الملف

الملف

11/02/2013

وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي..


فلا تَحْرِمني يومَ القيامةِ رؤيتَه
أللَّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِهِ في الأوَّلينَ، وصَلِّ على محمَّد وآلهِ في الآخِرينَ، وصلِّ على محمَدٍ وآلِهِ في المَلَأِ الأَعلى، وصَلِّ على محمّدٍ وآله في النَّبيِّين المُرْسَلِين.
أللَّهمّ أَعطِ محمَداً صلَّى الله عليه وآله الوسيلةَ والشََّرَف والفضيلةَ والدَّرجة الكبيرة.
أللَّهمَّ إنِّي آمنْتُ بمحمَّدٍ صلّى الله عليه وآلِِه ولم أَرَه، فلا تَحرمني يوم القيامةِ رؤيَتَُه،
وارْزُقْني صُحبَتَهُ، وتوفَّني على مِلَّتِه، واسْقِني من حَوْضِه مَشْرَباً رويّاً لا أظمأُ بعدَهُ
أبداً إنّك على كلِّ شيءٍ قدير.
أللَّهمّ كما آمَنْتُ بمحمَّدٍ صلواتُكَ عليه وآلِهِ ولم أَرَهُ، فعرِّفْني في الجِنان وَجْهَه.
أللَّهمَّ بلِّغ رُوحَ محمّدٍ عنِّي تحيّةً كثيرةً وسلاماً.


الشيخ الطوسي- مصباح المتهجّد

عالميّةُ النّبوّة الخاتمة
كان الخلْقُ.. فكان محمّد صلّى الله عليه وآله سرّ الخلق..
الإنسانَ الأوَّل، والعقلَ الأتمّ، والنُّورَ الأوَّل، والشَّاهدَ على النّبيِّين والأُمَم
أهلُ بيته تجلّيّات الحقيقة المُحمَّديّة
هم منه وهو منهم، والحُكمُ في ما عدا النّبوّة واحد
فتحَ آدمُ عليه السلام عينَيه فرأى أنوارهم
سأل الله تعالى عنهم، فجاء الجواب: لولاهم ما خَلقتُك..
لم يُبعَث نبيٌّ إلَّا بالاعتقاد بهم
به وبهم بشَّر الأنبياءُ أُمَمَهم: وكانوا يعرفونه ﴿..كما يعرفون أبناءهم..﴾
على معرفته دارت القرونُ الأولى، وعلى شريعته والنَّهج ومع أوصيائه عليهم السلام، تمضي سائر القرون
حول هذا المَوْقع الإلهيّ للعظمة المحمَّدية، وبعض هذه البشائر، كان هذا الملفّ

ـــــــــ


النُّورُ المحمّديُّ قبلَ خَلْقِ آدمَ عليه السلام
خطبَتان للإمام عليّ عليه السلام حولَ خَلْقِ الله تعالى النّبيَّ وأهلَ البيت عليهم السلام
ـــــ عليُّ بنُ الحسين المَسعودي صاحب «مروج الذهب» (ت: 346 للهجرة) ـــــ



«.. اجتمعَ النّورُ في وسط تلك الصّوَر الخفيّة، فوافقَ ذلك صورةَ نبيِّنا محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فقالَ اللهُ عزّ من قائل: أنتَ المختارُ المنتخَب، وعندك مستودَعُ نوري وكنوزُ هدايتي، من أجلك أسطحُ البَطحاء، وأُموِّجُ الماء، وأرفعُ السّماء، وأجعلُ الثّوابَ والعقاب، والجنّةَ والنّار، وأنصبُ أهلَ بيتِك للهداية..».
من الخطبة الأولى
«أللّهُمّ فمَن جهلَ فضلَ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله فإنّي مقرٌّ بأنّك ما سَطَحتَ أرضاً، ولا بَرَأْتَ خلقاً حتّى أحكمتَ خلقَه، وأتقَنته من نورٍ سبقت به السّلالة، وأنشأتَ آدم له جرماً، فَأودعتَه منه قراراً مَكيناً، ومستودَعاً مأموناً، وأَعَذْتَه من الشّيطان، وحجَبْتَه عن الزّيادةِ والنُّقصان..».
من الخطبة الثانية
خلقَ اللهُ تعالى الحقيقةَ المحمّديةَ قبلَ خَلْقِ الخلق، هذا الأصلُ العقائديّ، بالغُ الأهميّة، ولا يُمكن بناءُ عقيدةٍ سليمةٍ إلّا بوَعْيه والانطلاقِ منه، والسّيرِ في هداه.


في معرضِ تَتبُّعه للنّصوص التي تدلُّ على ولاية «المسعودي» صاحب (مروج الذّهب) لأهل البيت عليهم السلام، استشهدَ المحدِّث «النوري» في (خاتمة مستدرك الوسائل) -في سياقِ أدلّةٍ عديدة- بخطبةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام نقلَها من (مروج الذهب) كما سيأتي، والخطبة حولَ بَدْء الخَلْق، وموقعِ سيّدِ النَّبيّين وأهل البيت عليهم الصّلاة والسلام، من عمليّة الخَلْق.
وأمّا الخطبة الثانية فقد وردت في كتاب (إثبات الوصيّة) للمسعودي نفسه، وهو كتابٌ فريدٌ في بابِه وأهميّةِ موضوعاته، وامتياز مؤلِّفه، وقد نقلَ هذه الخطبة الثّانية، العلّامة المجلسيّ في (بحار الأنوار)، وشرحَ مفرداتِها، كما أوردَها غيرُه من العلماء.

الخطبة الأولى

قالَ «المحدِّث النّوري»: [أوردَ المسعوديّ في مروج الذّهب] في أوائل الكتاب، في ذِكر المَبدأ وشَأْنِ الخَليقة ما لفظُه:
«
ورُوي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال:
إنّ الله حينَ شاءَ تقديرَ الخليقة، وذَرْءَ البريّة، وإبداعَ المبدَعات، نصبَ الخلقَ في صُوَرٍ كالهباءِ قبلَ دحوِ الأرض، ورَفْعِ السّماء وهو في انفرادِ ملكوتِه، وتوحُّدِ جبروتِه، فأتاحَ نوراً من نورِه فَلَمَع، ونزعَ قبَساً من ضيائه فَسَطَع. ثمّ اجتمعَ النّورُ في وسطِ تلك الصّوَرِ الخفيّة، فوافقَ ذلك صورةَ نبيِّنا محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فقالَ اللهُ عزَّ من قائل: أنتَ المختَارُ المنتَخب، وعندَك مستودَعُ نوري وكنوزُ هدايتي، من أجلِكَ أسطحُ البَطحاء، وأُموِّجُ الماءَ، وأرفعُ السّماءَ، وأجعلُ الثّوابَ والعقاب، والجنّةَ والنّار، وأنصبُ أهلَ بيتِك للهداية، وأُوتيهم من مكنونِ علمي ما لا يُشكِلُ عليهم دقيقٌ، ولا يُعييهم خَفِيٌّ، وأجعلُهم حُجَّتي على بَريَّتي، والمنبِّهين على قدرتي ووَحدانيَّتي.

انتقلَ النّورُ إلى غرائرِنا، ولمعَ في أئمَّتِنا، فنحن أنوارُ السّماء وأنوارُ الأرض،
فبنا النّجاةُ، ومنّا مكنونُ العِلم.

ثمّ أخذَ اللهُ الشّهادةَ عليهم بالرّبوبيّة، والإخلاصَ بالوحدانيّة. فبعدَ أَخْذِ ما أخذَ من ذلك شاب ببصائرِ الخلقِ انتخابَ محمّدٍ وآله عليهم السلام، وأَراهم أنّ الهدايةَ معه، والنّورَ له، والإمامةَ في آلِه، تقديماً لسُنّة العدل، وليكونَ الإعذارُ متقدِّماً. ثمّ أخفى اللهُ الخليقةَ في غَيبِه، وغيَّبَها في مكنونِ علمِه، ثمَّ نصبَ العوالم، وبسطَ الزّمان، وموّجَ الماء، وأثارَ الزَّبَد، وأهاجَ الدُّخان، فطَفى عرشُه على الماء، فسطحَ الأرضَ على ظَهْرِ الماء، ثمّ استجلَبَهما إلى الطّاعة فَأَذْعَنَتا بالاستجابة.
 
وبمهديّنا تنقطعُ الحُجَج، خاتمةِ الأئمّة،
 ومُنقذِ الأمّة، وغايةِ النّور، ومصدرِ الأمور.

