كلمة سواء

كلمة سواء

11/04/2013

الأخلاق في الإسلام

الأخلاق في الإسلام

ـــــ د. علي محمّد جريشة * ـــــ

العقيدة أشرفُ جوانب الشّريعة المحمّديّة صلّى الله عليه وآله، ولذا فهي تُخاطبُ الفطرةَ، أشرفَ ما جُبِلَ عليه الإنسان. وبقيامِ العقيدةِ في قلوب النّاس وعقولِهم غيرِ المتنكّرة للفطرةِ الرّبانيّة، يقومُ في نفوسِهم أساسُ هذه الشَّريعة المقدّسة متيناً قوياً.

ومعلومٌ أنَّ عقيدة الإسلام تتمثّل في الكلمة الطّيّبة: لا إلهَ إلَّا الله.وهي –أوّلاً- تَتضمَّن نفياً يَقتضي إسقاطَ كلّ صفاتِ الألوهيّة والرُّبوبيّة عن سوى الله سبحانه وتعالى، وتتضمّنُ –تالياً- إثباتاً يقتضي الإقرارَ بكلّ صفات الرّبوبية الألوهيّة للهِ تعالى وحدَه.

وإلى جانب العقيدة، وبالتّأسيس عليها، فقد أَوْلى الإسلامُ «الأخلاقَ»أهميّةً استثنائيّةً، كيف لا والرَّسول صلّى الله عليه وآله جَعَلَها الغايةَ من بعثتِه الشّريفة: «إنَّما بُعِثْتُ لِأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق»؛ وقد كان خُلُقُه صلّى الله عليه وآله القرآنَ، وكان بهذا الخُلُق أشرفَ مَنْ خُلِق: ﴿وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4
.

هذا، وقد أُمِرْنا أنْ نَقْتَدِيَ بالرَّسولِ الأكرم صلّى الله عليه وآله في خُلُقِه العظيم: ﴿لقد كانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أسوةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثيراً﴾ الأحزاب:21.
ولَئنِ اختَلَفَت مذاهبُ الأُمم في الأخلاقِ وتباينات فيها اهتماماتُهم، فإنَّ السِّمَةَ الواضحة في هذه المذاهب وتلك الاهتمامات أنَّها لا تُرتّبُ الأخلاقَ في المَنْزِلة الّتي رتّبَها فيها الإسلامُ، بحيثُ قَرَنَها مع العقيدة، وعدَّ الأخلاق الفاضلةَ نتيجةً حتميّةً لاستحكام التّوحيد -الأصلِ الأوّل من أصول العقيدة- في النَّفْس، بحيث يصيرُ انعدامُ الأخلاق الفاضلة مؤشّراً أكيداً على خَلَلٍ يشوب صحّة الاعتقاد.

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «واللهِ لا يؤمن»، قالَها ثلاثاً، قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قال صلّى الله عليه وآله: «مَنْ لا يَأمَن جارُه بَوائِقَه».وعنه صلّى الله عليه وآله
:«لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن».

وفي هذَين الحديثَين دلالةٌ واضحةٌ على أنّ مَن يجورُ على جارِه، أو مَن يأتي الفاحشة، فهو يستقيلُ من إيمانه، وإنْ كانت استقالةً ظرفيّةً مؤقّتة، كما في بعض شروح الحديث الثّاني، ثمّ إنّه يُخشى عليه من أن تتحوّل الاستقالةُ الآنيّة إلى استقالةٍ دائمة، أي إلى الكُفر، نتيجةَ الإصرارِ على الخُلُق الذّميم.

من جهةٍ ثانية، لن تبلغَ الأخلاقُ الطّيّبةُ غاياتِها القصوى، ولن يتمّ لها الكمالُ إلّا وفقَ تعاليم الإسلام، وعلى هَدي سُنّة الرّسول الأكرم، وهذا صريحُ قوله –المتقدّم- صلّى الله عليه وآله: «إنَّما بُعِثْتُ..»،
فلقد بثَّ الأنبياء المتقدّمون الأخلاقَ الفاضلةَ في أُمَمِهم، ومنهم إلى البشريّة جمعاء، ثمّ كانت النّبوّة الخاتَمة، وبها استُكملت الفضائل.
 
ومن هذه وتلك، يتّضحُّ أنّ كلمة التّوحيد: «لا إلهَ إلّا الله» هي مِلاكُ الأخلاق ورَحاها. مَن بدأَ بالأولى انتهى إلى الثّانية وإلى مكارمِها، ومَن أخذ بالثّانية أخذاً صادقاً، منزّهاً عن المصلحة والمنفعة الماديّة، انتهى إلى الأولى، أي إلى التّوحيد. ولن يحتاجَ في ذلك إلّا إلى التّنبيه والتّذكير، ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ الغاشية:21، أي ذكِّرهم -يا رسول الله- بالحقائق وبالأخلاق الفاضلة التي فُطروا عليها بالفطرةِ المتماهيةِ مع العقول والألبابِ السّليمة، فلا ريبَ أنّ هؤلاء الصّادقين فيتبنّيهم للأخلاق الحَسنة سيتجاوبون مع دعوتك إلى توحيد الله تعالى: ﴿..إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الرعد:19.وأمّا ما يُصطَلح عليه عند أُمم الغرب المعاصر بـ «الأخلاق»، ويعظّم شأنُه تعريضاً بالمسلمين، فلا يعدو كونه تكلُّفاً و«شكليّاتٍ» استَدعتها ضروراتُ الدّورةِ الاقتصاديّة، وموجباتُ مضاعفةِ رأس المال، إذ لا يُمكن تحقيقُ المنفعة الماديّة المرجوّة، إلّا في مناخٍ من الاستقرار الاجتماعيّ، ولذا وجب تقييدُ سلوكيّات الأفراد بضوابط صارمة، فالدّافعُ للالتزام بالأخلاق هَهنا تحصيلُ منفعةٍ مادّية، أو دفعُ مفسدة دنيويّة، بخلاف الإسلام الذي يدعو إلى تمجيد الأخلاق بذاتِها ولذاتها، وإن لم تُفضِ إلى منفعةٍ مادّيّة، بل ولو جرّت إلى مفسدةٍ دنيويّة في المال أو المنزلةِ الاعتباريّة، ونحوهما، لأنّ المعيارَ في الإسلام هو رضى الله تعالى، وسَخَطُه، لا غير.

___________________________________

* مقتبس من كتابه (أساليب الغزو الفكريّ)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ يومين

إصدارات عربية

نفحات