حوارات

حوارات

منذ 4 أيام

مع الشيخ جواد اللّنكراني


حوار مع الأستاذ في الحوزة العلميّة الشيخ محمّد جواد اللّنكراني
* كلّما قويت المعرفة بالإمامة والولاية، اتّضحت غايات النّهضة الحسينيّة أكثر فأكثر
* بذل سيّدُ الشهداء عليه السلام مُهجتَه في الله تعالى، ليستنقذَ العباد من الضّلالة

ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ


* سماحة الشيخ محمّد جواد اللّنكراني من أساتذة الحوزة العلميّة في قمّ المقدّسة، وهو نجل المرجع الدّيني الرّاحل آية الله الشيخ الفاضل اللّنكراني رحمه الله، ومن تلامذة آية الله الشيخ حسن حسن زاده آملي، وآية الله السيّد كاظم الحائري حفظهما الله.
* له عدّة مؤلّفات في الفقه والأصول والأبحاث القرآنيّة، وغيرها من المعارف الإسلاميّة.
* الحوار التالي، مختصر من المقابلة التي أجرتها مجلّة (فرهيختگان) الفارسيّة مع سماحته حول بعض أبعاد النّهضة الحسينيّة المباركة.

O ما هي المصادر التّاريخية المعتبرَة التي تناولت ثورة الإمام الحسين عليه السلام؟
الكُتب التّاريخية المتعلّقة بوقعة عاشوراء على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: هي تلك التي تنقل حوادثَ التّاريخ بشكلٍ عامّ، من قبيل تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير.
القسم الثاني: الكُتب التّاريخية المتكفّلة لبيان حياة الإمام الحسين عليه السلام.
القسم الثالث: تلك المتكفّلة لبيان واقعة عاشوراء، والأحداث الواقعة قبلها وبعدها؛ من قبيل المقاتل المؤلّفة بشكل مختصَر أو مفصّل، حيث تناول بعضها الحوادث الأساسيّة، واهتمّ بعضها الآخر اهتماماً بالغاً بتدوين أسامي أنصار الإمام الحسين عليه السلام، من قبيل مقتل فضيل بن عمر، في القرن الثاني، والمعروف بـ (تسمية مَن قُتِل مع الحسين عليه السلام).
وإذا أردنا بشكل عام أن نذكر مصدراً أو مقتلاً دقيقاً يبيّن تفاصيل حوادث عاشوراء بشكل موثّق، يمكننا أن نعتمد على ما كتبه الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه (الإرشاد) فهو تاريخ معتبَر، وهكذا ما كتبه خاتمُ المحدّثين الشيخ عباس القمّي رحمه الله وهو كتاب (نفَس المهموم). طبعاً هناك مقاتل كُتبت بشكل مختصر من قبيل ( اللّهوف في قتلى الطّفوف) للسيّد ابن طاوس، و(نفثة المصدور) للمحدّث القمّي أيضاً، وهو بمثابة تتمّة لـ (نفَس المهموم).