ثمّ أنشأَ اللهُ الملائكةَ من أنوارٍ أبدعَها، وأرواحٍ اخترعَها، وقرنَ توحيدَه بنبوّةِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فشَهرت في السّماءِ قبلَ بعثتِه في الأرض. فلمّا خلقَ اللهُ آدمَ أبانَ فضلَه للملائكة، وأراهم ما خصَّه
به من سابقِ العلم، حيث عرّفَه عندَ استنبائه إيّاه أسماءَ الأشياء، فجعلَ اللهُ آدمَ محراباً وكعبةً وقبلة، أسجدَ إليها الأبرارَ والرّوحانيّين الأنوار. ثمّ نبّهَ آدمَ على مستودَعه، وكشفَ له عن خطرِ ما ائتمَنه عليه، بعدَ ما سمّاه إماماً عند الملائكة، فكان حظُّ آدمَ من الخير ما أراه من مستودَع نورِنا.

فمَن وافقَه صلّى الله عليه وآله واقتبسَ من مصباحِ النّور المقدّم اهتدى إلى سَيره،
واستبانَ واضحُ أمرِه، ومن ألبسَته الغفلةُ استحقَّ السَّخَط.

ولم يزلِ اللهُ تعالى يُخبئُ النّورَ تحتَ الزّمان، إلى أن وصلَ محمّداً صلّى الله عليه وآله، في ظاهر الفَترات، فدعا النّاسَ ظاهراً وباطناً، ونبّهَهم سرّاً وإعلاناً، واستدعى صلّى الله عليه وآله التّنبيهَ على العهدِ الذي قدَّمَه إلى الذّرِّ قبل النّسل، فمَن وافقَه واقتبسَ من مصباحِ النّور المقدّم اهتدى إلى سَيره، واستبانَ واضحُ أمرِه، ومن ألبسَته الغفلةُ استحقَّ السَّخَط. ثمّ انتقلَ النّورُ إلى غرائرِنا، ولمعَ في أئمّتِنا، فنحن أنوارُ السّماء وأنوارُ الأرض، فبنا النّجاةُ، ومنّا مكنونُ العِلم، وإلينا يصيرُ الأمور، وبمَهديِّنا تنقطعُ الحُجَج، خاتمةِ الأئمّة، ومُنقذِ الأمّة، وغايةِ النّور، ومصدرِ الأمور، فنحن أفضلُ المخلوقين، وأشرفُ الموحِّدين، وحججُ ربِّ العالمين، فَلْيَهنأ بالنِّعمةِ مَن تمسّكَ بولايتِنا وقبضَ عُرْوَتَنا».
أضاف المسعودي: «فهذا ما رُويَ عن أبي عبد الله جعفرِ بنِ محمّد، عن أبيه محمّدِ بنِ عليّ، عن أبيه عليِّ بنِ الحسين، عن أبيه الحسينِ بنِ عليِّ، عن أمير المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالب عليهم السلام».
ختمَ المحدّث النّوري بقولِه:
«انتهى. ولا أظنُّ أحداً يروي هذا الخبر من غير إنكار ولا يكونُ إماميّاً».
(الميرزا حسين النّوري الطّبرسي، خاتمة المستدرك: ج 1، ص 120)

نحنُ أفضلُ المخلوقين، وأشرفُ المُوَحِّدين، وحُجَجُ ربِّ العالمين، فَلْيَهنأ بالنّعمةِ مَن تمسّكَ بولايتِنا وقبضَ عُرْوَتَنا.

الخطبة الثّانية

الخطبة الثّانية: نقلَها العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه، فقال:
«
ورَوى عليُّ بنُ الحسين المسعوديّ في كتاب (إثبات الوصيّة) عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله هذه الخطبة: [قال المسعودي: وخطبَ أميرُ المؤمنين عليه السلام خطبةً في انتقالِ سيّدنا رسول الله من آدمَ عليه السلام، إلى أنْ وُلِدَ صلّى الله عليه وآله]:
الحمدُ لله الذي توحَّدَ بصُنعِ الأشياء، وفَطَر أجناسَ البرايا على غيرِ أصلٍ ولا مثالٍ سبقَه في إنشائها، ولا إعانةِ مُعينٍ على ابتداعِها، بل ابتدعَها بِلُطْفِ قدرتِه فامتثَلتْ في مشيَّتِه خاضعةً ذليلةً مستحدثةً لأمرِه. الواحدِ الأحدِ الدّائمِ بغيرِ حدٍّ ولا أَمَد، ولا زوالٍ ولا نَفاد، وكذلك لم يزَل، ولا يزال، لا تُغيّرُه الأزمنةُ ولا تحيطُ به الأمكنة، ولا تبلغُ صفاتِه الألسِنة، ولا يأخذُه نومٌ ولا سِنةٌ، لم ترَه العيونُ فتخبرَ عنه برؤية، ولم تَهجم عليه العقولُ فتتوهّم كُنْهَ صفتِه، ولم تَدْرِ كيفَ هو إلّا بما أخبرَ عن نفسِه، ليس لقضائه مَردٌّ، ولا لقولِه مكذِّب. ابتدعَ الأشياءَ بغيرِ تفكّرٍ ولا مُعين، ولا ظَهيرٍ ولا وزير، فطرَها بقدرتِه، وصيَّرَها إلى مشيّتِه، وصاغَ أشباحَها، وبرأَ أرواحَها، واستنبطَ أجناسَها خَلقاً مَبروءاً مَذْروءاً في أقطارِ السّماوات والأرَضين، لم يأتِ بشيءٍ على غيرِ ما أرادَ أن يأتي عليه، ليُريَ عبادَه آياتِ جلالِه وآلائه، فسبحانَه لا إله إلّا هو الواحدُ القهّار، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآله وسلَّمَ تسليماً.
أللّهمّ فمَن جهلَ فضلَ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله فإنّي مُقِرٌّ بأنّك ما سطَحتَ أرضاً ولا بَرَأْتَ خَلقاً حتّى أحكمتَ خَلْقَه وأتقَنتَه من نورٍ سبَقت به السّلالة، وأنشَأْتَ آدمَ له جرماً، فأودعتَه منه قراراً مكيناً ومستودَعاً مأموناً، وَأَعَذْتَه من الشّيطان، وحَجَبته عن الزّيادة والنّقصان، وحصّلتَ له الشّرفَ الذي يسامى به عبادك. فأيّ بشرٍ كان مِثْلَ آدم في ما سابقت به الأخبار، وعرَّفَتْنا كُتُبك في عطاياك؟ أسجدتَ له ملائكتَك، وعرّفتَه ما حجبتَ عنهم من علمِك إذْ تناهت به قدرتُك، وتمّت فيه مشيّتُك، دعاكَ بما أكْنَنْتَ فيه، فأجبتَه إجابةَ القبول.

أللّهمّ فمَن جهلَ فضلَ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله فإنّي مُقِرٌّ بأنّكَ ما سَطَحْتَ أرضاً ولا بَرَأْتَ خَلْقاً حتّى أحكمتَ خَلقَه وأتقنتَه من نورٍ سبقت به السّلالة...


