تحقيق

تحقيق

منذ يومين

أوّلُ بيتٍ وُضِع للنّاس تحقيق: أحمد الحسيني

مثابةً للنّاس وأمناً، وقياماً
أوّلُ بيتٍ وُضِع للنّاس

______ تحقيق: أحمد الحسيني ______


 حَرَمٌ آمنٌ في بلدٍ آمن، وأوّلُ بيتٍ وُضع للنّاس، باركَه الله تعالى منذ هبطَ آدم عليه السلام إلى الأرض، ثمّ أضحى محجَّةً للعالَمين بعد الأذان الإبراهيميّ فيهم، لِيُعظِّموا حُرُمات الله تعالى، ولِيَشهَدوا منافعَ لهم، ويذكروا اسمَ الله في أيّامٍ معلومات.
 ميقاتُ النُّجَباء، والأبدال، والأخيار في اليوم الموعود مع بقيّة الله في العالَمين.
 قرنَ اللهُ تعالى الإعراضَ عنها بالكفر: ﴿..وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران:
97.
 

الكعبةُ، لغةً، البيتُ المُرَبَّعُ. والكعبةُ البيتُ الحرام منه لتَكْعِيبها أَي تربيعِها، وكلُّ بيتٍ مُرَبَّعٍ فهو عند العرب كَعْبةٌ.
رُوي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه سُئل لِمَ سمّيت الكعبةُ كعبةً؟ قال: «لأنّها مربّعة، وصارت مربّعة لأنّها بحذاء البيت المعمور وهو مربّع، وصار البيتُ المعمور مربّعاً لأنّه بحذاء العرش وهو مربَّع، وصار العرش مربَّعاً لأنَّ الكلمات التي بُنِيَ عليها الإسلام أربع، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر».

* ومن أشهر أسمائها:
1- «بيتُ الله الحرام»، «لأنّه حُرِّم على المشركين أن يَدخلوه»، كما في الرّواية عن الإمام الصادق عليه السلام.
2- «البيت العتيق»، ورُوي أنّ علّة هذه التسمية كوْن البيت عتيقاً من النّاس لا يملكه أحدٌ منهم خلافَ سائر البيوت، أو لأنّه أُعتِق من الغرق يوم الطّوفان فكفَّ عنه الماء.

أقسامُ الكعبة

الكعبة بناء مكعَّب الشّكل، مبنيٌّ بالحجارة الصّلبة، ويبلغ ارتفاعُها نحو خمسة عشر متراً، وتُسمّى زَواياها بالأركان، وأشهرُها «الرُّكن اليَماني» أو «الجَنوبي». أمّا الثلاثة الأُخَرَ فهي: «رُكنُ الحَجَر الأسود» أو «الشَّرقي»، و«رُكنُ الحِجر» أو «الشّمالي»، وهو المتّصل بحِجر إسماعيل عليه السلام، و«الرُّكنُ الشّامي» أو «الغربي».
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «إنّ ما بين الرُّكن والمقام لَمَشحونٌ من قبور الأنبياء». [أي ما بين رُكن الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام]
ومن أبرز أقسام الكعبة المعظّمة و ومعالمها:
1- مقام إبراهيم عليه السلام: ذكره الله تعالى في قوله: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا...﴾ آل عمران:97.
قال العلّامة الطباطبائي في (تفسير الميزان): «مقامُ إبراهيم: وهو الحجرُ الذي عليه أثرُ قدَمي إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد استفاضَ النّقلُ بأنّ الحَجر مدفونٌ في المكان الذي يُدعى اليوم بمقام إبراهيم، على حافّة المَطاف حيال الملتَزم، وقد أشار إليه أبو طالب عمُّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله في قصيدتِه اللّاميّة:
مواطئ إبراهيمَ في الصَّخر رطبةٌ على قدَميه حافياً غير ناعلِ

».

2- الحَجر الأسود: يقع في الرُّكن الجنوبي الشّرقي للكعبة، على ارتفاع مترٍ ونصفِ المتر من أرض المطاف، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه أوّلُ حجرٍ وُضِع على وجه الأرض. قال الشيخ الصَّدوق في (المقنع) في سياق حديثه على آداب زيارة بيت الله الحرام: «..ثمّ انظُر إلى الحَجر الأسود وارفعْ يدَيك، واحمد اللهَ وأثنِ عليه، وصلِّ على النبيّ وآله ".." ثمّ استلِم الحجرَ وقبِّله، فإنْ لم تقدر عليه فامسَحه بيدِك اليُمنى وقبِّلها، فإنْ لم تقدر فأَشِر إليه بيدِك، وقل: أللّهمَّ أمانتي أدّيتُها، وميثاقي تعاهدتُه، لتشهدَ (ليشهدَ) لي بالموافاة، آمنتُ بالله، وكفرتُ بالجِبْتِ والطّاغوت واللّاتِ والعزّى، وعبادةِ الشّياطين، وعبادةِ الأوثان، وعبادةِ كلِّ ندٍّ يُدعى من دون الله، فإنْ لم تستطِع أن تقولَ هذا كلَّه، فبَعضه».


