الصلاة الخامسة
صلاةُ فاطمة، علَّمَها جبرئيل عليهما السلام
تَسأَلْ حاجتَك، تُعطَها
«..وأسْأَلُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وأنْ تُفَرِّجَ عَنْ مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وتَجْعَلَ فَرَجي مَقْرُوناً بِفَرَجِهِمْ، وتقدِّمَهم في كلِّ خيرٍ، وتَبْدَأَ بِهِمْ فيهِ، وتَفْتَحَ أبْوابَ السَّماءِ لِدُعائي في هذَا الْيَوْمِ، وتَأْذَنَ في هذَا الْيَوْمِ، وهذِهِ اللَّيْلَةِ بِفَرَجي، وإعْطائي سُؤْلي في الدُّنْيا والآخِرَة..». (من الدّعاء بعد هذه الصّلاة)
أوردَ السّيّدُ ابنُ طاوس في (جمال الأسبوع، ص 174) مُسنداً:
عن الإمام الصّادق عليه السلام: كان لأمّي فاطمة عليها السلام صلاة تصلّيها علَّمها جَبرئيل، ركعتان تقرأُ في الأولى (الحمد) مرّة، و(إنّا أنزلناه في ليلةِ القدر)مائة مرّة، وفي الثّانية (الحمد) مرّة، ومائة مرّة (قل هو الله أحد)، فإذا سلَّمت سبَّحت تسبيحَ الطّاهرة عليها السلام-وهو التّسبيحُ الذي تقدَّم[تسبيح "ذي العزِّ الشّامخ]-وتكشِف عن ركبَتيك وذراعَيك على المُصلّى، وتدعو بهذا الدّعاء، وتسأل حاجتَك تُعطَها إن شاءَ اللهُ تعالى.
الدّعاء: ترفَع يدَيك بعدَ الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وتَقول:أللَّهُمَّ إنّي أتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِهِمْ، وأتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِحَقِّهِمُ الَّذي لا يَعْلَمُ كُنْهَهُ سِواكَ، وبِحَقِّ مَنْ حَقُّهُ عِنْدَكَ عَظيمٌ، وبِأسْمائِكَ الْحُسْنى وكَلِماتِكَ التَّامَّاتِ الَّتي أمَرْتَني أنْ أدْعُوَكَ بِها، وأسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظيمِ الَّذي أمَرْتَ إبْراهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَدْعُوَ بِهِ الطَّيْرَ فَأجابَتْهُ، وبِاسْمِكَ الْعَظيمِ الَّذي قُلْتَ لِلنَّارِ كُوني بَرْداً وسَلاماً عَلَى إبْراهيمَ، فَكانَتْ، وبِأحَبِّ أسْمائِكَ إلَيْكَ، وأشْرَفِها عِنْدَكَ، وأعْظَمِها لَدَيْكَ، وأسْرَعِها إجابَةً، وأنْجَحِها طَلِبَةً، وبِما أنْتَ أهْلُهُ ومُسْتَحِقُّهُ ومُسْتَوْجِبُهُ، وأتَوَسَّلُ إلَيْكَ، وأرْغَبُ إلَيْكَ، وأتَصَدَّقُ مِنْكَ، وأسْتَغْفِرُكَ، وأسْتَمِنْحُكَ، وأتَضَرَّعُ إلَيْكَ، وأخْضَعُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وأخْشَعُ لَكَ، وَأُقِرُّ لَكَ بِسُوءِ صَنيعَتي، وأتَمَلَّقُ وأُلِحُّ عَلَيْكَ، وأسْأَلُكَ بِكُتُبِكَ الَّتي أنْزَلْتَها عَلَى أنْبِيائِكَ ورُسُلِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أجْمَعينَ، مِنَ التَّوْراةِ والْإِنْجيلِ والْقُرْآنِ الْعَظيمِ، مِنْ أوَّلِها