«أيّام معلومات»
الكنز الإلهيّ لصياغة القلب والحياة
ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ
الكتاب: أيّام معلومات.. العشر الأوائل من ذي الحجّة
المؤلّف: الشّيخ حسين كوراني
النّاشر: «دار الهادي»، بيروت 1428 للهجرة - 2007 م. |
الكتاب من القطع الصغير، جمع مؤلّفُه الشيخ حسين كوراني بين دفّتيه خمس عشرة حلقة إذاعيّة، جرى تقديمها في «إذاعة النّور- صوت المقاومة الإسلاميّة» في بيروت، من الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة وحتّى العاشر من شهر ذي الحجّة لعام 1425 هجريّة.
وكان محور الحلقات العشر الأوائل من ذي الحجّة -كما جاء في مقدّمة الكتاب- لأنّها قلبُ موسم الحجّ، كما أنّها الكنز الإلهيّ الفريد لصياغة القلب والحياة في دروب العولمة الحقّ، لا هذه المدّعاة.
وقد استدعى الاستعداد لها التّنبّه لفضيلتها والخصائص قبل هلال ذي الحجّة، فتكفّلت الخمس الأولى بذلك.
وتستحقّ العشر الأوائل أن يهتمّ بها من لا يوفّق للحجّ، كما يهتمّ بها الحجّاج إجمالاً، غير أنّ الاهتمام بهذه العشر وغيرها من مواسم العبادة فرع الاهتمام بهذا اللّون من ثقافة القانون الإلهيّ وأدب الإسلام، وهنا بيت القصيد.
وقد بحث فضيلة الشّيخ عن سرّ أفضلية هذه الأيّام المتميّزة وفرادتها الطّليعيّة، فرأى أنّها أيّام الأمانة التي أشفقت من حملها السّماوات والأرض والرّاسيات. وأنّها أيّام الميثاق الذي يتعاهدُه بالرّعاية مَن أسلم وجهه لله وهو محسن؛ وأيّام طواف العقول والقلوب حول التّوحيد -الكعبة الحقيقيّة- التي يشبُهها طواف البيت المعمور، ويظهرها الطّواف بالبيت العتيق، ويقع في مداها الطّواف الواحد في جوهره من أصغر خليّة إلى أعظم مجرّات الأفلاك.
كما عالج المؤلّف نقاطاً عامّة قبل وقوفه على الأيّام العشر الأوائل، وهي بحسب ترتيبها في الكتاب:
1- مساحة الزّمن وساحة القلب: أورادٌ على مدار السّنة:
تحت هذا العنوان، يؤكّد المؤلّف على أهميّة المواسم العباديّة، ويرى أنّ الإسلام عزّز الثّقافة الإسلاميّة في العقل والقلب على دورة الزّمن، فإذا مفاتيح الثّقافة موزّعة على الأيّام واللّيالي والسّاعات، لتشكّل المستحبّات همزة الوصل مع الانتماء الثّقافي الذي يحتلّ المرتبة الأولى، وفي سياقه يقع الانتماء السياسيّ وغيره.
2- الموقف من المستحبّات:
يتساءل الشيخ كوراني عن موقفنا من المستحبّات، فهل نحرص عليها أم نواجهها بالتّملّص منها كونها لسيت واجبة؟ ثمّ يستعرض بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة التي تؤكّد على ذكر الله تعالى في كلّ حال، مظهراً الترابط العميق بين الذّكر وكلٍّ من العقل والبصيرة، ووعي الوجود والخروج من قمقم المادة، والهجرة الحقيقيّة والجهاد، وما عند الله للأبرار.
3- ذكر الله تعالى:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله هو سيّد الذاكرين، وعلى هذا يمكن تقسيم ما ورد في كتاب الله حول الذِّكر إلى قسمين: خطاب للمصطفى الحبيب، وخطاب للمقتدين به صلّى الله عليه وآله، ويقابلهم الغافلون. ويعالج الكتاب هذين المحورين، منتهياً بالمقارنة بين الذّكر القلبيّ والذّكر اللسانيّ.
4- شهر ذي القعدة:
تركّز الحديث حول أهميّة ذي القعدة وأهمّ الأعمال فيه.
5- ذو الحجّة والعشر الأوائل:
يتوقّف فضيلة الشّيخ عند محطّات العشر الأوائل، محطّةً محطّة حتّى يصل إلى الخاتمة:
الأوّل من ذي الحجّة: هو يوم حافل بالمستحبّات والمناسبات، فيُستحبّ صومه لمن لا يقدر صوم الأيّام التسعة الأولى كلّها، ويستحبّ فيه صلاة الصدّيقة الكبرى فاطمة عليها السلام، والدعاء الخاصّ من بعدها. كما يستحبّ فيه صلاة ركعتين، في كلّ ركعة الحمد (مرّة) ، والتوحيد (مرّة)، وآية الكرسي (عشراً) والقدر (عشراً) وبعض الأدعية المذكورة في مظانّها.
[الثاني منه]: مناسبات وأعمال: لم ترِد له أعمال خاصّة به، إلّا أنّه يشترك مع الأيّام العشر الأوائل من ذي الحجّة في عظيم الفضل الذي لا يكاد يبارى. ثمّ يذكر المؤلّف بعض الأعمال المستحبّة.
