العلّامة البُوطي شهيداً
الشّيخ حسين كوراني
«رسالتي.. أنّنا نجتمعُ كلّنا تحتَ مظلّة التّوحيـــد»
العلّامة الشّهيد البُوطي.
في أجواء حربِ تمّوز، سجّلَ الإمامُ البُوطي -شيخ علماء سوريا، موقفاً خالداً- قد يكونُ السّببَ الأوّل في شهادتِه.
قال يومَها -وبثَّته وسائلُ الإعلام بالصّوتِ والصّورة- ما مؤدّاه: الثُّلّةُ المجاهدةُ في لبنان تُجاهدُ ضدَّ اليهود، أمّا هذه «القاعدة» أو «الواقفة» أو ما أدري بماذا أُسمِّيها فمَن تقاتل؟
طوالَ سنينَ مضتْ كان للتّكفيريّين عدوٌّ أوّلُ من بين علماء المسلمين هو العلّامة الشّهيد البُوطي رضوان الله عليه. أُنشِئت قناةٌ لتشويهِ صورتِه والتّحريضِ ضدَّه، عرّفَ مُنشؤوها بقناتِهم فقالوا: «قناتُنا متخصّصةٌ في تسليطِ الضّوء على شيوخِ السّوءِ والعمالةِ والنّفاقِ في بلادِ الشّام وعلى رأسِهم دكتورُ التّخدير البُوطي وأقرانه من علماء البلاط الأسديّة البعثيّة».
من مفردات التّحريض على العلّامة الشّهيد، في مواقع الأنترنيت: «البُوطي الدّجّال، عدوّ أهل الشّام» «العالم الشّيطانيّ البُوطي» «البُوطي الزّنديق».
بعدَ الشّهادة بيومٍ واحد، خصّصَ الشّيخ القرضاوي حيّزاً هامّاً من خطبة الجمعة في «الدّوحة» للاستدلالِ على أنّ الشّيخ البُوطي بَقِيَ ضالّاً إلى أن قُتل فهو قبلَ أسبوعٍ من مقتلِه -قال «للأسف»- كان يدافعُ عن النّظام.
شماتة الشّيخ «السّدَيس» إمام «المسجد الحرام»، أبعد من ذلك بكثير. نُشر بيانُه بعنوان: «البوطي من أئمّة البِدَع والضَّلال.. وبموتِه يخفّ الشّرّ». جاء في البيان: «إنّ البُوطي كان من رؤوس أهلِ البِدَع والضّلال، وممّن يزيّنُ للنّاس البِدَع ويُغْريهم بها، ويحذِّرُهم من حقِّ أهلِ السُّنة ويُقبِّحُه لهم، وقد ضلَّ بسببِه أُمَمٌ لا يعلمُهم إلّا الله. ".."
مُقتضَى الفطرة وما دلَّ عليه الشّرعُ أن يفرحَ الإنسانُ بموتِ أعوانِ الطّواغيت ".." مستهجناً قولَ البعض بأنّه لا يجوزُ الشّماتةُ بموتِ المسلم أو الفرحُ بذلك».
***
في المقابل: كان مشهدُ الأمّة -سُنّةً وشيعة- في تَلَقّي الفاجعة:
أ- مَشْهَدَ ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ البقرة:156، والوعد الإلهيّ للمُستَرجعين: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ البقرة:157.
ب- مشهدَ ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ غافر:44. والوعدُ الإلهيّ للمفوِّض: ﴿فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ غافر:45.
أصدرَ «الأزهر» بيانَ نَعِي الشّهيدِ البُوطي، واعتبرَته الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران «شهيدَ الأُمّة» وأكّد العالمُ البارز في «دار الفتوى» في لبنان «الشّيخ هشام خليفة» أنّ الشّهيدَ البُوطي قامةٌ علميّة ومرجعيّةٌ دينيّةٌ تفوقُ الشّيخَ القرضاوي، إلّا أنّ الخلفيّةَ السياسيّةَ للشّيخ القرضاوي تُظهِرُه عكسَ ذلك. وفي هذا السّياق كان نَعيُ «اتّحاد علماء الشّام» و«تجمّع العلماء المسلمين» في لبنان. بيانُ حزب الله في نَعي الشّهيد البُوطي رمزُ وفاءٍ لنصيرِ المقاومة الإسلاميّة في الزّمنِ الصّعب. بيانُ «الجهاد الإسلامي» وبعضِ الفصائل الفلسطينيّة وبيانُ «حماس» -الذي يكاد يخلو من الارتباك- رمزُ وفاءٍ للعالم النّوعيّ الذي حملَ رايةَ نُصرة فلسطين أكثر من نصف قرن.
***
تكفي المقارنةُ الموضوعيّةُ بين «الشّامتين»، و«المَفجوعين» لتثبيتِ اليقينِ بأنّ «الأمّة بخير» والأدلّة هي التّالية:
الأوّل: أنّ الشّامتين جميعاً، لا يحملون هَمَّ «فلسطين» ولا يَرونها من أولويّاتهم.
الثّاني: أنّهم ﴿..يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ..﴾ المجادلة:22. تَحتضنُهم دُمى أميركا في المنطقة، وتَغذوهم وتمدُّهم، فإذا المآل «تَبَعيّةٌ للعميل»!.
الثّالث: أنّهم آخرُ أوراق الصّهيونيّة – الأميركيّة - الاستعماريّة. ضاقَ الخِناقُ على الكفر فاضطرّوا للانكشافِ الذي كانوا يُحاذرون.
الرّابع: أنّهم يُكفِّرون السّنّةَ والشّيعة، ﴿..فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ غافر:4 والمجازر، فقد شَهِدَ القرنُ الثّالث والرّابع حركةَ القرامطة وغاراتِهم ومجازرَهم.
نستنتجُ أنّ «الشّامتين» «خوارجُ» على «أهل الحقّ». ومِن قبلُ في القرن الأوّل كانت «الجباهُ السّود» علامةَ الخوارج الفارقة.
«جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أَخْبِرني عن السُّنّةِ والبِدعة، وعن الجماعةِ وعن الفُرقة، فقال أميرُ المؤمنين صلّى اللهُ عليه: السُّنّةُ ما سَنَّ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله والبِدعةُ ما أُحدِثَ من بعدِه، والجماعةُ أهلُ الحقِّ وإنْ كانوا قليلاً، والفُرقةُ أهلُ الباطل وإنْ كانوا كثيراً».
وَلَئِن كانَ أهلُ الباطلِ اليوم «كثيراً» فإنّ «أهل الحقّ» أكثر. الأمّةُ بألف خير. .. وإنّا لفراقِك يا شيخَنا لمَحزونون.
***
ما هو القاسمُ المشترَك بين مكوِّنات غابةِ التّكفيريّين؟
الجوابُ الحصريّ، هو: «إنزالُ النّبيّ الأعظم وأهلِ بيتِه، عن مراتبِهم التي رتّبَهم اللهُ فيها».
قال اللهُ تعالى: ﴿..إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي..﴾ آل عمران:31. وسقطوا في امتحان «حُسن الاتّباع»، وقالوا: توسيطُ النّبيِّ في التّوحيد شِركٌ!!
وقال اللهُ تعالى: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23، ويعلمُ القاصي والدّاني أنّ مودَّتهم سفيانيّة.
قال أبو سفيان: «لا جنّةَ ثَمَّ ولا نار، وإنّما هو المُلك». وسَمِعَ معاويةُ قولَ المؤذِّن: أشهدُ أنّ محمّداً رسولُ الله، فقال: للهِ أبوك يا ابنَ عبدِ الله لقد كنتَ عاليَ الهِمَّة ما رضيتَ لنفسِك إلّا أن تَقْرنَ اسمَك باسمِ ربّ العالَمين.
وعلى هذا الضّلال قامت الوهّابيّة وعمومُ التّكفيريّين.
وما هو القاسمُ المشترَك بين التّكفيريّين وبين أميركا وإسرائيلِها وكلِّ قوى الهَيمنة والاستعمار؟
الجواب الحصريّ، هو: استهدافُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله.
أدركَ الكفرُ أنّه لا يُمكن القضاءُ على الأمّة إلّا بضربِ علاقتِها برسول الله صلّى الله عليه وآله. وجدَ الكفرُ بُغيتَه في الذين ينزّلون رسولَ الله وأهلَ بيتِه عن مرتبتِهم التي رتَّبَهم اللهُ فيها، فكانت الوهّابيّةُ بأطيافِها المكشوفةِ والمُقنَّعة، وكان التّكفيريّون. وكانت «آيات شيطانيّة» والأفلام المُسيئة وكلُّ تعابير الإساءة إلى النّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله.
الحذرَ، الحذر، من ضعفِ العلاقة بالمعصوم، فهو حجّةُ الله على خلقِه. حُسن اتّباعِه ضمانُ سلامةِ التّوحيد. ضمانُ البقاء تحتَ «مظلّة التوحيد». استُشهد العلّامة البُوطي وهو يدعو إلى «مظلّة التّوحيد».