3- حِجْرُ إسماعيل: يقعُ شمال الكعبة المشرّفة، ويكون على يسار الطّائف بالبيت، وهو على شكل نصف دائرة. سُئِلَ الإمام الصّادق عليه السلام عن الحِجر؛ أَمِنَ البيت هو أو فيه شيءٌ من البيت؟ فقال: «لا، ولا قلامةَ ظِفر، ولكنّ إسماعيل عليه السلام دفنَ أمَّه فيه ".." فَحَجَرَ عليه [أي على موضع قبرِها] حِجراً، وفيه قبورُ أنبياء».

4- الميزاب: هو مصبُّ المطَر على حِجر إسماعيل، ويُسمَّى «ميزاب الرّحمة».

5- الملتَزَم: ويُقال له «المُتَعَوّذ» أيضاً، وربّما قِيل له «المُستَجار» وهو غيرُ الآتي ذِكره، والملتزَم جزءٌ من جدار الكعبة بين الحجر الأسود والباب. سُمِّي بذلك لأنّ الطّائفَ يلتزمُه في دعائه واستغاثتِه. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «أقِرُّوا عند الملتَزم بما حفظتُم من ذنوبكم وما لم تحفَظوا، فقولوا: وما حَفِظَتْه علينا حَفَظَتُك ونسيناه فاغفِره لنا، فإنَّه مَن أقرَّ بذنبه في ذلك الموضع وعدَّه وذَكَره واستغفر الله منه كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ أن يغفرَه له».

6- الباب: موضعُه في الجدار الشرقي للكعبة المعظّمة، يرتفع نحو مترين عن الأرض، ويُصعَد إليه بسلالم خشبيّة.

7- الحَطيم: هو جزءٌ من المسجد الحرام، وهو أفضلُ مواضِعه كما في الرّواية عن الإمام الباقر عليه السلام. و حدودُ الحطيم هي: ركنُ الحَجر الأسود، وبابُ الكعبة، ومقامُ إبراهيم عليه السلام. وعن الإمام الصادق عليه السلام في سبب تسميته بالحَطيم: «..لأنَّ الناس يَحطِمُ بعضُهم بعضاً هنالك».

8- المستجَار: موضعُه في الجدار الغربي من الكعبة، قريباً من الرّكن اليماني. في الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السلام: «بَنى إبراهيمُ البَيتَ ".." وجَعَلَ لَهُ بابَينِ: بابٌ إلَى المَشرِقِ
وبابٌ إلَى المَغرِبِ، والبابُ الَّذي إلَى المَغرِبِ يُسَمَّى المُستَجار
». لكنّ هذا الباب أُلغِي عندما أعادت قريش بناء البيت قبل الإسلام.

9- الشّاذرَوان: وهو بناءٌ لطيف ملصَقٌ بأَسافلِ جدران الكعبة -ممّا يلي أرضَ المطاف- من جهاتها الثّلاث، عدا جهة حِجر إسماعيل. والشّاذروان من القواعد التي رفعها إبراهيمُ الخليل عليه السلام.

10- باطنُ الكعبة: أرضُ الكعبة مفروشةٌ بالرّخام، وفي وسطها ثلاثةُ أعمدةٍ من الخشب المتين، وجدرانها مكسوّةٌ بالرّخام وعليها ستائر، وقد تدلّت من سقفِها مجموعةٌ من القناديل الأثَريّة.

11- كُسوَة الكعبة: أوّلُ مَنْ كسا الكعبة المعظّمة هي امرأة إسماعيل عليه السلام وكانت بعثَتْ إلى قومها بصوفٍ كثير تستغزلهم، قال أبوعبد الله الصّادق عليه السلام: «وإنّما وقع استغزال النّساء بعضهنّ من بعض لذاك..». وقد كساها رسول الله صلّى الله عليه وآله الثياب اليمانيّة، وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام «..كان يبعث بكسوة البيت في كلّ سنةٍ من العراق».

