«المراقبات - أعمالُ السَّنة»
منازِلُ الأوبة إلى الله تعالى
______ إعداد: سلام ياسين ______
الكتاب: المراقبات (أعمال السَّنة).
المؤلّف: آية الله الميرزا جواد آغا الـمَلَكي التبريزي (ت: 1343 هجريّة).
الناشر: «دار المثقّف المسلم»،
قمّ المقدّسة، 2003 م |
كتاب (المراقبات) لآية الله الميرزا جواد آغا الملَكي التبريزي -من أساتذة الإمام الخميني قدّس سرّه في الأخلاق- يُعَدُّ من أجلِّ المصنّفات في «آداب العِلاقة بالله تعالى»، وهو أعمُّ من أن يكون كتاباً للعبادات المسنونة مرتّبةً ترتيباً زمنيّاً أو موضوعيّاً وحسب، بل هو أشبُه بدليلٍ عمليٍّ للعازمين على الهجرة إلى الحقّ، يأخذ بأيدِيهم في طريق الهدى الذي قلَّ سالكوه، ويبسُط أمامَهم موائد الزّاد بعد أنْ وَعوا بأُذُن القلب النّداءَ فيهم بالرّحيل.
وأهمُّ ما في هذا السِّفر الجليل، التّوجيهاتُ الواردةُ فيه، كأنّما هو يغترفُها من عينِ المَعين الذي غرَف منه سيّدُ العلماء المراقبين ابنُ طاوس، فهي تتضمّن أدقَّ المسائل الأخلاقيّة والعرفانيّة الصّادرة عن فقيهٍ وعَلَم أخلاقي، تتَلمذ في استكمال فضائل النّفْس على أستاذِ الأخلاق الأكبر، المولى حسين قلي الهمداني رضوان الله عليهم أجمعين.
ولجلالةِ المؤلِّف والمؤلَّف، خصَّ العلّامة السيّد محمد حسين الطّباطبائي رحمه الله بعضَ طبعات (المراقبات) بتقريظٍ جاء فيه: لا وظيفة للإنسان في أدونِ حياتَيه -إنْ كان إنساناً- إلّا التجهُّز للأخرى، وسلوك سبيلِ القربى، وعليه أن يتوسّل إلى الله تعالى بالمراقبة في مختلف اللَّيالي والأيّام، والشهور والأعوام، يتعرّضُ لنَفَحات أُنسِه، ونسائمِ قُدسِه، كما قال صلّى الله عليه وآله: إنّ لِربِّكم في أيّامِ دهرِكم نَفَحات، ألا فَتَعرّضوا لها، ولا تُعرِضوا عنها.
فهَذه لَعمري هي سيرةُ السّابقين المقرّبين. وما بين أيديكم من الكتاب من أحسن ما عُمِل في هذا الشأن، ففيه لطائفُ ما يراقبُه أهلُ ولاية الله، ورقائقُ ما يهجسُ في قلوب الوَالهين في محبّةِ الله، وجُمَلُ ما يلوح للرّائضين في عبادة الله، نوّر الله مرقدَ مؤلِّفه العظيم، وأفاضَ عليه من سحائبِ رحمتِه ومغفرتِه، وألحقَه بنبيِّه وآلِه الطّاهرين.
المقدّمة
يستهلّ الميرزا التبريزي مقدّمة كتابِه بمخاطبةِ نفسِه، فيقول [مختَصر قوله بتصرّف بسيط]:
إعلَمْ أيُّها العبدُ البطّال أنّ أيّام حياتِك إلى أن تموت، بمنزلةِ منازلِ سفرِك إلى وطنِك الأصليّ الذي خُلِقتَ للخلودِ فيه، وإنّما أخرجَك ربُّك إلى هذا السَّفر لتحصيلِ فوائد كثيرة، لا تُحيط بها عقولُ العقلاء، ولا أوهامُ الحكماء، مِن بهاءٍ ونور، وسرورٍ وحبور، بل وسلطةٍ وجلال، وبهجةٍ وجمال. فإنْ عَمِلتَ برضاه، واتّبعتَ هُداه، وراقبتَ وصاياه، حصل لك مِن منافع هذا السَّفر أرباحٌ عظيمة، وفضائلُ جسيمة، لا يَقْدر على إحصاء أنواعِها -فضلاً عن تَعدادِ أفرادها- جميعُ الحاسبين، ولا يقدرّ قَدْرَ عظَمتها أحدٌ من العالمين. فإنْ شئتَ تقريبَ هذا المعنى إلى فهمِك، مِن طريق المنقول:
1- ففي كتاب الله جلّ جلالُه: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾السجدة:17، وقولُه تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾إبراهيم:34.
2- وفي حديث المعراج القُدْسيّ: «أنظرُ إليهم في كلِّ يومٍ سبعين نظرة، وأكلّمُهم كلَّما نظرتُ إليهم، وأزِيد في مُلكهم سبعينَ ضِعفاً».
وأمّا من طريق المعقول، فيكفيك التأمّلُ في النِّعم الدنيويّة الجسمانيّة، وقياسِها بالنِّعم الأُخرويّة.
فتأمّلْ هذا التَّواني لأمر الآخرة، هل هو إلَّا ضَعفُ الإيمان بها! فاحذَرْ أن ينصرم هذا الإيمانُ الضّعيفُ عند شدائد الأهوال، لا سيّما عند سَكَرات الموت، ويُختم لك بسُوء العاقبة، واستعِدَّ للعقوبةِ إنّ كان هَمُّ الدّنيا عندّك أكبرَ مِن همِّ الآخرة، فإنّه: «مَن أصبح وأكبرُ همِّه الدّنيا فليس مِن الله في شيء، وألزمَ اللهُ قلبَه أربعَ خصال: هَمّاً لا ينقطعُ عنه أبداً، وشغلاً لا يفرغُ منه أبداً، وفَقراً لا يَنالُ غِناه أبداً، وأملاً لا يبلغ منتهاه أبداً»، ثمّ لا تغفَلْ عمّا في قولِه صلّى الله عليه وآله: «فليسَ مِن الله في شيء»؛ فإنّه عقوبةٌ عظيمةٌ ما أعظمَها!
ولعلّك تأخذ موعظَتَك من هذه الفكرة، وتتأهّب لسفرك بالتّوبة الصّادقة، وتمحو بالحَسنة السيِّئةَ، فإنّ الرّبَّ ودودٌ غفور، يقبلُ التّوبة عن عباده، ويشكرُ له القليلَ من حسناتِه بالكثيرِ من مَثوباته، ويمحو الخطيئات، ويُبدِّل السيّئاتِ بأضعافِها من الحَسنات.
فعليك بالبَدار والمسارعة إلى مغفرةٍ من ربّك، وعلاجِ ما عَمِلتَه في أمْسِك، وتَجَهّزْ لتعمير رَمسِك [أي قبرك]؛ فإنّك إنْ صدقتَ في التّوبة، واجتهدتَ في التَّدارك والأَوْبة، لَوجدتَ الباب مفتوحاً، والرّبَّ مُقْبِلاً يمحو الخَطيئات.
فصولُ الكتاب
يتوزّع الكتاب على اثنَي عشر فصلاً رئيسيّاً، يختصّ كلٌّ منها بشهرٍ من الأشهر الهجريّة، يفتح الميرزا التبريزيّ آفاقها المعنويّة والعباديّة، بالتّنبيهات الرّوحيّة والأخلاقيّة، إلى بيان مناسبات الأشهُر وأهميّتها وفضائلها، إضافةً إلى العبادات الخاصّة الواردة فيها، كلُّ ذلك في بياناتٍ عرفانيّةٍ أحياناً وعقائديّة أحياناً أُخَرَ، فضلاً عن البيانات التّاريخيّة والنُّسُكيّة وتلك المتّصلة بسِيَر المعصومين عليهم السلام.
مثال ذلك ما كتبَه في سياقِ حديثِه على استحبابِ إفطار الصّائمين في شهر رمضان: «..همّةُ الأولياءِ على إخلاصِ الأعمال لا تكثيرِها، اعتباراً من عملِ آدم وإبليس، وقد رُدَّت من الخبيثِ عبادةُ آلاف السِّنين، وقَبِلَ اللهُ من آدم توبةً واحدةً مع الإخلاص، وصارت سبباً لاجتبائه واصطفائِه».
