الصِّراط في القرآن
وَصف القرآنُ الكريم الطريقَ الحقَّ الذي يوصل إلى لقاء الله تعالى بالإستقامة؛ وقد ورد هذا الوصف في [32] موضعاً منه. كما نصّ على نعت «السَّويّ» للصِّراط في موضعَين من آياته الشّريفة؛ تمييزاً لصراط الحقّ عن صراط الباطل، الذي لا بدّ أن يكون طريقاً أعوجاً، يبتلع أيضاً الدّاخلين فيه ويغيِّبهم في أعماق ظُلُماته، ثمّ يمضي بهم في انحرافه واعوجاجه فلا يُفضي في النّهاية إلَّا على بوّابة الجحيم. من هنا وُصِف الصِّراط الأعوج بـ«صراط الجحيم» في قوله تعالى: ﴿..فاهْدوهُم إلى صراطِ الجحيم﴾ الصافات:23.
إستقامة الصِّراط
إقترن صراط الحقّ بصفة الإستقامة. وهذه الصّفة لها دلالة على التّوسّط والإعتدال في الحركة والمَسير، فلا مَزلّة إلى يمين ولا مَضلّة إلى شمال. وله كذلك دلالة على معنى السُّرعة في بلوغ الغاية الكبرى؛ ذلك أنّ استقامة الخطّ تجعله أقصر مسافة بين مبدئه ومُنتهاه، في حين يَسِم الإعوجاجُ الطّريقَ بِسمات الطُّول والبطء والإنحراف.
الصِّراط صراطان
لا بدّ من التّنويه أوّلاً بهذه الحقيقة، وهي أنّ الصِّراط المستقيم صراطان: صراط في الدُّنيا، وصراط في الآخرة. يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن هذين الصِّراطين: «.. فأمّا الصِّراط المستقيم في الدّنيا فهو ما قَصُر عن الغلوّ، وارتفع عن التّقصير، واستقام فلم يَعدِل إلى شيءٍ من الباطل. وأمّا الطّريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة، الذي هو مستقيم».
وهذا ممّا يكشف لنا سريعاً عن ارتباط الصِّراط بالمنهج الإلهي الذي أعدّه الله لتتعرّف عليه البشريّة وتهتدي به في الحركة الصّاعدة المتقدّمة دوماً إلى الأمام، والذي كان حُجج الله من أنبياء وأوصياء سلام الله عليهم هم الدّاعين إليه والدالّين عليه.
صراطنا الآن
الواقع أنّ المضمون الدينيّ المقدّس -بما يتضمّن من إلتزام ومن رفض- ينبغي أن يصبغ بصبغته الأصيلة حياة الفرد وحياة الأمّة، وهو الذي يُغيّبهم في نوره وسعادته إذا نَهجوا فيه، حتّى يبلّغهم الكمال اللّائق المطلوب، فإذا هم بشر أسوياء، وهذا هو صراطهم في الدّنيا.
الآيات القرآنيّة أبانت هذه المعاني، وشوّقت للسُّلوك في طريق الإستقامة والإستواء -بما يستكنّ فيه من بهجة ونور- في مثل قوله عزَّ وجلَّ: ﴿..ومَن يَعتصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم ﴾ آل عمران:101، وفي قوله على لسان أحد الأنبياء عليهم السلام: ﴿ إنّ الله ربّي وربّكم فاعبُدوه، هذا صراطٌ مستقيم ﴾ آل عمران:51، وفي مثل خطابه المقدّس: وهذا صراطُ ربِّك مستقيماً، وقوله مخاطباً النّبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله: ﴿ وإنّك لَتدعوهم إلٍى صراط مستقيم ﴾ المؤمنون:73. وكما تكون الهداية إلى الصِّراط هدايةَ إبانةٍ وكشف، تكون هداية إيصال وإبلاغ، عبّر عنها قول الحقّ تعالى: ﴿ وهُدوا إلى الطيّبِ مِن القولِ، وهُدوا إلى صراط الحميد ﴾ الحج:24.