صلاةٌ ودعاء في يوم عاشوراء
أفضلُ أعمالِه التَّسَلُّب
________«شعائر»________
أورد الشيخ الطُّوسي رحمه الله ضمن أعمال شهر محرَّم في كتابه (مصباح المتهجِّد) صلاةً ودعاءً في العاشر من المحرَّم برواية عبد الله بن سنان عن الإمام الصّادق عليه السلام، وهي صلاة أربع ركعات بصفةٍ خاصّة يليها دعاءٌ جليل، ذاكراً في آخرها جزيلَ ثوابها. |
روى عبد الله بن سنان قال: «دخلتُ على سيِّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم عاشوراء، فأَلْفَيْتُه كاسفَ اللَّون، ظاهرَ الحزن، ودموعه تنحدرُ من عينَيه كاللُّؤلؤ المتساقط. فقلت: يا ابنَ رسول الله، ممَّ بكاؤك، لا أبكى اللهُ عينيك.
فقال لي: أوَ في غفلةٍ أنت؟ أما علمْتَ أنَّ الحسين بن عليّ أُصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت: يا سيدي فما قَوْلك في صومه؟
فقال لي: صُمْه من غير تبييت، وأَفْطِره من غير تشميت، ولا تَجعله يومَ صومْ كَمَلاً، ولْيكُن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربةٍ من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول الله وانكشفت الملحمةُ عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم يعزُّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله مصرعُهم، ولو كان في الدّنيا يومئذٍ حيّاً لكان صلوات الله عليه هو المعزَّى بهم.
قال: وبكي أبو عبد الله عليه السلام حتى اخضلَّت لحيتُه بدموعِه، ثمَّ قال: إنَّ الله جلَّ ذكرُه لمَّا خلق النُّورَ خَلَقَه يوم الجمعة في تقديره في أوَّل يوم من شهر رمضان، وخَلَق الظُّلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك يعني يوم العاشر من شهر المحرّم في تقديره، وجعل لكلٍّ منهما شرعةً ومنهاجاً.
يا عبد الله بن سنان، إنَّ أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تَعْمَدَ إلى ثيابٍ طاهرة فتلبسها وتتسلَّب، قلت: وما التَّّسلُّب؟ قال: تحلِّل أزرارك (إزارَك) وتكشف عن ذراعيك كَهيئةِ أصحاب المصائب، ثمَّ تخرُج إلى أرضٍ مقفرة أو مكانٍ لا يراك به أحد، أو تعمد إلى منزلٍ لك خالٍ، أو في خلوةٍ منذ حين يرتفع النّهار، فتصلِّي أربع ركعاتٍ تُحسن ركوعَها وسجودَها وخشوعَها، وتسلِّم بين كلِّ ركعتين، تقرأ في الأولى: سورة الحمد، وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية: الحمد، وقل هو الله أحد، ثمَّ تصلِّي ركعتين أخريَين تقرأ في الأولى: الحمد، وسورة الأحزاب، وفي الثانية: الحمد، وإذا جاءَك المنافقون، أو ما تيسَّر من القرآن، ثمَّ تسلِّم وتحوِّل وجهك نحو قبر الحسين عليه السلام ومضجعه، فتمثِّل لنفسك مصرعَه ومَن كان معه من وُلده وأهله، وتسلِّم وتصلِّي عليه وتلعن قاتليه وتبرَأْ من أفعالهم، يرفع اللهُ عز َّ وجلَّ لك بذلك في الجنّة من الدّرجات ويَحطّ عنك من السّيّئات، ثمَّ تسعى من الموضع الذي أنت فيه إنْ كان صحراء أو فضاء -أو أيّ شيء كان- خطوات، تقول في ذلك: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، رضًى بقضاء الله وتسليماً لأمره، وليكن عليك في ذلك الكآبة والحزن، وأكثِر من ذكر الله سبحانه والاسترجاع [إنّا لله وإنّا إليه راجعون] في ذلك اليوم.
فإذا فرغْتَ من سَعْيك وفِعلك هذا، فقِفْ في موضعك الّذي صلَّيت فيه، ثمَّ قُُل:
أللَّهمَّ عذِّبِ الفَجَرةَ الَّذين شاقُّوا رَسولَكَ وحارَبُوا أوْلِياءَكَ وعَبَدُوا غيرَكَ واسْتَحَلُّوا محارمَِكَ، والْعَنْ القادةَ والأتباعَ ومَن كان منهم فَخَبَّ وأَوْضَعَ معهُم أو رَضِيَ بِفِعْلِهم لعناً كثيراً.
أللَّهمَّ وعجِّلْ فرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ واجْعَلْ صلواتِكَ عليه وعليهم واستَنْقِذْهُم من أيْدي المنافقينَ المُضِلِّينَ والكَفَرَةِ الجاحِدِينَ وافتَحْ لهُم فتْحاً يَسيراً وأَتِحْ لهُم رَوْحاً وفَرَجاً قريباً، واجْعَلْ لهُم مِن لَدُنكَ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّهِم سُلطاناً نصيراً.