O ما هو هدف الإمام الحسين عليه السلام من خروجه ومن عدم بيعتِه ليزيد؟
في البداية يجب أن نلتفت إلى أنّ واقعة كربلاء واقعة لا نظير لها، لا في الماضي ولا في الحاضر، وقد حصلت بتدبيرٍ خاصٍّ من قِبل الله تعالى، ومن الممكن أن يكون كثيرٌ من جهات هذه الواقعة خارجَ دائرة تحليل المفكّرين والمحقّقين، وعليه لا يمكن بيانُ جوانبها بتحليلٍ وتفسيرٍ بسيط، بل من الممكن أن تظهر لها أبعاد عميقة بمرور الزّمن، وكلّما قوِيت المعرفة بالولاية والإمامة ستتّضح غاياتُ هذه الواقعة أكثرَ فأكثر.
وأُشير هنا -ردّاً على سؤالِكم- إلى عددٍ من النّظريّات والآراء المطروحة حول أهداف سيّد الشّهداء صلوات الله، بدءاً من خروجه من المدينة المنوّرة إلى يوم شهادته عليه السلام:
1- إنّ تحرُّكَ الإمام الحسين عليه السلام كان لأجل الشّهادة، ولم يكن لحركتِه هدفٌ سوى هذا، وقد ذهب الى هذه النّظريّة السيّد ابن طاوس وجملة من المحقّقين.
2- الإمام الحسين عليه السلام كان يسعى بحسب الظّاهر لإنشاء الحكومة الإسلاميّة، ولكنّه وفي الوقت نفسه، كان يعلم بأنّه مقتول، وقد أقدمَ على ذلك مع علمِه بأنّه سوف يُستَشهَد.
3- ذكر المحقّق الشيخ محمّد مهدي النّراقي رحمه الله في كتابه (محرق القلوب) أنّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام هي عبارة عن فداء، أي أنّه عليه السلام أقدمَ على الشّهادة كي يطهّر بها ذنوبَ هذه الأمّة، ويصبح الشّافعَ لهم، وقد رَضِيَ الإمام عليه السلام بالشّهادة في مقابل الشّفاعة الكبرى لشيعتِه ومحبّيه.
4- خروج الإمام الحسين عليه السلام كان تكليفاً شخصيّاً، وقد تبنّى هذه النّظريّة الشيخ صاحب الجواهر. يقول رحمه الله في (جواهر الكلام: ج 21، ص 296): «..على أنّه له تكليفٌ خاصّ، قد قدم عليه وبادرَ إلى إجابته، و[هو] معصومٌ من الخطأ لا يُعترَضُ على فعله ولا قوله، فلا يُقاس عليه مَن كان تكليفُه ظاهرَ الأدلّة، والأخذ بعمومها وإطلاقها، مرجّحاً بينها بالمرجّحات الظنيّة..».
5- إنّ لثورة الإمام الحسين عليه السلام مرحلتَين: المرحلة الأولى لأجل إنشاء الحكومة الإسلامية، وفي المرحلة الثانية -بعد شهادة مسلم بن عقيل- صمّم الإمام عليه السلام على الشّهادة، وتوجَّهَ نحو كربلاء، وقد ذهبَ إلى هذا القول الشيخ الشهيد مطهّري.
6- اعتبر بعضُ الكتّاب المعاصرين أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام لها ثلاث مراحل: فالهدف الأوّل هو بناء الحكومة الإسلاميّة، وحيث وجد الإمام عليه السلام أنّ هذا الهدف لا يُمكن تحقيقُه، توجّه إلى المرحلة الثانية: وهي الصّلح بين المسلمين، وحينما لم يتحقّق هذا الأخير أيضاً، وحيث أنّ النّفس المقدّسة للإمام الحسين عليه السلام تأبى الذِّلّة والعيش مع الظّالمين، فقد اختار الشّهادة. وهناك آراء أخرى، لكنّها عموماً لا تخرج في مضمونها عمّا سلف.

O بناءً على ما تقدّم، هل يُمكن القول إنّ الإمام الحسين عليه السلام خرجَ لأجل الخلافة والحكم؟ وهل أنّ بناء الحكومة الإسلاميّة كان هو الهدف من هذه الحركة العظيمة أم لا؟
لو افترضنا جدلاً أنّ الإمام الحسين عليه السلام خرج طالباً الخلافة الظّاهريّة، لما أَمكَننا أن نعثر على شاهدٍ واحدٍ يؤكّد هذا المدّعى، بل إنّ القرائن والشّواهد التاريخيّة المتكثّرة تؤكّد خلاف ذلك، أي أنّه عليه السلام لم يخرج طلباً للحكم والخلافة، وفي مقام الاستدلال يسعنا أن نورد -كمثال- عدّة نقاط:
أوّلاً: كان معاوية قد مسخ دين النّاس بنسبةٍ كبيرة، واستمالَ الوجهاء و«أشراف» القوم، إلى حدِّ أنّه تمكّن -خلافاً لما كان يتوقّعه- من أخذ البيعة في أيّام حياته لابنه يزيد بسهولة. وبالتالي كان سيّد الشهداء عليه السلام يعرف تماماً أنّ حركة التّغيير المنشودة لن تتمّ بمؤازرةٍ من الوجهاء الذين «عظمت رشوتُهم».
ثانياً: الإمام الحسين عليه السلام يعرف أهل الكوفة حقّ المعرفة، وهو عليه السلام خَبر وعايش تجربة أبيه أمير المؤمنين وأخيه الإمام الحسن عليهما السلام مع أهل الكوفة في الشّدائد.

