فضلُ تربة الحُسَين عليه السلام، وآدابُها
الصّحيح من الرّوايات: شفاءٌ من كلِّ داء، وأمانٌ من كلِّ خوف
_______المحدّث الشّيخ عبّاس القمّي قدّس سرّه_______
* من خصائص البحث العلمي، رعايتُه القواعد العقليّة، ومرتكزات البحث المنهجي، ولا يتوفَّر ذلك في أيٍّ من الأبحاث كما يتوفّر بامتياز في «منهج الاستنباط» المُعتمَد في الحوزات العلميّة في خطّ أهل البيت عليهم السلام، وكذلك سائر الأبحاث الدّينيّة التي تلتزم هذا المنهج.
* والمحدِّث الجليل الشّيخ عبّاس القمّي صاحب (الكُنى والألقاب) و(سفينة البحار) الذي استغرق العمل فيه عشرين عاماً، والعديد من المؤلّفات الرِّجاليّة التّحقيقيّة الرّاقية، قد اعتَمَد هذا المنهج في كتابه الشّهير (مفاتيح الجنان).
* ما يلي، نموذج يكشف جانب المعاصرة في مقارباته، كما يكشف أُسُسَ المنهج الذي يعتمده قدّس سرّه.
* اختارت «شعائر» هذا النّموذج في سياق تظهير نفاذ الغزو الثّقافي إلى المشهد الثّقافي الإيماني المعاصر، بحيث صارت أبحاث كُتُب الدّعاء -وأهمّ المتداوَل منها (مفاتيح الجنان)- خارج اهتمام حركة الفكر والثّقافة السّائدة و«المعاصرة!». |
قال رحمه الله تعالى:
إعلم أنَّ لنا روايات متظافرةً تَنطق بأنَّ تربته عليه السلام شفاءٌ من كلِّ سقمٍ وداءٍ إِلَّا الموت، وأمانٌ من كلِّ بلاء. وهي تورثُ الأمنَ من كلِّ خوف. والأحاديث في هذا الباب متواترة، وما برز من تلك التُّربة المقدَّسة من المعجزات أكثر من أن يُذكر.
وإنِّي قد ذكرت في كتاب (الفوائد الرضويّة في تراجم العلماء الإماميّة) عند ترجمة السيّد المحدِّث المُتَبحِّر نعمة الله الجزائري، أنّه كان ممّن جهد لتحصيل العلم جهداً، وتحمَّل في سبيله الشّدائد والصّعاب، وكان في أبّان طلبه العلم لا يَسَعُه الإسراج فقراً، فيَستفيد للمطالعة ليلاً من ضوء القمر، وقد أَكَثر من المطالعة في ضوء القمر ومن القراءة والكتابة حتّى ضعف بصرُه، فكان يكتحلُ بتربة الحُسَين عليه السلام المقدَّسة، وبتراب المراقد الشّريفة للأئمَّة في العراق عليهم السلام فيَقوى بَصَرُه ببركتِها .
وإنّي قد حذَّرتُ هناك أيضاً أهالي عصرنا أن يَعَجَبوا لهذه الحكاية إثر معاشرتهم الكفّارَ والملاحدة. فقد قال الدّميري في (حياة الحيوان) أنّ الأفعى إذا عاش مائة سنة عَمِيَت عينه فيُلهمه اللهُ تعالى أن يمسحَها بالرّازيانج [الشّومر] الرّطب لكي يعود إليها بصرها، فيُقبل من الصَّحراء نحو البساتين ومنابت الرّازيانج وإنْ طالت المسافة، حتّى يهتدي إلى ذلك النّبات فيَمسح بها عينه فيرجع إليها بصرُها .ويُروى ذلك عن الزّمخشري وغيره أيضاً.
فإذا كان اللهُ تعالى قد جعل مثل هذه الفائدة في نباتٍ رطب، وتهتدي إليه حيّة عمياء فتأخذ نصيبها منه، فأيُّ استبعادٍ واستعجابٍ في أن يجعل في تربة ابن نبيِّه صلوات الله عليه -الذي استُشهد هو وعترته في سبيله- شفاءً من كلِّ داءٍ، وغير ذلك من الفوائد والبركات، لينتفع بها الشّيعةُ والأحباب.
