يا شبيهَ صاحبِ فُطْرُس
فُطْرُسِيَّة.. فُطْرُسِيَّة
ــــ برواية : الشيخ الطوسي ــــ
* يوردُ العلماء هذا النّصَّ في سياق معركة الآراء حول توثيق «ابن سنان» أو عدمِه، ولكلٍّ قائلون به.
* الهدف من عرض هذا النَّص، بيان كيفيّة تعامُل بعض المؤمنين في عصر الإمام الرضا عليه السلام، مع قصّة الملَك فُطرس، وأنّها كانت مضرَب المَثل عندَهم |
بعدَ عرضِ رواية لم يصرَّح فيها باسم الملَك الذي شُفِي ببركةِ الإمام الحسين عليه السلام، وعرض عدّة روايات تصرّح باسم «فُطرس»، تجد هنا رواية عن «محمّد بن سنان» خلاصتُها أنّه طلب من الإمام الرضا عليه السلام، شفاءَ عينيه فحوّلَه إلى الإمام الجواد عليه السلام، وهو في حوالي «السَّنَتَين» من عمره الشّريف، فمنَّ اللهُ تعالى عليه بالشّفاء على يد الإمام الجواد عليه السلام، فقال ابنُ سنان: «فُطْرُسِيّة، فُطْرُسِيّة».
***
• قال الشيخ الطّوسي عليه الرّحمة:
* حمدويه، قال: حدّثنا أبو سعيد الآدمي، عن محمّد بن مرزبان، عن محمّد بن سنان، قال:
«شكوتُ إلى الرّضا عليه السلام وجعَ العين، فأخذَ قرطاساً فكتبَ إلى أبي جعفر عليه السلام، وهو أقل من نيتي [كذا، ولعلّها: سنتَين. والكلمة مضطربة في المصادر الأخرى]، فدفعَ الكتاب إلى الخادم وأمرَني أن أذهب معه، وقال: أُكتُم.
فأتيناه وخادمٌ قد حَمَلَه، ففتحَ الخادمُ الكتاب بين يدَي أبي جعفر عليه السلام.
فجعل أبو جعفر [الإمام الجواد] عليه السلام ينظرُ في الكتاب، ويرفعُ رأسَه إلى السّماء، ويقول: ناجٍ، ففعلَ ذلك مراراً، فذهبَ كلُّ وجعٍ في عَيني، وأبصرتُ بصراً لا يُبصرُه أحد.
قال: فقلتُ لأبي جعفر عليه السلام: جعلَكَ الله شيخاً على هذه الأمّة، كما جعلَ عيسى ابنَ مريم شيخاً على بني إسرائيل.
ثمّ قلت له: يا شبيهَ صاحبِ فُطرُس.
قال: وانصرفت. وقد أمرَني الرّضا عليه السلام أن أكتُم، فما زلتُ صحيحَ البصر حتّى أذعتُ ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمرِ عيني، فعاودَني الوجَع.
قال [الرّاوي محمد بن مرزبان]، قلت لمحمّد بن سنان: ما عنيتَ بقولك: يا شبيهَ صاحبِ فُطرس؟
فقال: إنّ الله تعالى غضبَ على ملَكٍ من الملائكة يُدعَى فُطْرُس، فدقّ جناحه ورُمِي في جزيرة من جزائر البحر، فلمّا ولد الحسين عليه السلام بعثَ اللهُ عزّ وجلّ جبريلَ إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ليُهنّئه بولادة الحسين عليه السلام، وكان جبريل صديقاً لفُطرس فمرّ به وهو في الجزيرة مطروح، فخبّره بولادة الحسين عليه السلام وما أمرَ اللهُ به، فقال له: هل لك أن أحملَك على جَناحٍ من أجنِحتي، وأمضي بك إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ليشفعَ لك؟
فقال فطرس: نعم. فحملَه على جَناحٍ من أجنحتِه حتّى أتى به محمّداً صلّى الله عليه وآله، فبلَّغَه تهنيةَ ربّه تعالى، ثمّ حدّثه بقصّة فُطرس، فقال محمّد صلّى الله عليه وآله لفُطْرُس: إمسَح جناحَك على مهدِ الحسين وتمسَّحْ به، ففعلَ ذلك فطرس، فجَبر اللهُ جناحَه وردَّه إلى منزلِه مع الملائكة».
* ثمّ أورد الشيخ الطّوسي، الرّواية التالية، وهي تلخيصٌ لمّا تقدّم، بطريقٍ آخر:
«ووجدتُ بخطّ جبريل بن أحمد، حدّثني محمّد بن عبد الله بن مهران، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ومحمّد بن سنان، جميعاً قالا: كنّا بمكّة، وأبو الحسن الرضا عليه السلام بها، فقلنا له: جُعِلنا فداك، نحن خارجون وأنت مُقِيم، فإنْ رأيتَ أن تكتبَ لنا إلى أبي جعفر عليه السلام كتاباً نلمّ به، فكتبَ إليه، فقدِمنا فقلنا للموفّق: أخرِجْه إلينا.
قال: فأخرجَه إلينا، وهو في صدر «موفَّق»، فأقبل يقرؤه ويطويه وينظر فيه ويتبسّم حتّى أتى على آخره -ويطويه من أعلاه وينشرُه من أسفله- قال محمّد بن سنان: فلمّا فرغَ من قراءتِه حرّك رِجلَه، وقال: ناجٍ، ناجٍ، فقال أحمد: ثمّ قال ابنُ سنان عند ذلك: فُطْرُسِيّة فُطْرُسِيّة».
(الشيخ الطّوسي، اختيار معرفة الرجال: ج 2، ص 849 - بتصرّف يسير؛
والسيّد بحر العلوم، الفوائد الرجاليّة: ج 3، ص 266)
* وينبغي التّنبيهُ على أمور:
* أنّ الإمام الرّضا كان يعتمدُ مثلَ هذه الطّريقة لتثبيت إمامة الإمام الجواد عليه السلام من بعده، فقد وُلِد الإمام الجواد في مرحلة متأخّرة من عمر الإمام الرّضا عليهما السلام.
* أنّ الإعجاز في إمامة الإمام الجواد عليه السلام في صِغَر سنّه، حقيقة قطعيّة لا يشكُّ فيها أحدٌ من علماء الإسلام، وممّن تحدّث بتفاصيل حول ذلك «إبن حَجَر» في (الصَّواعق المُحرِقة).
* أنّ هذا الإعجاز في صِغَر السّن، نوعُ تأسيسٍ لإمامة الإمام المهديّ في صِغر سنِّه عجّل الله تعالى فرجه الشّريف. |
العالِم، مَن يَكْثُر صوابُه
قال الإمام الحسين عليه السلام: «لو أنّ العالِم كلّما قال، أحسنَ وأصاب، لَأَوشكَ أن يَجنّ من العُجب، وإنّما العالِم مَن يكثُرُ صوابُه».
(السيّد المرعشي، شرح إحقاق الحقّ: ج 11، ص 59)
|