يزكيهم

يزكيهم

07/06/2013

تَرْكُ المعاصي من أفعال الصّدّيقين

 

التّقوى، اكتسابٌ واجتِنابٌ

تَرْكُ المعاصي من أفعال الصّدّيقين

ـــــ الشّهيد الثّاني قدّس سرّه ـــــ

 

موعظةٌ قيّمةٌ حول «شطرَي التّقوى»: فعلِ الطّاعاتِ وتَرْكِ المعاصي، مقتطفة من (رسائل) الشّهيد الثّاني قدّس سرّه، وفيها أنَّ رعايةَ الثّاني أَوْلى، إذ به يُحفَظُ الشَّطرُ الأوّل، والاقتصارُ على هذا الأخير غرور، فلا يُعَدُّ صاحبُه في زُمرة المتّقين.

 

نُقل عن بعضِ الأكابِر، وكان مُحاسباً لِنفسِه، أنّه حَسبَ يوماً وإذا هو ابنُ ستّين سنة، فحَسَبَ أيّامَها فإذا هي إحدى وعشرون ألفَ يومٍ وخمسمائة يومٍ، فصَرَخَ وقال: «يا وَيْلَتا! أَلْقَى المَلِكَ بإحدى وعشرينَ ألف ذَنْب؟! كيف وفي كلِّ يومٍ ذنوبٌ؟!»، ثمّ خَرَّ مَغشيّاً عليه فإذا هو ميّت، فسَمِعوا قائلاً يقول: «يا لها ركضةً إلى الفِردَوْس».

شَطْرا التّقوى

فهكذا يَنبغي المحاسبةُ على الأنفاسِ، وعلى عملِ القلبِ والجوارحِ في كلِّ ساعةٍ، ومَن تَساهَلَ في حفظِ المعاصي فالمَلَكان يَحفظان عليه: ﴿..أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ..المجادلة:6.

واعلَمْ أنّ التَّقوى شَطْران: اكتسابٌ، واجتِنابٌ. فالأوّل: فعلُ الطّاعاتِ، والثّاني: تَرْكُ المعاصي. وهذا الشَّطرُ هو الأشدّ، ورعايتُه أَوْلى؛ لأنّ الطّاعة يَقدرُ عليها كلُّ أحدٍ، وتركُ المعاصي لا يَقدر عليه إلَّا الصِّدِّيقون؛ ولذلكَ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: «المُهاجر مَن هَجَرَ السُّوء، والمُجاهدُ مَن جاهَدَ هَواه». وكان صلّى الله عليه وآله إذا رَجعَ من الجهاد يقول: «رَجعنا من الجَِهادِ الأصْغَر إلى الجهادِ الأكْبَر»، يعني جهاد النّفس.

وأيضاً فإنّ شَطْرَ الاجتنابِ يَزْكو مع حصولِ ما يَحصل معه من شَطرِ الاكتساب وإنْ قلَّ، ولا يَزكو ما يَحصل من شَطْرِ الاكتساب، مع ما يَفوت من شَطْرِ الاجتنابِ، وإنْ كَثُر [الاكتساب]؛ ولذلك قال صلّى الله عليه وآله: «يَكفي من الدُّعاء مع البِرّ ما يَكْفي الطّعامَ من المِلْح».

وقال صلّى الله عليه وآله في جوابِ مَن قال: إنّ شَجَرَنا في الجنّة لَكَثيرٌ: «نعم، ولكن إيّاكُم أنْ تُرسِلوا عليها نيراناً فتُحرِقوها». وقال صلّى الله عليه وآله: «الحَسَد يأكلُ الحَسَناتِ كما تأكلُ النَّارُ الحَطَب». إلى غير ذلك من الآثار الواردة بذلك.

فإنْ ظَفَرْتَ بالشَّطرَين جميعاً فقد حَصَلْتَ على التّقوى حقّاً، وإنْ اقتصرْتَ على الأوّل كنتَ مغروراً، ومَثَلُكَ في ذلك: كَمَثَلِ مَنْ زَرَعَ زَرْعاً فنَبَتَ ونَبَتَ معه حَشيشٌ يُفْسِدُه، فأُمِر بِتَنْقِيَتِه من أصلِهِ، فأخَذَ يَجُزُّ رأسَهُ ويَتْركُ أصْلَهُ، فلا يزالُ يَنْبُتُ ويَقَوى أصلُه حتّى يُفسِدُه.

أو كَمريضٍ ظَهَرَ به الجَرَبُ وقد أُمِرَ بالطّلاء وشُربِ الدّواء، فالطّلاءُ لِيُزيلَ ما على ظاهرِه، والدَّواءُ ليقلَعَ مادّتَه من باطنه، فقَنعَ بالطّلاء وتَرَكَ الدّواءَ، وبقيَ يَتناول ما يزيد المادّة، فلا يزالُ يَطْلِي الظّاهرَ والجَرَبُ دائمٌ به يَتَفجّر من المادّة في الباطن.

أو كَمَن بَنَى داراً وأَحْكَمَها، ولكن في داخِلِها حشراتٌ ساكنةٌ من الحيّات والعقاربِ والجَرادِ وغيرها، فأَخَذَ في فَرْشِها وسَتْرِها بالفُرُش الحَسنةِ والسُّتور الفاخرة، ولا تزالُ الحشراتُ تَظهرُ من باطنها فتَقطعُ الفُرُش، وتَخْرِقُ السُّتورَ، وتَصِلُ إلى بَدَنِهِ باللَّسْعِ، ولو عَقلَ لكان همُّه أوّلاً دفْعُ هذه المُؤذِيات قبلَ الاشتغال بِفَرشِها؛ لِيَحفظَ ما يَضَعُه فيها، ويَسْلَم هو مِن أذاها ولَسْعِها، بل أيّ نسبةٍ بين لَسْعِ الحيّاتِ في دار الدُّنيا الَّذي يَنقضي ألَمُه في مدّةٍ يسيرةٍ ولو بالموت الّذي هو أقرب من لَمْحِ البَصَر، وبين لَسْعِ حيّاتِ المعاصي الّتي يَبقى ألَمُها في نارِ جهنّم؟! نعوذُ بالله تعالى منه، ونسألُه العَفْوَ والرَّحمة.

ثمّ القولُ في قسم الاكتِساب مَوْكُولٌ إلى كُتُبِ العبادات، وإنِ افْتَقَرْنا في ذلك إلى وظائفَ قلبيّة، ودقائقَ علميّةٍ وعمليّةٍ لم يُدوِّنها كثيرٌ من الفُقَهاء، وإنّما يُفتَحُ بها على مَنْ أَخَذَ التَّوفيقُ بزمامِ قلبِهِ إلى الهدايةِ إلى الصِّراطِ المُستقيم.

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/06/2013

دوريات

نفحات