فلمّا أَذِنتَ اللّهُمَّ في انتقالِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله من صُلبِ آدمَ ألّفْتَ بينه وبينَ زوجٍ خلقْتَها له سَكناً، ووصلتَ لهما به سَبباً، فنقلْتَه من بينهما إلى "شيث" اختياراًً له بعلمِك، فإنّه بشرٌ كانَ اختصاصُه برسالتِك. ثمّ نقلته إلى "أنوش" فكان خَلَف أبيه في قبولِ كرامتِك واحتمالِ رسالاتِك، ثمّ قدّرتَ المنقولَ إليه "قينان"، وألحَقْتَه في الحُظوة بالسّابقين، وفي المِنحة بالباقين، ثمّ جعلت "مهلائيل" رابعَ أجرامِه قدرةً تُودِعُها من خلقِك مَن تضربُ لهم بسهمِ النّبوّة وشَرف الأبوّة، حتّى إذا قَبِلَه "برد" عن تقديرِك تَناهى به تدبيرُك إلى "أخنوخ"، فكان أوّلَ مَن جعلتَ من الأجرام ناقلاً للرّسالة، وحاملاً أعباءَ النّبوّة.
فتعاليتَ يا ربّ، لقد لَطُفَ حِلْمُك وجلَّـ[ت] قدرتُك عن التّفسير إلّا بما دعوتَ إليه من الإقرار بِرُبوبيَّتِك.
وأشهدُ أنّ الأعينَ لا تُدرِكُك، والأوهامَ لا تَلحقُك، والعقولَ لا تَصِفُك، والمكانَ لا يَسَعُك، وكيف يَسَعُ مَن كان قبلَ المكان، ومَن خلقَ المكان؟ أم كيفَ تُدرِكُه الأوهامُ ولم تُؤمَر الأوهامُ على أمرِه؟ وكيف تؤمَرُ الأوهامُ على أمرِه، وهو الذي لا نهايةَ له ولا غاية؟
وكيف تكون له نهايةٌ وغاية، وهو الذي ابتدأَ الغاياتِ والنِّهايات؟
أم كيف تُدرِكُه العقولُ ولم يُجعَل لها سبيلاً إلى إدراكِه؟
و كيف يكون لها إدراكُه بسبَب، وقد لَطُفَ بربوبيّتِه عن المحاسّةِ والمجاسّة؟
وكيف لا يلطفُ عنهما مَن لا ينتقلُ عن حالٍ إلى حال؟
وكيف ينتقلُ من حالٍ إلى حال، وقد جعلَ الانتقالَ نقصاً وزوالاً؟ فسبحانَك ملأتَ كلَّ شيء، وباينتَ كلَّ شيء، فأنتَ الذي لا يفقدُك شيء، وأنت الفعّالُ لما تشاء، تَبارَكْتَ يا مَن كلُّ مُدْرَكٍ من خَلْقِه، وكلُّ محدودٍ من صُنْعِه، أنتَ الذي لا يستغني عنكَ المكان، ولا نعرفُك إلّا بانفرادِك بالوحدانيّةِ والقدرة، وسبحانَك ما أبينَ اصطفاءَك لإدريسَ على مَن سلكَ من الحاملين، لقد جعلتَ له دليلاً من كتابِك إذ سمّيتَه صِدِّيقاً نبيّاً، ورفعتَه مكاناً عَليّاً، وأنعمتَ عليه نعمةً حرّمتَها على خلقِك إلّا مَن نقلتَ إليه نورَ الهاشميّين، وجعلتَه أوّلَ مُنذرٍ من أنبيائك.
ثمّ أَذِنْتَ في انتقالِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله من القابلين له "متوشلخ" و"لمك" المُفضيَين إلى نوح، فأيَّ آلائك يا ربّ على ذلك لم تُولِه؟ وأيّ خواصِّ كرامتِك لم تُعطِه؟

نقلتَه منه إلى «إبراهيمَ» فأسعدتَ بذلك جَدَّه، وأعظمتَ به مجدَه، وقدَّسْتَه في الأصفياء، وسَمَّيتَه دونَ رُسلِك خليلاً، ثمّ خَصَصْتَ به «إسماعيلَ» دونَ وُلْدِ إبراهيم، فأنطقتَ لسانَه بالعربيّةِ التي فضَّلتَها على سائر اللّغات.

ثمّ أَذِنْتَ في إيداعه "ساماً" دون "حامٍ" و"يافث"، فضُرِبَ لهما بسَهمٍ في الذِّلّة، وجعلتَ ما أخرجتَ من بينِهما لِنَسلِ سامٍ خِوَلاً.
ثمّ تتابعَ عليه القابلونَ من حاملٍ إلى حامل، ومُودِعٍ إلى مستودَعٍ من عترتِه في فتراتِ الدّهور، حتّى قَبِلَه "تارخ" أطهرُ الأجسامِ وأشرفُ الأجرام، ونقلْتَه منه إلى "إبراهيمَ" فأسعدتَ بذلك جَدَّه، وأعظمتَ به مجدَه، وقدَّسْتَه في الأصفياء، وسمَّيتَه دون رُسُلِك خليلاً، ثمّ خَصَصْتَ به "إسماعيل" دونَ وُلد إبراهيم، فأنطقتَ لسانَه بالعربيّة التي فضّلتَها على سائرِ اللّغات، فلم تزَل تنقلُه محظوراً عن الانتقال في كلِّ مقذوفٍ من أبٍ إلى أب، حتّى قَبِلَه "كِنانَة" عن "مُدْرِكَة"، فأخذْتَ له مجامعَ الكرامة ومواطنَ السّلامة، وأجْللتَ له البلدةَ التي قضيتَ فيها مَخرجَه.
فسبحانَك لا إلهَ إلّا أنت، أيَّ صُلبٍ أسكنتَه فيه لم ترفَع ذِكرَه؟
وأيّ نبيٍّ بشَّرَ به فلم يتقدَّم في الأسماءِ اسمُه؟
وأيّ ساحةٍ من الأرض سَلَكْتَ به لم تُظْهِر بها قُدْسَه؟
حتّى الكعبة التي جعلتَ منها مخرجَه غرستَ أساسَها بياقوتةٍ من جنّاتِ عدْنٍ، وأمرتَ الملَكَين المطهّرَيْن: جبرئيلَ وميكائيلَ فتوسَّطا بها أرضَك، وسمَّيتها بيتَك، واتَّخذتَها مَعْمداً [مَقْصَداً] لنبيِّك، وحرّمتَ وَحْشَها وشجرَها، وقَدَّسْتَ حجرَها ومَدَرَها، وجعلتَها مَسلَكاً لوَحيك، ومَنسكاً لخلقِك، ومأمنَ المأكولات، وحجاباً للآكلاتِ العاديات، تُحرِّمُ على أنفُسِها إذْعارَ مَن أَجَرْتَ. ثمّ أذنتَ "للنَضر" في قبولِه وإيداعِه "مالكاً"، ثمّ من بعد "مالكٍ" "فِهْراً"، ثمّ خصصتَ من وُلد "فِهرٍ" "غالباً"، وجعلتَ كلَّ مَن تنْقلُه إليه أميناً لحَرَمِك، حتّى إذا قَبِلَه" لُؤيّ" بنُ غالب آنَ له حركةُ تَقديس، فلم تُودِعه من بعدِه صُلباً إلّا جلّلتَه نوراً تأنسُ به الأبصارُ، وتطمئنُّ إليه القلوب.
فأنا يا إلهي وسيّدي ومولاي المُقِرُّ لكَ بأنّك الفردُ الذي لا يُنازَع ولا يُغالَب، ولا يُشارَك.
سبحانَك لا إلهَ إلّا أنت، ما لِعَقلٍ مولود، وفَهْمٍ مفقودٍ مُدْحَقٍ [مُبْعَد] من ظهرٍ مَريجٍ [متداخل] نبعَ من عينٍ مَشيجٍ [متشابك] بمَحيضِ [أو: بمخيض] لَحْمٍ وعَلَقٍ ودَرّ، إلى فضالةِ الحيضِ وعُلالات [بقايا] الطّعم، وشارَكَته الأسقامُ والتحفتْ عليه الآلامُ، لا يقدرُ على فعلٍ ولا يمتنعُ من عِلّة، ضعيفِ التّركيبِ والبُنية؟ ما لَه والاقتحامُ على قدرتِك، والهجومُ على إرادتِك، وتفتيشُ ما لا يَعلمُه غيرُك؟
سبحانَك أيّ عينٍ تقومُ نُصْبَ بهاءِ نورِك، وترقى إلى نورِ ضياءِ قدرتِك؟
وأيّ فَهْمٍ يفهمُ ما دونَ ذلك إلّا أبصارٌ كشفتَ عنها الأغطية، وهتكتَ عنها الحُجُبَ العميّة، فَرَقَتْ أرواحُها إلى أطرافِ أجنحةِ الأرواحِ فناجَوْك في أركانِك، وألحّوا بين أنوارِ بَهائك، ونظَروا من مُرتقى التّربةِ إلى مستوى كبريائك، فسمّاهم أهلُ الملكوتِ زوَّاراً، ودَعاهم أهلُ الجبروت عُمّاراً. فسبحانَك يا مَن ليسَ في البحار قَطَرات، ولا في متونِ الأرض جَنَبات، ولا في رِتاجِ الرّياحِ حَرَكات1، ولا في قلوبِ العبادِ خَطَرات، ولا في الأبصارِ لَمَحات، ولا على متونِ السَّحابِ نَفَحات، إلّا وهي في قدرَتك مُتحيِّرات.
أمّا السّماءُ فَتُخبرُ عن عجائبِك، وأمّا الأرضُ فتدلُّ على مدائحِك، وأمّا الرّياحُ فتنشرُ فوائدَك، وأمّا السّحابُ فتهطلُ مواهبَك، وكلُّ ذلك يحدِّثُ بتَحنُّنِك ويُخبِرُ أفهامَ العارفين بشفَقَتِك.
وأنا المُقِرُّ بما أنزلتَ على أَلْسُنِ أصفيائِك أنّ أبانا آدمَ عندَ اعتدال نَفْسِه وفراغِك من خَلْقِه، رفعَ وجهَه فَواجَهَه من عرشِك وسْمٌ فيه: لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسولُ الله، فقال: إلهي، مَن المَقرونُ باسمِك؟ فقلتَ: محمّدٌ خيرُ مَن أخرَجتُه من صُلبِك، واصطفيتُه بعدَك من وُلْدِك، ولولاه ما خلقتُك.

