في محراب أبي الفضل العبّاس
سيّدُ الواصِلين إلى سيّد الشّهداء عليهما السلام
______الشيخ حسين كوراني______
السَّلام على السَّادة المجاهدين ورحمة الله وبركاته.
للمجاهدين مع سيّدِ الشّهداء عليه السلام، ومع سيّدِ الواصلين إليه أبي الفضل العبّاس عليه السلام حديثٌ ذو شُجون.
طالما ردَّدت هضابُهم والأودية مع شِغاف قلوبهم: «يا حُسين»، «يا أبا الفضل».
رَدَّدوا ذلك في رحلة الجهاد الأكبر التي تقعُ محطّةُ الجهاد الأصغر في سياقها، وكمفردةٍ مَعْلَمٍ من مفرداتها.
الوصولُ إلى الحُسين عليه السلام هدف، لأنَّه مِن رسول الله، ورسولُ الله منه: «حسينٌ منّي وأنا من حُسين».
وحيث لا وصول إلى الله تعالى إلَّا من خلال رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلا وصولَ إلى رسول الله إلَّا بالحُسين عليه السلام.
ولكن كيف السَّبيل؟
كيف نَصِلُ إلى الحُسين عليه السلام؟
نخشعُ هنا في محراب أبي الفضل عليه السلام لنتعلَّم بمقدار وسْعنا، وتسيل أوديةٌ بقدَرها، يقول الإمام السّجّاد عليه السلام:
«رحم الله العبّاس ".." فلقد آثَرَ، وأَبْلى، وفَدَى أخاه بنفسه حتّى قُطِعت يداه، فأَبْدله الله بهما جناحَين يطيرُ بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنَّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى لَمَنزلةً يغبطه بها جميعُ الشّهداء يوم القيامة».
***
O الدّرس الأوّل من أبي الفضل عليه السلام: الإيثار، وهو يعني حبُّ الحسين أكثرَ من أنفسنا.
وَصَل أبو الفضل إلى المَشرعة، وغَرَف الماء بيده ثمَّ رماه، كيف أشربُ الماءَ والحسين عطشان؟
هل يُمكن للأمِّ أن تشرب الماء وهي ترى وحيدَها يَتَلظَّى عطَشاً؟
أَوَلَسنا مأمورين بأن يكون حبُّنا لِعِترة المصطفى صلّى الله عليه وآله، أكثرَ مِن حبِّنا لعِترتنا، أي أكثر من حبِّ الأمِّ لوحيدها؟
وطبيعيٌّ أنَّ حبَّ الحُسين أكثر من النّفْس، بل أكثر من حبِّ الوليد -حتّى الوحيد- يستدعي تقديمَ النّفس للوصول إلى الحُسين، وبه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإلى الله تعالى.
إيثارُ أبي الفضل هو الذي يُجلجِلُ في سَمْع الزّمان:
يا نفسُ من بعدِ الحسين هوني وبعدَه لا كنتِ أن تكوني
***
O والدّرس الثّاني من أبي الفضل عليه السلام: حُسن البلاء في ساحات الجهاد.
تجلَّى ذلك أوَّلاً في الاحتساب عند الله، والتَّقرُّب إليه عزّ وجلّ؛ فقد خاطب المولى أبو الفضل إخوته: تقدَّموا لِأَحتسبَكم عند الله، وهو أمرٌ يكشف للأجيال أنَّ الهدف عند أبي الفضل والقضيّة هو الحُسين بن عليٍّ وفاطمة، ابنِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، الذي عَرفت الأمَّةُ مَوْقعَه من المصطفى، وليس الهدف الدّفاع عن مجرَّد النَّسَب مهما علا شأنُه، ولذلك تقدَّم أربعة من أولاد أمير المؤمنين للدِّفاع عن سيِّدهم وسيِّد الشّهداء جميعاً أبي عبد الله الحُسين عليه السلام.
وهو بعدُ أمرٌ يكشف عن مدى الاستعداد للتّضحية في سبيل الله هذا، كما يكشف مدى القدرة على الصَّبر التي يَستدعيها الاحتساب.
وتجلَّى حُسنُ بلاء المولى أبي الفضل ثانياً، في الملاحم العلويّة التي سطَّرها في رُبَى كربلاء.
لا تبحث في مصدرٍ لتعرفَ ذلك، بل ابحث في ثوابت العقل ومُحْكَمِ نبْض ساحات القلب، عن تحوُّل كلِّ ذلك المعسكر المدجَّج اللّجب من استهداف أبي الفضل، إلى استهداف «اليمين» ثمَّ التّركيز بعد ذلك على استهداف «اليسار».
ماذا كان من عظيم شأن تلك اليمين المحمَّديَّة العَلَويَّة في فَرْيِ الرِّقاب وتفريق الصُّفوف، وتبديد التّجييش، حتّى صارت هدفاً، ودون الجرأة على المواجهة، بل من خلال كمين، خلف نخلة.
وبعد أن طارت -فداها النُّفوس- هذه «اليمين» إلى الفردَوْس الأعلى، ماذا كان مِن أمر «اليَسار» لتُصبحَ هي الهدف؟!
هل نَقِف بعض الشّيء، على أعتاب قول المولى الإمام السّجّاد عليه السلام:
«فأَبْدَلَه اللهُ بهما جناحَين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب..».
***
O والدّرس الثّالث من أبي الفضل عليه السلام: مواصلةُ الجهاد الأكبر مهما غَلَت التّضحيات:
والله إن قطعتُم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
***
قد قَطَعوا بِبَغْيِهم يساري فَأَصْلِِهِم يا ربّ حرَّ النّارِ
ما اليمين وما اليَسار وما الرّأس وما النَّفس؟
يريد أبو الفضل عليه السلام أن يَصِل إلى الحُسين عليه السلام، إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى الله تعالى.
لِنتذكَّر أيُّها الأعزّاء شهيدَ الإسلام، سيِّدَ شهداء المقاومة أبا ياسر، الذي تعلَّم من أبي الفضل العبّاس عليه السلام، وكأنِّي به يقول: إذا كان سيِّدي ومولاي أبو الفضل العباس عليه السلام، قد قدَّم رأسه واليدَين فإنِّي يا إلهي -كما نصّ هو عليه الرّحمة والرّضوان بصوته- أُقدِّمُ رُوحي وجسدي، والخجلُ يَعتَصِرُني، كيف أُرجِع الأمانة ملوَّثة.
هكذا يصبح الجهاد الأصغر في موقعه الطّبيعي مُفْرَدةً من مفردات الجهاد الأكبر.
أللّهمَّ ارزُقنا.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
__________________________________________
* من فقرات برنامج كان يقدّم عن عمليّات «المقاومة الإسلاميّة» في «إذاعة النّور»