ثالثاً: كان الإمام الحسين عليه السلام قد أطلَع عبدَ الله بن عبّاس وابنَ عمر وجمعاً آخرين على حقيقة أنّه سيُستَشهد، وكان إعلانُه هذا صلوات الله عليه قبل شهادة مسلم بن عقيل، وسيأتي مزيدُ إيضاح.
رابعاً: الخروج لطلب الخلافة والحكم لا يتناسب مع إخراج النساء والأولاد.
نعم قد صرّح الإمام الحسين عليه السلام بأنّه هو الجدير بالخلافة، لكن هذا لا يعني أنّه عليه السلام قد خرج لأجل ذلك. وأمّا كلماته عليه السلام التي يُمكن أن يستدلّ بها الآخرون على مدّعاهم في أنّ ثورته عليه السلام كانت لأجل إقامة حكمٍ جديد، فليس فيها ما يُثبت هذا المدّعى، بل تدور جميعُها على سلب الشرعيّة عن خلافة يزيد وآل أبي سفيان عموماً استناداً إلى ما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفيها دعوةٌ صريحةٌ للأمّة إلى العمل بالكتاب والسنّة ونبْذ البِدَع، وأنّه صلوات الله عليه خرج طلباً للإصلاح في أمّة جدّه صلّى الله عليه وآله.

