بسملة

بسملة

منذ 4 أيام

اليَقين الثّقافي.. أصالةٌ واستقلال

اليَقين الثّقافي.. أصالةٌ واستقلال
الشيخ حسين كَـوْراني

شهرُ شعبان، ثاني أشهُر الدّورة الثّقافية المركزيّة الأولى على مدار السّنة الهجريّة.
تتولّى برامج هذه الدّورة في شهر رجب تعزيزَ التّوحيد النّظري والعمَلي في خطِّ البِعثة والولاية، ليتكفّلَ شهرُ شعبان تثبيتَ الثّقافة بالفِكر والذِّكر، بالبرامج النظريّة والعمَليّة في خطِّ التزامِ «شَجَرَة النّبوّة، وموضِع الرّسالة، ومختلَف الملائكة، ومَعدِن العِلم، وأهل بيتِ الوَحي».
والشهران بكلِّ موادِّهما والمناهج، تأهيلٌ لشهر الصّيام والقيام، ونزولِ القرآن على القلب من أفُق العقل، لِتنْتظمَ المشاعر في صراطِ «مسِّ الجوع»، وذِكر يومِ القيامة وعطشِه، والذِّكرِ القلبيِّ الكثير الذي لا يُمكن بلوغُه إلّا بالذِّكر اللّسانيّ الكثير، وتنتظمَ الجوارح في مسار الفعل والتَّرك. الإقدام والإحجام العاقلَين، بعيداً عن أسرِ الهوى، ليقود العقلُ الذّاتَ بدلَ أن تستبدَّ بها النّزَوات.
قال أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام: «ولو شِئتُ لاهتديتُ الطّريقَ إلى مُصفّى هذا العسل، ولُبابِ هذا القَمح، ونسائجِ هذا القَزّ، ولكنْ هيهات أن يغلبنَي هواي ويقودَني جَشَعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمعَ له بالقُرص ولا عهدَ له بالشَّبَع..».
تتوقّفُ قيادةُ العقل للذّات على الموقف من «الأخذ من الدّنيا» وبخاصّة في مجال «الأكل». تتجلّى هنا محوريّةُ الصّوم في «بناء النّفْس» و«الجهاد الأكبر»، وفي هَدْيِه ندركُ بعضَ أسرارِ وجوبِ الصّوم شهراً في السّنة واستحبابه المؤكَّد في رجب وشعبان، والأيّام الكثيرة جدّاً، التي وردَ الحثُّ على صومِها.
ما الصومُ إلّا درّةٌ يتيمة، محفوفةٌ بِلآليء الأعمال العباديّة وجواهرِها (المراقبات)،  تتألّق بها، وتزيدُها درّةُ الصّوم أَلَقَاً.
الصّوم كفٌّ للفؤاد وحال، والصلاةُ وتلاوة القرآن، وكَثرةُ الدّعاء والإستغفار، ودوامُ اليَقظة والذِّكر، تدريبٌ عمَليٌّ لجنودِ الفؤاد، وصَقلٌ عمليٌّ لجَوهرة القلب، وصيانةٌ -لا تَفتُر- للشِّغاف والسَّرائر، وحفرٌ متواصلٌ في أعماق الذّات وصولاً إلى اكتمالِ التزامِ الحقِّ والقانون، الذي ورد في تعريفِه: «العبوديّةُ جوهرةٌ كُنهُها الرّبوبيّة».

***

يهدفُ هذا المنهج العبادي إلى التّثبيت النّظري والعمَلي لأصول العقيدة، لبلوغِ اليقين الثّقافي، الذي تتوقّفُ عليه السّلامة لدى خوضِ «اللُّجَج الغامرة» في هذه الحياة «الدّنيا».
باليقين الثّقافي يُمكن تحقيقُ النتائج التالية:
أَنْسَنَةُ القَلب، والتزامُ القانون، وأَنْسَنَةُ الحياة، أي تطوير «الدّنيا» إلى الحياة الإنسانيّة الطيّبة. ﴿..استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم..﴾ الأنفال:24. ﴿أوَمن كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً..﴾ الأنعام:122. ﴿..ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور﴾ النور:40.
يرجع السّببُ في التّمكين من هذه النّتائج إلى تلازمِ اليَقين الثّقافي مع استحقاقِ المُوقِن لِوسامِ طَيِّ سفرِ العَوالِم تحتَ أشرعةِ سفينةِ النّجاة المحمّديّة التي «يَأْمَنُ مَن رَكِبَها، ويغرقُ مَن تركَها».

