أبو الإباءِ وابنُ بَجدة اللِّقا |
رَقى من العَلياءِ خيرَ مُرتقَى |
ذاك أبو الفضلِ أخو المَعالي |
سلالةُ الجلالِ والجمالِ |
شِبْلُ عليٍّ ليثِ غابةِ القِدمْ |
«ومَن يُشابه أباه فما ظَلَمْ» |
صِنو الكريمَين سليلَي الهُدى |
عِلماً وحِلماً شرَفاً وسُؤدَدا |
هو الزّكيُّ في مدارجِ الكَرَمْ |
هو الشّهيدُ في معارجِ الهِمَمْ |
وارثُ مَن حاز مواريثَ الرُّسُلْ |
أبي العقولِ والنّفوسِ والمُثُلْ |
وكيف لا وذاتُه القدسيّةْ |
مجموعةُ الفضائل النّفسيّةْ |
عليه أفلاكُ المعالي دائرةْ |
فإنّه قُطْبُ محيطِ الدّائرةْ |
له من العَلياء والمآثِرِ |
ما جلَّ أن يخطرَ في الخواطِرِ |
وكيف وهو في عُلوِّ المَنزلةْ |
كالرُّوح من نقطة باءِ البَسملةْ |
وهو قوامُ مصحفُ الشّهادةْ |
تمَّت به دائرةُ السَّعادةْ |
وهو لكلِّ شِدَّةٍ ملمَّةْ |
فإنّه عَنقاء قافِ الهِمَّة |
وهو حَليفُ الحقِّ والحقيقةْ |
والفَرْدُ في الخِلْقةِ والخَليقةْ |
وقد تجلَّى بالجمالِ الباهرِ |
حتّى بدا سرُّ الوجودِ الزّاهرِ |
غرَّتُه الغرَّاءُ في الظُّهورِ |
تكادُ أن تغلبَ نورَ الطُّورِ |
وفي سماءِ المجدِ والفَخارِ |
بالحقِّ يُدعى قمر الأقمارِ |
بل في سماءِ عالَمِ الأسماءْ |
كالقَمر البازِغِ في السَّماءْ |
بل عالمُ التّكوين من شعاعِهْ |
جلَّ جلالُ اللهِ في إبداعهْ |
سرُّ أبيه وهو سرُّ الباري |
مَليكُ عرش عالمِ الأسرارِ |
أبوه عينُ الله وهو نورُها |
به الهدايةُ استنارَ طورُها |
فإنّه إنسانُ عيْنِ المعرفةْ |
مِرْآتُها لكلِّ اسمٍ وَصِفَةْ |
ليس يدُ الله سوى أبيهِ |
وقدرةُ الله تجلَّت فيهِ |
فهو يدُ الله وهذا ساعدُهْ |
تُغنِيك عن إثباتِه مَشاهِدُهْ |
فلا سوى أبيِه للهِ يدْ |
ولا سواه لأبيه عَضدْ |
له اليدُ البيضاءُ في الكِفاحِ |
وكيف وهو مالكُ الأرواحِ |
يمثّلُ الكرّارَ في كرّاتِهِ |
بل في المعاني الغُرِّ من صفاتِهِ |
صولتُه عند النِّزال صولتُهْ |
لولا الغلوُّ قلتُ جلَّتْ قدرتُهْ |
هو المحيطُ في تجوُّلاتِهْ |
ونقطةُ المركزِ في ثَباتِهْ |
سطوتُه لولا القضاءُ الجاري |
تقضي على العالَم بالبَوارِ |
وراسمُ المَنون حدُّ مفردِهْ |
والفرقُ بعدَ الجَمع من ضربِ يدِهْ |
بارِقُهُ صاعقةُ العذابِ |
بارقةٌ تَذهبُ بالألبابِ |
بارقةٌ تحصدُ في الرّؤوسِ |
تزهقُ بالأرواحِ والنّفوسِ |
واسَى أخاه حينَ لا مُواسي |
في موقفٍ يُزلزِلُ الرَّواسي |
بعزمةٍ تكاد تسبقُ القَضا |
بسطوةٍ تملأُ بالرُّعب الفَضا |
دافَعَ عن سبطِ نبيِّ الرّحمةْ |
بِهِمَّةٍ لا فوقَها مِن همَّةْ |
بهمَّةٍ مِن فوقِ هامةِ الفَلَكْ |
ولا ينالُها نبيُّ أو مَلَكْ |
واستعرضَ الصّفوفَ واستطالا |
على العِدى ونكَّسَ الأَبطالا |
لفَّ جيوشَ البَغي والفسادِ |
بنشرِ روحِ العَدلِ والرّشادِ |
كرَّ عليهم كرّةَ الكرّارِ |
أوردَهم بالسّيفِ وردَ النّارِ |
آثرَ بالماءِ أخاه الظَّامي |
حتّى غدا معترَضَ السِّهامِ |
ولا يهمُّه السّهامُ حاشا |
مَنْ همُّه سقايةُ العَطاشا |
فجادَ باليمينِ والشَّمالِ |
لنُصرةِ الدّينِ وحفظِ الآلِ |
قام بحملِ رايةِ التّوحيدِ |
حتّى هوى من عَمَد حديدِ |
والدِّينُ لمّا قُطِعتْ يداهُ |
تقطَّعت مِن بعده عُراهُ |
وانطَمستْ من بعده أعلامُهْ |
مذْ فَقَدَتْ عميدَها قوامُهْ |
وانصدعتْ مهجةُ سيِّدِ البَشرْ |
لقتلِه وظَهْرُ سبطِه انكسَرْ |
وبان الانكسارُ في جبينِهْ |
فاندكَّت الجبالُ من حنينِهْ |
وكيف لا وهو جمالُ بهجتِهْ |
وفي محيّاهُ سرورُ مُهجتِهْ |
كافلُ أهلِه وساقي صِبْيَتِهْ |
وحاملُ اللِّوا بعالي همَّتِهْ |
واحدة لكنّه كلُّ القوى |
وليثُ غابِه بطفِّ نينوى |