دراسة نظريّة طَلب الشهادة
O هل يمكن القول بأنَّ الإمام الحسين عليه السلام حيث كان يعلم بأنّ عاقبة الخروج هي الشّهادة، فقد خرج لأجلِ هذه الغاية؟
يعتقد مشهور المحقّقين أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان على علمٍ واطّلاعٍ كاملٍ بشهادته قبل وقوعها بأمدٍ بعيد، وحيث كان على علمٍ بذلك فقد خرج قاصداً الشّهادة، وقد صرَّح سلام الله عليه بهذا الأمر عند خروجه من المدينة المنوّرة: «..أمّا بعد، فَإنَّهُ مَنْ لَحِقَ بي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الْفَتْحَ، وَالسَّلامُ»، ثمّ إنّ نفراً من أهل المدينة الذين كانوا يعلمون بأنّ عاقبة الالتحاق بالإمام الحسين هي القتل امتنَعوا عن الخروج معه. ومن هنا فإنْ كنّا نعتقد بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان لديه علمٌ كامل بعاقبة هذا الأمر -وهو الشّهادة- فكيف يُمكننا القول بأنّه عليه السلام خرجَ طالباً الحكم والخلافة؟
والشّواهد التي تؤكّد معرفة الإمام الحسين عليه السلام التامّة بعاقبة خروجه كثيرة، وفيها تصريحٌ منه عليه السلام لا يحتمل التّأويل على الإطلاق في أنّه كان عالماً علمَ اليقين بأنّه سوف يُختَم له بالشّهادة، وبحيثيّاتها والتّفاصيل المرتبطة بها. وفي ما يلي ثبتٌ بعددٍ محدودٍ من هذه الشّواهد نقلاً عن المصادر التاريخية:
1- قال الشيخ المفيد في (الإرشاد): «..وروى عبد الله بن شريك العامري قال: كنتُ أسمعُ أصحابَ عليٍّ عليه السلام إذا دخلَ عمرُ بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتلُ الحسين بن عليّ عليه السلام وذلك قبل قتلِه بزمان.
وروى سالم بن أبي حفصة، قال: قال عمر بن سعد للحسين: يا أبا عبد الله! إنّ قِبلنا ناساً سفهاء يزعمون أنّي أقتلُك!
فقال الحسين عليه السلام: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِسُفَهاءَ، وَلكِنَّهُمْ حُلَماءُ، أَما إِنَّهُ يقِرُّ عيْني أَنَّكَ لا تَأْكُلُ بُرَّ الْعِراقِ بَعْدي إلّا قَليلاً».
2- خطبة الإمام الحسين عليه السلام في مكة ليلة الثّامن من ذي الحجّة في أهل بيته وأصحابه، وممّا جاء فيها: «.. وَخيّر لي مَصْرَعٌ أَنَا لاقيهِ، كَأَنّي بِأَوْصالي تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواويسِ وَكَرْبَلاءَ ، فَيَمْلَأْنَ مِنّي أَكْراشاً جوفاً وَأَجْرِبَةً سُغْباً، لا مَحيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، ".." مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَه، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنا، فَإِنّي راحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شاءَ الله».
3- في طريقه من مكّة إلى العراق، وبعيد وصوله إلى منطقة «الثّعلبيّة» تلا الإمام الحسين عليه السلام آية الاسترجاع ثلاث مرّات، وقال لولده عليّ الاكبر: «..إنّي خَفَقْتُ بِرَأسي خَفْقَةً فَرَأَيْتُ فارِساً عَلى فَرَس وَقَفَ عَلَيَّ، فَقالَ: يا حسين! إنّكم تُسرعون والمَنايا تُسرِعُ بكم إلى الجنّة؛ فَعَلِمْتُ أَنَّ أَنْفُسَنا نُعِيَتْ إِلَيْنا».
4- عن الإمام السجّاد عليه السلام: «خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل منه إلّا ذكرَ يحيى بن زكريّا وقَتْلَه، وقال يوماً: وَمِنْ هَوانِ الدُّنْيا عَلَى اللهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَريّا أُهْدِيَ إِلى بَغيَّةٍ مِنْ بَغايا بَني إِسْرائيل».
5- عندما نزل الإمام الحسين عليه السلام في «بطن العقبة»، لقِيه شيخٌ من بني عكرمة فقال له: أين تريد؟ قال له الحسين عليه السلام: الْكُوفَةَ. فقال الشيخ: أُنشِدُك الله لمّا انصرفت، فوَاللهِ ما تُقدِمُ إلّا على الأَسنّة وحدِّ السيوف ".." فقال له الإمام عليه السلام: «يا عَبْدَ اللهِ! لَيْسَ يَخْفى عَلَيَّ الرَّأْيُ، وَإِنَّ الله تَعالى لا يُغْلَبُ عَلى أَمْرِهِ. ثمّ قال عليه السلام: وَاللهِ! لا يَدَعُوني حَتّى يَسْتَخْرِجُوا هذِهِ العلقَةَ مِنْ جَوْفي، فَإِذا فَعَلُوا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلُّهُمْ، حَتّى يَكُونُوا أَذَلَّ فِرَقِ الأُمَم».
6- قوله عليه السلام في المنطقة المعروفة بـ «ذي حسم»: «فَإِنّي لا أَرىَ الْمَوْتَ إلّا سعادة، وَلاَ الْحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إِلّا بَرَماً».
O هل يعني ما تقدّم أنّ خروج الإمام الحسين صلوات الله عليه كان فقط لنيل الشّهادة، ولم يكن صلوات الله عليه يرمي من ذلك إلى تحقيق هدفٍ آخر؟
كلا، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. بل لا بدّ من إضافة ملاحظة مكملة لما تقدّم، وتلك الملاحظة هي التّعبير الوارد في زيارة الأربعين برواية الشيخ الطوسي في (التهذيب): «..وبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَة..».
ومن المناسب هنا أن نشير إلى نماذج من الجهالة والضّلالة التي بلَغتها الأمّة الإسلاميّة في حينه نتيجةَ إعراضها عن وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله في الأخذ بحُجزة أهل بيتِه من بعده، وفي التّصدّي لآل أبي سفيان متى رأوهم يعتلون منبرَه، فلمّا امتنعَ جمهورُ المسلمين عن لجْم معاوية، ابتلاهم الله تعالى بيزيد وهو شرٌّ من أبيه، كما في كلامٍ لسيّد الشهداء صلوات الله عليه.
في كتابه (معالم الفِتن) ينقل الأستاذ سعيد أيوب عن السيّد قطب قوله: «قد تكون رقعة الإسلام قد امتدّت على يدَي معاوية ومَن جاء بعده، ولكنّ روح الإسلام قد تقلّصت، وهُزِمت، بل انطفأت، فأنْ يهشّ إنسانٌ لهزيمة الرّوح الإسلاميّة الحقيقيّة في مهدها، وانطفاءِ شعلتِها بقيام ذلك المُلك العَضوض، فتلك غلطةٌ نفسيّة وخُلقيّة لا شكَّ فيها».
وهذه نماذج من تراث آل أميّة في «اطفاء روح الإسلام»:
1- قال المقريزي في (النزاع والتخاصم): «..أتى أبو سفيان قبرَ حمزة فركلَه برِجله، ثمّ قال: يا حمزة! إنّ الأمر الذي كنتَ تقاتلُنا عليه بالأمس قد مَلكناه اليوم، وكنّا أحقَّ به من تَيْمٍ وعَدِيّ». [المصدر: ص 87، مكتبة أهل البيت]
2- وفي (أنساب الأشراف) للبلاذري: «..قال أبو سفيان حين قُبض رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: تَلقّفوها الآن تلقُّفَ الكرة، فما من جنّةٍ ولا نار». [المصدر: ج 5، ص 13، مكتبة أهل البيت] وفي (النزاع والتخاصم) أنّه خاطب الخليفة الثالث: «صارت إليك بعد تَيْمٍ وعَدِيّ، فَأَدِرْها كالكرة، واجعل أوتادَها بني أميّة، فإنّما هو المُلك، ولا أدري ما جنّة ولا نار».
3- في (شرح النّهج) لابن أبي الحديد أنّ معاوية قال للمغيرة بن شعبة: «..وإن محمّداً ليُصاح به كلَّ يومٍ خمسَ مرّات: (أشهد أنّ محمّداً رسول الله)، فأيُّ عملي يبقى، وأيُّ ذكرٍ يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا واللهِ إلّا دفناً دفناً».
4- قال البيهقي الشافعي (ت:458 للهجرة) ردّاً على القائل إنّ معاوية خرج من الإيمان بمحاربة عليٍّ عليه السلام: «إنّ معاوية لم يدخل في الإيمان حتّى يخرجَ منه، بل خرجَ من الكفر إلى النّفاق في زمن الرّسول صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ثمّ رجع إلى كفره الأصلي بعده».
5- «..سمعتُ الزهري يقول: دخلتُ على أنَس بن مالك [خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله] بدمشق وهو يبكي. فقلتُ له: ما يُبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركتُ إلّا هذه الصّلاة، وهذه الصّلاة قد ضُيِّعت». [صحيح البخاري: ج 1، ص 134، دار الفكر]
6- «..عن معاوية بن قرة: أدركتُ سبعين من الصّحابة، لو خرجوا فيكم اليوم، ما عرفوا شيئاً ممّا أنتم فيه إلّا الأذان». [ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 59، ص 269، دار الفكر]
7- قال البلاذري في (أنساب الأشراف): «كان يزيد بن معاوية أوّلَ مَن أظهرَ شربَ الشّراب والاستهتار بالغناء..». لاحظ قولَه إنّ يزيداً أظهرَ شرب الشّراب والاستهتار بالغناء، ما يعني أنّ مَن سبقَه لم يُظهره، وإنّما تكتّم عليه.
8- قال المسعودي في (مروج الذهب): «..وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعلُه من الفسوق، وفي أيّامه ظهرَ الغناء بمكّة والمدينة، واستُعملت الملاهي..».
9- قال ابن كثير في (تاريخه) يصفُ بعضَ أخلاق يزيد: «..وما من يومٍ إلّا ويُصبح فيه مخموراً..». [المصدر: ج 8، ص 436] إلى غير ذلك من الشواهد التي لا يتّسع المقام لذكرها.
إذاً، فقد كان يزيد يعمل -وفق مخطّطٍ وضعَه أسلافُه الأمويّون- للقضاء على الإسلام، ومحْو ذِكر رسول الله صلّى الله عليه وآله، والعودة إلى الجاهليّة، وإلى هذا المعنى أشار سيّد الشهداء صلوات الله عليه في غير موقف. وفي الوقت نفسه، كان المجتمع الإسلامي يئنُّ من البِدع، وتضييع السُّنن النّبويّة، ومن الاضطهاد والظّلم واستئثار الأمويّين بكلّ شيء، لكنّه صار كجسدٍ شِلوٍ لا قدرة له على المواجهة، نتيجة تخاذلِه في العقود السّابقة عن الانتصار لوصية النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله.
ولأجل ذلك لاذَ النّاسُ بالإمام الحسين عليه السلام، وطلبوا منه أن يتكفّل قيادة الأمّة الإسلامية، فاستجاب لهم عليه السلام عالماً بما سيكون من تخاذلِهم وتراجعِهم، ومدركاً أيضاً أنّ إحياء معالم الدّين وتمتين أصوله باتت منوطةً بشهادته وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثمّ إنّه عليه السلام بعملِه هذا قد أقام الحجّة على أولئك الذين يزعمون مكافحة الظّلم والجَور؛ الذين استنصروا إمامَهم، فلمّا نصرَهم خذلوه.
وبعبارة أخرى، يُمكن القول إنّ إيقاظ الأمّة الإسلامية من غفلتها وضلالها انحصر في ذلك الزّمن بأن يخرج سيّد الشهداء صلوات الله عليه بأَهله وعياله ونفرٍ قليلٍ من أصحابه، فيُستشهَد هو ومَن معه بتلك الصّورة المفجعة، ثمّ يجري على نسائه من بعد شهادته ما جرى من السّبي. أي أنّ شّهادة ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله كانت العاملَ الوحيد القادر على إيقاظ القلوب المنكوسة والمريضة، وإصلاح الأفكار المنحرفة والمُظلمة. فَلأَجل ذلك خرج الإمام الحسين صلوات الله عليه قاصداً الشّهادة، والله تعالى هو العالم.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ 4 أيام

دوريات

نفحات