..أكثِروا النَّظَرَ إلى بيت الله

تضمّنت الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن أئمّة أهل البيت عليهم السلام التأكيدَ على استحباب إكثار النّظَر إلى الكعبة، وأنّها عبادة، شأنُها شأن النظّر في المصحف الشريف، من ذلك:

أ- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «النَّظرُ إلى الكعبةِ حيالَها يهدمُ الخطايا هَدْماً».

ب- عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا خرجتُم حجّاجاً إلى بيت الله عزَّ وجلَّ فأكثِروا النَّظر إلى بيت الله، فإنّ لله عزَّ وجلَّ مائةً وعشرين رحمة عند بيتِه الحرام، منها ستُّون للطّائفين، وأربعون للمصلِّين، وعشرون للنّاظرين».

ج- عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن نظرَ إلى الكعبة لم يزَل تُكتَب له حسَنة، وتُمحَى عنه سيّئة، حتّى ينصرفَ ببَصرِه عنها».

د- وعنه عليه السلام: «مَن نظرَ إلى الكعبة بمَعرفة، فعرفَ من حقِّنا وحُرمتِنا مثلَ الّذي عرفَ من حقِّها وحُرمتِها، غفرَ اللهُ له ذنوبَه، وكفاه هّمَّ الدّنيا والآخرة».



مراحلُ بنائها


تنقسمُ الرّوايات والأقوال في هذا المجال إلى مجموعتَين رئيسيّتين:
تقول المجموعة الأُولى: إنّ إبراهيم عليه السلام هو الذي أُمِر ببناء الكعبة، بينما تذهب المجموعة الثانية إلى أنّ الكعبة كانت موجودةً قبل إبراهيم وأنّه عليه السلام جدّد بناءَها فقط.
وأكثرُ الذّاهبين إلى الرّأي الثاني يقولون: إنّ آدم عليه السلام هو باني البيت. ولا تنافِي بين الرَّأيَين، حيثُ إنّ التّدبُّر في الرّوايات يُفضي إلى إنّ البيت بُنِي من قِبل آدم عليه السلام في موضعٍ عيّنَه له الله تعالى، ولكن البيت دَثَر -بعد آدم ونوح عليهما السلام- زمناً طويلاً، ثمّ جَدّده ورفع قواعدَه إبراهيم الخليل عليه السلام، وأذّنَ في النّاس بالحجِّ إليه، بعد أن بَوّأَ اللهُ له مكانَه، وعلّمه مناسكَ الحجِّ وشعائرَه العظيمة. وبعبارةٍ أُخرى: إنّ دور إبراهيم عليه السلام يوازي في حياة الكعبة الدّورَ الذي نهضَ به أبونا آدم عليه السلام.
وفي الرّوايات أنّ البيتَ الحرام بُنِيَ في الأرض بموازاة «البيت المعمور» في السماء. عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سُئِل عن «البيت المعمور والسّقف المرفوع» المذكورَين في سورة (الطّور)، قال: «..ذلك الضُّرَاح [من المُضارَحة وهي المقابلة] بيتٌ في السّماء الرّابعة حيالَ الكعبة من لؤلؤةٍ واحدة، يدخلُه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملَك..».
وفي روايةٍ عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام أنّ العرب كانت تحجُّ إلى البيت قبل أن يُجدّد النبيُّ إبراهيم بناءَه: «..وكانت العرب تحجّ إليه، وإنَّما كان رَدْماً إلَّا أنَّ قواعده معروفة ".." فلمّا أَذِنَ اللهُ له في البناء قَدِم إبراهيمُ عليه السلام، فقال: يا بنيّ، قد أمرَنا الله ببناء الكعبة. وكشَفا عنها، فإذا هو [الرَّدم] حجرٌ واحدٌ أحمر، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: ضعْ بناءَها عليه، وأنزل الله عزَّ وجلَّ أربعةَ أملاكٍ يجمعون إليه الحجارة، فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يَضعان الحجارة والملائكة تناوِلُهما..».

بناءُ الكعبة قبل البعثة

عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ قريشاً في الجاهليّة هدموا البيت، فلمّا أرادوا بناءه حِيل بينهم وبينه، وأُلقي في رَوْعهم الرُّعب، حتى قالَ قائلٌ منهم: ليأتي كلُّ رجل منكم بأطيبِ مالِه، ولا تأتوا بمالٍ اكتسبتموه من قطيعةِ رَحِمٍ أو حرام. ففعلوا، فخُلِّي بينهم وبين بنائه، فبنوه حتى انتَهوا إلى موضع الحجر الأسود، فتشاجروا فيه: أيُّهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتى كاد أن يكون بينهم شرّ، فحكّموا أوّلَ مَنْ يدخل من باب المسجد، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا أتاهم أمر بثوبٍ فبُسِط، ثمَّ وضع الحَجر في وسطه، ثمّ أخذت القبائل بجوانب الثَّوب فرفعوه، ثمّ تناوله صلّى الله عليه وآله فوضَعه في موضِعه، فخصَّه الله عزّ وجلّ به».