O ونحن في المقام نقنع بذكر عدّة روايات:
الأولى: رُوي أنَّ الحور العين إذا أبصرنَ بواحدٍ من الأملاك يهبطُ إلى الأرض لأمرٍ ما، يستَهدين منه السُّبَح والتّربة من طين قبر الحُسَين عليه السلام.
الثّانية: رُوي بسند معتبر عن رجلٍ قال: «بعث إليّ الرّضا عليه السلام من خراسان رُزَم ثياب، وكان بين ذلك طين. فقلتُ للرّسول ما هذا؟ قال: هذا طينُ قبر الحُسَين عليه السلام، ما كان يُوجِّه شَيْئاً من الثّياب ولا غيره إلَّا ويجعل فيه الطِّين، فكان يقول: هو أمانٌ بإذن الله» .
الثّالثة: عن عبد الله بن أبي يعقوب قال: «قلت للصّادق عليه السلام: يأخذ الإنسانُ من طين قبر الحُسَين عليه السلام فينتفع به، ويَأخذ غيرُه فلا يَنتفع به .فقال: لا والله، ما يأخذُه أحدٌ وهو يرى أنَّ الله ينفعُه به إِلَّا نفعَه اللهُ به».
الرّابعة: عن أبي حمزة الثّمالي، قال: «قلت للصّادق عليه السلام: إنّي رأيتُ أصحابنا يأخذون من طين الحُسَين عليه السلام يَسْتَشفون به، هل في ذلك شيءٌ ممَّا يقولون من الشّفاء؟ قال:
يُستَشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وكذا طينُ قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكذا طينُ قبر الحسن وعليّ ومحمَّد، فخُذْ منها فإنّها شفاءٌ من كلِّ سُقْمٍ وجُنّةٌ ممّا تخاف، ولا يَعدلها شيءٌ من الأشياء التي يُستشفى بها إِلَّا الدعاء.
وإنّما يُفسدُها ما يخالطُها من أوعيتِها، وقِلّةُ اليقين ممَّن يُعالَج بها، فأمَّا مَن أيقنَ أنّها له شفاءٌ إذا يعالج بها كَفَتْهُ بإذن الله تعالى من غيرها ممّا يتعالج به، ويُفسدُها الشّياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسَّحون بها، وما تمرُّ بشيءٍ إِلَّا شَمَّها .
وأمَّا الشّياطين وكفّار الجنّ فإنّهم يحسدون ابنَ آدم عليها فيَتمسّحون بها فيذهب عامّةُ طيبها، ولا يخرج الطَِّين من الحائر إِلَّا وقد استعدَّ له ما لا يُحصى منهم. واللهِ إنَّها لفي يدَي صاحبها وهم يتمسَّحون بها ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر، ولو كان من التّربة شيءٌ يَسْلَم ما عُولِج به أحدٌ إِلَّا بَرِئَ من ساعتِه.
فإذا أخذتَها فاكتُمْها وأكْثِر عليها ذكرَ الله عزَّ وجلَّ. وقد بَلَغني أنَّ بعض مَن يأخذ من التّربة شَيْئاً يستخفُّ به؛ حتّى إنَّ بعضَهم ليطرحُها في مخلاةِ الإبل والبغل والحمار، أو في وعاء الطّعام، وما يُمسَح به الأيدي من الطّعام، والخرج والجوالق، فكيف يَستشفي بها مَن هذا حالُها عنده؟ ولكنَّ القلب الذي ليس فيه اليقين، من المستخفّ بما فيه صلاحه، يفسد عمله» .
الخامسة: روي أنّه إذا تناول التّربةَ أحدُكم فَلْيأخذ بأطراف أصابعه، وقدره مثل الحمّصة، فَلْيُقبّلها وَلْيَضعها على عينِه، وَلْيمرَّها على سائر جسده، وَلْيَقل: «أللّهُمَّ بِحَقِّ هذِهِ التُّرْبَة، وَبِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِها وَثَوى فِيها، وَبِحَقِّ جَدِّهِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَبِحَقِّ المَلائِكَةِ الحافِّينَ بِهِ، إِلَّا جَعَلْتَها شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، وَبُرْءاً مِنْ كِلِّ مَرَضٍ، وَنَجاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍ، وَحِرْزاً مِمّا أَخافُ وَأَحْذَرُ». ثمّ ليَستعملها .
ورُوي أنَّ الختْم على طين قبر الحُسَين عليه السلام أنْ يقرأ عليه سورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر. ورُوي أيضاً أنَّك تقول إذا طعمْتَ شَيْئاً من التّربة أو أَطْعمته أحداً: «بِسْمِ الله وَبِالله، أللّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً وَاسِعاً، وَعِلْماً نافِعاً، وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
O أقول: لتربته الشّريفة فوائدُ جمّة، منها:
1- استحبابُ جعلِها مع الميت في اللَّحد.
2- واستحبابُ كتابة الأكفان بها.
3- واستحباب السُّجود عليها. فقد رُوي أنَّ السُّجود عليها يخرق الحُجُب السّبعة، أي يورث قبول الصّلاة عند ارتقائها السّماوات.
4- واستحباب أن يُصنَع منها السُّبحة، فتُستعمل للذِّكر أو تُترَك في اليد من دون ذكر، فلذلك فضلٌ عظيم، ومن ذلك الفضل أنَّ السُّبحة تُسبِّح في يد صاحبِها من غير أن يُسبِّح .ومن المعلوم أنّ هذا التّسبيح بمعنًى خاصّ، غير التّسبيح الذي يُسبِّحُه كلّ شيء، كما قال تعالى: ﴿..وَإِنْ مِنْ شَيٍْ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم..﴾ الإسراء:44 .وبالإجمال، فالتّسبيحُ الوارد في هذه الرّواية هو تسبيحٌ خاصٌّ بتربة سيِّد الشُّهداء أرواحنا له الفداء.
السّادسة: عن الرِّضا عليه السلام: «مَن أَدارَ السُّبحةَ من تربة الحُسَين عليه السلام فقال: سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلَّا الله وَالله أَكْبَرُ، مع كلّ حبّة منها، كتب اللهُ له بها ستّةَ آلاف حسنة، ومحا عنه ستّةَ آلاف سيّئة، ورفع له ستّةَ آلاف درجة، وأَثْبَت له من الشّفاعة مثلَها».
وعن الصَّادق عليه السلام إنّ مَن أدار الحصيّات التي تُعمل من تربة الحُسَين عليه السلام ".." فاستَغْفَرَ بها مرّة واحدة كُتِبَ له سبعون مرّة، وإن أمسكَ سبحةً في يده ولَم يُسبِّح كُتِبَ له بكلِّ حبّة سبعاً.
السّابعة: في الحديث المعتبر أنّ الصّادق صلوات الله عليه لمَّا قَدِم العراق أتاه قومٌ فسألوه: عرفنا أنّ تربة الحُسَين عليه السلام شفاءٌ من كلِّ داء، فهل هي أمانٌ أيضاً من كلِّ خوف؟ قال عليه السلام:
«بلى، مَن أراد أن تكون التّربةُ أماناً له من كلِّ خوف، فَلْيَأخذ السُّبحةَ منها بيده، ويقول ثلاثاً:
أَصْبَحْتُ اللّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمامِكَ وَجِوارِكَ المَنِيعِ الَّذِي لا يُطاوَلُ وَلا يُحاوَلُ، مِنْ شَرِّ كُلِّ غاشِمٍ وَطارِقٍ مِنْ سائِرِ خَلْقِكَ، وَما خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَالصَّامِتِ وَالنَّاطِقِ، فِي جُنَّةٍ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ بِلِباسٍ سابِغَةٍ حَصِينَةٍ، وَهِيَ وَلاء أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، مُحْتَجِزاً مِنْ كُلِّ قاصِدٍ لِي إِلى أَذِيَّةٍ بِجِدارٍ حَصِينٍ، الإخْلاصِ فِي الاعْتِرافِ بِحَقِّهِمْ، وَالتَّمسُّكِ بِحَبْلِهِمْ جَميعاً، مُوِقناً أَنَّ الحَقَّ لَهُمْ وَمَعَهُمْ وَمِنْهُمْ وَفِيهِمْ وَبِهِمْ، أُوالِي مَنْ وَالوا وَأُعادِي مَنْ عادَوا وَأُجانِبُ مَنْ جانَبُوا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعِذْنِي اللّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ما أَتَّقِيهِ، يا عَظِيمُ حَجَزْتُ الأعادِي عَنِّي بِبِدِيعِ السَّماواتِ وَالأرْضِ، إِنّا جَعَلْنا مِنْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ سَداً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداً فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.
ثمّ يقبِّل السُّبحة ويمسح بها عينيه، ويقول:
أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ التُّرْبَةِ المُبارَكَةِ، وَبِحَقِّ صاحِبِها، وَبِحَقِّ جَدِّهِ، وَبِحَقِّ أَبِيهِ، وَبِحَقِّ أُمِّهِ، وَبِحَقِّ أَخِيهِ، وَبِحَقِّ وُلْدِهِ الطَّاهِرِينَ، اجْعَلْها شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، وَأَماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
ثمّ يجعلها على جبينِه، فإنْ عملَ ذلك صباحاً كان في أمان الله تعالى حتّى يُمسي، وإنْ عملَه مساءً كان في أمان الله تعالى حتّى يُصبح».
ورُوي في حديثٍ آخر أنّ مَن خاف من سلطان أو غيره، فليَصنع مثلَ ذلك حين يخرج من منزلِه ليكون ذلك حرزاً له.
أقول: لا يجوز مطلقاً على المشهور بين العلماء أكلُ شيءٍ من التّراب أو الطِّين إِلَّا تربة الحُسَين عليه السلام المقدَّسة استشفاءً، من دون قصد الالتذاذ بها، بقدر الحمّصة، والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التّربة في فمه ثمَّ يشرب جرعةً من الماء، ويقول: «أللّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً وَاسِعاً، وَعِلْماً نافِعاً، وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ وَسُقْمٍ».
الاستئذان لأخذ التُّربة، وختمُها
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: إذا تناولَ أحدُكم من طينِ قبر الحسين بن عليّ، فَلْيَقُل: أللّهمَّ إنّي أسألك بحقّ الملَك الذي تناول، والرَّسولِ الذي نَزَل، والوصيّ الذي ضُمِّن فيه أنْ تجعلَه شفاءً من كلِّ داء. ويسمِّي ذلك الدَّاء.
ورُويَ أنَّ رجلاً سأل الإمام الصادق عليه السلام فقال: إنّي سمعتُك تقول: إنَّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المُفردة، [أي لا حاجة لتكراراها لأنّها تشفي من أوّل مرّة]، وإنّها لا تمرُّ بداءٍ إلّا هَضَمَتْه، فقال: قد كان ذلك -أو قد قلتُ ذلك فما بالك؟- فقال: إنّي تناولتُها فما انتفعتُ بها.
قال: أما إنَّ لها دعاءً فمَن تناولَها [أي أخَذها من مكانها] ولم يدْعُ به واستعملَها لم يكد ينتفعِ بها. فقال له: ما يقول إذا تناولها؟
قال: تُقَبِّلُها قبلَ كلّ شيءٍ وتضعُها على عينيك، ولا تَناولْ منها أكثر من حمَّصة، فإنّ مَن تناولَ منها أكثر، فكأنَّما أكلَ من لحومِنا ودمائنا، فإذا تناولتَ فقُل: أللّهمّ إنّي أسألك بحقِّ الملَك الذي قبضَها، وبحقِّ الملَك الذي خزنَها، وأسألُك بحقِّ الوصيِّ الذي حلَّ فيها أن تُصلِّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأنْ تجعلَه شفاءً من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف، وحِفْظاً من كلّ سوء. فإذا قلتَ ذلك فاشدُدها في شيء، واقرأ عليها (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، فإنّ الدّعاء الذي تقدّمَ لِأَخْذِها هو الاستيذانُ عليها، وقراءة (إنا أنزلناه) ختمُها».
(مصباح المتهجِّد، الشيخ الطُّوسي) |