نشأة مبدأ السّيادة في الفكر الغربيّ
السّيادة بمفهومها المعاصر فكرةٌ حديثةٌ نسبيّاً، مرّت بظروفٍ تاريخيّة، حيث كان السّائدُ أنّ المَلِكَ أو الحاكم يملكُ حقَّ السّيادة بمفردِه، ثمّ انتقلت إلى رجال الكنيسة، فكانت سَنَداً ودعماً لطموحِ «البابا» في السّيطرة على السّلطة، ثمّ انتقلت إلى الفرنسيّين ليصوغوا منها نظريّة السّيادة، لا سيّما إبّان الصراع والثّورة ضدّ الملكيّة، ليتمكّنَ الشعبُ من تحقيق تفوّقِه الدّاخليّ على الملك والنّبلاء وأمراء الإقطاع، وبالتّوازي تفوّقه الخارجيّ على سلطة «البابا».
وفي 26 آب 1789م صدر «إعلان حقوق الإنسان» عن «الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة» الذي نصّ على أنّ السّيادة للأمّة، وهي غيُر قابلةٍ للتجزئة، ولا يُمكن التّنازلُ عنها، فأصبحت سلطةُ الحاكم مستمدّةً من الشّعب دون الكنيسة، وظهرتْ تبعاً لذلك فكرةُ الرّقابة السّياسيّة والقضائيّة لأداء السّلطة التنفيذيّة.
وقد قرّر «ميثاق الأمم المتحدة» أواسط القرن المنصرم مبدأَ المساواة في السّيادة، بأن تكون كلُّ دولةٍ متساويةً من حيث التمتّعِ بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدّول الأخرى الأعضاء في «منظمّة الأمم المتّحدة»، بغضّ النّظر عن أصلِها ومساحتِها وشكلِ حكومتِها، إلّا أنّ الدّول الخمس الكبرى [الصّين، روسيا، الولايات المتحدّة، بريطانيا وفرنسا، وهي الدّول المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية] احتفَظت لنفسِها بسلطات، ناقضةً بذلك مبدأَ المساواة في السّيادة، وقد حلَّ محلّ كلمة السّيادة في العُرف الحديث لفظُ: «استقلال الدّولة».
مظاهر السّيادة في الدّولة
وللسّيادة مظهران:
الأوّل: المظهر الخارجيّ: ويكون بتنظيم علاقاتها مع الدّول الأخرى في ضوء أنظمتِها الداخليّة، وحريّتها في إدارة شؤونها الخارجيّة، وتحديدِ علاقاتها بغيرها من الدّول وحريّتها بالتّعاقد معها، وحقّها في إعلان الحرب أو التزام الحياد.
والسّيادة الخارجية مرادفة للاستقلال السّياسيّ، ومقتضاها عدمُ خضوعِ الدّولة صاحبة السّيادة لأيّة دولةٍ أجنبيّة، والمساواة بينَ جميعِ الدّول أصحاب السّيادة، فتنظيم العلاقات الخارجيّة يكون على أساسٍ من الاستقلال، وهي تعطي الدّولة الحقّ في تمثيل الأمّة والدّخول باسمِها في علاقات مع الأمم الأخرى.
الثاني: المظهر الداخليّ: ويكونُ ببَسْطِ سلطانِها على إقليمِها وولاياتِها، وبسطِ سلطانِها على كلّ الرّعايا، وتطبيق أنظمتِها عليهم جميعاً.
وكِلا المظهرَين في الدّولة مرتبطٌ بالآخر، فسيادتُها الخارجيّة هي شرطُ سيادتِها الدّاخليّة.