.. يومَ فتح مكّة

عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه قال: «..ولمّا نزلت هذه الآية [﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ الإسراء:81] يوم الفتح [فتح مكّة سنة 8 للهجرة] قال جبرئيل لرسول الله صلّى اللَّه عليه وآله: خُذْ مِخصرَتك [المخصرة: هي السّوط أو ما يُتَّكَأ عليه كالعصا] ثمَّ أَلْقِ بها الأصنام. فجعلَ ينكتُ بِمخصرتِه في عينِ واحدٍ واحدٍ منها ويقول: جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطل، فينكبُّ لوجهِه، حتّى ألقى جميعَها. وبَقِيَ صنمُ خزاعة فوقَ الكعبة، وكان من قواريرَ صُفر، فقال: يا عليُّ ارْمِ به. فحملَه رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى صعدَ فرمى به فكسرَه، فجعلََ أهلُ مكّةَ يتعجّبون ويقولون: ما رأينا رجلاً أسحرَ من محمّد!».
وعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «كان على الكعبة أصنام ".." فحملَني [رسول الله صلّى الله عليه وآله] فجعلتُ أقطعُها، ولو شئتُ لَنِلتُ السّماء».

في زمن الأمويِّين

لم يَرعَ بنو أُميّة حرمةً لمكّة ولا لبيتِ الله الحرام، فقد تعرّضت الكعبةُ أيّامَ حُكمِهم لحملتَين عسكريّتين ألحقتا ببناء الكعبة خسائر فادحة.
الأولى: حملة يزيد بن معاوية، نفّذها -ولم يُفلِح- الحُصينُ بن نُمير عام 63 للهجرة لقمعِ حركة عبد الله بن الزّبير، وعلى إثرِها تداعى أهلُ مكّة لإصلاح الأضرار التي لحِقت ببناء الكعبة.
الثّانية: حملة عبد الملك بن مروان، نفّذها الحجّاج الثقَفيّ عام 73 للهجرة لقمع حركة ابن الزبير إيّاه، وهي التي انتَهت بقتلِه ومَن معه. وفي خلال هذه الحملة قصف الحجّاج الكعبة بالمنجنيق، فاحترَق بناؤها ولحِق به خرابٌ كبير.
وروى الفيض الكاشاني رضوان الله عليه في (الوافي): «لَمّا هَدَمَ الحَجّاجُ الْكَعْبَةَ فَرَّقَ النَّاسُ تُرَابَهَا، فَلَمَّا صَارُوا إِلَى بِنَائِهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَبْنُوهَا خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ حَيَّةٌ فَمَنَعَتِ النَّاسَ الْبِنَاءَ حَتَّى هَرَبُوا، فَأَتَوُا الْحَجَّاجَ فَأَخْبَرُوه فَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مُنِعَ بِنَاءَهَا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ نَشَدَ النَّاسَ [فأشار عليه بعضهم باستشارة الإمام السجّاد عليه السلام، فاستَشارَه] فَقَالَ لَه عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: يَا حَجَّاج، عَمَدْتَ إِلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ فَأَلْقَيْتَه فِي الطَّرِيقِ وانْتَهَبْتَه كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّه تُرَاثٌ لَكَ، اصْعَدِ الْمِنْبَرَ وانْشُدِ النَّاسَ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْه شَيْئاً إِلَّا رَدَّه ".." فَرَدُّوه، فَلَمَّا رَأَى جَمْعَ التُّرَابِ أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمَا فَوَضَعَ الأَسَاسَ وأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا، فَتَغَيَّبَتْ عَنْهُمُ الْحَيَّةُ وحَفَرُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْقَوَاعِدِ. قَالَ لَهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام: تَنَحَّوْا، فَتَنَحَّوْا فَدَنَا مِنْهَا فَغَطَّاهَا بِثَوْبِه ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ غَطَّاهَا بِالتُّرَابِ بِيَدِ نَفْسِه، ثُمَّ دَعَا الْفَعَلَةَ فَقَال: ضَعُوا بِنَاءَكُمْ، فَوَضَعُوا الْبِنَاءَ..».
ولمّا أرادوا أن ينصبوا الحجرَ الأسود، عمدوا إلى علمائهم، وقُضاتهم، وزهّادهم، وكلّما نصبَه واحدٌ من هؤلاء تزلزَل الحَجرُ واضطرب ووقع، فجاء الإمام عليّ بن الحسين السجّاد عليه السلام وأخذه من أيديهم وسمَّى الله، ثمّ نصبَه فاستقرّ في مكانه وكبّرَ الناس، وذلك سنة 74 هجريّة. ولأجل ذلك قال الفرزدق قي قصيدته «هذا الذي تعرفُ البَطحاءُ وطأَتَه..»:

يَكادُ يُمسِكُه عرفانَ راحتِه رُكنُ الحطيمِ إذا ما جاء يَستلِمُ.

