بينَ الخَوف والرّجاء
صلاحُ النّفس وتقْواها
___إعداد: مازن حمّودي___
«ليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لمجرَّد التّذكير والتّنبيه قصير الأمَد، ولكنّها مناهج واجبة الإتّباع، تُلقى للعمل الدّائم الواجب مدى الحياة».
موعظة في جهاد النّفس للشيخ محمّد أمين زين الدّين قدّس سرّه من كتابه (كلمة التقوى)، تُلقي الضّوء على أهمّية مخالفة الهوى كسبيلٍ حصريٍّ للتّقوى. |
إذا رأى الإنسانُ نفسه تاركةً وجهة الدِّين الصّحيح في الأعمال الواجبة أو المحرَّمة أو في بعضها، أو في الإلتزام بالأخلاق الحميدة، أو الإرتكاب للرّذائل المذمومة أو في بعض ذلك، وَجب عليه أن يُجاهد نفسه ويوجِّهها وجهةَ الحقّ الصّحيح ويلزمها به وأن يردعَها عن المخالفة، ويقف منها موقف الغريم المحاسِب حتى يردَّها إلى امتثال أمر الله ونهيِه، ولا يَتسامح معها ولا يَتساهل، فإنَّ الإصرار على الذَّنب ذنبٌ آخر، وإنَّ الإستمرار على الجريمة جريمةٌ ثانية قد تكون أكبر منها، وإنَّ البقاء على الرّذيلة رذيلة أخرى تضاعف الإنحراف وتُناقِض الإستقامة، وقد تَمنع من الحصول عليها، وهذا هو الجهاد مع النّفس الذي تكاثرت النُّصوص الدالّة على وجوبه على الإنسان وسَمَّته الجهاد الأكبر، لطولِه واستمراره ووجوب اتّخاذ اليقظة والحذر في جميع مراحله، ففي الحديث عنه صلّى الله عليه وآله: «الشّديدُ مَن غلب نفسه»، وفي كتاب (المجازات النّبويّة): «المُجاهدُ مَن جاهد نفسه».
وليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لمجرَّد التّذكير والتّنبيه قصير الأمد، ولكنّها مناهج واجبة الإتّباع، تُلقى للعمل الدّائم الواجب مدى الحياة.
خالِف الهوى تسلَمْ
يحرُم على الإنسان أن يتَّبع هوى نفسه ورغباتها، إذا كان هواها ورغباتها مخالفة لِمَا يريد الله، فإنَّ الإنسان إذا ترك نفسه وما تهوى تمادت في الغيِّ وأوصلته إلى ما لا يُحمَد، وجرَّأته على فعل المنكرات وترْك الواجبات، ولذلك فيجب عليه أن يغالب هوى نفسه ورغباتها ما استطاع، وعن الباقر عليه السلام: «جاهد هواك كما تجاهد عدوَّك»، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنَّ أخوَف ما أخاف عليكم اثنتان: إتّباعُ الهوى وطولُ الأمل، أمَّا اتّباع الهوى فإنّه يصدُّ عن الحقّ، وأمّا طولُ الأمل فيُنسي الآخرة». فإذا اجتمعت العلَّتان في المرء، فصدَّه الهوى عن اتِّباع الحقّ ونَسي الآخرة لطول أملِه، لم يؤمَّل فيه خير ولم يُرجَ له صلاح.
التّقوى ثمرة الخوف والرّجاء
يجب على المؤمن أن يخاف الله ربّه، المُطَّلعَ على أمره في سرِّه وعلانيته خوفاً شديداً يبعثه على طاعته ".." ويجب عليه أن يرجو الله ورحمته وعفوه وإنْ سبقت منه المعاصي وكثُرت، ففي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام: «ارجُ الله رجاءً لا يجرِّئك على معصيته، وخَفِ اللهَ خوفاً لا يؤيسك من رحمته» ".." فإذا خاف العبدُ ربَّه ورجاه، وتوازن الخوف والرّجاء في قلبه، وعمل لهما، واستقام في عمله ولم ينحرف، أنتج ذلك له نتيجةً معلومةً محتومة، وهي تقوى الله، فالتّقوى هي حصيلةُ اجتماع الخوف والرّجاء الشَّديدَين المتوازنَين في قلب المؤمن، والعمل الدَّائب لخوفه ورجائه، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم﴾ محمّد:17. ومن متممَّات هذه المنزلة، ومقرِّبات الوصول إلى هذه الغاية أن يشتدّ الخوف في قلب المؤمن، فيبكي خشيةً من الله لِمَا اقترف من الذّنوب، أو يبكي ندماً على ما قابل به ربَّه الكريم العظيم من العصيان، أو خجلاً ممّا تفضَّل عليه من النِّعم والأيادي، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ الرّجل لَيكونُ بينه وبين الجنّة أكثر ممّا بين الثّرى إلى العرش لكثرة ذنوبه، فما هو إلّا أن يبكي من خشية الله عزَّ وجلَّ ندماً عليها، حتّى يصير ما بينه وبينها أقرب من جفنِه إلى مُقلتِه».