إلى آخِرِها، فَإنَّ فيهَا اسْمَكَ الْأَعْظَمَ، وبِما فيها مِنْ أسْمائِكَ الْعُظْمى أتَقَرَّبُ إلَيْكَ، وأسْأَلُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وأنْ تُفَرِّجَ عَنْ مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وتَجْعَلَ فَرَجي مَقْرُوناً بِفَرَجِهِمْ، وَتُقَدِّمَهم في كلِّ خَيرٍ، وتَبْدَأَ بِهِمْ فيهِ، وتَفْتَحَ أبْوابَ السَّماءِ لِدُعائي في هذَا الْيَوْمِ، وتَأْذَنَ في هذَا الْيَوْمِ، وهذِهِ اللَّيْلَةِ بِفَرَجي، وإعْطائي سُؤْلي في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فقَدْ مَسَّنِيَ الْفَقْرُ، ونالَنيَ الضُّرُّ، }وَشَملَتني{الْخَصاصَةُ، وألْجَأَتْنِي الْحاجَةُ، وتَوَسَّمْتُ بِالذِّلَّةِ، وغَلَبَتْنِي الْمَسْكَنَةُ، وحَقَّتْ عَلَيَّ الْكَلِمَةُ، وأحاطَتْ بِيَ الْخَطيئَةُ، وهذَا الْوَقْتُ الَّذي وَعَدْتَ أوْلِياءَكَ فيِه الْإجابَةَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وامْسَحْ ما بي بِيَمينِكَ الشّافِيَةِ، وانْظُرْ إلَيَّ بِعَيْنِكَ الرَّاحِمَةِ، وأدْخِلْني في رَحْمَتِكَ الْواسِعَةِ، وأَقْبِلْ إلَيَّ بِوَجْهِكَ الَّذي إذا أقْبَلْتَ بِهِ عَلَى أسيرٍ فَكَكْتَهُ، وعَلَى ضَالٍّ هَدَيْتَهُ، وعَلَى غائبٍ أدَّيْتَهُ، وعَلَى مُقْتِرٍ أغْنَيْتَهُ، وعَلَى ضَعيفٍ قَوَّيْتَهُ، وعَلَى خائِفٍ آمَنْتَهُ، ولا تُخَلِّني لقاءَ عَدُوِّكَ وعَدُوّي، يا ذَا الْجَلالِ والْإكْرامِ.يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ، وحَيْثُ هُوَ، وقُدْرَتَهُ إلّا هُوَ، يا مَنْ سَدَّ الْهَواءَ بِالسَّماءِ، وكَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْماءِ، واخْتارَ لِنَفْسِهِ أحْسَنَ الْأسْماءِ، يا مَنْ سَمّى نَفْسَهُ بِالْإِسْمِ الَّذي بِهِ يَقْضِي حاجَةَ كُلِّ طالِبٍ يَدْعُوهُ بِهِ. وأسْأَلُكَ بِذلِكَ الإسْمِ، فَلا شَفيعَ أقْوى لي مِنْهُ، وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ محمّدٍ، أَسأَلُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ (وآلِ محمّد) وأنْ تَقْضِيَ لي حَوائِجي، وتُسْمِعَ مُحَمَّداً وعَلِيّاً وفاطِمَةَ، والْحَسَنَ والْحُسَيْنَ، وعَلِيّاً ومُحَمَّداً، وجَعْفَراً ومُوسَى، وعَلِيّاً ومُحَمَّداً وعَلِيّاً، والْحَسَنَ والْحُجَّةَ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْوبَرَكاتُكَ ورَحْمَتُك، صَوْتي، فَيَشْفَعُوا لي إلَيْكَ وتُشَفِّعَهُمْ فِيَّ، ولا تَرُدَّني خائِباً، بِحَقِّ لا إلهَ إلّا أنْتَ، وبِحَقِّ لا إلهَ إلّا أنْتَ، وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ محمّد، وافْعَلْ بي كَذا وكَذا يا كَريمُ!