يُريد بذلك أن الحجر الأسود يعرف راحةَ الإمام، فيكاد يُصافحُه عندما يستلمُه عليه السلام.
- وفي فترة لاحقة، وتحديداً في سنة 317 هجريّة، تعرّضت الكعبة لحملة ثالثة -غير الأولَيين في زمن الأمويّين- من قِبل «القرامطة»، سرقوا خلالَها الحَجر الأسود وحملوه إلى منطقة «هجَر» بالجزيرة، وبقِي عندهم أكثر من عشرين عاماً. ولمّا رُدّ إليها سنة 339 نصبَه في موضعه الإمام المهديّ المنتظَر صلوات الله عليه، وخبرُ ذلك في كتاب (الخرائج والجرائح) للقطب الرّاوندي، بروايته عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.
وكان سبقَ هذه المحاولات كلِّها، هجومُ أبرهة الأَشرم بجيشه على مكّة قُبيل ولادة رسول الله صلّى الله عليه وآله، في محاولةٍ منه لهدمِ الكعبة، وتحويل الحجّ إليها إلى كنيسةٍ بناها في اليمن، وقصّةُ هلاكه وجيشه على مشارف مكّة بالطّير الأبابيل مشهورة، أخبر اللهُ تعالى عنها في سورة (الفيل).

أحداث مهمّة في الكعبة

وقعت على مرّ التاريخ -وستقع لاحقاً إنْ شاء الله تعالى- أحداث مهمّة على صلةٍ مباشرة بالكعبة المعظّمة، نشير إلى أهمّها:


1- دَحْوُ الأرض: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصَّادِقِ عليه السلام: «إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ دَحَا الأَرْضَ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ إِلَى مِنَى، ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ مِنَى إِلَى عَرَفَات، ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ عَرَفَات إِلَى مِنَى، فَالأَرْضُ مِنْ عَرَفَات، وعَرَفَات مِنْ مِنَى، ومِنَى مِنَ الْكَعْبَة».
والمقصود بدحو الأرض بسطُها ومدُّها، وكان الدَّحو في الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو يومٌ جليل، كما في الرّوايات.
2- ولادة أمير المؤمنين عليه السلام: خصَّ اللهُ تعالى أميرَ المؤمنين عليه السلام بفضيلةٍ لم تكن لأحدٍ قبله، ولا تكون لأحدٍ بعده؛ وهي أنّه صلوات الله عليه ولِد في جوف الكعبة، كان ذلك في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلَت من رجب، قبل البعثة النبويّة بعشرة أعوام.
3- ومن الأحداث المهمّة المرتقَب وقوعُها في البيت الحرام، ما أخبرت عنه روايات المعصومين عليهم السلام عن ظهور الإمام المهدي المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف فيه:
أ- عن حذيفة قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وذكر المهديّ فقال: «إنَّه يُبايَع بين الرُّكن والمقام، اسمه أحمد وعبدُالله والمهديّ، فهذه أسماؤه ثلاثتُها».
ب- عن الإمام الباقر عليه السلام: «يُباِيعُ القائمَ بين الرُّكن والمقام ثلاثمائة ونيِّف، عدّة أهل بدر، فيهم النّجباءُ من أهل مصر، والأبدالُ من أهل الشّام، والأخيارُ من أهل العراق..».
ج- وعنه عليه السلام: «كأنِّي بالقائم يومَ عاشوراء يومَ السّبت قائماً بين الرُّكن والمقام، بين يدَيه جبرئيلُ عليه السلام ينادي: البيعة لله..».
د- وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «..يظهرُ وحدَه، ويأتي البيتَ وحدَه، ويَلِجُ الكعبةَ وحدَه..».
وبالتّأمّل في عبارة «بين الرّكن والمقام» الواردة في هذه الرّوايات، يتضّح أنّ موضعَ أخذ البيعة هو المكان المعروف بالحَطيم، والله تعالى العالم.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعة

دوريات

  كتب أجنبيّة

كتب أجنبيّة

منذ 0 ساعة

كتب أجنبيّة

نفحات