موقف

موقف

منذ يوم

مكافحةُ التخلُّف

مكافحةُ التخلُّف
 التبعيّة الثقافيّة للغرب
___ إسماعيل الملحم* ____


تُعاني شعوبٌ كثيرة تحرّرت في القرن العشرين، من جبروت الهَيمنة الإستعمارية، ومن مشكلةٍ تتعلّق بوجودِها ذاتِه، وتتجلّى في الهويّة الثقافيّة.
هذه الشّعوب وَفي سَعيها إلى الحركة والإنفتاح على الحضارة المعاصرة تجِد نفسَها وهي في الفراغ الثقافي بسببٍ من انبهارِها بعَظَمة التقدّم العلمي والتّقني الذي بلغَته الحضارة المعاصرة، فتشعر بأنّها تكاد تفقد هويّتها، خاصّةً وأنّ مراكز التفوّق التّقني المعاصرة تُمعِنُ في تفسير أسباب تقدُّمها فتُحيلها إلى عقلانيّةٍ من سماتِها سلطانُ العقلِ والعلم دونَ الإحاطة الشاملة بتعدّد العقلانيّات؛ إذ لم يعد هنالك عقلانيّة علميّة واحدة.
وتشتدّ هذه المعاناة حين ينحصر النّظر إلى الثقافة من خلال عنصرَي العلم والتكنولوجيا فحسب، إذ أنّ الثقافة من منظورٍ تاريخيٍّ شاملٍ تبدو أكثر شموليّة وعالميّة.
وتجِد أممُ الأرض كافّة نفسَها -في هذا العصر- أمام المشروع الثقافي الغربي بكلِّ جبروتِه وسطوتِه وآليّاته، وترى إليه كمصدرٍ من مصادر الإنبهار، وكثيرةٌٌ هي الشّعوب التي تناسَت خصوصيّاتِها وتنازلت عن كثيرٍ من مقوّمات هويّتها، فخسرت نفسَها ولكنّها لم تجد ضالّتها في المشروع المذكور، كوْنه لا يتعامل مع الآخرين إلّا من باب الإستعلاء والإمعان في النّهب الذي يطالُ كلّ شيء، بما في ذلك المقوّمات الثقافيّة لشعوب الأرض خارجَ دائرته الخاصّة. وهو في أساليبه تلك يعِي تماماَ المَدى الذي تمثّله الذاتيّة الثقافيّة للشعوب التي استعمرها، من معوّقاتٍ لاستمرار مشروعه ونُموِّه.
وقد تنوّعت وسائل العدوان على ثقافات العالَم الذي ما يزال يُسمّى بـ «العالَم الثالث» بوسائل شتّى، من الحملات التبشيريّة التي تستّرت وراء الدّعوات الدينيّة، إلى إشاعة نُظُمٍ قِيميّه تتعارض مع المبادئ الأخلاقيّة لهذا العالم، وقد تعاظمَ السطو الثقافي بفضل التقدّم الهائل لأصحاب المشروع الغربي، من حيث امتلاكهم للتكنولوجيا المتطوّرة وعلى الأخصّ وسائل الاتصال. فمن خلال وسائل الإعلام المختلفة يصدِّر المشروع الغربي ثقافتَه وقيمَه ونظامَ حياتِه في قالبٍ جذّابٍ برّاقٍ مستهدفاً الشّعوبَ وآمالَها ومرتكزاتِها الثقافيّة. ولا يكتفي بذلك فحسب، ولكنّه حين يعوزه الأمر لا يتوانى أبداً عن استخدام الأسلحة التدميريّة، متخليّاً عن لبوسه الظاهريّ الذي يدّعي الحرصَ على حقوق الإنسان، وعلى القِيم الديمقراطيّة.
ولعلّ بروز «النظام العالمي الجديد» الذي يُخضِعُ -شِئنا ذلك أم أَبَينا- إلى سلطانه المؤسساتِ الدوليّة، ويسوق -في معظم الأحوال- بعصاه مَن يشاء حيث يشاء، يبرزُ إلى حدٍّ كبيرٍ ما ينطوي عليه المشروع الثقافي الغربي من عَنجهيّةٍ ونزعةٍ عدوانيّة على مصالح الشعوب الثقافيّة المغلوبة على أمرها، خاصّةً تلك التي تنتمي إلى جنوب الكرة الأرضيّة.
ولن تُجدي سياسةُ غمْر الرّأس بالرّمل أحداً. التخلُّف الإقتصادي والإجتماعي لن يفرّخ إلّا مزيداً من التخلُّف والتبعيّة، والخروج من شرْنقة التخلّف والتبعيّة لا يكون ممكناً إلّا عبر الوعي بالأزمة المستحكِمة، والوعي بالدّور الحيوي للثّقافة التي تحفظ للأُمّة وحدةَ شخصيّتها، وتمنع عنها سيلَ الغزو الثقافي الذي يستهدف في النّهاية وجودها، ولن يُجدي التّعرّي من التراث والإنغماس في حضارة العصرِ فتيلاً، لأنّه يستحيلُ على الذّات الخروجُ من جِلدِها مهما تراءى أنّ ذلك ممكناً.

* من مقدّمة كتابه (الخصوصيّة في الثقافة القوميّة العربيّة)

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعة

دوريات

نفحات