***

كُتِبَ على مَن «نُسِخَ من أصلابِ أصحابِ السّفينة» -بتعبيرِ أميرِ المؤمنين عليه السلام-  أنّ السّلامةَ من الغَرَق رهنُ «الفُلْك الجارية»، «مَثل أهلِ بيتِي مَثل سفينةِ نوح، مَن ركبَها نجا، ومن تخلّفَ عنها وقعَ في النّار» أو «هلَك» أو «غرِق» على اختلاف الرّوايات.
اليقين الثّقافي يُوصِل إلى القدوة «محمّدٍ وآلِ محمّد» صلّى الله عليه وآله، ويُتيحُ حُسنَ الإقتداء. إنّه المدخلُ الحصريُّ –للفرد والجَمع- إلى «الإكتفاء الذّاتي»، و«الإستقلال»، وإقامةِ العَدل، واستقرار مناخ السّلامة والإسلام، والأمْنِ والإيمان.
ذلكم هو بعضُ معاني أنّهم عليهم السلام: «الكهفُ الحَصين، وغياثُ المضْطَرِّ المُستَكين، وملجأُ الهاربين، ومَنجى الخائفين، وعصمةُ المعتَصِمين».
يتوقّفُ حُسنُ الإقتداء على «الإستنانِ بِسُنّتِه» صلّى الله عليه وآله، وهو يعني الدّأَبُ في الصِّيام والقيام، وكثرة التِّلاوة، والذِّكر ﴿..قياماً وقعوداً وعلى جنوبِهم..﴾ آل عمران:191، في إصرارٍ دائمٍ على اليَقظة والبصرِ الحديد، ومحاذرةِ الغَفلة. ﴿وَيَتَفَكَّرُون﴾.
***
يتلازمُ اليقين الثّقافي، في خطِّ «الجهاد الأكبر» و«بناء النّفْس» على قاعدة «حُسْن الإقتداء وسلامة التَّأَسّي»، مع مواجهة الفائضِ الوفير من البرامج عمّا يملأُ الوقتَ على ساحة العُمر، ومساحةِ الفِعل والزَّمن. مردُّ هذا الفائض البرمَجيّ إلى المُرونة والواقعيّة وكاملِ الحريّة في اختيار الملائِم لكلِّ فردٍ أو ظَرف.
يعني ما تقدّم أنّ اليقين الثّقافي الذي هو «اكتفاءٌ ذاتيّ واستقلالٌ حقيقيّ»، وَفْرَةٌ وثَراء، وغنىً ثقافيٌّ وامتِلاء، لا يسمحُ للغزو الثّقافي بالنّفوذ فضلاً عن التّموضُع والإحتلال، أو الإجتياح وتحويل «القدس» إلى «أورشَليم».
لا يُعاني المُوقِن بثقافتِه الإسلاميّة، نقصاً في المناهج التربويّة ولا علم الإدارة أو علم النّفْس. مَن يعاني هذا النّقصَ الموهوم، هو مَن أعرضَ عن «ذِكر الله» و«المراقبات» فتردّى في «المعيشة الضّنْك» وراح يبحث في مناهج «ستيفن كوفي» عن «العادات السّبع» لِيَجِدَ سُبُلَ قيادةَ الذّات! التي هي «بناءُ النّفْس»!!. برزَتْ هذه الظّاهرة المؤلِمة في عددٍ من الدّول العربيّة مؤخّراً، وفي الحجاز، والكويت، وبعض القنوات العراقيّة بشكلٍ خاصّ.
«ستيفن كوفي» من الطائفة الملتبِسة «المورمونيّة»، يحمل ماجستير في الإدارة، ودكتوراه في علم الأديان، وهو يبشِّر للمورمونيّة التي يتبرّأ منها المسيحيّون. وها هي تقدّم «ميت رومني» مرشّحاً للرّئاسة الأمريكيّة. وشرحُ هذا يطول.
لا حلَّ إلّا بالحوار حولَ حقيقة «حُسن الإقتداء».

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات