وما قدر ما يتحمل هذا القلب المضغة، من جرّاء ضعفنا وشدة الخواطر، وخطورة المغريات. قلّما تجد قلباً لم يسْوَدّ من وقع السهام، وتشظّي قذائف الشيطان! هذا الإسوداد مرض، وتراكمه موت للقلب، فلا بد إذاً من شد حيازيم الهمة في جلاء ما أربَدَّ من هذا القلب، سيما وأننا تعوّدنا على بعض الكبائر كالغيبة مثلاً فإذا بها متنفسنا كالهواء!!
كان الحديث عن ثمرات الذكر وبين يدي مواصلة ذلك أود الإشارة إلى أن الذكر شفاء القلوب.
* ذكر الله تعالى مطلوب مقدمة للنصر:
*الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم* آل عمران 173-174
وقوله تعالى: "فاذكروني أذكركم" مطلق يشمل حتى ذكر الله تعالى لعباده بنصرهم على الأعداء.
* وذكر الله تعالى مطلوب، في ساحة المعركة:
*إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً *
* وذكر الله تعالى مطلوب أيضاً بعد النصر:
* الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة*
وها نحن في رحاب أجواءٍ يجب علينا أن نقوم فيها بواجب الشكر لله تعالى على ما أنعم.
ولئن كانت الخسائر في الأرواح تحمل على الحزن لفراق الأحبة، والخسائر في الممتلكات تبعث على الأسى لمعاناة أهلنا، فإن في ما حدث وجهاً آخر هو الوجه المشرق والأبقى، يتجسد في التكاتف والإلتفاف حول راية الجهاد في سبيل الله، والذود عن حياض العزة والشرف.
***
وأما في باب ثمرات الذكر فبالإضافة إلى ما تقدم من أن ذكر الله قوت الأرواح، ومفتاح الصلاح، وسبب لحسن الأفعال في السر والجهر، نجد أن الذكر جلاء للقلوب، وشفاء لها من كل داء.
فرادة هذه المضغة "القلب" أنها سر الأسرار، إذا صلحَت صلح الإنسان، وإذا فسدت فسد.
وما اهتمامات المرء ونوازعه، والمشاق التي يكابدها، والمخاطر التي يلقي بنفسه في أتونها، إلا خلجات اختلج بها القلب وخواطر خطرت له فانفتح عليها، وأحلّها منه محلاًّ مكيناً، فإذا بها ترقى من خاطرة وخلجة، إلى محرك لكل هذا الكيان، يتحكم بعلائقه الإجتماعية، ومصيره في الدنيا والآخرة.
وكما أن لكل ومضة نورها، ولكل برق لمعانه، فإن لكل خاطرة خيرٍ، نورها في القلب وبياضها الناصع.
وكما أن لكل نار كيُّها، وسواد الحريق، فلكل خاطرة سوءٍ، ظلامها، والدخان، ومرتبة من الغبش والإسوداد فالإردباد.
وإذا غلبت على القلب الخواطر السيئة، التي يفسح لها صاحب القلب المجال فيه، يسودّ القلب شيئاً فشيئاً حتى يصبح فحمة يختزن النار، ويصبح صاحبه ممسوخاً أسود، مربدًّاً، إلا أن سواده لا يرى بالعين المجردة عن النظر بنور الله تعالى.
وإذا غلبت على القلب الخواطر الصالحة التي يحلّها صاحبه فيه، ويتصرف على أساسها، صار القلب ذلك الكوكب الدرّي الذي يزهر لأهل السماء كما يزهر النجم الساطع لأهل الأرض.
ومقتضى ضعفنا والهلع، وشهواتنا، والشقوة، أن القلوب ميّالة فينا إلى الأسهل، وطريق النجاح صعب، فيما طريق السقوط سهل.
الخواطر نحو قلوبنا تترى كالسهام في حمى معركة يوم الهرير، أو كربلاء، وكالرصاص المنهمر كالمطر.
وما قدر ما يتحمل هذا القلب المضغة، من جرّاء ضعفنا وشدة الخواطر، وخطورة المغريات.
قلّما تجد قلباً لم يسْوَدّ من وقع السهام، وتشظّي قذائف الشيطان!
هذا الإسوداد مرض، وتراكمه موت للقلب، فلا بد إذاً من شد حيازيم الهمة في جلاء ما أربَدَّ من هذا القلب، سيما وأننا تعوّدنا على بعض الكبائر كالغيبة مثلاً فإذا بها متنفسنا كالهواء!!
ولو لم يكن للذكر أي سبب غير هذا لكفى.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
إن الله سبحانه جعل الذكر جلاءً للقلوب تسمع به بعد الوقرة وتبصر به بعد الغشوة وتنقاد به بعد المعاندة.[1]
القلب إذن كائن حي، تام الأركان، قائم البنيان، له سمعه، والبصر، وانقياده والتمرّد.
بالمعصية يعمى القلب ويضربه الصمم، فإذا به معاند لا يلبي داعيَ الطاعة. وبالذكر يرمَّم سمع القلب، ويُزال الغبش عن بصره، فإذا به منقاد بعد العناد، سلس الأوبة، يسرع إلى التوبة.
وككل دواء، تؤدي المواظبة عليه إلى الشفاء، فإن المواظبة على ذكر الله تعالى تبدأ جلاءً للقلب يتنامى باطراد، ويتكامل الجلاء، حتى يتحول إلى شفاء.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
* ذكر الله شفاء القلوب.
* عليكم بذكر الله فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء.[2]
أيها العزيز: قلها لعلي أقبل بسببك:
يا من اسمه دواء وذكره شفاء.
والحمد لله رب العالمين.