ثمَّ ارفَعْ يدَيك واقْنُتْ بهذا الدُّعاء، وقُلْ وأنتَ تومئ إلى أعداء آل محمَّدٍ صلّى الله عليه وعليهم:
أللَّهمَّ إنَّ كثيراً مِن الأمَّةِ ناصَبَت المُسْتَحْفَظِينَ من الأئمَّةِ وكَفَرَتْ بالكلمةِ وعَكَفَتْ على القادةِ الظَّلَمَةِ وهَجَرَتِ الكتابَ والسُّنَّةَ وعَدَلَتْ عن الحَبْلَيْنِ الَّذَين أمَرْتَ بِطاعتِهِما والتَّمَسُّكِ بهما، فأَماتَتِ الحَقَّ وجارَتْ عن القَصْدِ ومَالَأَتِ الأحزابَ وحَرَّفَتِ الكتابَ وكَفَرَتْ بِالحَقِّ لمَّا جاءَها وتَمَسَّكَتْ بِالباطِلِ لمَّا اعْتَرَضَها، وضَيَّعَتْ حَقَّكَ وأَضَلَّتْ خَلْقَكَ وقَتَلَتْ أَوْلادَ نَبِيِّكَ وخِيَرَةَ عِِبادِكَ وحَمَلَةَ عِلْمِكَ وَوَرَثَةَ حِكمَتِكَ وَوَحْيِكَ، أللَّهمَّ فَزَلْزِلْ أقدامَ أعدائِكَ وأعداءِ رَسُولِكَ وأهلِ بيتِ رسولِكَ، أللَّهمَّ وأَخْرِبْ ديارَهُم وافْلُلْ سِلاحَهُم، وخالِفْ بينَ كَلِمَتِهِم وفُتَّ في أَعْضادِهِم وأَوْهِنْ كَيْدَهُم واضْرِبْهُم بِسَيْفِكَ القاطِعِ وارْمِهِم بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ وطُمَّهُم بالبَلاءِ طَمّاً، وقُمَّهُمْ بالعَذابِ قَمّاً وعَذِّبْهُم عذاباً نُكْراً وخُذْهُم بالسِّنينَ والمَثُلاتِ الَّتي أَهْلَكْتَ بها أَعداءَكَ، إنَّكَ ذو نَقِمَةٍ من المُجرمينَ، أللَّهمَّ إنَّ سُنَّتَكَ ضائِعَةٌ وأَحكامَكَ مُعَطَّلةٌ وعِتْرَةَ نَبِيِّكَ في الأرضِ هائمةٌ، أللَّهمَّ فأَعِزَّ الحَقَّ وأهلَهُ واقْمَعِ الباطِلَ وأَهْلَهُ وَمُنَّ علينا بالنَّجاةِ واهْدِنا إلى الإيمانِ وعَجِّلْ فَرَجَنا وانْظِمْهُ بِفَرَجِ أوْليائِكَ واجْعَلْهُمْ لنَا وُدّاً واجْعَلْنا لهُم وَفْداً.
أللَّهمَّ وأَهْلِكْ مَنْ جَعَلَ يَوْمَ قَتْلِ ابْنِ نَبِيِّكَ وخِيَرَتِكَ عِيداً واسْتَهَلَّ بِهِ فَرَحاً ومَرَحاً، وخُذْ آخِرَهُم كمَا أَخَذْتَ أوَّلَهُم، وأضْعِفِ اللَّهُمَّ العَذابَ والتَّنْكِيلَ على ظَالِمِي أهلِ بيتِ نَبِيِّكَ، وأَهْلِكْ أشْياعَهُم وقادَتَهُم، وأَبِرْ حُماتَهُم وجَماعَتَهُم، أللَّهمَّ وضاعِفْ صَلواتِكَ ورَحْمَتَكَ وبَرَكاتِكَ على عِتْرَةِ نَبِيِّكَ؛ العِتْرَةِ الضَّائِعَةِ الخائِفَةِ المُسْتَذَلَّةِ (المستقلّة)، بَقِيَّةِ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ الزَّاكِيَةِ المُبارَكَةِ، وأَعْلِ اللَّهُمَّ كَلِمَتَهُم وأَفْلِجْ حُجَّتَهُم واكْشِفِ البَلاءَ واللَّأْواءَ وحَنادِسَ الأباطِيلِ والعَمَى عنهم، وثَبِّتْ قُلُوبَ شيعَتِهِم وحِزْبِكَ عَلى طَاعَتِهِم ووِلايَتِهِم ونُصْرَتِهِم ومُوالاتِهِم، وأَعِنْهُمْ وامْنَحْهُمُ الصَّبْرَ على الأَذَى فِيكَ، واجْعَلْ لهُم أيّاماً مَشْهودةً وأوْقاتاً مَحْمُودَةً مَسْعُودةً تُوشِكُ فيها فرَجَهُم وتُوجِبُ فيها تَمْكِينَهُم ونَصْرَهُم، كَما ضَمِنْتَ لِأوْلِيائِكَ في كتابِكَ المُنْزَلِ، فإنَّكَ قُلْتَ وقولُكَ الحَقُّ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا..﴾ النور:55.
