فواللهِ لَئِن قتلونا، فإنّا نرِدُ على نبيِّنا
قبسات من أيّام شهر محرّم الحرام
هذه نصوص مختارة من عدّة مصادر، يرتبط كلٌّ منها بإحدى مناسبات شهر محرّم الحرام، تقدّمها «شعائر» كمَدخلٍ إلى حُسن التّفاعل مع أيّامه، لا سيّما الأيّام المُرتبطة بالمعصومين عليهم السّلام، التزاماً بقوله تعالى: ﴿..وَذَكِّرهُم بِأَيَّامِ اللهِ..﴾ إبراهيم:5.
الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء
2 محرّم / 61 هجريّة
«في هذا اليوم بعث الحسين عليه السّلام قيسَ بن مسهّر الصّيداويّ برسالةٍ إلى أعيان الكوفة، فوقع بِيَد الشّرطة فأخذوه، وبعد نيله من يزيد وابن زياد في خطبته نال الشّهادة، ولمّا بلغ الحسين قتلُ قيس استعبرَ باكياً، ثمّ قال: أللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا عندك منزلاً واجمع بيننا وبينهم في مُستقرِّ رحمتك، إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ».
(تقويم الشّيعة، النّيشابوريّ)
«فلمّا أصبح [الحسين عليه السّلام] نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الرُّكوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه، فجعل إذا رَدَّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتَنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذاك حتّى انتهوا إلى نَينوى، فإذا راكبٌ على نجيبٍ له عليه السّلاح متنكّبٌ قوساً مقبلٌ من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين وأصحابه، ودفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد، فإذا فيه: أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدِم عليك رسولي، ولا تُنزله إلّا بالعراء في غير حصْنٍ وعلى غير ماء، فقد أمرتُ رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيَني بإنفاذك أمري، والسّلام».
(الشيخ المفيد، الإرشاد)
اليوم السابع: منعُ الماء
7 محرّم / 61 هجريّة
* عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ الحسين عليه السلام صاحب كربلاء قُتِل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفاناً، فآلى اللهُ عزّ وجلّ على نفسه أن لا يأتيه لهفانٌ، ولا مكروبٌ، ولا مذنبٌ، ولا مغمومٌ، ولا عطشان، ولا مَن به عاهة، ثمّ دعا عنده، وتقرّب بالحسين بن عليّ عليهما السلام إلى الله عزّ وجلّ، إلّا نفَّسَ اللهُ كُربتَه، وأعطاه مسألتَه، وغفر ذنبَه، ومدَّ في عمره، وبسطَ في رزقه، فاعتبروا يا أولي الأبصار».
(الطبرسي، مستدرك الوسائل)
يوم حوصر الحسين عليه السلام
9 محرّم / 61 هجريّة
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «تاسوعاء يوم حُوصِر فيه الحسين عليه السلام وأصحابُه بكربَلاء، واجتمع عليه خيلُ أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابنُ مرجانة وعمرُ بن سعد بتوافر الخيل وكثرتِها، واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابَه وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسينَ عليه السلام ناصرٌ ولا يمدُّه أهل العراق، بأبي المستضعَفُ الغريب».
(الشيخ البهائي، مشرق الشمسين)
شهادة الإمام الحسين عليه السّلام
10 محرّم / 61 هجريّة
«عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: قالَ الحسَينُ بنُ علِيٍّ، عليهِما السّلام، لِأصحابِهِ قبل أَنْ يُقْتَلَ: إِنَّ رَسولَ اللهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قالَ: يا بُنَيَّ إِنَّكَ سَتُساقُ إِلى العِراقِ، وَهِيَ أَرْضٌ قَدِ الْتَقى بِها النَّبِيّونَ وَأَوْصِياءُ النَّبِيّينَ؛ وَهِيَ أَرْضٌ تُدْعى عَمورا، وَإِنَّكَ تُسْتَشْهَدُ بِها وَيُسْتَشْهَدُ مَعَكَ جَماعَةٌ مِنْ أَصْحابِكَ لا يَجِدونَ أَلَمَ مَسِّ الحَديدِ؛ وَتَلا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ الأنبياء:69، تَكونُ الحَرْبُ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ بَرْداً وسَلاماً. فَأَبْشِروا: فَواللهِ لَئِنْ قَتَلونا، فَإِنّا نَرِدُ عَلى نَبِيِّنا».
(الراوندي، الخرائج والجرائح)
* «قال الحسين عليه السلام في ساحة القتال في العاشر من المحرّم: «َعَلى قَتْلي تَحاثّون! أَما وَاللهِ، لا تَقْتُلونَ بَعْدي عَبْداً مِنْ عِباد اللهِ، اللهُ أَسْخَط عَلَيْكُمْ لِقَتْلِهِ مِنّي. وَأَيْمُ الله، إِنّي لِأَرْجو أَنْ يُكْرِمُني الله بِهَوانِكُمْ، ثُمَّ يَنْتَقِمَ لي مِنْكُمْ من حَيْثُ لا تَشْعُرونَ. أَما وَاللهِ، أَنْ لَوْ قَدْ قَتَلْتُموني لَقَدْ أَلْقى اللهُ بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ، وَسَفَكَ دِماءَكُمْ، ثُمَّ لا يَرْضى لَكُمْ حَتَّى يُضاعِفَ لَكُمْ العَذابَ الأَليمَ. وَلَقَدْ مكث طويلًا من النّهار، ولو شاء النّاس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كَانَ يتّقي بعضهم ببعض، ويحبّ هَؤُلاءِ أن يكفيهم هَؤُلاءِ».
