الذكر يقظة وتنبه، وعدمه غفلة، ومن أولى منك بالتنبه واليقظة وأنت في الملتقى بين الدنيا والآخرة، وعلى مفترق الطرق، عند الصراط الذي تجاوز كل السبل، فوصل بك، لتمضي سريعاً، وتلقى الأحبة محمداً وحزبه.
" إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون".
تقدم الحديث حول الذكر في المعركة، وأهمية الذكر خارج المعركة للتدرب عليه فيصبح ملكة، والحديث هنا عن الإكثار من الذكر،
قال في "مرآة الرشاد":
وعليك بني من الإكثار من ذكر الله تعالى فإن ذكره جلّ شأنه يحيي القلب ويقرب من الرب ويكثر البركة وينجي من الهلكة ويبعد الشيطان ويدني ملائكة الرحمن وينزل الرحمة والسكينة.[1]
هذه هي الحصيلة التي يخرج بها المتأمل للنصوص في باب الذكر، فذكر الله تعالى، للروح، بمثابة الهواء والماء والغذاء للجسد، وبمقدار ذكر الله تعالى تكون حياة الإنسان الحقيقية، الطيبة.
* وبالرجوع إلى كتاب الله تعالى نجد حشداً كبيراً من الآيات يحث على الذكر الكثير، حثاً لا مثيل له على الإطلاق.
العنوان الأساس الذي يعرف به الذاكر أنه لا يلهيه شيء عن ذكر الله تعالى، قال عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون.[2]
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.[3]
*وإذا خرج المسلم من دائرة من تلهيه أمواله وأولاده، ودخل في دائرة الذاكرين، فهل يكتفى منه بالذكر القليل؟
يأتي الجواب واضحاً حاسماً، مؤكداً أن الذكر القليل لا يكفي، بل هو من علامات المنافقين، قال تعالى:
ولا يذكرون الله إلا قليلاً.[4]
* وطبيعي أنه ليس المراد من الذكر، اللسانيُّ منه فقط، بل القلبيُّ منه أهم، وهو الأساس في التفريق بين المنافق وغيره، وسيأتي في الروايات ما يوضح معنى الذكر الكثير، والقليل.
* كما تصرح آيات الله تعالى بالحث على ذكر الله تعالى في كل حال، في الحل والترحال، في الليل والنهار، في البيت وخارجه، قال تعالى:
الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم.[5]
فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم.[6]
كما توضح الآيات حقيقة أخرى وهي أن مهمة الشيطان أساساً هي الصد عن ذكر الله، قال تعالى:
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصُدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة.[7]
* وللخروج من الغفلة التي يؤدي استحكامها إلى النفاق، والضلال، ولمواجهة محاولات الصد الشيطانية، لا بد من الذكر الكثير:
قال تعالى:
والذاكرين الله كثيراً والذاكرات[8].
كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً[9].
وما تقدم غيض من فيض.
فإذا جئنا إلى الروايات نستوضحها بعض معالم أهمية الذكر نجد ما يلي:
* عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
1- ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الفارين ، والمقاتل في الفارين له الجنة . [10]
2- عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيرا ، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض.[11]
3- لا تزال مصلياً قانتاً ما ذكرت الله، قائماً وقاعداً أو في سوقك أو في ناديك أو حيثما كنت.[12]
* وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
1- أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله.
2- مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح.
3- الذكر نور العقول، وحياة النفوس، وجلاء الصدور.
خلاصة القول في الختام أيها العزيز:
الذكر يقظة وتنبه، وعدمه غفلة، ومن أولى منك بالتنبه واليقظة وأنت في الملتقى بين الدنيا والآخرة، وعلى مفترق الطرق، عند الصراط الذي تجاوز كل السبل، فوصل بك، لتمضي سريعاً، وتلقى الأحبة محمداً وحزبه.
بمقدار ما تكون من الذاكرين تكون النجم المحمدي المتألق، يود جوارك الشمس والقمر، والكواكب الدريّة، والنجوم الزاهرة.
هنيئاً لأصحاب النعيم نعيمهم.
----------------------------------------------------------------------
[1] - مرآة الرشاد صفحة 114.
[2] - المنافقون 9.
[3] - النور 37.
[4] - النساء 142.
[5] - آل عمران 191.
[6] - النساء 103.
[7] - المائدة 91.
[8] - الأحزاب 35.
[9] - طه 33 -34.
[10] ابن فهد الحلي ،عدة الداعي- ص 242
[11] محمدي الريشهري، ميزان الحكمة ج 2 ص 965
[12] محمدي الريشهري، ميزان الحكمة - ج 2 ص 968