فسبحانَك لكَ العلمُ النّافذُ والَقدَرُ الغالب، لم تَزَلِ الآباءُ تحملُه، والأصلابُ تنقلُه، كلّما أنزلتَه ساحةَ صُلْبٍ جعلتَ له فيها صُنعاً يحثُّ العقولَ على طاعتِه، ويدعوها إلى متابعتِه.

حتّى نقلتَه إلى "هاشمٍ" خيرِ آبائه بعدَ إسماعيل، فأيُّ أبٍ وجَدٍّ ووالدِ أُسرة، ومجتمعِ عِترة، ومخرجِ طُهْرٍ ومرجعِ فخرٍ جعلتَ يا ربِّ هاشماً؟

لقد أقمتَه لَدُنْ بيتِك، وجعلتَ له المشاعرَ والمتاجر.
ثمّ نقلتَه من "هاشمِ" إلى "عبدِ المطَّلب" فأنهجتَه سبيلَ "إبراهيم"، وألهمتَه رُشداً للتّأويلِ وتفصيلِ الحقّ، ووهبتَ له عبدَ الله، وأبا طالب، وحمزة، وفدَيتَه في القربانِ بعبدِ الله، كَسِمَتِك في إبراهيمَ بإسماعيل، ووَسَمْتَ بأبي طالبٍ في وُلدِه كَسِمَتِك في إسحاقَ بتقديسِك عليهم وتقديمِ الصّفوةِ لهم. فلَقد بلَغْتَ إلهي ببَني أبي طالبٍ الدّرجةَ التي رفعتَ إليها فضلَهم في الشّرفِ الذي مددتَ به أعناقَهم، والذِّكرِ الذي حلّيتَ به أسماءَهم، وجعلتَهم معدنَ النّورِ وجُنّتَه، وصفوةَ الدِّينِ وذُرْوَته، وفريضةَ الوحي وسُنّتَه.

ثمّ أذنتَ لعبدِ الله في نبذِه عند ميقاتِ تطهيرِ أرضِك من كفّارِ الأُمَمِ الذين نَسوا عبادتَك، وجهلوا معرفتَك، واتخّذوا أنداداً، وجَحدوا ربوبيّتَك، وأنكروا وحدانيّتَك، وجعلوا لكَ شركاءَ وأولاداً، وَصَبوا إلى عبادةِ الأوثان وطاعةِ الشّيطان، فدعاك نبيُّنا صلواتُ الله عليه بنُصرتِه (لنُصرتِه) فنصَرتَهُ بي وبجعفر وحمزة. فنحن الذين اختَرتَنا له وسمَّيتَنا في دينِك لدعوتِك أنصاراً لنبيِّك، قائدِنا إلى الجنّة خِِيَرَتك. وشاهدُنا أنتَ ربّ السّماوات والأرَضين، جعلتَنا ثلاثةً ما نصبَ لنا عزيزٌ إلّا أذْلَلْتَه بنا، ولا مَلِكٌ إلّا طَحْطَحْتَه. أشدّاءُ على الكفّار رُحماءُ بينَهم تَراهم رُكَّعاً سجّداً، وَوَصفتَنا يا ربّنا بذلك وأنزلتَ فينا قرآناً جلّيتَ به عن وجوهِنا الظُّلَم، وأرهبتَ بصولتِنا الأُمَم، إذا جاهدَ محمّدٌ رسولُك عدوّاً لدينِك تلوذُ به أسرتُه وتحفُّ به عِترتُه، كأنّهم النّجومُ الزّاهرةُ إذا توسَّطَهم القمرُ المنيرُ ليلةَ تمِّه. فصلواتُك على محمّدٍ عبدِك ونبيِّك وصفيِّك وخِيَرَتِك وآلِه الطّاهرين، أيّ منيعة لم تَهدِمها دعوتُه؟ وأيّ فضيلةٍ لم تَنَلْهَا عِترتُه؟ جعلتَهم خيرَ أئمّةٍ أخرجتَ للنّاسِ يأمرونَ بالمعروفِ ويَنهون عن المنكَر، ويجاهدون في سبيلِك، ويتواصلون بدينِك، طهّرتَهم بتحريمِ المِيتةِ والدَّمِ ولحمِ الخنزير وما أُهِلَّ ونُسِكَ به لغيرِ الله، تشهدُ لهم، وملائكتُك أنّهم باعوك أنفسَهم، وابتذَلوا من هيبتِك أبدانَهم، شَعِثَةً رؤوسُهم، تَرِبَةً وجوهُهم، تكادُ الأرضُ من طهارتِهم تقبضُهم إليها، ومن فضلِهم تميدُ بمَن عليها، رفعتَ شأنَهم بتحريمِ أنجاسِ المَطاعمِ والمَشاربِ من أنواعِ المُسْكِر. فأيَّ شرفٍ يا ربّ جعلتَه في محمّدٍ وعترتِه؟ فَوَاللهِ لأَقولَنَّ قولاً لا يُطيقُ أن يقولَه أحدٌ من خلقِك:
أنا عَلَمُ الهُدى، وكَهفُ التُّقى، ومحلُّ السَّخا وبحرُ النَّدى، وطَوْدُ النُّهى ومَعْدِنُ العِلم، ونورٌ في ظُلَمِ الدُّجا، وخيرُ مَن آمنَ واتّقى، وأكملُ مَن تقمّصَ وارتدى، وأفضلُ مَن شَهِدَ النّجوى بعدَ النّبيّ المصطفى. وما أُزَكّي نفسي ولكنْ بنعمةِ ربّي أحدِّث.
أنا صاحبُ القبلتَين وحاملُ الرّايتَين، فهل يوازى فيّ أَحَد، وأنا أبو السِّبطَين.
فهل يساوي بي بشرٌ وأنا زوجُ خيرِ النّسوان فهل يفوقُني أَحَد؟ وأنا القمرُ الزّاهرُ بالعِلمِ الذي علّمني ربّي، والفراتُ الزّاخرُ أَشْبَهْتُ من القمرِ نورَه وبهاءَه، ومن الفراتِ بذلَه وسخاءَه.
أيّها النّاسُ، بنا أنارَ اللهُ السُّبُلَ وأقامَ الميل، وعُبِدَ اللهُ في أرضِه، وتناهت إليه معرفةُ خلقِه، وقُدِّسَ اللهُ جلُّ وتعالى بإبلاغِنا الأَلْسُنَ، وابتهلتْ بدعوتِنا الأذهان، فتوفّى اللهُ محمّداً صلّى الله عليه وآله سعيداً شهيداً هادياً مَهديّاً قائماً بما استكفاه، حافظاً لما استَرعاه، تَمَّمَ به الدِّينَ، وأوضحَ به اليقينَ، وأقرّتِ العقولُ بدلالتِه، وأبانت حُجَج أنبيائه، واندمغَ الباطلُ زاهقاً، ووضحَ العدُل ناطقاً، وعطّل مَظانّ الشّيطان، وأوضح الحقّ والبرهان.
أللّهُمّ فاجعَلْ فواضلَ صلواتِك ونواميَ بركاتِك ورأفتِك ورحمتِك على محمّدٍ نبيِّ الرّحمة وعلى أهل بيتِه الطّاهرين
».
وختمَ العلّامة المجلسي بقولِه: «واعلمْ أنّ النّسخةَ كانت سقيمةً جدّاً فَصَحّحناها بحَسبِ الإمكان».

(العلّامة المجلسي، بحار الأنوار: ج 25، ص 25 - 32؛ وانظر: المسعودي، إثبات الوصيّة: ص 135 -141، دار الأضواء، بيروت 1409 للهجرة = 1988م، ط ثانية)

ـــــــــ

البشارةُ بالنَّبيِّ والأئمّةعليهم الصلاة والسلام
بعضُ ما جاءَ في الكُتُب الأولى
ـــــ الشّيخ المفيد قدّس سرّه ـــــ



* (المسائل السّرويَّة) اسمُ كتابٍ للفقيهِ الإسلامي الكبير الإمامِ الشّيخ محمّد بن محمّد بن نعمان ابن المعلّم أبي عبد الله العُكْبَريّ البغداديّ الملقَّب بالمفيد (336 - 413 للهجرة)، سُمِّيت الرّسالة باسمِ مدينةِ السّائل الذي طرحَ الأسئلةَ على المؤلِّف، وهي مدينة «سارية» من مُدن محافظة «مازندران» في شمال إيران، (طبرستان سابقاً).
* تمتازُ الرّسالةُ بفرادةِ موضوعاتِ الأسئلة، ونوعيّةِ الإجابات عليها، وفرادتِها أيضاً.
* ما يلي، بعضُ هذه الإجابات، حول البشارة بالنّبيّ والأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام، تقدِّمها «شعائر» في سياق الحديثِ عن بشاراتِ الأنبياء، الذي هو موضوعُ «ملفّ العدد».

".." بشَّرَ [اللهُ تعالى] آدمَ عليه السلام بتأهيلِه نبيَّه عليه وآله السّلامُ لِما أهَّلَه له، وتأهيلِ أميرِ المؤمنين والحسنِ والحسينِ عليهم السلام لِما أهَّلَهم له، وفرضَ عليه تعظيمَهم وإجلالَهم، كما بَشَّرَ به في الكُتُبِ الأولى من بعثِه لنبيِّنا صلّى الله عليه وآله، فقالَ في -محكَم كتابِه- :﴿..النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الأعراف:157.
وقولُه تعالى مخبراً عن المسيحِ عليه السلام: ﴿.. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصّف:6.
وقولُه سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ..﴾ آل عمران:81، يعني رسولَ الله صلّى الله عليه وآله.
فحَصلتِ البشائرُ به من الأنبياءِ أجمعِهم قبلَ إخراجِه إلى العالَم بالوجود، وإنّما أرادَ جلَّ اسمُه بذلك إجلالَه وإعظامَه، وأنْ يأخذَ العهدَ له على الأنبياءِ والأُمَمِ كلِّها، فلذلك أظهرَ لآدمَ عليه السلام صورةَ شَخْصِه وأشخاصِ أهلِ بيتِه عليهم السلام، وأثبتَ أسماءَهم له لِيُخبرَه بعاقبتِهم، ويُبيِّنَ له عن محلِّهِم عندَه ومَنزلتِهم لديه.
[يأتي مزيدُ إيضاح]
ولم يكونوا في تلك الحالِ أحياءَ ناطقين، ولا أرواحاً مُكَلَّفين، وإنّما كانت أشباحُهم دالَّةً عليهم حسبَ ما ذكَرناه.
وقد بَشَّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالنّبيِّ والأئمّة عليهم السلام في الكُتُب الأولى، فقالَ في بعضِ كُتُبِه التي أنزلَها على أنبيائه عليهم السلام، وأهلُ الكُتُب يَقرأونه، واليهودُ والنّصارى يَعرفونه: أنّه ناجى إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام في مناجاتِه:
«أنّي قد عظَّمتُكَ وباركتُ عليكَ وعلى إسماعيل، وجعلتُ منه اثنَي عشرَ عظيماً وكثّرتُهم جدّاً جدّاً، وجعلتُ منهم شعباً عظيماً لأُمّةٍ عظيمة». وأشباهُ ذلك كثيرٌ في كُتُب اللهِ تعالى الأولى. (الشيخ المفيد، المسائل السّرويّة: ص 41 - 43، بتصرّفٍ يسير)
* وحولَ أوّلِ إخبارٍ من الله تعالى للنبيِّ آدم عليه السلام بهذا التّأهيلِ للنّبيِّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام، لهذه المسؤوليّات الجِسام، أوردَ الشّيخُ المفيد تحتَ عنوان: «المسألة الثانية» خلاصةَ تحقيقِه في روايات «الأشباح» و«عالَم الذَّرّ» و«الأرواح»، ودراسة أسانيدِها ونصوصِها، للتّمييز بينَ الحقِّ منها، وبينَ ما خَلّطَ به الجَهلةُ الحَشويّون، وبيان الرّأي الفصلِ في مسألةِ خَلْقِ الله تعالى لرسولِه الأكرم وأهلِ بيتِه عليهم السلام قبلَ الخلقِ بألفَي عام.

قالَ الشيخُ المفيد:
المسألة الثانية: في الأشباحِ والذَّرِّ والأرواح
ما قولُه -أدامَ اللهُ تأييدَه- في معنى الأخبارِ المَرويّةِ عن الأئمّةِ الهادية عليهم السلام في الأشباح، وخَلْقِ اللهِ تعالى الأرواحَ قبلَ خَلْقِه آدمَ عليه السلام بألفَي عام، وإخراجِ الذّريّةِ من صُلبِه على صوَر الذّرِّ؟
ومعنى قولِ رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الأرواحُ جنودٌ مُجَنّدة، فما تعارفَ منها ائتَلف، وما تناكَرَ منها اختلَف»؟
الجواب:
وباللهِ التّوفيق، إنّ الأخبارَ بِذِكْرِ الأشباحِ تختلفُ ألفاظُها، وتَتباينُ مَعانيها، وقد بَنَتِ الغلاةُ عليها أباطيلَ كثيرة، وصنّفوا فيها كُتُباً لَغَوْا فيها وهَذَوا في ما أثبَتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حَوَتْه الكُتب إلى جماعةٍ من شيوخِ أهلِ الحقّ، وتخرَّصوا الباطلَ بإضافتِها إليهم، من جملتِها كتابٌ سمّوه: (كتابَ الأشباحِ والأَظِلّة)، ونسبوا تأليفَه إلى محمّدِ بنِ سنان.
ولَسنا نعلمُ صحّةَ ما ذكروه في هذا الباب عنه، فإنْ كانَ صحيحاً فإنّ ابنَ سنان قد طُعِنَ عليه، وهو متَّهمٌ بالغُلوّ.
فإنْ صدَقوا في إضافةِ هذا الكتابِ إليه فهو ضالٌّ بضلالِه عن الحقّ، وإنْ كذَبوا فقد تحمّلوا أوزارَ ذلك.
والصّحيحُ من حديثِ الأشباحِ الرّوايةُ التي جاءَت عن الثّقات:
بأنّ آدمَ عليه السلام رأى على العرشِ أشباحاً يلمعُ نورُها، فسألَ اللهَ تعالى عنها، فَأَوحى (اللهُ تعالى) إليه: «أنّها أشباحُ رسولِ الله وأميرِ المؤمنين وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ صلواتُ الله عليهم»، وأعلَمَه أنْ لولا الأشباحُ التي رآها ما خَلَقَه ولا خَلَقَ سماءً ولا أرضاً.
والوجهُ في ما أظهرَه اللهُ تعالى من الأشباحِ والصّوَر لآدمَ عليه السلام أنْ دَلَّه على تَعظيمِهم وتَبجيلِهم، وجعلَ ذلك إجلالاً لهم ومقدّمةً لما يفترضُه من طاعتِهم، ودليلاً على أنّ مصالحَ الدِّين والدّنيا لا تَتِمُّ إلّا بهم.
ولم يكونوا في تلك الحال صوَراً مُحْياةً، ولا أرواحاً ناطقة، لكنّها كانت صوَراً على مثلِ صوَرِهم في البشريّة تدلُّ على ما يكونون عليه في المستقبلِ من الهَيئة. والنّورُ الذي جعلَه عليهم يدلُّ على نورِ الدِّينِ بهم، وضياءِ الحقِّ بِحُجَجِهم.
وقد رُوِيَ أنَّ أسماءَهم كانتْ مكتوبةً إذْ ذاكَ على العرش.
وأنّ آدمَ عليه السلام لمّا تابَ إلى الله عزّ وجلّ، وناجاه بقبولِ توبتِه سألَه بحقِّهم عليه ومحلِّهم عندَه، فأجابَه.
وهذا غيرُ مُنْكَرٍ في العقول ولا مضادّ للشَّرعِ المعقول، وقد رَواه الصّالحون الثّقاتُ المأمونون، وسَلَّمَ لروايتِه طائفةُ الحقّ، ولا طريقَ إلى إنكارِه، واللهُ وليُّ التّوفيق.
(الشيخ المفيد، المسائل السّرويّة: ص 40)

 

ـــــــــ



آياتُ البشائر
مختاراتٌ من (تفسير الميزان)
ـــــ إعداد «أسرة التحرير» ـــــ

في القرآنِ الكريمِ آياتٌ كثيرةٌ، تتحدّثُ بالمباشرةِ أو بالواسطةِ عن بشاراتِ الأنبياء السّابقين برسولِ الله صلّى الله عليه وآله، أو تتحدّثُ عن نتائجِ هذه البشارات التي يجمعُها معرفةُ الأُممِ السّابقة وخصوصاً اليهود والنّصارى بسَيّد النّبيّين معرفةً تامّة ﴿كَمَا يَعْرِفُوْنَ أَبْنَاءَهُم﴾.
ما يلي، مختاراتٌ حولَ أبرز هذه الآيات المباركة، تقدّمها «شعائر» من (تفسير الميزان) للعلّامة الطّباطبائي قدّس سرّه.

الآية الأولى: قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصّف:6.
".." هذه الآية، والّتي قبلَها، والآياتُ الثّلاثُ بعدَها، مَسوقَةٌ لتسجيلِ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله رسولٌ معلومُ الرّسالةِ عندَ المؤمنين، أرسلَه اللهُ تعالى بالهُدى ودينِ الحقِّ لِيُظهرَه على الدِّينِ كلِّه وَلَو كَرِهَ الكافرونَ من أهلِ الكتاب، وما جاءَ به من الدِّينِ نورٌ ساطعٌ من عند الله، يريدُ المشركون لِيُطفئوه بأفواهِهم، واللهُ مُتِمُّ نورِه وَلَو كَرِهَ المشركون.
ومن ذلك يُعلَم أنّ قولَه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ..﴾ الصّف:6، إلخ، كالتّوطئةِ لِما سيُذكَر من كَوْنِ النّبيّ صلّى الله عليه وآله رسولاً مبشَّراً به مِن قَبل، أرسلَه اللهُ بالهُدى ودينِ الحقّ، ودينُه نورُه تعالى يَهتدي به النّاس.
".." وقوله: ﴿..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصّف:6، إشارةٌ إلى الشَّطر الثّاني من رسالتِه عليه السلام، وقد أشارَ إلى الشَّطْرِ الأوّل بقولِه: ﴿..مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ..﴾ الصّف:6.
التّأمّل في المعارف الإلهيّة التي يدعو إليها الاسلام
يكشف أنّها أدقّ ممّا في غيره من الشّرائع السّماويّة
السّابقة، وخاصّة التّوحيد.
ويعودُ مَعنى كلامِه: ﴿..إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا..﴾ الصفّ:6 إلخ، إلى أنّي رسولٌ من الله إليكم، أدعو إلى شريعةِ التّوراةِ ومنهاجِها -﴿..وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ..﴾ آل عمران:50- وهي شريعةٌ سَيُكمِلُها اللهُ بِبَعْثِ نَبيٍّ ﴿..يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصفّ:6.
وإلى ذلك الإشارة بقولِه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ..﴾ الأعراف:157، وآيات أخرى تَصِفُ القرآن.
والآية، أعني قولَه تعالى: ﴿..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي..﴾ الصفّ:6، وإنْ كانت مصرِّحةً بالبشارة، لكنّها لا تدلُّ على كَوْنِها مذكورةً في كتابِه عليه السلام، غير أنّ آيةَ الأعراف المنقولة آنفاً: ﴿..يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ..﴾ الأعراف: 157، وكذا قولُه تعالى في صفةِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله: ﴿..ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ..﴾ الفتح:29، يَدلّان على ذلك.
وقوله تعالى: ﴿.. اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصفّ:6، دلالةُ السِّياقِ على تعبيرِ عيسى عليه السلام عنه صلّى الله عليه وآله بأحمد، وعلى كَوْنِه اسماً له يُعرَفُ به عندَ النّاس، كما كان يُسمّى بمحمّد، ظاهرةٌ لا سترةَ عليها، ويدلُّ عليه قَولُ حسّان:
صلّى الإلهُ ومَن يَحُفُّ بعَرشِهِ والطَّيّبونَ على المبارَكِ أحمَدِ

ومن أشعار أبي طالب قولُه:

وقالوا لأحمدَ أنت امرؤٌ خلوفُ اللّسانِ ضعيفُ السّبَبِ
ألا إنّ أحمدَ قد جاءَهم بحقٍّ وَلَم يأتِهم بالكَذِبِ

وقولُه مخاطباً العبّاس وحمزة وجعفراً وعليِّاً عليه السلام يُوصيهم بنَصر النّبيّ صلّى الله عليه وآله:

كونوا فدًى لَكُم أُمّي وما وَلَدَتْ في نَصْرِ أحمدَ دونَ النّاسِ أتراسا
ومن شعره فيه صلّى الله عليه وآله، وقد سمّاه باسمِه الآخر، محمّد:
أَلَم تعلَموا أنّا وجَدْنا محمّداً نبيّاً كموسى خُطَّ في أوّلِ الكُتبِ
ويُستفاد من البيت أنّهم عثَروا على وجودِ البشارة به صلّى الله عليه وآله في الكُتُبِ السّماويّةِ التي كانت عندَ أهلِ الكتاب يومَئذ ذاك.
تعبيرُ عيسى عليه السلام عنه صلّى الله عليه وآله بأحمَد
يدلُّ بوضوحٍ على كَوْنِه اسماً له يُعرَف به عندَ النّاس
كما كانَ يُسمّى بمُحمّد.
ويؤيّدُه أيضاً إيمانُ جماعةٍ من أهلِ الكتاب من اليهود والنّصارى، وفيهم قومٌ من علمائهم كَعبدِ الله بنِ سلام وغيرِه، وقد كانوا يسمَعون هذه الآياتِ القرآنيّةَ التي تذكرُ البشارةَ به صلّى الله عليه وآله، وذِكْرَه في التّوراة والإنجيل، فتلقّوه بالقَبولِ ولم يُكذِّبوه ولا أظهَروا فيه شيئاً من الشّكِّ والتّرديد.
وأمّا خُلُوّ الأناجيلِ الدّائرةِ اليوم عن بشارة عيسى بما فيها من الصّراحة، فالقرآن -وهو آيةٌ معجزةٌ باقية- في غنًى عن تصديقِها، وقد تقدّم البحثُ عن سندِها واعتبارِها في الجزء الثّالث من الكتاب.
وقوله تعالى: ﴿..فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ الصّف:6، ضمير «جاء» لأَحمد صلّى الله عليه وآله، وضمير «هم» لبَني إسرائيل، أو لَهم ولغيرِهم، والمرادُ بالبيّناتِ البشارةُ ومعجزةُ القرآن وسائرُ آياتِ النّبوّة.
والمعنى: فَلَمّا جاءَ أحمدُ -المبشَّر به- بني إسرائيل، أو أتاهُم وغيرَهم بالآياتِ البيّنةِ التي منها بشارةُ عيسى عليه السلام، قالوا هذا سحرٌ مُبين، وقُرِئ: هذا ساحرٌ مُبين. (المصدر: ج 19، ص 251)
***


الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿..الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..﴾ البقرة:146، الضميرُ في قولِه يعرفونه، راجعٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله دونَ الكتاب، والدّليلُ عليه تشبيهُ هذه
المعرفة بمعرفةِ الأبناء، فإنّ ذلك إنّما يحسنُ في الانسان، ولا يُقالُ في الكتاب، إنّ فلاناً يعرفُه أو يعلمُه، كما يعرفُ ابنَه "..".
فالمعنى أنّ أهلَ الكتابِ يعرفون رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بما عندَهم من بشاراتِ الكُتب، كما يعرفون أبناءَهم، ﴿..وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ البقرة:146.
(المصدر: ج 1، ص 327)

***


قولُه تعالى: ﴿..الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..﴾ البقرة:146، هذا إخبارٌ عمّا شَهِدَ به اللهُ سبحانَه في الكُتُبِ المنزَلةِ على أهلِ الكتاب، وعَلِمَه علماءُ أهلِ الكتاب ممّا عندَهم من كُتب الأنبياء من البشارة بعد البشارة بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله، وَوَصْفِه بما لا يعتَريه شَكٌّ ولا يطرَأُ عليه رَيب. فَهُم بما استَحضروا من نعتِه صلّى الله عليه وآله يعرفونَه بعينِه كما يعرفون أبناءَهم.

كان بعضُ علمائهم يكتمونَ ما عندَهم من بشاراتِه
ونعوتِه صلّى الله عليه وآله، ويستَنكفونَ عن الإيمانِ به.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ..﴾ الأعراف:157
وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ..﴾ الفتح:29.
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء:197.
ولمّا كانَ بعضُ علمائِهم يكتمونَ ما عندَهم من بشاراتِه ونعوتِه صلّى الله عليه وآله، ويستنكفونَ عن الإيمانِ به، بَيَّنَ اللهُ تعالى خسرانَهم في أمرِهم، فقال: ﴿..الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأنعام:12 "..".
(المصدر: ج 7، ص 40)
***

الآية الثالثة: قولُه تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ البقرة:89.
قولُه تعالى: ﴿..وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا..﴾ البقرة:89، (يدلُّ) على وقوعِ تَعرُّضٍ بهم من كفّار العرب، وأنّهم كانوا يستَفتحون، أي يطلبونَ الفتحَ عليهم ببِعثة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وهجرتِه- وأنّ ذلك الاستفتاحَ قد استمرَّ منهم قبلَ الهجرة، بحيث كان الكفّارُ من العرب أيضاً يعرفونَ ذلك منهم لمكانِ قولِه تعالى: ﴿وَكَانُوا﴾ وقولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ -أي عرَفوا أنّه هو بانطباقِ ما كانَ عندَهم من الأوصافِ عليه- ﴿ كَفَرُوا﴾. (المصدر: ج 1، ص 222)
كانوا قبلَ البعثةِ والهجرة يَستنصرونَ بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله
وبالكتابِ النّازلِ عليه، ثمّ لمّا نزلَ بِهم النّبيُّ صلّى الله عليه وآله
ونزلَ عليه القرآن، وعرَفوا أنّه هو، كفروا وأَنكَروا، بَغْياً وحَسَداً.

يُحدِّث بتحنُّنِكَ، ويُخبرُ أفهامَ العارفين بشفَقَتِك 
 

فسبحانَك يا مَن ليسَ في البحار قَطَرات، ولا في متونِ الأرض جَنَبات، ولا في رِتاجِ الرّياحِ حَرَكات، ولا في قلوبِ العبادِ خَطَرات، ولا في الأبصارِ لَمَحات، ولا على متونِ السَّحابِ نَفَحات، إلّا وهي في قدرَتك مُتحيِّرات.
أمّا السّماءُ فَتُخبرُ عن عجائبِك، وأمّا الأرضُ فتدلُّ على مدائحِك، وأمّا الرّياحُ فتنشرُ فوائدَك، وأمّا السّحابُ فتهطلُ مواهبَك، وكلُّ ذلك يحدِّثُ بتَحنُّنِك ويُخبِرُ أفهامَ العارفين بشفَقَتِك.


ـــــــــ

﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ﴾
بشائرُ الأنبياء بِنَبيِّنا صلّى الله عليه وآله
ـــــ العلّامة الشيخ محمّد جواد مغنيّة رحمه الله ـــــ

 

لماذا لا يتضمّن المتداوَلُ من أسفار العهدَين القديم والجديد، بشارةَ الأنبياء السابقين بنبوّةِ رسولِ الله صلّى الله عليه آله، على الرّغم من تصريح القرآن الكريم بذلك في غير موضع؟
يُجيب عن هذا التّساؤل، العلّامة الشيخ محمّد جواد مغنيّة رضوان الله عليه في الجزء السابع من (تفسير الكاشف) عند تفسيره للآية السّادسة من سورة الصفّ المباركة.

[قال الله تعالى]: ﴿وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصف:6، يعني محمّداً صلّى الله عليه وآله.
* وفي آية ثانية: ﴿..النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ..﴾ الأعراف: 157. * وفي ثالثة: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ البقرة:146.
أعلنَ القرآنُ الكريم، وأصرَّ على أنّ التّوراةَ التي أُنْزِلَت على موسى عليه السلام، والإنجيلَ الذي أُنْزِلَ على عيسى عليه السلام قد بشَّرا بنبوّةِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وجابَه بهذا الحقيقة علماءَ اليهودِ والنّصارى، وتحدّاهم أن يُكذِّبوا، وما ذَكَرَ التّاريخُ أنّ أحداً منهم كذَّبَ وأنكر، بل أثبتَ أنّ المُنصفينَ منهم اعترَفوا وأسلَموا، كعبدِ الله بن سلام وغيره، مع العلم أنّهم كانوا ينصِبونَ العداءَ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ويبحثون جاهدين عن زَلَّةٍ يُدينونَه بها.

تحريفُ التّوراة والإنجيل

وتسأل: بماذا يجيبُ المسلمُ إذا قال له يهوديٌّ أو نصرانيّ: لقد نصَّ قرآنُكم على أنّ التّوراةَ والإنجيلَ بشّرا بنبوّةِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، مع أنّه لا أَثَرَ لهذه البشارة في ما لدينا من نسَخ التّوراة والإنجيل؟
الجواب: إذا سألَ هذا السؤالَ يهوديٌّ أو نصرانيّ، فَلِلمُسلم أن يقولَ له: لقد أجابَ عن سؤالِك هذا علماءُ اليهود والنّصارى أنفسُهم، حيث اعترفوا صراحةً بأنّ التّوراةَ الأصليّةَ التي نزلتْ على موسى عليه السلام قد فُقدت، وبعدَ سنينَ طوال ادّعى مَن ادّعى بأنّه يحفظُها عن ظَهْرِ قلب، وكتبَ دعواه هذه، ثمّ قالَ لها كوني توراةَ موسى فكانت. والشّيءُ نفسُه حدثَ للإنجيلِ الأصيلِ الذي أُنزل على عيسى عليه السلام. ومن الطّريف أنّ إنجيلَ السيّد المسيح عليه السلام قد أَوْلَدَ -بعد أنْ فُقِدَ- عشراتِ الأناجيل، حتّى تجاوزَ عددُها الخمسين. وفي سنة 325م اجتمعَ رؤساءُ النّصارى، وأقرّوا أربعةَ أناجيل، مع أنّ عيسى عليه السلام نزلَ عليه إنجيلٌ واحدٌ فقط لا غير، باتّفاقِ النّصارى، فما الذي جعلَ الواحدَ أربعة؟ ولو أقرّوا ثلاثةَ أناجيل، لَقُلنا: لكلِّ أقنومٍ إنجيل.
ولا شيءَ أدلُّ على أنّ هذه الأناجيل من رجال الكنيسة، لا من المسيح، أنّها تحدّثت عن صلبِه ودفنِه وخروجِه من القبر، وصعودِه إلى السّماء، واختتامِ حياتِه على الأرض، فهل نزلَ عليه الوحيُ بعدَ أن صُلِبَ ودُفِن؟ وإذا أمكنَ ذلك، فهل من الممكن في حُكمِ العقلِ والواقع أن ينزلَ عليه الوحي الذي دُوِّنَ في الإنجيل بعد أن صعدَ إلى السّماء، واختتم حياتَه على الأرض؟
سؤالٌ ثانٍ: وأين نجدُ هذا الاعترافَ من علماء اليهود والنّصارى؟
الجواب: في العديد من كُتُبهم العربيّة والأجنبيّة، فَمن الكُتب العربيّة (قاموس الكتاب المقدّس) الذي اشتركَ في وضعه سبعة وعشرون عالماً، فلقد جاء في مادة «يوشيا» من هذا الكتاب ما نصُّه بالحرف: «ممّا لا شكّ فيه أنّ معظم الأسفار المقدّسة أُتلف أو فُقد في عصر الارتداد عن الله والاضطهاد».

لا شيءَ أدلُّ على أنّ هذه الأناجيل من رجال الكنيسة،
لا من المسيح، أنّها تحدّثت عن صلبِه ودفنِه، فهل من الممكن
أن ينزلَ عليه الوحي بعد أن اختتم حياتَه على الأرض؟

وفي مادة «أسفار»: «هناك رأيٌ يقول: إنّ الذي أضفَى صفةَ القانون على أسفارِ العهد القديم هم كتّابُ الأسفار أنفسُهم ".." ورأيٌ آخر يقول: هم الكتّابُ المَقودون -أي المؤيّدون- بالرُّوح القُدُس، ومعهم قادة الدِّين من اليهود والمسيحيّين الذين قبلوا هذه الأسفار بإرشادِ الرّوح القُدُس أيضاً». وهذا اعترافٌ لا يقبلُ الشّكَّ بأنَّ الأسفار الأصليّة فُقدت، وأنّ جماعةً قد كتبوا ما كتبوا أسفاراً، وأضفوا عليها صفةَ القداسة من عند أنفسِهم على قول، وبتأييدِ الرّوحِ القُدُس على قولٍ آخر. وسواء أخَذنا بالقولِ الأوّل أم الثّاني فالنتيجةُ واحدة، وهي الاعترافُ القاطعُ بأنّ الأسفار الموجودة الآن ما هي بأسفارِ موسى وعيسى الأصليّة، لأنّ هذه قد فُقدت، وحلَّ محلَّها أسفارٌ جديدةٌ كَتَبَها الذين زعموا القداسةَ لأنفسِهم، أو زعمَها لهم قومٌ آخرون، وكلُّهم مؤيّدون بالرّوح القُدُس. والرّوحُ القُدُس عندهم هو روحُ الله الأقنومُ الثّالث، وسُمِّيَ اللهُ روحاً لأنّه مُبدِعُ الحياة، وقُدُساً لأنّ من عملِه تقديسَ قلب المؤمن على حدِّ تعبيرِهم.
وقد وضعَ علماءُ الإسلام عشراتِ الكُتب للدّلالة على تحريف التّوراة والإنجيل، منها كتاب (إظهار الحقّ) للشّيخ رحمة الله الهنديّ، وفيه مائة شاهد على تحريف التّوراة والإنجيل لفظاً ومعنًى، أشار إلى هذا الكتاب صاحبُ (تفسير المنار) عند تفسير الآية 46 من سورة النّساء.
ومن هذه الكتب (الرّحلة المدرسيّة) للشيخ جواد البلاغي، وكتاب (محمّد رسول الله في بشارات الأنبياء) لمحمّد عبد الغفّار، وكتاب (محمّدٌ رسول، هكذا بشّرت الأناجيل) لبشري زخاري ميخائيل، وآخرُ كتاب قرأته في هذا الموضوع: (البشارات والمقارنات) للشّيخ محمد الصّادقي الطّهراني. صدر حديثاً، وهو متخَمٌ بالشّواهد القاطعة من كُتُب اليهود والنّصارى على تحريفِ التّوراة والأناجيل المتداولَة الآن.
***


