الفقيه الشيخ جعفر التستري رحمه الله
إلّا أمر الآخرة.. فإنّ الخوف يصلحه
كتاب (الأيام الحسينية) للعلّامة الشيخ جعفر التستري (ت: 1303 للهجرة)، يتضمّن مواعظ أخلاقية على وقع أحداث فاجعة الطفّ الأليمة، ومنه اقتطفت «شعائر» هذا المختصَر.
قال إمام المخْلصين وسيّد الوصيّين في إحدى خطبه: «عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً، ومَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً، ومَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً..».
ملخّص هذه الكلمات من قول أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: إنّكم قد جيء بكم إلى هذا العالم بغير اختياركم. لا يخالجكم شكٌّ أنّكم قد أُدخلتم هذه الدنيا من دون إذنٍ منكم. ومكوثكم في هذا العالم هو كذلك، ممّا لا دخل لكم فيه، بل إنّ كل ما يرتبط بالبدن والخلقة لا يدخل فيه اختياركم.
بعد أن سلختُم ثلاثين أو أربعين عاماً من العمر، ما زلتم لا تعرفون إلى أيّ أجزاء البدن سيؤول الطعام الذي تأكلون.
وأكثر من هذا، حتى الآن لم نتعرّف على «كنه» النفس.
ونحن حتى الآن لا نعرف كيف يحدث «التفكير»، ولا كيف ننطق، ولا كيف نسمع.
هدف ذلك أن تعرف أنّك قد جئتَ بلا اختيار، وأقمت بلا اختيار، وأنّك لا تعرف عن نفسك شيئاً.
وإذا علمت هذا، فاعلم أيضاً أنّك ستؤخَذ من هذه الدنيا بلا اختيارٍ منك، وبلا مراعاة لظروفك!
والآن دعونا نفكّر:
أين ترانا نؤخَذ إذا ذهبنا؟ إلى أين سيأخذوننا؟ أسعادةٌ لنا هناك أم شقاء؟
كلّ المصائب لا يثمر فيها الخوف، إلّا هذه المصيبة؛ فإنّ للخوف فيها ثمرة.
لو كنتَ في طريق وكان ثمّة لصّ يتربّص بالمارّة وانتابك الخوف، لمَا نفعك هذا الخوف. ولو أصابك مرضٌ تخاف منه، لمَا أنقذك الخوف منه، إلّا أمر الآخرة؛ فإنّ الخوف يصلحه.
هذه الأيام، أيام عاشوراء، أيامٌ صالحة لهذا الشأن، إذا كان لديك الخوف، فإنّك ستجد وسيلة النجاة. تلك الوسيلة، وذلك السبيل هو «صاحب الوسائل». وصاحبُ الوسائل هو الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.
الوسائل إلى الحسين عليه السلام كثيرة، ولكن ليس منها «مخالفة أمر الله تعالى».
إنّ أمر الدّين لا يصلح بأهواء النفس!