(تاريخ الطبريّ)
سَبيُ العترة الطّاهرة
11 محرّم/ 61 هجريّة
«قال سهل الشَّهرزوري: أقبلتُ في تلك السنة [61 هجريّة] من الحجّ فدخلتُ الكوفة، فرأيتُ الأسواق معطّلة، والدّكاكين مقفلة، والنّاس بين باكٍ وضاحك، فدنوْتُ إلى شيخٍ منهم فقلت: ما لي أرى النّاس بين باكٍ وضاحك، ألكم عيدٌ لستُ أعرفه؟ فأخذ بيدي وعدَل عن النّاس ثمّ بكى بكاءً عالياً، وقال: سيِّدي ما لنا عيد، ولكنْ بكاؤهم واللهِ من أجل عسكرَيْن، أحدُهما ظافر والآخر مقتول، فقلت: ومَن هذان العسكران؟ فقال: عسكرُ الحسين مقتول، وعسكر ابنِ زياد الملعون ظافر.
ثمّ قال سهل: فما استتمّ كلامه حتى سمعتُ البوقات تضرب والرّايات تخفق، وإذا بالعسكر قد دخل الكوفة، وسمعت صيحةً عظيمة، وإذا برأس الحسين يلوح والنّور يَسطع منه، فخنقتني العبرة لمّا رأيتُه، ثمّ أقبلت السّبايا يتقدّمهم عليُّ بن الحسين، ثمّ أقبلت بعدُ أمّ كلثوم تنادي: يا أهل الكوفة غضُّوا أبصاركم عنّا، أمَا تستحيون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حُرَمِ رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ فوقفوا بباب بني خزيمة، والرّأس على قناةٍ طويلة وهو يقرأ سورة الكهف، إلى أن بلغ: ﴿أم حسبت أنَّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجباً﴾ الكهف:9.
قال سهل: فبكيتُ وقلتُ: يا ابنَ رسول الله، رأسُك واللهِ أعجب، ثمّ وقعتُ مغشيّاً عليّ».
(البحراني، مدينة المعاجز)
دفنُ الشّهداء
13 محرّم/ 61 هجريّة
«ولمّا أقبل السّجّاد عليه السّلام وجَد بني أسد مجتمعين عند القتلى، متحيِّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يَهتدوا إلى معرفتِهم، وقد فرَّق القومُ بين رؤوسهم وأبدانهم، وربّما يسألون مَن أهلُهم وعشيرتهم؟ فأخبرهم عليه السّلام عمّا جاء إليه من مُواراة هذه الجسوم الطّاهرة، وأوقَفَهُم على أسمائهم، كما عرَّفهم بالهاشميِّين من الأصحاب، فارتفع البكاءُ والعويلُ، وسالتِ الدُّموع منهم كلَّ مسيل.. ثمَّ مشى الإمام زين العابدين عليه السّلام إلى جسد أبيه، واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر، ورفع قليلاً من التّراب، فبان قبرٌ محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره، وقال: (بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله، صدق اللهُ ورسولُه، ما شاء اللهُ، لا حولَ ولا قوَّة إلَّا بالله العظيم). وأنزله وحده ولم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: (إنّ معي مَن يعينُني). ولمَّا أقرَّه في لَحْدِه، وضع خدَّه على منحره الشَّريف قائلاً: (طوبى لِأرضٍ تضمَّنتْ جسدك الطّاهر، فإنّ الدُّنيا بعدك مُظلمة، والآخرةَ بنورِك مشرقة)».
(مقتل الحسين للمقرّم نقلاً عن المجالس العاشورائيّة للشّيخ عبد الله آل درويش)
شهادة الإمام السّجّاد عليه السلام
25 محرّم/ 95 هجريّة
«..وكان يزيد لعنه الله، وعد عليّاً بن الحسين، عليهما السلام، يوم دخولهم عليه أن يقضيَ له ثلاث حاجات، فقال له: أذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهنّ، فقال له:
الأُولى أَنْ تُرِيَني وَجْهَ سَيِّدي وَمَوْلايَ وَأَبي الحُسَيْنِ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَتَزَوَّدَ مِنْهُ وَأَنْظُرَ إِلَيْهِ وَأُوَدِّعَهُ؛ وَالثّانِيَةُ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنا ما أُخِذَ مِنّا؛ وَالثّالِثَةُ إِنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلى قَتْلي، أَنْ تُوَجِّهَ مَعَ هَؤُلاءِ النِّساءِ مَنْ يَرُدُّهُنَّ إلى حَرَمِ جَدِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
فقال يزيد: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً، وأمّا النساء فما يردهنّ غيرك إلى المدينة، وأمّا ما أُخذ منكم فأنا أعوّضكم عنه أضعافَ قيمته.
فقال عليه السلام: أَمّا مالُكَ فَلا نُريدُهُ وَهُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْكَ، وَإِنَّما طَلَبْتُ ما أُخِذَ مِنّا لِأَنَّ فيهِ مِغْزَلَ فاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمِقْنَعَتَها، وَقِلادَتَها، وَقَميصَها».
(السيّد محسن الأمين، لواعج الأشجان)