من مخطوط (سوق المعادن والحلَل)
للفقيه الشيخ عزّ الدين العاملي
ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ
هذه الوثيقة، هي إحدى صفحات مخطوط (سوق المعادن والحلَل) للعلّامة الفقيه الشيخ محمّد علي عز الدين العاملي (ت: 1883 م)، وفيها ذِكرُ الحرب التي وقعت بين الجيشين الألماني والفرنسي (سنة 1870 م = 1287 للهجرة)، وانتَهت بهزيمة الأخير واستسلام الملك الفرنسي نابليون الثالث.
وإلى هذه الوثيقة وما تضمّنته، نشرنا ما ذكره عن الحرب التي دارات بين قوات الاحتلال البريطاني، والجيش القاجاري الإيراني (سنة 1857 م = 1273 للهجرة)، في مدينتَي «بوشهر» و«هرات» (تقع اليوم في أفغانستان وكانت تُعدّ حينها جزءاً من إيران)، حيث أصرّ البريطانيّون على احتلالها باعتبارها طريقاً إجباريّاً إلى مستعمراتهم في الهند.
وقد عَنون العلّامة عزّ الدين فصول كتابه (وهو شبهُ الكشكول) بعناوين ملفتة؛ منها: «دكّان مشتملة على بعض حلل مصائب الزمان»، وفي هذا الفصل -ومنه الوثيقة المنشورة هنا- أرَّخ لحوادث معاصرة له في جبل عامل، وفي الدّول العربية والإسلامية، وفي العالم عموماً.
يُشار إلى أنّ الشيخ عز الدين من بلدة كفرا العامليّة، كان على درجة رفيعة من العلم والتّقوى والزّهد، هاجر إلى النجف الأشرف حيث نال درجة الاجتهاد، وبعد عودته إلى جبل عامل أسّس حوزة علمية في بلدة حناوية (قضاء صور)، حيث مدفنُه وعددٍ من أبنائها العلماء. أدركَه السيد محسن الأمين في مقتبَل شبابه وترجمَ له في (أعيان الشيعة)، مُثنياً عليه ثناءً بالغاً. [أنظر: العدد الأوّل من «شعائر»]
أمّا كتابه (سوق المعادن والحلَل) فقد طُبع سنة 2010 م، وصدر عن «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي».
***
قال في (سوق المعادن): «ثم السّنة الثّالثة وسبعون [1273 للهجرة] وبها ".." بدأت الحربُ بين الإنكليز والعجم بعد أنْ كان العجم قد استولوا في السّنة الماضية على هرات، وهي وإنْ لم تكن للإنكليز ولكن صيرورتها في يد العجم مضرٌّ على الإنكليز لأنّها كالحاجز. والآن قد جهّز الإنكليز جيشاً يقرب من عشرين ألفاً وحطُّوا على بندر بوشهر، ثمّ استولوا على البلد وأخذوها عنوةً بعد وقوع حربٍ عظيمة، ونُهِبت البلد وسُبيت، وكان محاربةُ العجم فيها قليلون، واللهُ المسؤول نصرةَ الإسلام. ".."
ثمّ دخلت سنة الأربع وسبعين: وبها وقعت بين العجم والإنكليز الهدنة بعد أن استرجعَ العجمُ البندر، وقتلوا مَن فيها من مقاتلة الإنكليز. ".."
وفي سنة سبع وثمانين -في أواخر آب الرّومي- طلبت الدّولة عسكرَ الرّديف للتّعليم فأخذت مَن كان أُعطِي تذكرة من سنة ثمانين وسنة إحدى وثمانين.
وفي هذه الأيام كانت نار الحرب مضطرمة بين دولة بروسيا ودولة فرنسا، والأخبار ترِد في التلغراف بالعجائب من شدّة الحرب وكثرة المقتولين على وجه المبالغة. نسأله تعالى أن يسلّم المسلمين من الأذى والدّخول في هكذا حروب. ولم تزل الحرب إلى أن أسرَ البروسيانيّون نابليون ملك فرنسا في قلعة سيدان، وأسروا معه مائة ألف؛ فاستولوا عليهم بأمتعتهم وأسلحتهم وخَيلهم وذخائرهم بعد أنْ كان جرى لهم جملة حروب على نهر الرّين وغيره. هلك خلقٌ لا يُحصى، وأوغلوا في بلاد فرنسا يفتحون البلاد حتّى وصلوا إلى باريس قاعدة مملكة فرنسا، فلم يزالوا حتّى فتحوها في أوائل شباط من تلك السّنة..».