أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ يومين

ألله نور السماوات والأرض

ألله نور السماوات والأرض
تأمّلات في  نور الوجود
ـــــــــ الشيخ إبراهيم الأنصاري ـــــــــ


 من جملة الأسئلة المطروحة في مجال الخلق، السؤال التالي:

هل خلَق الله سبحانه الأشياء بإرادته بإفاضة الوجود إليها، أم أنّ الفَيْض انتشر منه تعالى بنحو جبريّ (تلقائيّ) من غير إرادة، كانبثاق النور من الشمس؟

لا شكَّ أنَّ جميع الموجودات قد صدرت منه تعالى بالإرادة والقصد، لا بالجبر والقهر وهذا الأمر يحتاج إلى شرحٍ وإيضاح فنقول :النُّور.

لا تَقلُّ أهميَّةُ النور في فهم وتنوير الحقائق المعنوية والمعارف الإلهيَّة عن أهميَّته في تنوير الأجسام والأجرام المادية، فالخَلق ليس هو إلاّ إشعاع النور المطلق على الكيانات المكتومة والماهيّات المظلمة، وهذا ما تُبيِّنه آية «النور» ذات المحتوى العرفاني العميق، الذي من أجلها سمِّيت السورة بأجمعها بهذا الاسم.
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..﴾ النور:35 
وينبغي أن لا ننسى أنَّ هذا ليس إلّا مجرّد مثال، فلا نظنّ بأنّ الله هو بالفعل نور بالمفهوم الذي نتصوّره نحن بذهننا القاصر، كيف وهو خالق النور، ومُنَوّر النور، وربّ النور!
كم من فَرق بين المُمثَّل، الذي هو نور الوجود، والمثال الذي هو النور الحسِّي.
 إليك بعض تلك الفروق:

الأوَّل: النور الحسّي قائم بغيره، ونور الوجود قائم بذاته.
توضيح ذلك: إنّ النّور الحسّي له ماهيّة ووجود، وحيث إنَّ الأصالة والحقيقة تعني الوجود، فالنور لا يتحقّق بذاته، أي مستقلّاً عن الوجود، بل هو كغيره من الموجودات فقيرٌ إليه، فبفضل الوجود أصبح النور نوراً ومنوَّراً، فلا يمتاز النور على سائر الموجودات من هذه الناحية أعني الفقر الذاتي.
بل المستوى الوجودي للنور أقلّ من سائر الموجودات، حيث إنَّه ليس في أفق الإنسان ولا الحيوان ولا النبات، ولعلَّه يُعدُّ من الجمادات، والحاصل أنَّ النور الحسِّي هو مظهر من الوجود (النور المطلق) وقائم به، ولولا الفيض الدائم المستمرّ عليه لما كان له أيّ اعتبار وكيان، كما سيأتي زمانٌ تنعدم فيه الأنوار.
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ﴾ التكوير:1-2.

الثاني: إنّ النور الحسّي تظهر به المبصرات فقط، وأمّا المسموعات مثلاً، فلا يكشفها النور الحسّي، بل حتَّى المبصرات لا تُرى من جميع زواياها وجوانبها من خلال النور الحسِّي، بل يمكن رؤيتها على مستوًى واحدٍ فقط، وهو سطح الأشياء، وأمّا عمقها فليس للنور أيَّة سلطة عليه.
وأمّا نور الوجود، فتظهر به المبصرات، والمسموعات، والمتذوّقات، والمشمومات، والملموسات، والمتخيّلات، والمعقولات، وما وراء الحسّ والعقل. فالوجود هو الذي يُظهرها جميعاً وهو ظاهر بنفسه. فالمسموع لا يُسمع إلّا بالوجود، فلو لم يكن الصوت موجوداً لما سُمع، ولو لم يكن الطَعم موجوداً لما تُذوِّق، فكلُّ شيء ببركة الوجود يكون له أثرٌ وانعكاس، سواء الوجود العينيّ أو الوجود الذهني.

الثالث: ما أشرنا إليه في الأمر السابق، أنَّ الوجود مُسيطِر على كلّ شيء باطنه وظاهره، فماذا يبقى إذاً للشيء؟
بما أنَّ النور الحسِّي يسلّط ضوءه على ظواهر الأشياء، فتبقى البواطن على حالها خارجة عن نطاق النور، ولكن إذا كان الوجود هو الذي أظهر جميع الأشياء سطوحها وبواطنها، فأيُّ شيء يبقى خارجاً عن مملكته وماذا بعد الحقّ (وهو الوجود المطلق) إلّا الضلال المبين! هو الأوَّل والآخر والظاهر والباطن وهو معكم أينما كنتم، وقيام كلّ شيء به تعالى:
﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ..﴾ البقرة:255
فكلُّ شيءٍ ميِّت وهو الحيّ، وكلُّ شيء فقير وهو الغنيّ القائم والشاهد، والمحيط بكلّ شيء،
«و بنور وجهك الذي أضاء له كلُّ شيء».
هذه أهمّ نقطة يجب أن نعرفها حقَّ المعرفة، ونصل إليها بالشهود والعرفان، حيث أنَّ لها الدور الرئيسيّ في حركاتنا وسكناتنا ومواقفنا وأعمالنا وأخلاقنا، فينبغي أن نُدرك حقيقة قوله تعالى: ﴿..مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ..﴾ المجادلة:7.
والمعتقِد بهذه الحقيقة لا يمكن أن يصدر منه أصغرّ الذنوب، كيف وهو يعلم بأنَّ الله له حضور تكوينيّ في كلِّ ما هو موجود!
قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ العلق:13-14.

