كلمة سواء

كلمة سواء

28/03/2014

أدبُ الجدال في أصول الدّين


أدبُ الجدال في أصول الدّين

مَن عَرف الحقَّ عَرفَ أهلَه

ـــــ السّيّد عليّ الحسينيّ الميلانيّ* ـــــ

 

أقرّت الأديانُ السّماويّةُ أُسلوبَ «الجدال»، واتّخَذَهُ الأنبياءُ السَّابقون طريقاً مِن طُرُقِ الدَّعوة. وقد ورد في القرآن الكريم نماذج من ذلك كما سيأتي.

وأمّا نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله، ففي الوقت الّذي أُرسِلَ، كما خاطبَه الله عزّ وجلّ في الآية المباركة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً الأحزاب:45-46، فقد حدّد له كيفيّةَ الدّعوة وأداتَها، بقوله له: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..النّحل:125، ثمّ أمَرَهُ بالجدال حين يكون هناك جدالٌ منهم، فقال بعد ذلك: ﴿..وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..النّحل:125.

وفي الجملة، فإنّ الوظيفة الأوّليّة هي البلاغ والدّعوة إلى سبيل الله، فإنْ كان هناك مَن تَنفعُه «الحكمة» فَبِها، وإنْ كان من عمومِ النّاس فبالنّصيحة والموعظة الحسنة، فإنْ وجدَ في القوم مَن يريد الوقوفَ أمامَه أو التّغلُّبَ عليه، وَجَبَ عليه جدالُه.

ولعلّ المقصود - هنا – هم أهل الكتاب، كما في الآية الأُخرى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..العنكبوت:46.

وعلى ضوء ما تقدّم، فإنّ الجدال قد يكون حقّاً وقد يكون باطلاً، قال تعالى: ﴿..وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ..الكهف:56.

وهناك في القرآن الكريم موارد من تعليم الله سبحانه النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله طريقة الاستدلال؛ من ذلك:

1- ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُيس:78-81.

2- ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ..البقرة:94.

3- ﴿لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالواْ إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..المائدة:17.

4- ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ..المائدة:18.

5- ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا..الأنبياء:21-22، إلى قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ..الأنبياء:24.

كما جاءت في القرآن الكريم مواردُ كثيرةٌ من مجادلات الأنبياء السّابقين واحتجاجاتِهم.

ففي قضايا النّبيّ إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السّلام، قال تعالى:

1- ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَالبقرة:258.

2- وقال سبحانه وتعالى: ﴿قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَء يَنطِقُونَالأنبياء:62-65.

وفي قضايا النّبيّ نوحٍ على نبيّنا وآله وعليه السّلام، قال تعالى:

1- ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ هود:28.

2- وأيضاً قولُه عزّ وجلّ: ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا..هود:32.

وهكذا في قضايا سائر الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 

* من كتابه (أدب الحوار في أصول الدّين)

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

28/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات