«المهذّبُ البارع» لابن فهد الحلّي
من أبرزِ شروحِ «المختصَر النّافع» للمحقِّق الحِلّي
ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ
الكتاب: «المهذّب البارع في شرح المختصَر النّافع»
المؤلّف: الشيخ أبو العبّاس، أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841 للهجرة)
تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي
نشر: «مؤسسة النشر الإسلامي» التابعة لـ «جماعة المدرّسين»، قمّ المقدّسة 1407 للهجرة
عدد المجلّدات: خمسة
|
كتابُ (المهذَّب البارع) لمؤلِّفِه العلّامة ابن فهد الحلّي (ت: 841 للهجرة)، من أبرزِ كُتُب الفِقه لدى الشّيعة الإماميّة، وهو شرحٌ لكتاب (النّافع في مختصَر الشرائع) المشتَهر بـ (المختصَر النّافع) للمحقّق أبي القاسم، جعفر بن الحسن الحلّي (ت: 676 للهجرة) المعروف بـ «المحقّق الحلّي». وهذا الكتاب الأخير بدوره هو مختصَر كتاب (شرائع الإسلام) للمحقّق المذكور.
قال الشيخ آقا بزرك الطّهراني في (الذريعة): «(شرايع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) للشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ".." الشهير بالمحقّق الحلّي، المتوفّى في سنة 676 للهجرة ".." أحدِ أساطين رجالِ الشّيعة وفقهاءِ آلِ محمّدٍ عليهم السلام، وكتابُه هذا من أحسنِ المتون الفقهيّة ترتيباً، وأجمعِها للفروع، وقد وَلَعَ به الأصحابُ من لَدُن عصرِ مؤلِّفِه إلى الآن، ولا يزالُ من الكُتب الدراسيّة في عواصم العلم الشيعيّة، وقد اعتمدَ عليه الفقهاءُ خلالَ هذه القرون العديدة، فجعلوا أبحاثَهم وتدريساتِهم فيه، وشروحَهم وحواشيهم عليه».
إلى أن يقول: «وقد اختصرَ المحقّقُ نفسَه كتابَه هذا، وسمّاه (النّافع في مختصَر الشّرايع)، وقد اشتُهر بـ (المختصَر النّافع)، وهو من المتون المختصَرة الحسَنةِ الوضعِ والتّبويب، وقد عَنى الفقهاءُ به واهتمّوا لشرحِه، وبعضُ شروحه متداولٌ يدرَّسُ حتّى الآن».
والجدير بالذِّكر -وهو ما أورده الشّيخُ الطّهرانيّ أيضاً- أنّ كتاب (المختصَر النّافع) طُبِعَ في القاهرة سنة 1376 للهجرة [1956م] على نَفَقَة «وزارة الأوقاف المصريّة» و«جمعيّة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة».
المهذّب البارع
أمّا كتاب (المهذّب البارع) -محلّ البحث- لابنِ فهد الحلّي، فقالَ عنه في (الذّريعة) أيضاً: «(المهذّب البارع في شرح النّافع في مختصَر الشّرايع) لابن فهد الحلّي، أوردَ في كلِّ مسألةٍ أقوالَ الأصحاب وأدلّةَ كلِّ قول، وبيّنَ الخلافَ في كلِّ مسألةٍ خلافيّة ".." وفرغَ عن أصلِه في الحادي والعشرين من رجب سنة ثلاثة وثمانمائة».
وأمّا مؤلّف الكتاب العلّامة ابن فهد فقالَ فيه: «سمّيتُه بـ (المهذَّب البارع في شرح المختصَر النّافع)، وإنْ شئتَ فَسَمِّه: (جامعُ الدّقايق وكاشفُ الحقايق) ". ." لأنّه لا يمرُّ بمسألةٍ إلّا جلّاها غايةَ الجلاء».
وجاءَ تقسيمُ المجلّدات الخمس للكتاب على ترتيب سائر الكُتُب الفقهيّة، كالتاّلي:
الأوّل: من كتاب الطّهارة إلى مستحقّ الخمس.
الثاني: من الصّوم إلى المساقاة.
الثالث: من الوَديعة إلى الكفّارات.
الرابع: من اللّعان إلى لواحقِ الطّلاق.
الخامس: من الحدود إلى الدّيات.
وقد تضمّنَ كتابُ (المهذّب البارع) بطبعتِه المحقّقة بين أيدينا متنَ كتاب (المختصَر النّافع) مستقلّاً في أعلى الصّفحات، إتماماً للفائدة، وتسهيلاً على الباحثين.
قال الشيخ مجتبى العراقي محقِّقُ الكتاب: «نظراً بأنّ الكتاب شرحٌ لـ (المختصَر النّافع)، وقد تناولَ المصنِّفُ قدّس سرّه مقاطعَ منه ارتآها للشّرح والبحث، وترَكَ ما بَقِيَ من المتن لفطنةِ الباحثِ والاختصار، ونظراً لما في الجَمْعِ بينَ المتنِ الكاملِ والشّرحِ من فوائدَ جمّة؛ منها التّخفيفُ على الباحث من تحمُّلِ أعباءِ البحثِ والمراجعة، وارتباطِ العبارات بعضِها مع البعض، ارتأيتُ أن أوردَ متنَ (المختصَر النّافع) بكاملِه في أعلى الصّفحات».
يُعلَم من كلام المحقِّق العراقيّ أنّ العلّامة ابنَ فهد لم يشرَح عباراتِ (المختصَر) كلَّها، وإنّما اختارَ لذلك ما رآه جديراً به.
الدّاعي إلى تأليف (المهذَّب)
في مقدّمة (المهذّب البارع) أبلغَ العلّامة ابنُ فهد الحلّي رضوان الله عليه في الثّناء على كتاب (المختصَر) وعلى مؤلِّفه المحقّق الحلّي، ثمّ شرعَ في بيانِ الدّاعي إلى تأليفِ شرحٍ له، فَقال: «وكان من أفصحِ مختصراتِه وأنقحِ مصنّفاتِه [في علم الشَّرع] كتابُ (النّافع)، قد احتوى على مباحثَ دقيقة وأنظار عميقة، وأشار فيه [مؤلِّفُه] إلى الخلافِ في الأقوالِ والرّوايات، مع شدّةِ اختصارِه وبُعْدِ أغواره، واحتجبتْ أسرارُه وراءَ أستار لا يكشفُها إلّا الفقيهُ الكاسر، والبارعُ الماهر، إذ كان طويلَ المطالعة كثيرَ المُباحثة، محيطاً بأقوال الفقهاء، مطَّلعاً على مآخذ الفتاوى، مع شدّة احتياجِ النّاس إليه، وإكبابِ الطّالبين عليه. فسأَلَني جماعةٌ من المشتَغلين وطائفةٌ من المتردّدين، أن أشرحَه في دستورٍ يكون مُوضحاً لما كَمُنَ من أسرارِه، ومؤدّياً إلى ما بَعُدَ من أغوارِه، وافياً بحلِّ رموزاته، ومبيّناً لخلافاتِه، مع ذِكْرِ حجّةِ كلِّ متَمسِّكٍ بما اعتمدَ عليه، وإحصاءِ ما يَرِدُ من الجواب عليه ..».
ثمّ يذكرُ ابنُ فهد تهيُّبَه من المُضيِّ بهذا المشروع، وأنّه لم يُقدِمْ لولا إلحاحُ المطالبين له، فَلَجَأَ في الأمرِ إلى نَذْرٍ علَّقَه على شرط، وبعد حصولِ الشَّرطِ ظلّت الظّروفُ تُعاكِسُه، إلى أن كان العزمُ على الشّروعِ في الكتاب. يقولُ في ذلك: «فشرعتُ ".." مُستعيناً بالله تعالى ومتوكِّلاً عليه، فليسَ القوّةُ إلّا به، ولا المَرجِعُ إلّا إليه».
مقدّماتُه على الشّرح
وقد مهّد العلّامة ابن فهد في (تهذيبِه) لشرح كتاب (المختصَر النّافع) بأربعِ مقدّماتٍ يحتاجُ إليها الطّالب:
المقدّمة الأولى: عرَّفَ فيها بأصنافِ الرّوايات؛ من صحيحة، وحَسَنَة، وضعيفة، ومرسَلة.
المقدّمة الثانية: عرّفَ بالمصطلحاتِ التي ترتبطُ بالأحكامِ الفقهيّة من احتياطٍ ونحوه.
المقدّمة الثالثة: أشارَ فيها إلى المشايخِ الذين رجعَ إليهم في بيانِ الآراء الفقهيّة المختلفة.
المقدّمة الرابعة: بيّنَ فيها منهجَه في الكتاب، فقال: «إعلم أنّي التزمتُ في هذا الكتاب بالإشارةِ إلى تَبيينِ الخلافِ الواقعِ في كلِّ مسألةٍ أشارَ المصنِّفُ إلى الخلافِ فيها، واجتهدتُ في تحصيلِ المخالِف وإبانتِه -وإنْ كان نادراً أو مَتروكاً- بحَسب جُهدي. وربّما كان النّظرُ أو التّردّدُ في المسألة من المصنِّف خاصّةً، لدليلٍ انقدَحَ في خاطرِه، فأشيرُ إلى ذلك وأبيِّنُه في موضعِه بعدَ استقرائي أقوالَ الأصحابِ وفتاويهم ورواياتِهم بحَسب الإمكان. وأُوردُ في كلِّ مسألةٍ ما قالَ فيها الأصحابُ من الأقوال المتعدّدة، وإنْ كان بعضُها متروكاً. فقد يقولُ المصنِّفُ في المسألة: "وَفيها قولان"، فأذكرُ فيها أكثرَ من ذلك. وإنْ ناسَبَها مسألةٌ خلافيّةٌ أَرْدَفْتُها بها، وإنْ لم يُشِرِ المصنِّفُ إليها بالخلاف، بل وإنْ لم يَذكُرْها في الكتابِ غالباً. وإنْ كانَ المقامُ ممّا يليقُ به التّفريع، أوردتُ عليه ما أمكنَ من التّفريعات ووُجوهِها، وأوردتُ لكلِّ فريقٍ حجَّتَه من عمومِ إطلاقٍ مسلّم، أو تمسُّكٍ بِأَصل، أو خصوصِ كتابٍ أو سُنّة، وما يَرِدُ عليه، وربّما ذكرتُ جوابَ الإيراد..».
مختصَر (التّهذيب)
جديرٌ بالذِّكر أنّ العلّامة ابنَ فهد قامَ أيضاً بتأليفِ مختصَرٍ لكتابِه (المهذّب البارع) سمّاه: (المقتصَر من شرح المختصَر)، قال في مقدّمتِه: «فلمّا فرغتُ من الكتابِ الجامع، أعني (المهذّب البارع في شرح مختصَر الشّرائع)، وكان كافياً بحلِّ رموزِه وتردُّداتهِ، وافياً بالإرشادِ إلى شُعَبه وتفريعاتِه، ومُوصلاً إلى بحثِه وتحقيقاتِه، مشتملاً على حَصْرِ الأقوالِ وذِكْرِ أدلّةِ كلِّ فريق، وإيرادِ ما يحضرُ من الاعتراضات، وتحصيلِ الجواب عمّا يُمكن من التّّنبيهات، والإطنابِ في المسائلِ المُعضِلات التي هي مطارحُ الأذكياء ".." اختصرتُ منه ما يُمكن به الإشارة إلى خلافاتِه وإيضاحِ تردُّداتِه، دونَ البحثِ والإطنابِ والزّيادة في الأبواب، بحيث يكونُ كالحاشيةِ للكتاب».
قال الشيخ الطّهراني في (الذريعة) معرِّفاً بهذا المختَصر: «(المقتَصر من شرح المختصَر)، هو مقتَصر ومختصَر من (المهذّب البارع) الذي هو شرح (المختصَر النّافع) تصنيف المحقّق الحِلّي». إلى أن يقول: «فَلِابنِ فهد شرحان على (المختصَر النافع): الكبير، الموسوم بـ (المهذّب البارع)، والصّغير، المختصَر منه، الموسوم بـ (المقتَصر)».