الرابع: إنّ النور الحسّي لا شعور له، ونور الوجود ذو شعور، بل هو عين الشعور والإدراك، كيف والشعور لا يكون له أيُّ اعتبارٍ إلّا بالوجود! ومن هنا نعرف السرّ في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..﴾ الرعد:15
وقوله تعالى:
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ الجمعة:1.
فكلمة ﴿ما﴾ تشمل كافّة الموجودات حتَّى الجمادات، وأوضح من ذلك قوله تعالى:
﴿..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..﴾ الإسراء:44
فالأشياء جميعاً لا تسبِّح فحسب، بل تسبِّح حين الحمد، فتُنزِّه، وتحمد، وتلاحظ الجلال والجمال الإلهي على مستوى واحد، وهذه حقيقة التوحيد.

الخامس: إنَّ إشعاع النور ليس إراديّاً، بل هو جبريّ محض، فإنّ الشمس لا تَنشر النور وترسله إلى الأجرام بإرادتها، بل بما أنَّها شمس فهي ذات إشعاع، وذلك لأنَّ النور الحسّي ليس من جملة الموجودات العالية كالإنسان والملائكة، بل شأنه شأن الجمادات التي لا إرادة لها، بل ربَّما يكون النور في مرحلة أدنى من الجمادات كما مرَّ. فلو أثبتنا أنَّه ليس بجسم، فهذا لا يعني أنَّه مُجرَّدٌ روحاني، كيف ولا إرادة له!
فلو أثبت علماء الطبيعة أنّ النور لا يوزن وليس له مكان، فهذا لا يعني أنَّه مجردٌ! وأمّا الله فهو: ﴿..نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..﴾ النور:35، أي وجودهما، فظهرت بالله السماوات والأرض ولكن بالمشيئة والإرادة، كيف لا يكون كذلك وهو خالق للإرادة، وخالق للإنسان المريد (وفاقد الشيء لا يُعطيه)! فالإنسان يتصوَّر، فيُصدِّق، فيرغب، فيشتاق، فيطلب، فيريد، فيفعل. فالإرادة إذاً هي مظهر من مظاهر الوجود، فكما أنَّه بالوجود أصبح الجمالُ جمـالاً، والقدرةُ قدرةً، والعلم علماً، فبالوجود أيضاً أصبحت الإرادةُ إرادةً. فالله سبحانه هو الجميل، والقدير، والعليم على الإطلاق، وكلّ جمال وقدرة وعلم منه تعالى، وهو أيضاً المريد على الإطلاق، وكلُّ إرادة مهما كانت، هي مظهرٌ من إرادته جلَّ شأنه.
فهو تعالى أرادَ، فخلق الأشياء، وإرادتُه سبحانه وتعالى عينُ فعله:
﴿..إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ يس:82.
ليس هناك فاصل زمنيّ بين كنْ ويكون، فمتى ما أراد الله أن يكون يتحقّق الشيء أقلّ من طرفة عين. إنَّ صدور الأشياء منه تعالى ليس قهريّاً بل هو اختياريٌّ، ولكنَّ الله تعالى بكرمه ولطفه وسعة رحمته، لا يمنع الموجودات من فيضه رغم تمكّنه من المنع:
«يا من يُعطي من سأله، يا من يُعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنُّناً منه ورحمة».

السادس: إنّ النور الحسّي له أفول وزوال، وله ثانٍ، ونور الوجود لا أفول ولا زوال ولا ثاني ولا مقابل له، ووحدته ليست عددية، فهو ليس واحداً بل هو أحدٌ، والأحد لا يكون إلّا الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ لماذا؟ لأنّه هو: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ الإخلاص:1-4.
فمع اجتماع هذه الصفات يكون أحداً، فإذا استوعب كلَّ شيء بحيث لا يخلو منه شيء فلا يوجد مجال للثاني، وما هو الثاني في قبال الوجود المطلق؟ العدم!!
(من كتاب «مـحال مشيئة الله» على موقع الكوثر الألكتروني ).


 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

نفحات