* ويقول في وداع شهر رمضان [مختَصَر قوله]: «ومن المهمّات أن يودِّع شهرَ رمضان، وإنْ أشكلَ عليك وداعُ الزّمان الّذي ليس من قبيل الحيوان [الكائن الحيّ] الشّاعر للصُّحبة والتّوديع، فانظُر إلى جواب السيّد قدّس الله سرَّه في (الإقبال)، وإنْ لم تقنَع به فاعلم أنّ الزّمان والمكانَ وإنْ كانوا في عالمِهم هذا وبِصوَرِهم هذه غيرَ شاعرين، إلا أنّ كلَّها في بعضِ العوالمِ العاليةِ لها حياةٌ وبَيان، وحبٌّ وبُغض، كما يكشف عن ذلك الأخبار الكثيرةُ الواردةُ في أحوال عوالم البرزخ والقيامة..».
* وأمّا عناوين فصول الكتاب، وأهمّ محتوياتها فجاءت كالآتي:
1- مراقبات شهر محرّم: تذكُّر مصائب الإمام الحسين عليه السلام، وتعظيم شعائر الله تعالى، وسائر أعمال العَشْر الأُوَل منه.
2- مراقبات شهر صفر الخير: زيارة الأربعين، وعظَمتُها وأهميّتها.
3- مراقبات شهر ربيع الأوّل: ولادة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.
4- مراقبات شهر ربيع الآخِر: ولادة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام.
5- مراقبات شهر جمادى الأولى: ولادة الإمام السجّاد عليه السلام. (على رواية)
6- مراقبات شهر جمادى الآخرة: شهادة سيّدة النّساء فاطمة الزّهراء عليها السلام، ووصيّتُها قبل شهادتِها، وبيانُ شيءٍ من فضائلها سلام الله عليها.
7- مراقبات شهر رجب: ليلة الرّغائب، صلاة سلمان، ولادة أمير المؤمنين عليه السلام، يوم المبعث النبويّ، ونِعمة البعثة.
8- مراقبات شهر شعبان: فضلُه وفضلُ صومِه، المناجاة الشعبانيّة، ليلة النّصف منه، ولادة الإمام الحجّة المهديّ، والتوسُّل به عليه السلام.
9- مراقبات شهر رمضان المبارك: وهو شهر حافلٌ بالمناسبات والعبادات، ولعلّ أشخص مواضِيعه: فوائدُ الجوع، أقسامُ الصائمين، خُطَبُ رسول الله صلّى الله عليه وآله في شأنِه، لُطف مضامين الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فيه، آثار القرآن على القلب، أقسام الدَّاعين، الإهتمام بإدراك ليلة القدر، آداب إفطار الصّائمين، حِفْظُ القلب عن الإشتغال بغير الله تعالى، توديع شهر رمضان، وإظهار النّدم عن التّقصير في أداء حقِّ الشّهر.
10- مراقبات شهر شوّال: مراقبة ليلة الفطر، المناجاة مع إمام العصر وإظهار الإشتياق لزيارتِه صلوات الله عليه،...
11- مراقبات شهر ذي القعدة: حُرمة الأشهَر الحُرم، يوم دَحْو الأرض وشرفُه، أسرار مناسك الحجّ، تحصيل حضور القلب عند زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وزيارة أئمّة البقيع عليهم السلام.
12- مراقبات شهر ذي الحجّة: فضيلة العَشْر الأُوَل منه، ليلة عرفة ويومُها، زيارة سيّد الشّهداء عليه السلام، آداب الخروج إلى صلاة العيد، يوم الغدير وشرفُه وخطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله فيه وما رُوي عن الإمام الرّضا عليه السلام في شأنِه، معنى الولاية وحقيقتُها، تصريحُ صحائفِ الأنبياء عليهم السلام بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، في حرمةِ يوم المباهلة ومحلِّه من الإسلام،..
وجاءت خاتمة الكتاب تحت عنوان: «خاتمة المطاف»، وتضمّنت الحديثَ على الإهتمام بتحصيل الإخلاص، والتوجّه إلى معاني العبادة وباطنِها، والمناجاة مع الله تعالى.
* مقتبَس عن الموقع الإلكتروني: www.imamreza.net