها عن النار، إلّا أنّه يوضح عظيم آثار حبِّها عليها السلام، كما يكشف بلطيف الدلالة على مقام «الشفاعة» السامي لها عليها السلام في يوم القيامة، وعلوِّ منزلتها عند الله تعالى.
2 - إنقطاعها وبُعدها عليها السلام، عن الشَّر.
روى يونس بن ظبيان، عن الإمام الصادق أنّه عليه السلام، بعد تعداد أسماء «فاطمة» عليها السلام، قال ليونس: «أَتدري أيُّ شيءٍ تفسيرُ فاطمة؟
قلت: أخبِرني يا سيِّدي. قال: فُطِمت من الشّرّ».
والشَّرّ يقابل الخير، وهما من الصفات المتقابلة، فمن لا سبيلَ للشرّ إليه فهو خيرٌ محضٌ وحُسنٌ مطْلَق. وهذا الخير أو الحُسن عطاءٌ إلهي كاشفٌ عن طهارة الظاهر والباطن وقداستِهما.
ويرى المفسّرون والمحدّثون أنّ سورة الكوثر ناظرة إلى فاطمة عليها السلام، ويقولون -استناداً إلى الرّوايات- إنّ المراد من الكوثر في ﴿إنّا أعطيناك الكوثر﴾ الكوثر:1 هو فاطمة عليها السلام، ويفسّرون «الكوثر» بالخير الكثير.
إنّ الصِّدّيقة الكبرى «فاطمة» سلام الله عليها تجلّي الخير والحُسن وظهورهما، وكلّ أبعادها الوجوديّة تفيض بالأمور الحسنة. إنّها من المصاديق الأبرز لسوَر «الكوثر»، «الأنبياء»، «فاطر»، «هل أتى» وغيرها، بل كلّ ما مدح الله تعالى به في القرآن الكريم خاصّةَ أوليائه عليهم السلام من قبيل: ﴿..وأوحينا إليهم فعل الخيرات..﴾الأنبياء:73، و﴿..سابق بالخيرات..﴾ فاطر:32، وغير ذلك.
3 – علمُها عليها السلام.
عن أبي جعفرعليه السلام قال: «لمّا وُلدت فاطمة عليها السلام، أوحی الله عزّ وجلّ إلی ملَك، فأَنطق به لسان محمّدٍ صلّی الله عليه وآله فسمّاها فاطمة، ثمّ قال تعالی: إنّي فطمتُك بالعلم، وفطمتُك عن الطمث، ثمّ قال أبوجعفرعليه السلام: واللهِ لقد فطمَها اللهُ تبارك وتعالی بالعلم وعن الطمث بالميثاق».
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبيَّ صلّی الله عليه وآله قال:
«إنَّ الله جعل عليَّاً وزوجته وأبناءَه حُجَجَ الله علی خلقه، وهم أبوابُ العلم في أُمّتي، مَن اهتدی بهم هُدِيَ الی صراطٍ مستقيم».
يكفي لبيان عَظَمة علم الزهراء عليها السلام أنّها شربت من معين النُّبوَّة، وترعرعت في أحضان «مدينة العلم»، وأنَّها زوجُ «باب مدينة العلم»، وأنَّ «نورَنا ونورَ فاطمة واحد»، كما رُوي أنّ النبيّ قال لعليٍّ صلوات الله عليهم أجمعين. وفي خطبتَيها المرويَّتين عنها وعددٍ من الروايات والأدعية ما يكشف للمختصّين -بجلاء- عن بحر علمِها الموَّاج المُتلاطم. ومهما قيل عن علمها عليها السلام فإنّه يقصرُ عن بلوغ السّفح. إنّها «روحُ مدينة العلم»، وليلةُ القدر المحمَّديّة، وغيبُ رسول الله صلّى الله عليه وآله. المحدَّثة التي تشرّف بمحضرها كبارُ الملائكة من حَمَلَة الوحي الإلهي، فَلْتَصمُت الألسنة، وتجفَّ الأقلام، وَلْيَعترف بالعجز الأنام.
قال الإمام الباقرعليه السلام: واللهِ لقد فطمَها اللهُ تبارك وتعالی بالعلم ".."
4 – العجز عن معرفتها عليها السلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام: «..وإنّما سُمِّيت "فاطمة"، لأنَّ الخلق فُطِموا عن معرفتها».
إنّ للصِّدِّيقة الكبرى فاطمة عليها السلام من العظَمَة والجلال وسمُوِّ المرتبة ما لا يُمكن الإقتراب من بداية فهم ما يُمكن أن يدرَك منه إلّا بالتّنبُّه إلى أنّ عَظَمتها هي بإذن الله تعالى عَظَمة محمّديّة. هكذا يُمكن أن نعرف من بعيدٍ شيئاً من معنى ما رُوي عن الإمام العسكريّ عليه السلام حيث قال: «نحن حُجَجُ الله علی الخلق، وفاطمة حجّةُ الله علينا».