[قولُه تعالى]: ﴿..فَلَمَّا جَاءَهُمْ..﴾ الصف:6 -أي جاءَ عيسى عليه السلام بني إسرائيل- ﴿..بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ الصف:6. لم يكتفِ اليهود بقولِهم عن السيّد المسيح عليه السلام: إنّه ساحر، حتّى قالوا: هو ابنُ النّجّار، كما جاء في إنجيل متّى، (إصحاح 13، آية 55)؛ وإنجيل مرقس، (إصحاح 6، آية 3).
ينصّ الإنجيل على أنّ اليهودَ قذفوا السيّدة العذراء بالزّنا. ومع هذا نرى الكثيرَ من النّصارى يتحالفون مع الصهيونيّة عدوّةِ الأديان والإنسانيّة بخاصّة المسيحيّة، يتحالفُ الكثير منهم مع الصّهاينة ضدَّ الإسلام وأهل القرآن الذي يقول: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ..﴾ المائدة:75. وإنْ دلَّ هذا التّحالفُ على شيء، فإنّما يدلُّ على أنّ المسيحيّةَ عندَ أنصار «إسرائيل» هي مجرّدُ شعارٍ لمآربَ أخرى، وأنّ دينَهم وضميرَهم هو الاستيلاءُ والاعتداءُ تماماً كالصّهاينة.


ـــــــــ


بـيــان
مَنْ قتلَ الصّحابيّ «عمّار بن ياسر»؟
يهمّ «شعائر» توضيح ما يلي:
1- ما نُشر في المرّة الأولى قبل أشهُر كان ردّاً على إساءاتٍ إلى الشّعائر الدّينيّة، والعقيدة، وكان الطَّلبُ واضحاً وهو إسكاتُ هذه الأصوات اللّامسؤولة حرصاً على سلامة البيئة والجوّ العامّ والخاصّ، وقد وعدَ المَعنيّون بذلك، وتمَّ وقفُ هذه الإساءات مدّةَ أسبوع، فُوجِئ بعدَها الوسيطُ بِنَقْضِ الاتّفاق، ومعاودةِ الإساءة إلى الشّعائر الدّينيّة والمقدّسات بطريقةٍ أسوَأ من سابقتِها. عندها نشَرنا ما جاء في عدد ربيع الأوّل. وعندما سألَ بعضُ «الوسطاء» لماذا لا يتمّ حصرُ الجواب بشخصِ المتكلِّم، كان جوابنا: إنّه يتكلّم من منابر جهة، ولولا ذلك لم يَقِفْ عندَ كلامِه أحد، فمن الطّبيعيّ أن يتوجَّهَ الجوابُ إلى الجهة.
2- لتوضيحِ خطورةِ ما طُرح من إساءاتٍ إلى الشّعائر والمقدّسات، نذكر نموذجاً واحداً ليس الأخطر، وهو ما يتعلّق بالسيّدة الجليلة «أمّ البنين» رضوان الله تعالى عليها، أمّ أبي الفضل العبّاس عليه السلام وإخوتِه الشّهداء الثّلاثة بين يدَي الإمام الحسين عليه السلام. حاربَ المتحدِّث باسمِ الجهة ومن منبرِها الإعلاميّ أموراً تَجِبُ محاربتُها ثمّ قال -حرفيّاًَ- : «..إنّنا نكبِّر. هي كبيرة أمّ البنين. أريدُ أن أقولَ بصراحة وَلْيَزْعَل مَن يَزْعَل أمّ البنين عندها أربعة شهداء، (فيه = يوجد) نساء بالجنوب عندها أكثر من أربع شهداء (فيه عَيْلي = يوجد عائلة) استُشهدت بكاملها في الجنوب، كفانا تفخيماً وتعظيماً وتقديساً لأمور عاديّة، طبعاً (مش عاديّة عاديّة يعني) كفانا (تعظيم) لأمور -يعني- ما وَرَدَتْ في الشّرع نعظِّم الإمام الحسين لأنّه عظيم. نعظّم العبّاس لأنّه عظيم.
وبعدَ أن قالت له مقدّمة البرنامج إنّ هؤلاء أشخاصاً تركوا تأثيراً في حياتنا...قال المتحدِّث: «..أمّ البنين مقدّسة (ما إلنا لأ = لم نَقُل لا) أمّ البنين إمرأة تقيّة صالحة صبَرتْ وقدَّمتْ شهداء، تُرفَع على الرّأس لكن هناك نماذج مثلُها كثير «مو بس أمّ البنين، يعني = ليس فقط أمّ البنين)..». انتهى كلامُ المتحدِّث.
أبسطُ الخلَل في ما تقدّم هو الجرأة على مكانةِ أمّ البنين رضوان الله عليها، ولم يغيّر هذه الجرأة مدحها بعبارات متعدّدة قبل الكلام المتقدّم وبعده في التّسجيل نفسه، فالنّتيجة: «هناك نماذج مثلها كثير»، بل إنّ أمّ خمسة شهداء أفضل منها!
والأخطرُ من هذا الخَلَل الخطير الجرأةُ على أبي الفضل العبّاس عليه السلام، وعلى إخوتِه رضي الله تعالى عنهم، ومقارنتُهم بشهداء المقاومة الإسلاميّة رضوان الله عليهم، الذين كانوا يطلبون من الله تعالى الشّهادة ببركاتِ أبي الفضل عليه السلام.
3- القاسم المشترك بين هذه الإساءات، هو «الوهّابيّة المقَنَّعة» التي قد يجهلُها حتّى أصحابها، فيَتبنّون هذه الأضاليل عن حُسن نيّة. تقومُ الوهّابيّة على إضعافِ العلاقة بالنّبيّ والأولياء بِحُجّةِ الدّفاع عن التّوحيد، وتشترك الوهّابيّة المقنّعة معها في ذلك كما يتّضح بالنّظرة المتأنّية المقارنة والشّاملة، واللهُ خيرُ الشّاهدين.
4- لا علاقةَ لما نُشر باستهداف مؤسّساتٍ أو جمهورٍ معيّن، نقطع بأنّه في صُلب الحالة الإسلاميّة، ولِبَعضِهم من السّوابق الجهاديّة ما لا يُنكِرُه مُنصِف. إنّه جمهورٌ متَدَيِّنٌ مخلص رغم أنّ الكثيرين منهم «شُبِّه لهم». وهذا ما يحتِّم وجوبَ النُّصْح لأنّهم حين يعرفون حقيقةَ الأمر سيَتبرّؤون من هذه الأضاليل وأشباهِها، وسيشكرون كلَّ مَن ساهم في تصحيح القناعات والعقائد.
5- كان الهدف وما يزال عدم طرح هذه الأضاليل أو الرّدود عليها في الوسائل الإعلاميّة، ولذلك طالَبنا بإسكاتِ هذا وغيره، وما لم يسكتوا فالرّدُّ واجب، والمسؤول عن إرباك السّاحة هم أفراد قلائل معروفون -وغير مُعَمَّمين- في الجهة الحاضنة. ليس المسؤول عن قتل «عمّار بن ياسر» مَن جاء معه عمّار إلى صفّين، للردِّ على تمرُّدِ معاوية.
أللّهمّ اكشِفْ ظلماتِ «الوهّابيّة المُقَنّعة» عن جميع عبادِك المخلصين. «يا أللهُ يا رحمنُ يا رحيم. يا مُقلِّبَ القلوب ثَبِّت قلبي على دينِك».
«شعائر»
ـــــــــ

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات