فلنكن أيها الأعزّاء بمستوى المرحلة، ولنعمِّقْ صلتنا بالله تعالى من خلال المحافظة على استمرار خط المراقبة للنفس والمحاسبة والحرص على الصلاة الحقيقية وتعزيز الخشوع والقرب والتواضع والعبودية، متفائلين بالمستقبل، واثقين بوعد الله تعالى ونصره المؤزر. مهما ادلهمّ الأفق وغطت سحب التخاذل الأجواء، فلنردد مع سيدتنا زينب عليها السلام: " ما رأيت إلا جميلا"ً. * ولينصرنّ الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز* الحج 40
نعيش في هذه الأيام في أجواء النصر الإلهي المؤزر ببركة دماء الشهداء، وإخلاص المجاهدين الأبرار، ففي حين كان يتصور العدو أن اجتياحه الجوي، على مدى سبعة أيام سيضعف المقاومة وينال منها، ويفرّق الناس عنها، ويفسح المجال للمتعاطفين معه في النظام لفرض القيود على حركتها، فإذا بالنتيجة مباينة تماماً لآمال العدو وتطلعاته.
إننا أيها الأعزّاء أمام واجب تحصين هذا النصر الإلهي، كلٌّ من موقعه، ويبقى واجب المجاهدين أساسياً وطليعياً لأنهم المعنيون بالنصر، والطليعيون في استحقاقه، ورأس مال الأمة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها.
والواجب الأول في هذا المجال واجب شكر النعمة، وهو يعني الإدراك الحقيقي وبعمق، أن ما بنا من نعمة فهو منه عز وجل، لا يرجع إلى أنفسنا، فإذا كنا قد أحسنا الأداء فذلك بتوفيقه تقدسّت أسماؤه، ولا يرجع إلى ظروف سياسية إقليمية أو محلية، فإن تهيئة هذه الظروف من مسبب الأسباب الذي دفع عن عباده، ودافع عنهم.
و ليس الشكر كلمة تقال، وإنما هي حالة تُعاش، فتتجسد خضوعاً وإخباتاً وخشوعاً، منطلقها الوعي لفقرنا وغناه، وضعفنا وقوته، وثمرتها عمق التوحيد.
في الروايات أن على العبد أن يحدث لله شكراً كلما أحدث الله له نعمة.
وبمقدار ما يتعاظم النصر، يتعاظم واجب المقاوم في الحرص على شكر المنعم.
***
أيها الأعزّاء، ثمة واجب آخر يرتبط جذرياً بشكر النعمة ويتداخل معها وهو واجب مستقل أيضاً خصوصاً في أجواء المديح للمقاومة، هو واجب التواضع وعدم الغرور.
ويا لروعة تواضع المنتصر، فبدلاً من أن يستفزّه الشيطان، وتستخفّه نشوة النصر. فإذا به يشق بنافذ بصره الحجب، ليخرّ ساجداً للواحد الأحد، معرضاً عن كل مظاهر الكثرة التي تريده أن يُخدع بها، ويسجد لها.
كما ينبغي أن لا تؤثر في المجاهد أجواء الذم والتنديد، كذلك ينبغي أن لا تخرجه عن طوره أجواء الإطراء والمديح.
لقد قيل عن عملية " شيحين" الكثير، ونأمل أن يظل الجميع عند ما قالوا، إلا أن الأهم من عملية شيحين وكل العمليات المماثلة، الإخلاص الذي حملته قلوب المجاهدين، وهو جوهرة فريدة لا يعدل جزءً يسيراً منها كل مديح الدنيا وإطرائها.
المطلوب من المجاهد دائماً أن يعمل من أجل الناس، ويواجه مدحهم، أو ذمهم، إلا أنه في كل ذلك لا يطلب الجزاء إلا من الله تعالى.
وعندما يكون الجزاء منه سبحانه، فإن ذلك يعني أن حركة القلب هي المحور، لا حركة الجسد، قد يمدح الناس شخصاً، وهو مذموم، لأن الناس ينظرون إلى الظواهر،والله تعالى ينظر إلى قلوبنا، والنوايا.
إن رحلة المجاهد أيها الأعزّاء في دروب الجهاد الأكبر شاقة كما ترون، من هنا كان لا بد من الحرص على تحصين المجاهد لإنجازاته، وبما أنها إنجازات كبيرة، فلا بد أن يكون التحصين شاقاً وكبيراً.
ومن يتأمل ساحات الحروب في زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام يرى أنها ساحات عبادة وصلاة وذكر، لأن الحمل ثقيل، لا ينهض به إلا من جعله الله تعالى ممن ينتصر به لدينه، فلتكن ساحات جهادكم أيها القادة ساحات ذكر، وتلاوة، ومدرسة نموذجية في حُسن الخُلق، والحنين إلى الشهادة، ولا تنسوا القاعدين منا، من دعائكم. ودمتم في حفظ الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.