معَ المناجاةِ الشعبانيّة
القلبُ يغدو غيرَ القَلب
_______«شعائر»_______
«شهر شعبان هو لتهيئة الفرد والأمّة لضيافة الله تعالى. والعُمدة في هذه التّهيئة هي المناجاة الشعبانيّة».
الإمام الخميني قدّس سرّه
منتخبات من كتاب (المناجاة الشعبانيّة - علوم الأدب مع الله) للشيخ حسين كوراني، تقدّمها «شعائر» حول المناجاة الوحيدة التي ورد أنّ جميع الأئمّة عليهم السلام كانوا يقرأونها. |
تتلخَّص خارطة السَّفر إلى الله -بالمناجاة الشعبانيّة- في اليقظة من سُبات العقل، والنَّوم المُقيم، لِيَكتشف العقل بُعدَه الذي هو الضّلال القريب أو البعيد. فَيَلجأ إلى التَّوبة، فالأَوْبة. يدعو، فيَتنبَّه إلى الفَرْق بين حقيقة الدُّعاء والجَوْهر. ما كلُّ مَن دَعا دَعا. فيُنادي مُلتَمِساً القَبول، فالإقبال، متدرِّجاً في واقعيَّة مراتبه: محاورة. محاضرة. مسارّة. مناجاة، وهي -المناجاة- ثرى «ناجيتُه» وما فوق ثريَّا: «ناجَيْتَه».
وما بين الثُّريّا والثَّرى يَطلب المسافر التَّحليق من مَدار اللَّحْظ، إلى مجرَّة «عِزِّ نورك الأبهج» .. «حَتَّى تَخْرِقَ أبْصَارُ القُلوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَتَصِيرَ أرْواحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ»، مدخلاً -بدوره- إلى نور العزِّ الأبهج لتكتمل دورة العارف.
لا تَكتمِل هذه الدورة بكلِّ مداراتها الأعظم إلَّا بمدارج ما بين شكل الدّعاء «إذا دعوتُك» وبين بَرد القلب بقبول الهارب ثمّ الإقبال عليه، ليرتسم أُفُقُ «ناجيتُك»، تمهيداً للإيقاظ بمحبَّته وتطهير القلب من الغفلة عنه سبحانه، فيكتمل التَّنَصُّل، ويُؤذَن بالطَّلَب الأكبر:
«يا قَريباً لا يَبْعُدُ عَنِ المُغْتَرِّ بِهِ، وَيا جَواداً لا يَبْخَلُ عَمَّنْ رَجَا ثَواَبَهُ، إلَهي هَبْ لِي قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ، وَلِسَاناً يُرفَعُ إلَيْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ».
القلب -غدا- غَيْر القلب، واللِّسان والنَّظَر من معدن هذا القلب الجديد.
أَصبحَ بالإمكان، ومن المنطقي، طَلَب «الوَلَه بالذِّكر» ليرفع منسوب الذِّكر بإعجاز، فيلحق الدَّاعي بـ «المَثوى الصّالح مِن مَرضاتِك» مدخلاً إلى «كمالِ الإنقطاعِ إليك».
من محطّة «كمال الإنقطاع» يَستأنِف المسافِر وَثَباتِه إلى الفردَوْس الأعلى بسفينة أهل كمال الإنقطاع، أهل البيت، وربِّ البيت. سفينة الحبّ وهو وِسامُ التأهيل للإنقطاع التامّ، فإذا اللّغة غير كلّ اللّغات: «أبصار القلوب» و«النَّظر إليك» و«خَرْق حُجُب النُّور»، و«معدن العَظَمة، واللَّحْظ» و«الصَّعْق» وصولاً إلى فرادة إعجاز «فناجيتَه سرّاً»!!
العارِفُ مُسافِرٌ يُغِذُّ السَّير بين محطَّتَين: الإنحراف عن الحقّ، والإنحراف عمّا سوى الحقّ: «وعن سواك منحرفاً، فأكونَ لك عارفاً».
لا سَفَر، ولا وُصول، ولا معرفة، إلَّا بِحِفظ حدود الله تعالى. الأحكامِ الشرعيّة. في كلّ جزئيٍّ وكُلِّيّ.
**
فرادةُ اهتمام خمينيّة
أبرز انطباع يخرج به المتابع لنصّ الإمام الخميني قدّس سرّه هو تفاعلُه النّوعي مع المناجاة الشعبانيّة. بل إنّنا إذا أردنا البحث عن مكوِّنات اللّهيب الباطني عند الإمام، لوجدنا أنَّ المناجاة الشعبانيّة في الطّليعة.
يُكثِر الإمام الإستشهاد بالمناجاة في خطبه وكُتُبه.
ورد ذكرها باسمها «شعبانيّة» في عشر خُطَب، وهو يذكرها في كلّ خطبة عدّة مرّات.
كما وردَ ذِكرُها في الكثير من سائر الخُطب، والكُتب، وكان قدّس سرّه دائم الإستشهاد ببعض فقراتها، حتى لتجد أنّك أمام فرادة اهتمام خمينيّة، بالمناجاة الشعبانيّة.
يتحدّث الإمام عن ضيافة الله تعالى، فيقول:
«عندما تريد أن تذهب إلى ضيافة فإنك تُهيِّئ نفسك، غالباً بشكل آخر من حيث الثّياب وغير ذلك، بحيث يختلف وضعك عمّا كان عليه في البيت.
شهرُ شعبان فرصة لهذه التّهيئة والإستعداد للضيافة، بحيث يختلف وضعك عمَّا كنتَ عليه.
شهر شعبان هو لتهيئة الفرد والأمّة لضيافة الله تعالى. والعمدة في هذه التهيئة هي المناجاة الشعبانيّة. أنا لم أرَ في الأدعية دعاءً ورد حوله أنَّ جميع الأئمة كانوا يقرؤونه إلّا هذا الدّعاء. المناجاة الشعبانيّة هي لإعدادك وإعداد الجميع وتهيئتهم لضيافة الله تعالى».
إلى أن يقول قدّس سرّه: «المناجاة الشعبانيّة [مناجاة] قلّ نظيرُها».