يذكرون الله.. ويتفكَّرون
التَّفكُّر طلب، والتَّذكُّر حصول
____الشيخ عبد الله الأنصاري، صاحب «منازل السائرين»_____
وقفة مع معاني «التّفكُّر»، و«التّذكُّر»، و«الذِّكر» مختارَة من كتاب (منازل السائرين) للشيخ عبد الله الأنصاري (ت: 481 للهجرة)، وهو كتابٌ أخلاقي في شرح مقامات ومنازل السّالكين إلى الله تعالى.
رتّب الشيخ الأنصاري كتابه في عشرة أقسام، تحت كلٍّ منها عشرة أبواب؛ وهي تمامُ المائة منزل الواجب سلوكُها بدءاً من «اليقظة» وصولاً إلى «التّوحيد». |
قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿..وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النحل:44.
إعلم أنّ التَّفكَّر تلمُّس البصيرة لاستدراك البُغية. وهو ثلاثة أنواع:
فكرةٌ في عين التّوحيد، وفكرةٌ في لطائف الصُّنع، وفكرةٌ في معاني الأعمال والأحوال .
فأمّا الفكرة في عين التّوحيد، فهي اقتحامُ بحر الجحود، لا يُنجي منه إلَّا الاعتصام بضياء الكشف، والتّمسُّك بالعلم الظّاهر .
وأمّا الفكرة في لطائف الصّنائع، فهي ماء يسقي زرع الحكمة .
وأمّا الفكرة في معاني الأعمال والأحوال، فهي تُسهِّل سلوك طريق الحقيقة .
وإنّما يتخلَّص من الفكرة في عين التّوحيد بثلاثة أشياء :
بمعرفة عجز العقل، وبالإياس من الوقوف على الغاية، وبالإعتصام بحبل التّعظيم .
وإنّما تدرَك لطائف الصّنائع بثلاثة أشياء: بحسن النّظر في مبادئ المِنَن، والإجابة لدواعي الإشارات، وبالخلاص من رقِّ الشَّهوات .
وإنّما يوقف بالفكرة على مراتب الأعمال والأحوال بثلاثة أشياء: باستصحاب العلم، واتّهام المرسومات، ومعرفة مواقع الغير.
قال الله عزّ وجلّ: ﴿..وما يَتَذَكَّرُ إِلَّا من يُنِيبُ﴾ غافر:13.
التذكُّر فوق التفكُّر، فإنّ التفكَّر طلب، والتذكُّر وجود.
وأبنيةُ التَّذكُّر ثلاثة أشياء: الانتفاع بالعِظة، والاستبصار بالعِبرة، والظّفر بثمرة الفكرة .
وإنّما ينتفَع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء: بشدّة الافتقار إليها، والعمى عن عَيْب الواعظ، وبذكر الوعد والوعيد .
وإنّما يُستبصَر بالعِبْرة بثلاثة أشياء: بحياة العقل، ومعرفة الأيّام، والسّلامة من الأغراض .
وإنّما تُجنى ثمرة الفكرة بثلاثة أشياء: بقصر الأمل، والتأمُّل في القرآن، وقلَّة الخلطة والتّمني والتعلُّق والشّبع والمنام .
قال الله عزّ وجلّ: ﴿..واذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ..﴾ الكهف:24.
يعني إذا نسيت غيره، ونسيت نفسك في ذكرك، ثمّ نسيت ذكرَك في ذكرك، ثمّ نسيت في ذكر الحقّ إيّاك كلَّ ذكر.
والذِّكر هو التّخلُّص من الغفلة والنسيان. وهو على ثلاث درجات:
الدّرجة الأولى: الذِّكر الظّاهر؛ من ثناء، أو دعاء ".."
والدّرجة الثانية: الذِّكر الخفيّ. وهو الخلاصُ من الفتور، والبقاءُ مع الشُّهود، ولزومُ المسامرة.
والدّرجة الثّالثة: الذِّكر الحقيقي. وهو شهود ذكر الحقّ إيّاك، والتّخلُّص من شهود ذكرك، ومعرفةُ افتراء الذَّاكر في بقائه مع ذكره.