أيها العزيز

أيها العزيز

11/04/2013

قرّةُ أعيُن

 

قرّةُ أعيُن
عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأنْصارِيِّ، قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله يقولُ: مَا اتَّخَذَ اللهُ إبْراهيمَ خَليلاً إِلَّا لإطْعامِ الطَّعامِ، وَالصَّلاةِ بِاللَّيْلِ وَالنّاسُ نِيامٌ». ولو لم تكُن لِصلاة اللَّيل سوى تلك الفضيلة لِأهلها لَكَفَتْها، ولكنَّهم ليسوا بأمثالي. إنَّنا لا نعلمُ شيئاً عن عَظَمة رداء الخِلَّة، وما يعنيه مقامُ اتِّخاذِ الله تعالى العبدَ حبيباً وخَليلاً. فكلُّ العقول تَعجزُ عن تصوُّرِ ذلك. فلو أنَّهم أَكرموا الخليلَ بكلِّ ما في الجنَّة من نِعَم، فإنَّه لا يلتفتُ إليها (ما دامَ مع خليله). وأنت أيضاً إذا كان لك محبوبٌ عزيزٌ، أو كان لك صديقٌ حميمٌ ودخلَ عليك، فإنَّك تتركُ كلَّ نعمةٍ ورفاه، وتستغني عن ذلك بجمالِ المحبوب ولقاءِ الصَّديق، بالرّغم من أنَّ هذا المثل بعيدٌ عن المقام بُعْدَ ما بين المَشرقَين.وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إبْرَاهيمَ، بِإسْنادِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قالَ: «ما مِنْ عَمَلٍ حَسَنٍ يَعْمَلُه العَبْدُ إلَّا وَلَهُ ثَوابٌ فِي القُرْآنِ إلَّا صَلاة اللَّيْلِ، فَإنَّ الله لَمْ يَُبَيِّنْ ثَوابَها لِعَظِيم خَطَرِهَا عِنْدَهُ، فـَقال: ﴿تَتَجافى جُنوبُهُم عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون فـَلا تـَعْلـَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلونَالسجدة:16-17».تُرى ما قُرَّةُ العينِ هذه التي يدَّخرُها اللهُ تعالى ويُخفيها حتَّى لا يعلم أحدٌ عنها شيئاً، وما يمكنُ أن تكون؟ فلو كانت من قبيل «أنهار جارية» و«قصور عالية» ومن نِعَمِ الجنّة المختلفة، لَذَكَرَها اللهُ، مثلما بَيَّنَ ما للأعمال الأخرى، وأَطْلَعَ الملائكةَ عليها. ولكن يبدو أنَّها ليست من ذلك السِّنخ، وأنَّها أعظمُ من أن يُنَوِّه بها لأحد، وخصوصاً لأحدٍ من أهل هذه الدُّنيا. لا تُقارِن نِعَمَ ذلك العالَم بالنِّعَم الّتي هنا، ولا تَظُنَّنَّ أنَّ الفردَوْسَ والجِنان تُشبهُ بساتين الدُّنيا، أو ربَّما أَوْسع وأَبْهى. هناك دارُ كرامةِ اللهِ ودارُ ضيافتِه. فكلُّ هذه الدُّنيا لا شيء إزاء شعرةٍ واحدةٍ من الحُورِ العِين في الجنَّة. بل ليست شيئاً إزاء خَيطٍ من خيوطِ الحلَل الفردوسيّة الّتي أُعدَّت لِأهل الجنَّة. ومع كلِّ هذا الوَصف، لم يَجعلْها اللهُ ثوابَ مَن يؤدِّي صلاةَ اللّيل، وإنَّما ذَكَرَها من باب التَّعظيم له. ولكن هَيهات! نحن الضُّعفاء في الإيمان لسنا من أصحابِ اليقين، وإلَّا لَمَا كُنَّا نستمرُّ في غفلتِنا، ونُعانِقُ النَّومَ حتّى الصّباح. لو أنَّ يقظةَ اللَّيل تَكشفُ للإنسان حقيقةَ الصَّلاةِ وسرَّها، لَأَنِسَ بذِكْرِ الله والتَّفكُّرِ في الله، ولَجَعَلَ اللَّيالي مطيّتَه للعُروجِ إلى قُربِه تعالى، ولَمَا كان ثمّة ثوابٌ له إلَّا جمالُ الحقِّ الجميلِ وحدَه. الويلُ لنا نحن الغافلين الَّذين لا نستيقظُ من النَّوم حتّى آخر العمر. نبقى في سُكْرِ الطَّبيعة غارقين، بل نزدادُ كلَّ يومٍ سُكْراً وغفلةً، ولا نفهمُ شيئاً سوى الحالة الحيوانيّة من مأكلٍ ومشربٍ ومنكحٍ، ومهما فعلنا، وإنْ كان من سِنْخِ العبادات، فإنَّما نفعلُه في سبيل البَطن والفرج. أَتَحسبُ أنَّ صلاةَ خليلِ الرَّحمن كانت مثلَ صلاتنا؟ الخليلُ لم يَطلب حاجةً حتَّى من جَبرئيل، ونحن نطلبُ حاجاتنا من الشَّيطان نفسِه، ظنّاً منَّا بأنَّه يقضي الحاجات! ولكن علينا أن لا نيأس. فلعلّك بعد مدّةٍ من سهر اللّيالي والاستئناس بذلك والاعتياد عليه، يُلبِسُك اللهُ بلطفِه الخفيّ خلعةَ الرّحمة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 3 أيام

إصدارات عربية

نفحات