[الثالث منه]: سياحة علميّة، وتلقين ثقافيّ هادف: يرى فضيلة الشّيخ أنّ الثّقافة الإسلاميّة لا يمكن أن تتحقّق بالصورة الفضلى بمجرّد معرفة الفرد بها، بل لا بدّ من عملية التّذكير المستمرّة، الهادفة إلى امتزاج العارف بمعرفته، ليتحوّل هو إلى معرفة. فالمسلم الذي يتواصل مع هذه المستحبّات لا يمكن إلّا أن يكون بصيراً بما تغتذي به روحُه، مجدِّداً العهد بأُسس ثقافته القرآنيّة، متواصلاً مع كلّ ما انطوى عليه القلب في خطّ العقل، متّجهاً إلى حيث يتحوّل المعلوم عنده إلى عمل، فالعمل هو الهدف من الثّقافة الإسلاميّة.
[الرابع منه]: حجّة الوداع: هذا اليوم من أيّام الله العظيمة، التي تعدّ المفاصل الرّئيسة لحركة التّوحيد على وجه الأرض. وفي تلك الحجّة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله كلاماً أشبه بوثيقة سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة على مسمع الحَجيج، ونصّ فيها على مولانا عليٍّ صلوات الله عليه، وبخلافته من بعده. [ورد في عدد من المصادرالرئيسة أنّ الرابع من ذي الحجّة هو اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى مكّة في حجّة الوداع]
[الخامس منه]: إن كفلتَ يتيماً فأنتَ والرّسول في الجنّة كهاتين، فما مقام كافل الرّسول صلّى الله عليه وآله؟: فيه وقعت غزوة سويق في السّنة الثّانية للهجرة، فيعقد الشّيخ مقارنة بين الذين حاربوا النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وبين الذين أحبّوه وناصروه وعلى رأسهم أبو طالب عليه السلام، فيذكر مواقفه وإيمانه، ثمّ يذكّر بالأعمال المشتركة للعشر الأوائل من ذي الحجّة.
[السّادس منه]: البيت وأهل البيت عليهم السلام: يوم تزويج الزّهراء لأمير المؤمنين عليهما السلام، يبيّن فضيلة الشّيخ سلامة المعتقَد وولاية أهل البيت عليهم السلام، فمَن يمت في حبّهم يمضِ شهيداً، «فهل الدّين إلا الحبّ؟!».
[السّابع منه]: الإمام الباقر عليه السلام: تصادف ذكرى استشهاده في هذا اليوم، فيتحّدث المؤلّف عن فضائل الإمام صلوات الله عليه.
[الثّامن منه]: يوم التّروية: حيث يتوجّه الحجيج إلى عرفة، ويشرح الشيخ معنى التّروية، ويذكر أعمال ليلة عرَفة الجليلة، ويتوقّف عند ذكر خروج الإمام الحسين عليه السلام في هذا اليوم من مكّة، واستشهاد مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة.
[التّاسع منه]: الحجّ عرَفة: فالحجّ يتلخّص في الوقت الذي يقف فيه الحجّاج بعرَفة، من ظهر يوم التّاسع إلى الغروب، فيذكر فضيلة الشّيخ أعمال يوم عرفة والمستحبّات، مبيّناً فضل هذا اليوم العظيم، واستجابة الدّعاء فيه. وفيه يستعرض كلُّ فرد شريط حياته، مركّزاً على العقيدة أوّلاً، والأخلاق ثانياً، والسلوك ثالثاً. مع التّأكيد على العلاقة بالناس وحمل همومهم.
[ليلة العاشر منه]: فإذا أفضتُم من عرفات: يعرّج المؤلّف إلى المشعر الحرام، شارحاً أسماءه: «جَمْع»، و«المشعر الحرام»، و«مزدلفة»، في محاولة معرفة دلالات التّسميات الثّلاث، وذاكراً المستحبّات في الموقف بالمشعر الحرام.
كعصف مأكول: بعد التّأكيد على أهميّة يوم عرفة، والانتهاء من مناسكه، واجتياز المشعر الحرام، حيث يمرّ الحجيج بوادي محسِّر الواقع بين منى ومزدلفة، والذي تعود تسميته إلى فيل «أبرهة» الذي كلَّ فيه وأعيا، فحسر أصحابَه بفعله وأوقعهم في الحسرات، الأمر الذي يذكّر الحاجّ بكل فرعون وطاغٍ في عصره، يتحدّث المؤلّف عن رمي الجمرات وفلسفتها.
الخاتمة: قياماً بانتظار القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف
وفيها أنّ الحج دورة إبراهيميّة مهدويّة في السّياق الإلهيّ الذي شاءه تعالى فيضاً إلهيّاً. والمدخل الحصريّ لسلامة الحجّ وكلّ قصد: اتّباعُ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، والقيامُ لله، طوافاً حول الكعبة التي جعلها الله تعالى مثابةً للنّاس وأمناً، لِيُحرموا مخبِتين، وقياماً لهم ليحلّوا قائمين بانتظار القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف. والانتظارُ عملٌ دائب، وجهدٌ لا ينضب من معينه منهل..