أللَّهمَّ فاكْشِفْ غُمَّتَهُم يا مَنْ لا يَمْلِكُ كَشْفَ الضُّرِّ إلَّا هُوَ، يا أَحَدُ يا حَيُّ يا قَيُّومُ. وأنا يا إلَهِي عَبْدُكَ الخَائِفُ مِنْكَ والرَّاجِعُ إليكَ السَّائِلُ لكَ المُقْبِلُ عليكَ، اللَّاجِئُ إلى فِنَائِكَ العالِمُ بَأَنَّهُ لا مَلْجَأَ منكَ إلَّا إليكَ، أللَّهمَّ فَتَقَبَّلْ دُعائي واسْمَعْ يا إلهي عَلانِيَتِي ونَجْوايَ، واجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَمَلَهُ وقَبِلْتَ نُسُكَهُ ونَجَّيْتَهُ بِرَحْمَتِكَ إنَّكَ أنْتَ العَزيزُ الكريمُ.
أللَّهمَّ وَصَلِّ أوَّلاً وآخِراً على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وارْحَمْ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ بأكْمَلِ وأَفضلِ ما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ وتَرَحَّمْتَ على أنبيائِكَ ورُسُلِكَ وملائِكَتِكَ وحَمَلَةِ عَرْشِكَ بِلا إلهَ إلَّا أنتَ. أللَّهمَّ ولا تُفَرِّقْ بيْني وبينَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عليهِ وعليهِم، واجْعَلْنِي يا مَوْلايَ مِن شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحَسَنِ والحُسَينِ وذُرِّيَّتِهِمُ الطَّاهِرةِ المُنْتَجَبَةِ، وهَبْ لِيَ التَّمَسُّكَ بِحَبْلِهِم والرِّضا بِسَبيلِهِم والأَخْذَ بِطَرِيقَتِهِم، إنَّكَ جوادٌ كريمٌ.
ثمَّ عفِّر وجهك في الأرض، وقُلْ:
يا مَنْ يَحْكُمُ ما يَشاءُ ويَفْعَلُ ما يُريدُ، أنتَ حَكَمْتَ فلَكَ الحَمْدُ مَحْمُوداً مَشْكُوراً، فَعَجِّلْ يا مَوْلايَ فَرَجَهُم وفَرَجَنا بِهِم،فإنَّكَ ضَمِنْتَ إعْزازَهُم بعد الذِّلَّةِ وتَكْثِيرَهُم بعدَ القِلَّةِ وإظْهارَهُم بعدَ الخُمُولِ، يا أَصْدَقَ الصَّادِقِينَ ويا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ.
فأَسْأَلُكَ يا إلهي وسيِّدي مُتَضَرِّعاً إليكَ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ بَسْطَ أَمَلي والتَّجاوُزَ عنِّي وقَبُولَ قليلِ عَمَلي وكَثيرِهِ، والزِّيادَةَ في أيَّامي وتَبليغي ذلكَ المَشْهَدَ، وأنْ تَجْعَلَنِي مِمَّن يُدْعَى فيُجِيبُ إلى طاعَتِهم ومُوالاتِهِم ونَصْرِهِم، وتُرِيَني ذلكَ قَريباً سَريعاً في عافِيَةٍ، إنَّك على كُلِّ شيءٍ قديرٌ.
ثمَّ ارفع رأسك إلى السَّماء وقُلْ:
أَعوذُ بكَ أنْ أكونَ مِن الَّذينَ لا يَرجُونَ أيَّامَكَ، فأَعِذْنِي يا إلهي بِرحمَتِكَ مِن ذلك.
فإنَّ هذا أفضلُ يا ابن سنان من كذا وكذا حجّة، وكذا وكذا عمرة تتطوَّعها وتُنفق فيها مالَك، وتُنصِب فيها بدنَك، وتفارقُ فيها أهلَك وولدَك.
واعلم أنَّ اللهَ تعالى يُعطي مَن صلَّى هذه الصَّلاة في هذا اليوم، ودعا بهذا الدُّعاء مخلِصاً، وعمل هذا العمل موقِناً مصدِّقاً عشرَ خصالٍ منها: أن يقيه اللهُ مِيْتَةَ السُّوء، ويؤمنَه من المكاره والفقر، ولا يُظْهِر عليه عدوّاً إلى أن يموت، ويوقيه الله من الجنون والجذام والبرَص في نفسه وولده إلى أربعة أعقاب له، ولا يجعل للشّيطان ولأوليائه عليه ولا على نسلِه إلى أربعة أعقاب سبيلاً.
قال ابن سنان: فانصرفتُ وأنا أقول: الحمدُ للهِ الذي مَنَّ عليَّ بمعرفتِكم وحبِّكم، وأسأله المعونةَ على المفترَض عليّ من طاعتكم بمنِّه ورحمتِه».