***
حول صلاة رَكعتَين بالقدر مائة، والتّوحيد مائة
1- أورد المجلسيُّ الأوّل روايةَ «المفضّل بن عمر» المتضمّنة لهذه الصّلاة -دونَ ذِكر الدّعاء بعدها- في سياقِ بيان
ِ الإمام الصّادق عليه السلام لتَمام الألف ركعة من نوافل شهر رمضان. قال المجلسيّ الأوّل في (روضة المتّقين:ج 3، ص 388): «وبسندَين معتبرَين، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال "..":
وتَقرَأ في صلاة ابنةِ محمّدٍ عليهما السلام في أوّل ركعة الحمد و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) مائة مرّة، وفي الرّكعة الثّانية بالحمد، و(قل هو الله أحد) مائة مرّة، فإذا سلَّمتَ في الرّكعتَين سبِّح تسبيحَ فاطمة الزّهراء عليها السلام، وهو: (اللهُ أكبر) أربعاً وثلاثين مرّة، و(سبحان الله) ثلاثاً وثلاثين مرّة، و(الحمد لله) ثلاثاً وثلاثين مرّة، فَوَاللهِ لو كانَ شيءٌ أفضلَ منه، لَعَلَّمَه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إيّاها».
2- ما هو التّسبيحُ الذي يُؤتَى به بعدَ التّسليم من هذه الصّلاة؟
قال السّيّد ابنُ طاوس: «وهو التّسبيحُ المتقدِّم»، وبالرّجوع إلى ما تقدّم نجدُ التّسبيحَ الذي مرّ هنا تحت الرّقم (1)،
كما نجدُ أنّ السّيّد يصرّحُ هناك بأنّه يُمكن أن يُؤتَى بالتّسبيحِ المعروفِ الذي يُؤتَى به بعدَ كلّ صلاة، وقد مرّ في ما أورده المجلسيّ الأوّل ما يُمكن أن يكونَ مستندَ كلامِ السّيّد ابنِ طاوسرحمه الله تعالى.
3- توجَد عدّة صلوات باسم الزّهراء عليها السلام تشتركُ في أنّها رَكعتان، وتشتركُ في ما يقرَأ فيها، حيث يُقرَأ في كلٍّ منها في الرّكعة الأولى (الحمد) مرّة و(القدر) مائة مرّة، وفي الرّكعة الثّانية (الحمد) مرّة و(التّوحيد) مائة مرّة، فهَل هي صلاةٌ واحدةٌ تكرّر ذِكرُها أم أنّها متعدّدة؟ وكيف يُمكننا التّفريقُ بين هذه الصّلوات؟
والجواب:هي صلاةٌ واحدة، تعدّدت الأعمال التي تشكّل هذه الصّلاةُ أساسَها، ولِمركزيّتِها في العمل صحَّ أن يُطلَق عليه «صلاة الزّهراء عليها السلام»، ففي المرّة الأولى -بحسب التّسلسلِ المتقدّم هنا- لم يَرِد بعدَ الصّلاة إلّا تسبيح«سبحانَ ذِي العزِّ الشّامخ..». وفي الثّانية: وردَ بعدَها هذا التّسبيح، ودعاءٌ آخر أوّلُه: «يا مَنْ لَيْسَ غَيْرَهُ رَبٌّ يُدْعَى..». وفي المرّة الثّالثة: وردَ بعدها الدّعاء الطّويل الذي تَرِد فيه أسماءُ المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام.
4- يؤكّد ما تقدّم -من أنّها صلاةٌ واحدةٌ تعدّدت الأعمالُ التي تتألّفُ منها ومن دعاءٍ أو دعاءَين- أنّها وردَت مستقلّةً يُستَحبُّ الإتيانُ بها دون أيّ إضافة. من ذلك ما في كتاب (الاقتصاد، للشّيخ الطّوسيّ، ص 273)، حيث ذَكرَها في مستحبّات الجُمعات وصلوات شهرِ رمضان، في غيرِ بابِ الحديثِ عن الألف ركعة التي يأتي الحديثُ عنها، وكذلك أوردَها كمُستَحبٍّ مستقلّ «القطبُ الرّاونديّ» في (الدّعوات، ص 88) حيث قال: «صلاةُ فاطمة الزّهراء عليها السلام:رَكعتان يقرأُ في الرّكعة الأولى (الحمد) مرّة و(إنّا أنزلناه) مائة مرّة، وفي الرّكعة الثّانية (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) مائة مرّة».
5- كما يؤكّد ما تقدّم أنّ الفقهاء يَذكرونها عادةً في عدادِ الألف ركعة من نوافلِ شهرِ رمضان، ولا يُضيفون إليها أيّ دعاء، بل يقتصرون على الصّلاة، ويصرِّحون باسمِها: «صلاة الزّهراء عليها السلام»، وهذه بعض النّماذج من كلماتِهم رضوان الله تعالى عليهم:
أ) أوردَ السّيّد المرتضى (علم الهدى) هذه الصّلاةَ في كتابِه (جمل العلم والعمل) في بيان الألف ركعة من نوافل شهر رمضان، فقال: «وتصلّي صلاةَ سيّدة النّساء فاطمة عليها السلام، وهي رَكعتان: تقرَأ في الأولى (الحمد) مرّة و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) مائة مرّة، وفي الثّانية (الحمد) مرّة وسورة الإخلاص مائة مرّة..»، وأوردَ هذه الصّلاة أيضاً ابنُ إدريس في (السّرائر) حيث عدّ تسعمائة وعشرين ركعة من الألْف، ثمّ قال: «فهذه تسعمائة وعشرون ركعة، ويصلّي في كلِّ يومِ جمعة من شهر رمضان أربع ركعات، لأمير المؤمنين، وركعتَين صلاة فاطمة عليهما السلام، وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب رحمة الله عليه، ويصلّي في آخر جمعة من الشّهر، عشرين رَكعة؛ صلاةَ أمير المؤمنين، وفي عشيّة تلك الجمعة، عشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السلام، فهذه تمامُ الألِف».ويستفيضُ ذِكرُ هذه الصّلاة باسمِها عليها السلام في مختلف المجاميع الفقهيّة في سياق بيانِ أحدِ الرَّأيَين في «الألْف ركعة» من نوافل شهر رمضان.قال العلّامة الحلّيّ في (تحرير الأحكام: ج 1، ص 295):«[البحث]الثّاني: صلاةُ فاطمة عليها السلام مستحبّة، وهي أربعُ رَكعات بتسليمتَين، يقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) خمسين مرّة.[البحث] الثّالث: صلاةُ عليٍّ عليه السلام مستحبَّة، وهي رَكعتان، يقرأ في الأُولى منهما (الحمد) مرّة، و(القدر) مائة مرّة، وفي الثّانية (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) مائة مرّة. وقِيل: إنّ الأُولى صلاةُ عليٍّعليه السلام، وهذه صلاةُ فاطمة عليها السلام».وجاء في هامش (تحرير الأحكام): «القائل هو الشّيخ الطّوسيّ قدّس سرّه في (النّهاية: ص 140 - 141)».
* وقد صرّحَ الشّهيد الثّاني بأنّ كِلتا التّسميتَين مرويّتان، أي وردَ في الرّوايات تَسميتا صلاةِ عليٍّ وصلاة فاطمة عليهما السلام، لصلاةِ ركعتَين بـ (الحمد) مرّة و(القدر) مائة مرّة، وبـ (الحمد) مرّة و(التّوحيد) خمسين مرّة. قال رحمه الله في (الفوائد الملّيّة لشرحِ الرّسائل النّفلية، ص 324):«وكِلاهما مرويّ». و لذلك قال في (حاشية شرائع الإسلام، ص118): «ويجوزُ نسبةُ كلٍّ من الصّلاتَين إلى كلٍّ منهما عليهما السلام نيّةً وحُكماً».
ب) وقال العلّامة في (تذكِرة الفقهاء: ج 2، ص 290)، في النّوافل المؤقّتة ليومِ الجمعة: «وصلاةُ فاطمة عليها السلام رَكعتان، يقرأ في الأولى (الحمد) مرّة، و(القدر) مائة مرّة، وفي الثّانية (الحمد)، و(الإخلاص) مائة مرّة، ثمّ يدعو بالمنقول».